قبل أكثر من ستة أشهر وتحديدا في 12 يونيو من العام الماضي أفرزت
الانتخابات الرئاسية الايرانية صورة غير معهودة لمجتمع سياسي محتقن
اثبتت التداعيات البعدية ان الخلافات بين النخبة السياسية الايرانية لا
يمكن لها ان تجد حلا بالاساليب الديمقراطية او بالعودة الى القضاء، فقد
تمترس الفريقان المتنازعان خلف عبارات ومفردات رنانة تصل بهم الى
الانقلاب على النظام الذي اسسه الخميني الراحل، وكل يدعي وصلا بليلى!!
لم تصل جمهورية ايران الاسلامية الى ما وصلت اليه من خلافات واختلافات
في ليلة وضحاها وانما تعود هذه الخلافات الى بدء تأسيس النظام
والانتقال من دولة الحرب في حقبة خامنئي الى دولة البناء بعد انتهاء
الحرب في حقبة رفسنجاني ومن ثم مهادنة الغرب في دولة خاتمي تحت شعار
حوار الحضارات، حتى جاءت دولة احمدي نجاد الاولى لتعيد اللعب الثوري
الايراني الى المربع الاول، حيث يقف الشيطان الاكبر وتصدير الثورة ومحو
اسرائيل من الخريطة والشعارات التي ما قتلت ذبابة على قول الشاعر نزار
قباني!
الاختلافات السياسية الايرانية التي ظهرت للوجود من خلال وسائل الاعلام
المتعددة والمتنوعة تستند في حقيقتها على وقائع اقتصادية واجتماعية
تعاني منها الدولة كما يعاني منها الشعب وما هذه الصرخات والاستغاثات
والحرائق الا تنفيس عن احتقان شعبي مضطرد وريبة وتخوين وشك عند جميع
المساهمين في إدارة لعبة السياسة في بلد ولاية الفقيه.
من الناحية الاقتصادية نرى ان مؤشرات التضخم في ايران حينما استلم
الرئيس الاسبق محمد خاتمي الدولة قبل اكثر من 13 سنة كانت قد وصلت الى
17 % وسلم خاتمي الدولة الى خلفه احمدي نجاد ونسبة التضخم قد انخفضت
الى 10 %، ولكن خلال اربع سنوات من حكم احمدي نجاد ارتفعت نسبة التضخم
الى اكثر من 25 %، هذه الإحصائيات منقولة عن الموقع الرسمي للبنك
المركزي الايراني، اما البطالة فقد انخفضت بنسبة لا بأس بها في دولة
احمدي نجاد اذ بدل احمدي نجاد تعريف الشخص العامل من التعريف السابق
الذي كان على عهد سلفه خاتمي الى تعريف آخر، فقد كانت دولة خاتمي تعتبر
الشخص عاملا اذا اشتغل لمدة اسبوع، وقد تغير الى تعريف جديد يقول ان
الشخص العامل هو من يشتغل ليوم واحد فقط، وبهذا التغيير ارتفعت نسبة
المشتغلين باليوم الواحد وانخفض مستوى البطالة بطريقة وهمية، ولمزيد من
الاطلاع على هذه الإحصائيات وطريقة التلاعب بها يمكن زيارة الموقع
الرسمي لوزارة العمل الإيرانية.
الملاحظ في المجال الاقتصادي ان مداخيل مبيعات البترول الايراني وقبل
ارتفاع اسعار النفط كانت على ايام الرئيس هاشمي رفسنجاني 127 مليار
دولار سنويا وقد ارتفعت خلال سنوات حكم الرئيس خاتمي الى 172 مليار
دولار سنويا، وقد صادفت حكومة احمدي نجاد القفزة السعرية العالمية
للبترول لتصل مداخيل مبيعات البترول الايراني خلال اربع سنوات من حكم
احمدي نجاد الى 280 مليار دولار، اي ان احمدي نجاد تحصل خلال اربعة
اعوام ضعف ما حصل عليه الرئيسان رفسنجاني وخاتمي خلال 16 عاما من
حكمهما، جميع الارقام منقولة عن موقع وزارة النفط الايرانية.
كذلك شهدت ايران بخاصة مدينة طهران قفزة في اسعار العقار حيث كان
متوسط اسعار البيوت العادية في طهران يقدر بين 480 الف تومان الى 650
الف تومان في فترة حكم خاتمي وخلال اربع سنوات من حكم احمدي ارتفع
متوسط اسعار البيوت في طهران الى مليونين ومئة الف تومان اي انها سجلت
ارتفاعا بنسبة 220 %، كما هو مدون على الموقع الرسمي لوزارة الاسكان
الايرانية، كذلك ارتفعت اسعار المواد الغذائية بعد تقنين البنزين الى
مستويات لم تبغلها من قبل مما اضطر احمدي نجاد لتغيير ثلاث وزراء
اقتصاد في غضون اشهر معدودات، ونشر مركز ابحاث مجلس الشورى الايراني
تقريرا يقارن فيه بين اسعار الانترنت في ايران عن مثيلاتها في تركيا
واليابان وخلص التقرير الى ان اسعار الانترنت في ايران اغلى بـ 11 مرة
عن تركيا و بـ 894 مرة عنها في اليابان وان التقرير يخشى ان يصبح
الانترنت في ايران بايدي النخبة فقط نظرا لأسعاره غير المعقولة.
اما من حيث الوضع الاجتماعي الايراني فقد ارتفعت جرائم القتل بنسبة
كبيرة في انحاء البلاد وقد نشرت وزارة العدل الايرانية تقريرا خطيرا
يقول إن عدد المطلقات في انحاء ايران بلغ ستة ملايين مطلقة مما ينذر
بطرق جرس الانذار للوضع الاجتماعي المتردي خلال عشر سنوات، كذلك فقد
صرح محمد مسعود زاهديان مدير عام لجنة مكافحة المخدرات في ايران ان عمر
الفتيات المدمنات في ايران بلغ 25 سنة وعمر الرجال يبلغ 22 سنة وقد يصل
إلى اقل من 20 سنة في بعض المناطق مؤكدا ان حالات الادمان المنتشرة في
البلاد تنذر بعواقب اجتماعية وخيمة لو لم تجد لها الدولة حلا مناسبا.
يذكر ان الوزارات الايرانية تعاني من الفساد الإداري حتى وصل إلى
التعليم العالي والابتدائي، فقد نقل موقع تابناك ان اعطاء الاموال في
المدارس الايرانية وصل حتى إلى تسلم الشهادات المدرسية.
اما اخطر الآفات الاجتماعية التي اكتشفها الدكتور محمود كلزاري ونشر
بحثه الذي اخذ من عمره عشر سنوات في مجلة سبيده دانائي في عددها المرقم
66977938 الذي يؤكد فيه على ان 80 % من طالبات المدارس الثانوية
الايرانية لديهن صديق من الشباب الاولاد وان نسبة كبيرة منهن قد خضن
تجارب جنسية من دون معرفة الآباء والامهات او المدرسين.
كل هذه التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي غلفت المجتمع الايراني
المحافظ في ظل حكومة جمهورية ايران الاسلامية وتفاوت الاتجاهات الفكرية
والعقدية بين المتصارعين السياسيين، بالاضافة إلى الضغوطات التي
تمارسها السلطة على الجامعات والصحف والمثقفين، ادت بالنتيجة الطبيعة
إلى صورة نمطية لبلد ينتظر مولد ثورة تغيير، بخاصة ان الانتخابات جعلت
الارضية مناسبة لمثل هذه الثورة الشعبية، الا ان الشخصيات التي عارضت
حديثا بسبب خسارتها في الانتخابات التي تزعم انها مزورة او شخصيات
المعارضة التي تعيش في الخارج لا تملك تلك الكاريزما القيادية التي كان
يمتلكها الامام الخميني حينما اعلن ثورته على الشاه في ظروف اقتصادية
واجتماعية لا ترقى الى ما وصلته ايران الآن، ويبدو اننا بانتظار رجل
آخر..
|