فتحت تفجيرات بغداد الأخيرة وليس النهائية حسب تفسيراتنا للأحداث هناك
في العراق المحرر فتحت النار على مصراعيها على حكومة نوري المالكي التي
شارفت على انتهاء الصلاحية؛ بعد أن خلفت تلك التفجيرات مايقارب المئات
بين قتيل وجريح حتى طالت أخراها أحدى الدوائر الأمنية وسط بغداد والتي
من المفترض أن تكون محمية ومؤمنة كونها تمثل الحكومة.
أن ما حدث طبعا جريمة بكل المقاييس تتحمل الحكومة ومن يمثلها مسؤوليتها
المباشرة وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزير داخليته ووزير الدفاع كونهم من
يمسكون حسب الخطة الأمنية المزعومة بأمن بغداد؛ناهيك عن بقية الأجهزة
الأمنية ومنهم قيادة قوات بغداد غير القانونية وغير المشكلة
دستوريا؛لقد قيل الكثير من الآراء حول تكرار مشهد القتل الجماعي الذي
يتعرض له الشعب العراقي وبشكل بات أن يكون يومي لكنها لم تأخذ على محمل
الجد مما يعطي الفرضية القائلة أن الحكومة طرفا في تلك الأحداث أو أن
أطرافا من الحكومة تقف وراء ذلك الإجرام المتكرر فرصة من التصديق إن لم
نقل ثبات الفرضية ؛ذلك أن تكرار المشهد وبمسأوية أكبر من سابقتها يعد
تحدي كبير للقوات الأمنية التي كرر رئيس الوزراء ولمرات عدة جاهزيتها
واستعدادها لحماية العراق الجديد ومواطنيه حتى بات المواطن البسيط في
الشارع لايثق بل يمقت من يشارك بتلك العملية السياسية العرجاء التي
تدار رحاها على أرض العراق الجريح والتي لم تأتي له بجديد.
أما الفرضية الثانية التي تحاول تفسير مايحدث من اختراقات أمنية على
الساحة العراقية هي التي تقول أن عملية التناحر أو التنافس أو التنازع
الانتخابي بين الكتل السياسية الحاكمة سيما وأن الانتخابات النيابية
على الأبواب وهي ما تؤدي إلى تلك الأعمال الإرهابية التي تطول الشارع
العراقي وترفع أرقام القتل والتدمير إلى مستويات لاحدود لها في العالم
سوى تلك التي تخلفها الزلازل والهزات الأرضية؛وهذه إن صدقت فمعناها أن
من يحكم العراق اليوم عبارة عن جماعات إرهابية دولية يجب أن تجتث من
الحياة وليس من الحكم ؛مما يترتب على ذلك مسؤولية كبرى على الولايات
المتحدة وقواتها المتواجدة في العراق وهي مسؤولية دعم وإسناد الإرهاب
الدولي وإرهاب الدولة الذي تمارسه تلك الأحزاب والكتل الحاكمة هناك في
بغداد عن طريق مساندتهم وتسليمهم زمام الأمور في البلد وحمايتهم وتوفير
الأرضية لهم لقتل وتدمير العراق وأهله ؛وأنا من مؤيدي هذه الفرضية كون
الواقع على الأرض يصور تلك الحالة فالولايات المتحدة هي من أدخلتهم إلى
العراق وهي من هيأت لهم الأرضية وهي التي دمرت وفككت المؤسسات الأمنية
العراقية وقوضت الدولة العراقية برمتها؛وهي أيضا من أسست لنظام الحكم
الحالي المتمثل بالطائفية والمحاصصة وغرست وتبنت بذور الحرب الطائفية
التي اشتعلت نيرانها عام 2006 بمحاولة منها لتحجيم الأضرار التي تلحقها
فصائل المقاومة التي تحمل السلاح ضد التواجد الأمريكي؛كما أنها أي
الولايات المتحدة نفسها من سمحت بل فتحت الأبواب مشرعة للتدخل الإيراني
والتحكم بمصائر العراقيين وتغييب الوطنيين منهم بالقتل والتهجير وهو
ماجرى على مرأى ومسمع من القوات الأمريكية الغازية المحتلة؛لذلك فأن
فرضية تبني الولايات المتحدة للإرهاب الدولي في العراق على الأقل أكثر
صدقيه من غيرها؛وأعود لأقول بأنها تتحمل كامل المسؤولية عما جرى ويجري
على الأرض العراقية.
وهنا لابد لنا أن نعرج على أن إيران وأجنحتها وأذرعها العاملة في
العراق غير خفية لا على الولايات المتحدة ولا على الشارع العراقي خصوصا
ولا العربي اليوم وما مدى التأثير الذي تلعبه على صياغة القرار العراقي
والتدخل السافر فيه لمصلحة إيران طبعا دونا عن المصلحة العراقية
المغيبة؛وهو مايؤكده الأمريكان كذلك من خلال العديد من التصريحات التي
يطلقها جنرالاتهم حول كميات الأسلحة الإيرانية التي تزود بها إيران
مليشياتها العاملة في العراق كورقة ضغط على الولايات المتحدة وقواتها
المتواجدة في العراق؛وهذا الترابط فيما بين الاثنين أي الولايات
المتحدة وإيران هو الذي يخرج بحصيلة القتل اليومي في البلاد والذي
أستمر على مدى الأعوام الستة المنصرمة؛وما مشهد تسليم أحد قادة
المليشيات الإيرانية والإفراج عنه وفق صفقة تسليم البريطاني التي سمعنا
عنها مؤخرا والتي كانت تدار المفاوضات بشأنها من قبل رئيس الحكومة ومن
يمثله مع الجانبين إلا دليلا على التعاون الوثيق فيما بين الإيرانيين
والأمريكان والضحية دائما هو الشعب العراقي.
والحقيقة أن أخطر ما في تلك الحوادث الدامية التي صبغت أيام العراقيين
بالدم هي غياب القرار الوطني العراقي والتبعية التي تعمل بها الحكومة
لصالح أطراف عديدة ليس أقلها إيران ناهيك عن الفساد المستشري في كل
مفاصل الحياة في العراق وليس فقط الأجهزة الحكومية؛ومنها بل وعلى رأسها
الأجهزة الأمنية متمثلة بجهاز مكافحة المتفجرات الذي كشفت فضيحة
استيراده لأجهزة الكترونية لاتعمل لكشف المتفجرات مما ضاعف من الأزمة
التي تعيشها بغداد وسط تلك التفجيرات الدامية وتزايد أرقام الضحايا
بسبب ذلك الفساد.
أن تلك الحوادث الإرهابية المدانة كشفت كل الفراغ السياسي والأمني الذي
تعيشه بغداد على مدى السنين الأربعة المنصرمة من حكم المالكي مما يضاعف
من فرص الرجل بالهزيمة المنكرة التي بات الشارع العراقي يتمناها له
ولأركان حكومته بعد أن دوت فضائحه مكل أجزاء العراق وأتت على
أركانه؛لكن المهم أن لاتترك تلك الزمر ومصيرها بعد أن سالت دماء
الملايين من العراقيين بسبب فسادهم وعدم أدراتهم البلاد بصورة تتوافق
وحفظ أرواح المواطنين ؛ولابد أن يحاكموا على ما اقترفوا ولابد أن يحق
الحق في خاتمة الأمور.
|