لن تصنع الاحتفالات دول , ولن
تبني البهرجة الزائفة والادعاءات
الكاذبة كيانات شرعية , ومن
المستحيل أن يكون القفز فوق
الحقائق هو الطريق الصحيح للحصول
على السيادة للدول والشرعية
للحكومات ,ونشر بساط الديمقراطية
بين الشعوب , بالرغم مما يدعون من
أن أنتخابات جرت قد أعطت الشرعية
لمن يحكمون , وأنتخابات قادمة
سترسخها , وجيوش محتلة زعموا
خروجها من المدن , فأذن مؤذن بان
السيادة قد تحققت , فأحتفلوا فيما
بينهم للمرة الالف بمناسبة كاذبة
, وهم يعلمون بانه هراء كل
مايقولون وكل مايفعلون , لان
التاريخ لايعترف بالولادات التي
تأتي من حظن الباطل , وان حوى
القاموس السياسي جزء منها .
وأستمرارا في صنع حقيقة زائفة بعد
أن أبتدؤا السيناريو بحشد العالم
خلفهم بكذبة كبرى ليحتلوا العراق
, فأنهم اليوم يسعون لاضاعة دمه
بين القبائل والاحزاب , من خلال
الضغط على البعض لدخول مايسمى
(العملية السياسية) , وأغراء
البعض الاخر للحاق بمن سبقوهم ,
ومازال من ينتظر في الطابور مجرد
همسه أو لفتة من الامريكان كي
يأتي مهرولا للحاق بالمركب
الامريكي , حتى لو كان مقعده في
الدرجة العاشرة , بعد أن تناسوا
بان صواع العراق قد سرق وأنه بات
في رحل الامريكي حتى أشعار أخر .
ان حشد الطائفيين والقوميين
العنصريين والانتهازيين وسراق
المال العام والمفسدين في الاطر
الكاذبة التي أنشأها المحتل , هو
لب المأساة العراقية العصية على
الحل في ظل الظروف الدولية
والاقليمية الراهنة , وفي ظل
الخيمة الامريكية لا الخيمة
الوطنية , ذات التثقيف الزائف
لمصطلحات الديمقراطية والشفافية
وحقوق الانسان والعولمة وأقتصاد
السوق , التي كان وقودها شرف
العراقيين ومستقبلهم ووجودهم ,
ومصادرة حاضر وقادم وطنهم في
غياهب سجون الشركات الاحتكارية ,
بينما دمى المحتل يرتعون ويلعبون
ويكنزون الذهب والفضة , وتزداد
أرصدتهم وعقاراتهم عددا يوما بعد
يوم , ولاهم لهم سوى التنازع على
المناصب والحصص والمقاعد , حتى
ماعادت تخبو أزمة من أزمات مايسمى
( العملية السياسية) ولو الى حين
, حتى يعلن عن أزمة جديدة ,
فيهرولون الى المحكمة الاتحادية
لبيان رأيها فيما هم فيه مختلفون
, ثم يختلفون في تفسير ما أفتت به
, أو يحجون الى السفير الامريكي
الذي أصبح يزاول مهنة (الناظر) في
مدرسة المنطقة الخضراء الابتدائية
, فيهش في وجه زعيم هذه الكتلة كي
لايأكل من حصة الاخر , ويرفع عصاه
في وجه الثاني مذكرا أياه بأن
لاينسى تاريخه ويتشاطر على
الاخرين , ثم يفرض حله على الجميع
ويقسم الارزاق بينهم , ولاينسى
حصته فيزيدها كيل بعير .
لقد كانت تصريحات سفير النمسا
توماس ماير الذي يترأس مجلس الامن
لهذا الشهر , أكثر من واضحة وهو
يقول أن المجلس ( كرر الدعوة التي
وجهها الامين العام- بان كي مون-
الى الاحزاب السياسية العراقية
والى قادتها من أجل التحلي بحس
الدولة خلال الحملة الانتخابية
والمشاركة فيها بروح الوحدة
الوطنية ) , وهو شك دولي بأن من
يتولى المسؤولية اليوم في العراق
لازالوا بعيدين عن الاحساس
بالمصلحة الوطنية العليا , وأنهم
غير مستعدين للتضحية بمصالحهم
الشخصية , وأن نظرتهم لكل ماتسمى
ب( الممارسات الديمقراطية) ليست
سوى فرص يجب أستغلالها لكسب
المزيد من النفوذ , وأن هدف
أجنداتهم منحرف تماما عن التعامل
مع الواقع العراقي بروح المصلحة
الوطنية العابرة للطوائف
والقوميات والاديان والمذاهب ,
مما دعاه الى التحذير من أن(
النجاح ليس مضمونا , لان هناك قوى
في داخل وخارج البلاد تواصل بذل
جهودها لفرض برنامج تقسيم وتدمير)
, مستندا في ذلك على التاريخ غير
المشرف الذي سطرته الادارة
السياسية الحالية , باحزابها
وكياناتها وشخوصها ,على مدى
السنوات السبع من عمر الاحتلال ,
والذي هلهل النسيج الاجتماعي
الوطني , ونقل البلاد الى عصر
ماقبل الدولة , ودفع الناس الى
العودة الى حضن الطائفة والقومية
والعشيرة , بعد أن أطاح بكل الاطر
القانونية والاعتبارية , التي
كانت تتشكل منها أجهزة الدولة ,
وأوجد أجهزة بديلة تسهر على راحة
أمراء الطوائف , وتراقب أستمرار
وجود حصصهم في المساحة الجغرافية
والسياسية والاجتماعية التي يتشكل
منها العراق .
أن أستمرار التوالد اللامنطقي
للازمات السياسية والقائها
بظلالها القاتمة على كافة مناحي
الحياة الامنية والاقتصادية
والاجتماعية , أنما مرده الاساسي
هو أستمرار تحكم العناصر التي
قادت البلاد الى الوحل , بالسلطات
التشريعية والتنفيذية , وبالتالي
أستمرار سيطرة المصالح الخاصة على
المصلحة الوطنية , في ظل التغييب
والاجتثاث الذي طال القوى
السياسية والاجتماعية التي تهدف
الى التغيير الايجابي الذي يوقف
أنتاج الواقع الاجتماعي والسياسي
المتهرئ , وان مانشهده في (
البرلمان ) من ولادات عسيرة
ومشوهة للقوانين العامة , وسهولة
ويسر في تشريع القوانين التي تمنح
الامتيازات لاعضائه , أنما هو
دليل واضح على أن الذين يتصدرون
المشهد السياسي ليسوا رجال دولة ,
وان مرجعيتهم ليست العراق , وأن
الهوية الوطنية لديهم ثانوية أن
لم تكن منسية, وهذا الشعور هو
الذي دفع الامين العام للامم
المتحده أن يتمنى على القوى
السياسية أن تثبت (خلال الحملة
الانتخابية أن مرشحيها رجال دولة
) .
أن الحراك السياسي السلبي الجاري
اليوم , والتجاذبات السائدة بخصوص
نقض قانون الانتخابات والتهديد
بالنقض المضاد ,وبروز الاصطفافات
الطائفية بين مؤيد ومعارض لهذا
الموضوع, أنما يكشف وبوضوح أن
هنالك حرب باردة تعصف بين من
يجلسون تحت قبة (البرلمان) وكذلك
بين من يتبوؤن المناصب الحكومية ,
وأن الجميع في حالة تأهب قصوى
لنقص كل مايصدر من الطرف الاخر ,
حتى لو كان مشروع قرار وطني , أو
أنقاذا لوضع شاذ يعاني منه الوطن
والمواطن , وهم يفهمونها حرب
ضرورة لاحرب أختيار , الخسارة
فيها ستراتيجية تعني أستيلاء
الاخر على المكتسبات الطائفية
والحزبية الضيقة التي حصلوا عليها
, وأعتداء صارخ على أقطاعياتهم
السياسية , وكل ذلك غير مسموح به
في ظل حقيقة رسوخ الواقع السياسي
الجديد الطائفي والاثني والقومي
وديمومته , وفشل مايسمى الحل(
الديمقراطي)القائم على أساس
الاكثرية والاقلية , كما أن هذا
الحراك ومارافقه من أتهامات
وتخوين لطرف ضد أخر , أنما يكشف
عن حجم الضغينة والحقد المستولي
على العقول والنفوس من أجل
أستحقاق تأكيد الذات الذي يعتقدون
بأن تجربة أربع سنوات غير كافية
للتخلص منه , والذي يشير الى عدم
وجود قواسم وطنية مشتركه نتيجة
أنعدام لغة الحوار والتواصل
الحضاري, الذي أدى الى نشوء نظام
سياسي غريب تتنازعه دعوات حادة
التناقض والتقاطع , وينخره الفساد
المالي والاداري على أعلى
المستويات , والتشتت الجغرافي ,
ومحاولة سيطرة السلطات بعضها على
الاخر , مما أدى الى فقدان
التوازن المطلوب في قيادة بلد
كالعراق يتمتع بثقل أستراتيجي ,
وأهمية محورية .
أن الواقع السياسي العراقي يشهد
اليوم بروزا حادا للقوى الفاعلة
فيه , وهي أما قوى تراهن على
(العملية السياسية الطائفية)
وتتحرك في ظلها وتنتقدها وكأنها
معارضة لها وهي جزء منها , في
سبيل كسب الاخرين لها وتجير
أصواتهم لصالحها , وقوى تحاول
ألاصلاح وتعتقد بان تفتيت(
العملية السياسية) يمكن أن يتم من
داخلها , وقوى أخرى ترى بان
المنظومة الفكرية والتطبيقية
للعملية السياسية وعناصرها هي
المسؤولة عن الواقع المأساوي الذي
وصلت اليه البلاد , وأن تجاوزها
لايأتي بمحابات المحتل وكسب وده
ورضاه من خلال الاشتراك ببعض
أطرها ( الديمقراطية) التي يحاول
أغرائهم بها من خلال تسريباته لهم
, بأنه يتعهد بأعطائهم نصيبا جيدا
من المقاعد , بل بالانحياز الى
صوت الحق الذي هو فوق كل
الاعتبارات الاخرى , حتى يتحقق
التحرير بالحق . |