نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاد أبو الأحرار وسيد الشهداء الحسين بن علي
بن أبي طالب ( ع ) ابن السلالة الطاهرة الغني عن التعريف الثائر بالحق
على الباطل والمنتصر بالإيمان على الكفر فثورته عنوان لرفض الباطل
والعدوان وهي انتصار حقيقي للدم على قوة السلاح والجبروت والطغيان فقد
استطاع عليه السلام بروعة صموده البطولي وجلده على الحملة التي استهدفت
الردة على الدين والعودة به إلى الجاهلية والقضاء على ذرية الرسول محمد
صلى الله عليه وعلى اله وسلم حيث ذبح حتى ابنه الرضيع , لقد استطاع أن
يحول تضحيته وسبي أهل بيته إلى ملحمة تتناقلها الأجيال عبر أكثر من
أربعة عشر قرنا ولازالت تحتفظ بحرارتها ولوعتها فالرجل البطل الكريم
المنحدر من بيت النبوة الطاهر كان عارفا نقلا عن أبيه وأمه وجده بما
سيلقى فلم يعطي لأعدائه إعطاء الذليل فأغاظ بموته جلاده بعد أن تخلى
عنه الناصر والمعين وألقى الحجة البالغة على أعدائه مقرونة بالشفقة
عليهم من مصير محتوم قدره الله فكانت ثورته وستبقى منارا ومشعلا لكل
الأحرار في العالم وطلاب الحق يتجدد بها طغيان يزيد ويتجدد فيها سبي
المسلمين وان يتخذ ذلك صورا وأشكال تختلف من عصر إلى عصر , فلم يكن
خروجه طلبا لسلطان أو جاه ولا أشرا ولا بطرا بل خرج طالبا الإصلاح في
امة جده بعد أن أحاطتها الأخطار واتجهت بها إلى حافة الهاوية والخروج
عن القانون السماوي والسنة النبوية الشريفة وقد نال ما أراد , فها هي
ذكرى ثورته دافعا لتجديد العزم على الثبات على المبادئ وتعميق الإيمان
بالدين الحنيف وقيمه .
كما هي ناقة رسول الله ( ص ) كانت مأمورة في اختيار مكان بناء مسجده في
المدينة المنورة فان راحلة الحسين كانت مأمورة في اختيار ارض كربلاء في
العراق لحكمة من الواحد الأحد ليجعل البقعة التي تحت قبة مسجده روضة من
رياض الجنة ويقصدها على مدار السنة ملايين المسلمين وينهلون فيها من
العلوم الإسلامية ما يقوم المسيرة ويحفظها من الدس والتشويه فأراد من
خلالها الرحمن جلت قدرته تكريم العراق شعبا وأرضا فجعل التواصل فيها
بين الأجيال عبر تلك القرون من خلال تجديد المأساة والمعاناة بين الحين
والحين , وإذا كانت رحلات ومحاولات الإبادة للإسلام والمسلمين قد بدأت
كسابقة خطيرة مع طغيان يزيد بن معاوية ومرت بالعديد من المآسي التي
رافقت كل ريح صفراء استهدفت العراق كجمجمة للعروبة والإسلام فهي لن
تنتهي عند طغيان الولايات المتحدة الأمريكية بدفع من حقد بوش الصغير
على كل ما هو خير لتعم كل شعبنا .
لقد تغطرس يزيد بن معاوية وتكبر واعتد بقوته فاستهان وانتهك كل الحرمات
وأقدسها من آل بيت النبوة بعد أن ظلل وكذب واستقطب من اصطف معه عبيد
القوة والدينار ومن طلب الحياة الدنيا فباع آخرته بدنياه وتخلى عن كل
التزام أو عرف فاليوم وبنفس الأسلوب قصدت الولايات المتحدة الأمريكية
العراق يؤازرها كل من تخلى عن ضميره فسبت شعبنا وقتلت وهجرت ونهبت
لتلعب نفس الدور الخبيث القذر الذي مارسه يزيد .
وكما بالأمس كان يزيد يدعي قيادة الأمة الإسلامية وبسيف الإسلام اعتدى
على حرمات الإسلام فإننا اليوم نشهد من يرتدون عباءة الإسلام وينتهكون
الحرمات ويخدمون المحتل من خلال مليشياتهم الطائفية التي سفكت دماء
الأبرياء وهجرتهم واستحلت حرماتهم وأصبحت تسعى لتحقيق ما عجز المحتل
الغازي عن تحقيقه حتى أصبحنا نعيش كل يوم عاشوراء من خلال تفجيراتهم
الحاقدة وأصبحت ارض العراق كلها كربلاء .
إن عظمة الانتصار تأتي من عظمة وقفة التحدي الكبيرة التي يصمد من
خلالها المستهدفون في الإبادة فتلك السيدة زينب بنت علي تصفع يزيد
وتجلده بما هو أقسى من السيف في مجلسه وبين جنوده وأنصاره , تتحداه وهي
صادقة انه لم ولن يمحو ذكر آل البيت وتنجح في إيصال رسالة أخيها
البطولية ولازال صدى صوتها مدويا تردده الماجدة العراقية التي تصبر
اليوم على جراح الغزو فتقلب موازين الحرب وبعزمها الخالد تسطر حروف نصر
العراق الخالد فاقتربت من حبل المشنقة كحبيبها وأبيها وابنها تمده
بالعزم وتسابقه إلى المعالي .
لن نستنصر أحدا بعد أن القينا الحجة على عدونا ومن يستند إليه من
عملائه وبعد أن سقطت كل الادعاءات الباطلة التي كان المحتل وأذنابه
يسوقونها ولأنهم جعلوا كل أرضنا كربلاء إذن لنكون كلنا حسينا وننهي
مأساة شعبنا فتاريخنا يشهد إننا أحرار لن ننام على ضيم .
|