|
||||||
|
||||||
أموال العرب للجرب في أوقات الكرب |
||||||
شبكة المنصور | ||||||
دجلة وحيد | ||||||
يحز في أنفسنا قراءة وسماع أن هناك 140 مليون عربي في أقطارنا العربية المشتتة يعيشون تحت خط الفقر وأن نسبة معدل البطالة بين شبابنا في هذه الأقطار هي الأعلى في العالم (حسب التقرير الصادر عن الجامعة العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) هذا ما عدا أكثر من ثمانية مليون عربي يعيشون تحت ظروف تعيسة وقاسية في الأحواز العربية المحتلة إضافة الى الملايين المشردين من أبناء العراق المغتصب. هذا يعني أن أكثر من 40% من أبناء الوطن العربي الغني بثرواته الطبيعية يعيشون تحت خط الفقر. وهذا أيضا يعني أن البعض من هذه الملايين العربية لا تعيش فقط خاوية البطون وتنام جائعة في الليل، وتلبس الملابس الرثة ولم تغتسل لمدة طويلة، وعاطلة عن العمل، ومريضة نفسيا وجسديا بل ايضا أنها مشردة دون مأوى تعيش في الشوارع أو تعيش في أماكن ليست مخصصة لسكن البشر الحي حيث أن هناك أكثر من 1.5 مليون مصري يعيشون في المقابر ومنهم نصف مليون في القاهرة فقط. نسبة المواطنين المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر تقارب 70% من مجموع السكان وهذه النسبة تفوق نسبة الـ 40% لمجوع سكان الوطن العربي الذين يعيشون تحت خط الفقر.
ما هي أسباب هذا الفقر المدقع والمخزي في وطننا العربي الكبير الغني بموارده الطبيعية الذي يؤدي في النهاية الى تهميش فئات وشراح كبيرة من مجتمعاتنا العربية ويخلق حالات من التذمر وفقدان الولاء الوطني والقومي وعدم الإستقرار في جميع النواحي منها السياسية والإقتصادية؟!!!
من وجهة نظرنا قد تكون بعض الأسباب كما يلي:
1- فشل الحكومات العربية في تحقيق التكامل الإقتصادي بين الأقطار العربية نتيجة تشتتها السياسي وتأقلمها القطري وإتباع سياسات إقتصادية مختلفة، وعدم وجود الإرادة والقدرة السياسية لدى الحكام العرب على تحديد أسباب الفقر ومحاربته مثل إنتشار الأمية والإفتقار الى سياسات ناجحة في قطاع الخدمات والتعليم وتحسين الحالة الغذائية والصحية للمواطنين.
2- غياب العدالة الإجتماعية في توزيع ثروة الدخل القومي العربي بين الأقطار العربية وداخل الأقطار العربية الغنية والفقيرة نتيجة فشل السياسات التنموية وتعاظم الفروقات الطبقية بين فئات المجتمعات المكونة لهذه الأقطار حيث أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء قد توسعت بشكل رهيب بسبب الفساد الإقتصادي والإجتماعي والأخلاقي الذي أدى الى خلق واحات متداخلة من الفقراء والأغنياء منتشرة على شكل موزاييك داخل المجتمعات العربية خصوصا في الفترات الأخيرة.
3- الحروب والسياسات الداخلية القمعية في الأقطار العربية والتوترات الإجتماعية والسياسية الناتجة عنها أيضا تؤدي الى تأخير في النمو الإقتصادي وبطء خلق فرص عمل جديدة للمواطنين العاطلين عن العمل التي تؤدي في النهاية الى هدر إمكانية الإستفادة من القوى والأيادي العاملة الإنتاجية المبدعة والتي في دورها أيضا تؤدي الى هجرة هذه الإمكانيات الإبداعية من الوطن وخير دليل على ذلك ما حصل في العراق بعد إحتلاله وتدميره وكذلك ما حصل في فلسطين والصومال وأقطار أخرى من وطننا العربي الكبير.
4- سوء توزيع إستثمار رأس المال العربي في الأقطار العربية مقارنة بإستثماره في الدول الغربية.
لقد ذكرنا سابقا في عدة مقالات بأن عائدات النفط العربية الطائلة تستخدم في معظم الأحوال في الإستثمارات الخارجية خصوصا في أمريكا واليابان وأوربا الغربية ومنذ نهاية حرب أوكتوبر/تشرين أول عام 1973 بدلا من أن تستخدم في الإستثمار داخل الأقطار العربية لتطوير الإنسان العربي ومجتمعاتنا العربية المتخلفة في جميع المجالات. سبب ذلك كان السفاك الإقتصادي الأمريكي الذي اقنع دول الخليج العربي وخصوصا المملكة العربية السعودية – بعدما أحست الولايات المتحدة بخطر إستعمال قوة النفط العربي كسلاح في مجابهة أعداء الأمة العربية حينما أستخدم النفط العربي لأول وأخر مرة في التاريخ كسلاح ضد الدول المساندة للكيان الصهيوني عام 1973- بإستخدام موارد عائداتها النفطية في الإستثمارات داخل الولايات المتحدة واليابان ودول أوربا الغربية وربطها بعقود وإتفاقيات ملزمة ومجحفة طويلة الأمد.
صحيح أن المملكة العربية السعودية وإمارات الخليج العربي إستثمرت أموال طائلة في بناء البنى التحتية الشكلية وليس الإنتاجية في بلدانها مثل بناء المدن والعمارات والأبراج العالية وتحسين الموانئ وبناء أساطيل للنقل الجوي ...الخ إلا أن القسط الأكبر من هذه الأموال أستثمرت ولحد الأن تستثمر في الغرب واليابان في المضاربات المالية وشراء العقارات، وشراء الأسهم في شركات صناعة السيارات والصناعات العسكرية والمدنية الأخرى والتي ساعدت على خلق فرص عمل للمواطن الغربي والياباني بينما المواطن العربي العادي في السعودية والإمارات العربية وباقي الأقطار العربية لا يستفيد من تلك الإستثمارات. هذه الإستثمارات في الإقتصاد الغربي والياباني لم تأتي بربح للمستثمرين العرب كما كان متوقعا من الإستثمار المالي بل أدت الى خسائر كبير جدا تعد بمئات المليارات من الدولارات الأمريكية وكما تبين خلال الأزمة الإقتصادية الحالية التي بدأت في الولايات المتحدة في العام الماضي وعصفت بإقتصاديات مجمل دول العالم ومنها إقتصاديات السعودية وإمارات الخليج العربي. أمارة دبي تضررت بشكل كبير واصبحت عاجزة من دفع مستحقات ديونها والتي تقدر بأكثر من 80 مليار دولار أمريكي.
إضافة الى ذلك، أن الإستثمار في بناء الأبنية والعمارات والأبراج العالية الشامخة في دول الخليج العربي تعد إستثمارات غير ناجحة على الرغم من أن الفكرة الأساسية هي تحويل منطقة الخليج العربي الى مركز تجاري عالمي كبير مشابه لهونك كونك وسنغافورا وماليزيا لأن:
أ- الطبيعة العربية لا تتلائم مع هذا الطموح من ناحية أن الإنسان العربي لا يرجح السكن في شقة في بناية عالية. أخذا بنظر الإعتبار عدد سكان الإمارات العربية الأصليين نود أن نسأل: من سيسكن مستقبلا في هذا البنايات الضخمة إن لم تفتح أو تستغل كمكاتب تجارية؟!!! وإن إستغلت: هل ستبقى هذه العمارات كمكاتب وأسواق تجارية مجردة ومن سيديم هذه الأبنية وبأي أموال؟!!!
ب- أن هونك كونك وسنغافورا وماليزيا ليست فقط اسواق مالية بل أنها تمتلك مصانع إنتاجية. هل هناك قابليات عربية محلية أو مجمعة من الأقطار العربية تستخدم لفتح مشاريع صناعية متطورة مثل الصناعات الأليكترونية أم أن هذه المشاريع ستبقى مجرد إستثمارات في القطاعات الخدمية والإستهلاكية؟!!!
أخر الإستثمارات التي قرأنا عنها قبل مدة قصيرة هو إستثمار دولة قطر حوالي 19 مليار دولار أمريكي لشراء أسهم في شركة بورشة الألمانية التي كانت تعاني من أزمة إقتصادية حادة والتي كانت مهددة بالإنهيار. الإستثمار الإماراتي الأخر الغير مباشر هو محاولة شركة سبايكر الهولندية - التي تملك فيها شركة عباداللة للتنمية (Ubadala Development Company) في أبو ظبي 23% من أسهمها – شراء شركة صناعة سيارات ساب السويدية التي أغلقت بسبب مشاكلها الإقتصادية. شركة ساب بيعت قبل عشرة سنوات الى شركة جنرال موتورز الأمريكية والتي تريد الأخيرة التخلص منها وعرضتها للبيع. شركة جنرال موتورز فضلت إغلاق إنتاج شركة ساب على بيعها الى شركة سبايكر. إضافة الى شركة عبادالله للتنمية تمتلك شركة كونفيرس الروسية نسبة 30% من أسهم شركة سبايكر. سبب رفض شركة جنرال موتورز بيع شركة ساب لصناعة السيارات الى شركة سبايكر المتخصصة بصناعة السيارات المرفهة هو وكما خمنت إحدى الصحف السويدية عدم ثقة شركة جنرال موتورز بالمستثمرين الأوليغاركي الروس في شركة سبايكر خصوصا الإستثماري أليكسيندر أنتونوف – الذي وحسب صحيفة أفتون بلاديت أصيب بسبعة عيار نارية بسبب إرتباطاته التجارية المشبوهة – وإبنه.
ننهي هذا المقال بما ذكرناه في مقالنا السابق المنشور تحت عنوان " الأمة العربية المشتتة بأقطارها مريضة وتحتضر.. لماذا وإلى أين؟!!!" بالقول:
"فلو استغلت هذه الأموال العربية في استثمارات داخل الوطن العربي خصوصا في الأقطار الفقيرة لتطوير الإنسان العربي ولخلق فرص عمل للمواطنين العرب من خلال بناء المصانع ومعاهد البحوث الطبية والصناعية، وبناء المستشفيات والمدارس والقضاء على الأمية ومساعدة الجامعات لرفع المستوى التعليمي، وتحسين أساليب الإنتاج الزراعي والحيواني....الخ لما ذهبت تلك الأموال مهب الريح هباءً منثورا وفي جيوب مدراء كبار البنوك الأمريكية والمضاربين في الأسواق المالية".
ونختم بالقول: حزني العميق عليك وعلى الجياع من أبنائك ياأمتي العظيمة. |
||||||
|
||||||