ما أن غادر منوشهر متكي, وزير خارجية جارة السوء إيران, أرض بغداد
المحتلّة حتى أصدرت ما تُسمى بهيئة "المساءلة والعدالة" المختصّة
باجتثاث العراقيين, أمرا تمّ بموجبه شطب خمسة عشر كيانا سياسيا
وحرمانهم من خوض الانتخابات البرلمانية القادمة بحجّة إنتمائهم الى حزب
البعث "المنحل" أو الترويج له. رغم إن جميع هذه الكيانات والشخصيات
المشمولة بقرار المنع شكّلت وما زالت تشكّل جزءا أساسيا من"العملية
السياسية" التي خرجت من رحم الاحتلال الأمريكي - الايراني للعراق,
وساهمت بكتابة الدستور المشؤوم وشرّعت بوجودها في الحضيرة الخضراء وتحت
قبة البرلمان ليس فقط الاحتلال الأمريكي وجرائمه ومجازره بحق
العراقيين, وإنما كل ما نتج عنه لاحقا.
لكن هيئة"المساءلة والعدالة"التي يقودها عُتاة الحاقدين على العراق
وشعبه من وكلاء وعملاء إيران, أرادت على ما يبدو أن تؤكد بشكل قاطع ما
كان يعرفه الجميع عنها, أي كونها هيئة للمساءلة والمحاسبة والاقصاء
والاجتثاث فقط, ولا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب لا بالعدالة ولا
بالقوانين. وتحرّكها بشكل مباشر الأصابع الغير خفيّة لأكثر من جهة في
الداخل والخارج, خصوصا من طرف نظام الملالي في طهران الذي حلف قادته
براس الامام العباس أبو فاضل "ع" أن لا يتركوا العراقيين يعيشون يوما
واحدا في هدوء وأمان وإستقرار.
فهؤلاء, أي قادة جمهورية آيات الله في إيران, بدأوا يدركون حجم وفداحة
المأزق السياسي وإلاجتماعي وألأمني والأخلاقي الذي تعيشه أحزابهم
الطافية التي تهيمن على الساحة العراقية, والتي أخذ نجمها الكالح
بالافول تدريجيا وباتت حظوظها في الانتخابات القادمة تتضاءل بشكل ملحوظ
بعد أن لفظها الشعب العراقي وإكتشف بفطرته وبوعيه الثاقب ألاعيبها
وحيلها وما جرى على أيدي قادتها, معمّمين أو أفندية أو بين بين, من
تدمير وتخريب منظّم لكل مناحي الحياة في العراق, ودورها المشبوه بل
المؤكّد والموثّق في نشر العداء والفرقة والاحتراب بين أبناء الشعب
العراقي الواحد.
ومن البديهي إن إيران سوف تستغل كلّ فرصة ومناسبة من أجل إبقاء خيولها
الهرمة,أمثال المالكي والحكيم والصدر ومن هو على شاكلتهم أو أسوء منهم,
في ساحة السباق الانتخابي لأنها الفرصة الوحيدة التي بقيت لديها من أجل
الاستمرار في ترسيخ نفوذها وحضورها الغير مرغوب فيه في أرض الرافدين.
ومصادرة قرار وحرية العراقيين في اختيار مستقبلهم وكيفية إدارة شؤون
بلدهم, حتى وإن كانت الانتخابات البرلمانية المقبلة, كما يعلم الجميع,
فصلا جديدا من فصول المسرحية البايخة التي أطلقوا عليها إسم"العملية
السياسية", والتي لا يُرجى منها خيرا مهما برعوا في الاخراج والسيناريو
والديكور والانارة. لأنها بكل بساطة عملية زائفة مضللة تجري تحت حماية
حراب الغزاة. والغرض منها ليس فقط الضحك على ذقون بعض العراقيين بل
هدفها الأول هو تشريع الاحتلال الأمريكي - الايراني وما نتج عنه من
حكومة وبرلمان ومؤسسات أخرى, رغم أنها أثبتت فشلا ذريعا على جميع
المستويات.
لقد قدّمت هيئة"المساءلة والعدالة" السيئة الصيت بقرارها الجائر
واللاقانوني بشطب إسم النائب صالح المطلك وقائمته ومعه آخرين خدمة
جليلة, إعلاميا ودعائيا وتضامنيا, للرجل الذي وإن حقّق بعض النتائج في
الانتخابات المقبلة فانه سوف لا يكون بوسعه تغيير واقع الاحتلال
الأمريكي الايراني على الاطلاق. فالمشاركة في إنتخابات كوديدية كهذه,
مهما كانت النوايا حسنة والتوجهات صادقة, ستبقى نسخة معدّلة حسب ضرورات
وأجندات دولة العم سام, عن الانتخابات التي سبقتها في عام 2005. تلك
الانتخابات التي أوصلت صالح المطلك وأياد علاوي وغيرهم الى مجلس النواب
"العراقي" دون أن يكون لهم موقع محدّد وصريح من الاعراب في جملة عراقهم
الجديد.
من المؤكد إن الكثير من العراقيين سوف يشاركون في الانتخابات التشريعية
المقبلة ليس حبّا بالديمقراطية, التي أشبعتهم قتلا وإعتقالا وإذلالا
وبؤسا, ولا إيمانا منهم بمبدأ تبادل السلطة سلميا في ظل حكومة وأحزاب
طائفية حاقدة تسندها ميليشيات وعصابات مسلّحة لها خبرة وتاريخ طويل في
القتل والاختطاف والتعذيب, ولديها إستعداء تام لسفك دم أي معترض أو
معارض بسبب أو بدونه حتى وإن كان من نفس ملّتهم ودينهم, بل سيشارك
البعض من العراقيين أملا منهم في التخلّص من الفيروسات والجراثيم
العنصرية والطائفية التي إنتشرت في الجسد العراقي, أو على الأقل عزلها
والحد من تأثيرها المميت الى أن تحين ساعة القضاء عليها نهائيا.
|