تعيش اوروبا حالة من 'الصحوة' تسود اوساط حكوماتها تجاه ما يجري حالياً
في 'العراق الجديد' من ممارسات وتجاوزات يندى لها الجبين، خاصة تلك
المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان، او الانحراف الفاضح في تطبيق
الديمقراطية.
فيوم امس دعت كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا السلطات العراقية الى
الغاء عقوبة الاعدام، معربة عن قلقها من تزايد عدد الاعدامات خلال
العامين الاخيرين بشكل مقلق، حيث تم اعدام 79 شخصاً في العام الماضي
فقط، وصدرت احكام باعدام ما يقرب من الالف شخص في السنوات الخمس
الماضية.
السيدة وجدان سليم وزيرة حقوق الانسان في العراق التي واجهت مثل هذه
المطالب اثناء انعقاد جلسات مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في
جنيف دافعت بشراسة عن هذه الاعدامات، وقالت انه لا يمكن الغاء عقوبة
الاعدام، لان هناك حاجة ماسة اليها في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر
بها البلاد، باعتبار تطبيق هذه العقوبة بمثابة عملية ردع للمجرمين
والارهابيين على حد قولها.
حالة 'الصحوة' الاوروبية هذه تجاه عقوبة الاعدام في العراق تبدو
'مزيفة' و'غير جدية'، علاوة على كونها جاءت متأخرة جداً، وبعد ان اسيء
استخدام هذه العقوبة بشكل واضح لتصفية بعض الاحقاد والثارات من قبل
السلطات العراقية الحاكمة.
فالاوروبيون، وبريطانيا على وجه التحديد، لم يعارضوا تطبيق هذه العقوبة
بشكل جدي عندما جرى تطبيقها على الرئيس العراقي الراحل وبعض المقربين
منه بعد ادانتهم امام محاكم تفتقر الى الامانة والمصداقية والحد الادنى
من الاجراءات القضائية والقانونية الدولية.
حتى تطبيق احكام الاعدام كان ينطوي على الثأرية واللاانسانية، حيث
شاهدنا ذلك بوضوح اثناء اعدام الرئيس العراقي الراحل يوم عيد الاضحى
المبارك في انتهاك واضح للدستور والقانون الذي يحرم تنفيذ هذه العقوبة
في مناسبة دينية كهذه، او من خلال استخدام مشنقة بمواصفات متخلفة وغير
قانونية، ادى استخدامها الى فصل رأس المرحوم برزان التكريتي شقيق
الرئيس عن جسمه.
الاوروبيون وبعد ان تيقنوا من تنفيذ هذه العقوبة في الاشخاص المطلوب
اعدامهم من رجالات النظام السابق، بدأوا الآن يطالبون بالغاء هذه
العقوبة باعتبارها غير انسانية، وجرى استخدامها بشكل مفرط.
انه نفاق في اسوأ اشكاله، لا يمكن ان ينطوي على اي رحمة او شفقة تجاه
العراقيين ومن قبل حكومات شاركت بفاعلية، وحماس منقطع النظير لغزو
العراق وتغيير نظامه، الامر الذي ادى الى مقتل اكثر من مليون عراقي
وتمزيق الوحدة الوطنية والتلاحم الاجتماعي بين مكوناته العرقية
والدينية.
العراق جرى اعدامه رسميا منذ ان توجهت القوات الغربية لاحتلال اراضيه
تحت ذرائع غير اخلاقية وغير قانونية، واي تباك حاليا على اعدام بضع
عشرات من ابنائه بعد اصدار احكام بادانتهم من قبل قضاء فاسد وطائفي هو
مثل دموع التماسيح لن تقنع احدا.
اكبر انتهاك لحقوق الانسان في العراق هو الغزو الامريكي وما افرزه من
عملية سياسية طائفية، وتشريع لسياسات القتل والتعذيب، مثلما شاهدنا ذلك
بالصور والوثائق في سجن ابو غريب.
|