امام من يهمه الامر ، ملف هام جدا ، يتعلق بالعراقيين في الاردن ، وهو
ملف تعرض الى تقلبات شديدة ، خلال السنوات الماضية ، وبيننا ما يزيد عن
نصف مليون عراقي اغلبهم بلا اقامات رسمية.
العراقيون في الاردن ، يعانون اشد المعاناة ، والحكومة السابقة ، خففت
قيود الاقامة جزئيا ، وسط تحفظات لجهات عديدة ، غير ان غالبية
العراقيين ، لم يلمسوا تغييرا جذريا في وجودهم ، فلا هم قادرين على
العودة الى العراق ، ولا هم قادرين على دفع غرامات الاقامة ، ولا هم
قادرين ايضا على المغادرة الى جهة ثالثة ، باستثناء حالات حصلت على
اقامات في دول اجنبية من باب اللجوء السياسي.
احدى الفتيات العراقيات ، وقد كتبت عنها في وقت سابق ، تمت خطبتها من
شاب اردني من عائلات السلط المعروفة ، وحين ذهب ليُتمم معاملة الزواج
في وزارة الداخلية ، فوجئ بالطلب منها دفع غرامات ، عن سنوات اقامتها ،
وحين تم احتساب المبلغ وصل الى خمسة الاف دينار ، ومشروع الزواج انهار
عند هذه اللحظة ، فلا الفتاة ، ولا الشاب يمتلكون هذا المبلغ ، وقد
افهم تحفظات الداخلية لاسباب اجتماعية وامنية ، لكنني لا افهم ان تتم
معاملة العراقي بهذه الطريقة من حيث المبدأ ، فوجود العراقي اشرف بكثير
من وجود عشرات الجنسيات الاخرى المرحب بها ، والتي تعمل في مساءات عمان
، في مهن "شريفة وعفيفة" ، مع تحفظي على المقارنة اساسا ، وان كانت
جائزة من باب المبدأ القانوني ، وغير جائزة اخلاقيا ودينيا وعروبيا.
العراقيون في سنين عزهم وضعفهم ، لم يقصروا معنا ، وكان النفط العراقي
، وعشرات المليارات ، تأتي الى البلد من التجارة والمشاريع ، وتخرج من
جامعات العراق عشرات الاف الطلبة الاردنيين ، من اطباء ومهندسين
ومحامين ، درسوا مجانا ، ولم يعاملهم العراق باعتبارهم ضيوفا ولا غرباء
، ولا.. لاحقهم من اجل غرامة او اقامة. والاردن لم يدر ظهره للعراق
ايضا ، في سنين الحصار والحرب ، غير ان علينا ان نتذكر ان ماكان يقدمه
صدام حسين ، لم يكن من حسابه الشخصي. هو مال الشعب العراقي ، الذي لا
يجوز ان ننساه اليوم ، شعبيا ، كما يقول البعض بذريعة ان العراقيين
فرطوا بصدام حسين ، وعلينا ان نعاقبهم اليوم ، وهي نظرة شعبية مؤسفة ،
تدل على مدى السطحية والضحالة لدى كثيرين ، فالعراقي هو العراقي ، ايا
كانت مساعي البعض لتشويه سمعة العراقيين تحت ذرائع شتى.
المخاوف من الوجود العراقي في الاردن ، لها اعتبارات لدى البعض ،
تتعلق بجوانب سياسية ومذهبية ، وغير ذلك من قصص. ما هو مهم اليوم ، هو
الافراج عن الكتلة العراقية من سجن الارتهان لشروط الاقامة ، فالعراقي
لن يكون قادرا على دفع المبالغ المطلوبة منه كغرامات ، اذا حسبناها
وفقا لنظام الغرامات. البعض يقترح تسوية مع الجهات الرسمية بحيث يتم
منح كل العراقيين في الاردن اقامات رسمية ، مقابل مبلغ محدد للفرد
كخمسمائة دينار او اقل ، وتسييل هذه المبالغ سيضمن للخزينة رقما كبيرا
من المال في ظل عجز الموازنة ، كما ان حصول العراقي على اقامة بهذه
الطريقة سيساعده على السفر الى خارج الاردن ، وعلى الحركة ، خصوصا ان
كثرة منهم تريد المغادرة الى غير العراق ، لكنها لا تتمكن بسبب حاجز
الغرامات ، والاقامة غير المشروعة. شخصيا انا مع اعفاء العراقي من كل
غراماته ، ومنحه اقامه حتى بدون مقابل ، لان العدل والاخلاق تفرض ان
نرحم العراقي اليوم ، وان لا نعايره بخبزه وبشربة الماء ، وباقامته
بيننا ، وقد كان يقسم معنا خبز اولاده ، في عز الحرب مع ايران ، وفي عز
الحصار ، فأين الاخوة اذن ، وأين زرع العراق الذي لا بد ان يُثمر ، في
معاملة ابنائه.
كما شاركناهم في خبزهم ومائهم ونفطهم ، في يسرهم وضيقهم ، فمن حقهم
علينا ، ان لا يمشوا في شوارع عمان خائفين قلقين ، من قبضة الشرطي ،
واذا كنا بلا ذاكرة ، فان المصلحة العليا للبلد ، تفرض ان نستعيد
الوجود العراقي الاجتماعي والاقتصادي ، بعد ان هربناهم الى دول الجوار
بكثرة "النق" على رؤوسهم ، مع مراعاة البعد الامني ، الذي لا بد ان
يكون حاضرا ، ليس من باب الشك في الشعب العراقي ، وانما من باب الحيطة
في وجه الاختراقات التي قد يقوم بها البعض عبرهم ، وهي اختراقات مرشحة
لان تأتي لا سمح الله ، عبر اي جنسية اخرى ايضا.
وزير الداخلية تاريخه قومي ، ونظيف ، ولا بُد ان يجد حلا جذريا لهذا
الملف ، مع من يهمه الامر ، اذا كان لدينا من يهمه الامر حقا.
|