|
||||||
|
||||||
|
||||||
|
||||||
الأمة العربية المشتتة بأقطارها مريضة وتحتضر ... لماذا والى أين ؟!!! |
||||||
شبكة المنصور |
||||||
دجلة وحيد | ||||||
قد يكون عنوان هذا المقال مثيرا ومغضبا للبعض إلا أن الوقائع التي سنذكرها في سردنا مبنية على حقائق وخالية من العواطف والتهريج والتطبيل. غاية كتابتنا لهذا المقال كانت لوضع النقاط على حروف وضع الأمة العربية المزري بعد مرور ستة سنوات ونصف على إحتلال وتدمير العراق وثلاث سنوات على إستشهاد الرئيس صدام حسين كي يصحى أبنائها إن نفعت معاني هذه السطور والجمل.
دجلة وحيد
المقومات الأساسية لإدامة بقاء أي أمة حية وموحدة هي ديناميكية قدرتها على الإستمرار في حيويتها من خلال التجديد والتحديث والإبداع وفهمها وإستيعابها للمتغيرات السياسية والإقتصادية والعسكرية التي تحصل في أجوائها الداخلية وفي محيطها الإقليمي الخارجي القريب والبعيد، وقابليتها على التأقلم في جميع الأجواء والظروف والوقائع الثابتة والمتغيرة والمساهمة فيها وبشكل إيجابي للحفاظ على مكتسباتها الأنية والمستقبلية، وكذلك تحديث وخلق وبناء إمكانيات سعتها الدفاعية للحفاظ على إستمرارية وجودها وتأثيرها في محيطها الإقليمي والدولي العالمي. لذا فإن كل هذه المقومات تحتاج الى متطلبات التخطيط الواعي والعقل العلمي الإبداعي السليم المسخر للوصول الى تحقيق مكتسبات النتائج المبتغات لأن الأمم الضعيفة والمستهلكة لا تحترم ولا ترحم ولا يمكنها الإستمرار في البقاء دون هذه المقومات.
الأمة العربية المجيدة كانت تمتلك معظم المقومات الحضارية المذكورة أعلاه بعد تكملة الرسالة المحمدية رغم الخلافات الجزئية على من سيستلم الخلافة التي حصلت بعد وفات سيد الرسل محمد بن عبدالله (ص) حيث إتسعت الرقعة الجغرافية للحملة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين وقوى قوام الكيان العربي الإسلامي بعد إسقاط الإمبيراطورية الفارسية. إستمر هذا التطور من خلال قيام الدولة الأموية ومن ثم الدولة العباسية وإمتداد الحضارة العربية الإسلامية المبدعة الى الصين والأندلس قبل ضعفها وتشرذمها نتيجة التناحر والتأمر عليها من قبل الدخلاء والتي إنتهت الى تقسيمها وأخيرا تدميرها بعد الإحتلال المغولي لبغداد عام 1258 وسقوط دولة الأندلس بيد الإسبان عام 1492 بعد تقطيعها الى إمارات متناحرة داخليا. الحضارة العربية الإسلامية التي كانت ممتدة من الأندلس غربا الى أعماق الأراضي الهندية والصينية شرقا كانت حضارة إنسانية مبدعة متقدمة نتيجة التطورات الإبداعية للعقل العربي الإسلامي في جميع المجالات منها العمرانية والأدبية والعلمية والصناعية والزراعية والتجارية والنقل والإستكشافات البحرية والتي منها كان الإبداع في تقدم علوم البايولوجية والكيمياء والصيدلة والجراحات الطبية وعلاج الأمراض الخبيثة والسارية وناهيك عن الإختراعات في المجالات الصناعية....الخ. سبق هذه الحضارة العربية الإسلامية المبدعة قيام أول الحضارات الإنسانية في التاريخ البشري في أرضنا العربية وهي الحضارات السامية في بابل وأور وسومر واشور واكد وفي مصر العروبة الحضارة الفرعونية العظيمة ....الخ. سنت في هذه الحضارات القوانين (مسلة حامورابي، شريعة أورنامو، شريعة اشنونا، شريعة بيت عشتار) ودجن فيها الحيوان وحصدت فيها المحصولات الزراعية المختلفة وظهرت فيها الإختراعات المختلفة كأختراع العجلة والدولاب، والغزل، والهندسة المعمارية والبناء، وصناعة المشروبات والنبيذ، والتحنيط...الخ. حضارات قديمة أخرى كانت أيضا قائمة في العصور الغابرة كالحضارة الصينية والهندية والفارسية والرومانية والإغريقية وكانت أيضا من الحضارات المبدعة وكانت لها في ردحات من الزمن علاقات تجارية مع حضارات وادي الرافدين، ولكن في نفس الوقت كان هناك تناحر ونزاعات مستمرة عبر التاريخ بين الحضارة الفارسية والحضارات التي اقيمت في وادي الرافدين وباقي الأراضي العربية ولحد يومنا هذا حيث أن أخرها كانت وما تزال دولة ملالي ولاية الفقيه الخمينية في قم وطهران التي برزت بعد سقوط دولة الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979 تعمل بجد وإخلاص على تقويض الدول العربية وبناء الإمبيراطورية القومية الفارسية على حساب العرب مستغلة الدين الإسلامي الحنيف والدجل الوثني الذي أدخلته على ديننا السميح من خلال تمرير أجندتها السياسية الصفوية عن طريق عملائها وبوجود الجهلة المتقبلين لهذه الأجندات من الأميين والمتعلمين من ابناء أمة العرب الذين فقدوا توازنهم وبوصلة إنتمائهم القومي نتيجة ضعف وتمزق هذه الأمة.
في عصرنا الحديث وبإختصار تحررت الأرض العربية - ما عدا أراضينا العربية في غرب الشمال الأفريقي التي كانت قابعة تحت الإحتلال الفرنسي والإيطالي والإسباني - من هيمنة الإمبيراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى لكنها في نفس الوقت وقعت تحت مخالب الإستعمار الغربي الذي مزقها إربا اربا حسب إتفاقية سايكس بيكو عام 1915-1916 الى دويلات ذات حدود مصطنعة وشعب ممزق خاضع للسيطرة الأجنبية بصورة مباشرة وغير مباشرة بواسطة تنصيب حكام عملاء من قبل المستعمر الأجنبي لا قدرة لهم غير تطبيق أوامر وأجندات أسيادهم المستعمرين الجدد. بعض الدول العربية بدأت تحصل على إستقلالها الشكلي بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ومنها التي حصلت على الإستقلال التام نتيجة ثورات تحررية من التبعية الإستعمارية قام بها ضباط أحرار في جيوشها مثل ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 في مصر وثورة 14 تموز علم 1958 في العراق وفي اليمن في 26 سيبتمر عام 1962 وليبيا في 1/9/1969. قسم من الأقطار العربية حصلت على إستقلالها بعد نهاية الإنتداب الإستعماري والقسم الأخر بقيت كمحميات خاضعة تحت السيطرة الإستعمارية البريطانية خصوصا محميات الخليج العربي التي وقعت بعد جلاء الإستعمار البريطاني المباشر تحت هيمنة الإمبريالية الأمريكية. أرض الأحواز العربية خضعت للسيطرة الفارسية الأيرانية عام 1925، والأرض الفلسطينية المغتصبة قسمت واعطيت للمهاجرين اليهود الصهاينة في سبيل قيام الكيان الصهيوني المسخ وحسب وعد بلفور المشئوم عام 1917 الذي أدى الى تشريد الشعب العربي الفلسطيني من دياره عام 1948 بعد قيام تلك الدولة المسخة. الأخطبوط الصهيوني سيطر على جميع الأراضي الفلسطينية، شبه جزيرة سيناء المصرية وقسم من الأراضي اللبنانية ومرتفعات الجولان السورية بعد هزيمة العرب في حرب 5 حزيران عام 1967 ولكنه إنسحب من شبه جزيرة سيناء بعد سنين من توقيع إتفاقية كامب ديفيد في 17 سبتمبر عام 1978 بين الخائن أنور السادات والإرهابي الصهيوني مناحيم بيغن.
كان هناك أمل لجمع شمل الأمة العربية في العقد السادس من القرن الماضي خصوصا بعد وصول التيارات القومية الى دفة الحكم في بعض الأقطار العربية مثل العراق وسورية إلا أن هذا الأمل ضاع وتبدد بعد فشل إقامة دولة الوحدة بين مصر والعراق وسوريا في أواسط العقد السادس من القرن الماضي لأسباب كثيرة، وفشل قيام الوحدة الإندماجية بين مصر وليبيا بعد ثورة الفاتح من سبتمبر. نفس الفشل حصل في أواخر العقد السابع من القرن الماضي حينما كانت هناك محاولة لقيام الوحدة بين العراق وسوريا وتوحيد حزب البعث العربي الإشتراكي في كلا القطرين العربيين. الأرض العربية مازالت ممزقة بسبب الخلافات بين حكامها ونوعية الحكم في كل قطر عربي هذا إضافة الى التأمر الداخلي والخارجي على مستقبل الأمة العربية. الشعب العربي مقسم الأن الى حلل وملل وطوائف ضائعة في وديان المتاهات السياسية والفكرية والدينية والأخلاقية. الأمة العربية تعاني الأن من مرض عضال إسمه "التفرقة وفقدان الولاء والإحساس" أوهن كيانها برمته والذي جعلنا نطرح الأسئلة التالية:
هل تمتلك الأمة العربية المتمثلة بدولها المشتتة في وقتنا الحاضر مقومات إمكانية بقائها كأمة حية ويمكن أن تساهم بشكل إيجابي في تطور الحضارة الإنسانية؟!!! أم أنها أصبحت أمة مستهلكة ومعرضة مستقبلا للزوال والإنقراض؟!!!
الجواب الآني على السؤال الأول وحسب وجهة نظرتنا للواقع المعاصر للأمة العربية هو كلا ونعم.
الجواب كلا ... لأنها وبسبب تفاعل أبنائها (حكامها المارقين) السلبي المفعم بالأنانية والإزدواجية وإنفصام الشخصية المدقع مع محيطها الداخلي والإقليمي الخارجي أصبحت أمة ضعيفة ومستهلكة، تعاني من مرض تمزقها وتشرذمها الداخلي المزمن في كل النواحي الأخلاقية والحضارية وحتى الدينية منها. كذلك أصبحت ظاهرة إنعدام فهم أبنائها لتعاريف الحقوق والواجبات الوطنية والإخلاص والولاء القومي لها ولأرضها المعطاء والإستهزاء بقيمها من الظواهر البارزة في عصرنا الحديث، حيث أن ظاهرة التجسس وبيع الولاء للقوى الخارجية المعادية المتربصة لبقائها برزت كميزة شبه عادية يتشدق بها القائمين بها وعليها دون خجل أو وجل من العقاب الشعبي الصارم.
الجواب نعم ... لأنها تمتلك تلك المقومات وذلك لأنها أمة غنية لديها طاقات بشرية هائلة وخيرات عظيمة إن أستغلت بشكل صحيح ستوفر لها الأجواء الملائمة لتطورها وتقويمها وتقويتها ومساهمتها في دفع الحضارة الإنسانية الى أمام كما هي الحالة في صعود جيرانها الصين والهند كقوتين عظميين إقتصاديا وعلميا وعسكريا وصناعيا في أسيا. لكن هل يتحقق ذلك وكيف؟!!!
أما جوابنا على السؤال الثاني وبناءاَ على ما ذكر في جواب الشطر السلبي من السؤال الأول سيكون نعم لأن تشرذمها الداخلي المزمن وتقسيمها الى بقع جغرافية مازال مستمرا في نخر عظام هيكلها المعقد، وأن ضعفها أمام القوى الخارجية أوهن قواها وتبدوا وكأنها معرضة للإنقراض إن لم يصحى أبناءها المارقين من غفوتهم الأزلية لإستحداث متطلبات بقائها كأمة حية لها شأن في الحضارة الإنسانية.
بعض الأزمات التي تعاني منها الأقطار المشتتة المكونة للأمة العربية
1- الأزمات السياسية والتشرذم والتناحر القطري بعكس ما يحدث في القارة الأوربية المتوجهة نحو التكامل الإتحادي وبناء دولة ديموقراطية صناعية عظمى على الرغم من إختلاف دولها المختلفة المنتمية الى الإتحاد الأوربي لغويا وتاريخيا وجغرفيا وإجتماعيا وسياسيا ودينيا طائفيا ودرجة تقدمها الصناعي والعلمي نرى أن الأقطار العربية المكونة للأمة العربية مشتتة ومتشرذمة وابعد ما تكون من أن تتحد وتتفق على أدنى المبادئ التي تؤدي الى تكاملها وإندماجها في كيان واحد رغم وجود المقومات الأساسية المشتركة لقيام هذا الكيان مثل اللغة العربية، الدين الإسلامي، المنابع والأصول المشتركة، التاريخ والجغرافية المشتركة ...الخ.
بعض أسباب هذا التشرذم في معظم الأحوال هي:
أ- الطبيعة التركيبية لأنظمة الحكم في الأقطار العربية: الأنظمة القائمة في الأقطار العربية أنظمة مختلفة يتحكم فيها مبدأ المصالح الذاتية الخاصة لكل دولة وهي أما أنظمة ملكية وإماراتية وراثية أو أنظمة جمهورية شبه وراثية. في كلا الحالتين تعتبر هذه الأنظمة أنظمة دكتاتورية وسلطوية وليست أنظمة ديموقراطية مبنبة على أسس دولة المواطنة والقانون والتعددية الحزبية يتمتع فيها أي مواطن بكل حقوقه الدستورية، حيث أن مصير البلاد السياسي والإقتصادي والتجاري والمالي ..الخ في الأنظمة الملكية يساق حسب ما يشتهيه الملك أو العائلة المالكة أو العشيرة المالكة بينما في النظم الجمهورية تساق البلاد والعباد من قبل رئيس جمهورية عسكري ديكتاتوري أو من قبل حزب واحد حسب رؤياهم الخاصة ما عدا الحالة الشاذة في لبنان حيث تسود الفوضى نتيجة التعددية الحزبية المتناحرة داخليا سياسيا وطائفيا وأثنيا والتي تخضع لتأثيرات خارجية عربية وأجنبية.
ب- السياسات الداخلية والخارجية في كل قطر من الأقطار العربية تختلف بعضها عن البعض ولا تلتقي في نقاط مشتركة إلا إذا ما قرره الملك أو رئيس البلاد ذلك ولغرض ما وهذه الخلافات تشكل عائق في طريق تشريع ضوابط المصالح المشتركة للأمة العربية جمعاء.
ت- الخلافات السياسية والشخصية بين الحكام العرب وإرتباطات حكومات دولهم بمعاهات عسكرية وسياسية وإقتصادية مختلفة مع حكومات ومصالح الدول الكبرى المختلفة تشكل عائق في طريق تصفية الأجواء من أجل العمل لمصلحة الأمة العربية جمعاء. وفي الحقيقة وفي كثير من الأحيان يتأمر حكام العرب بعضهم على بعض.
ث- الدول العربية دول ضعيفة وليست مستقلة القرار ومعرضة للإبتزازات من قبل القوى الخارجية التي تتدخل في شؤونها الداخلية وفي إتخاذ قراراتها في السياسة الخارجية مما يؤدي الى خلق فجوات الخلاف والصراع فيما بينها.
ج- حكومات الدول العربية حكومات قمعية لشعوبها وتتأمر على دول عربية أخرى من أجل أرضاء قوى خارجية معينة التي تحميها للبقاء في دفة الحكم.
ح- حكومات الدول العربية تفتقد الثقة فيما بينها ولا تلتزم بالإتفاقات والمعاهدات الموقعة بينها ولاتحترم حقوق المواطن العربي في التنقل والعمل بحرية في أرجاء الوطن العربي. وبعكس ما يحدث في الدول الأوربية حيث أن بإستطاعة المواطن الأوربي العادي التنقل من دولة الى دولة أوربية أخرى بهويته الشخصية والعمل في جميع الدول الأوربية دون عائق نرى أن المواطن العربي لا يستطيع أن يدخل الدول العربية إلا بترخيص الفيزة وفي بعض الأحيان يمنع من الحصول على فيزة والدخول الى تلك الأقطار. بعض البلدان العربية وخصوصا الإمارات الخليجية منها تفضل إستيراد الأيدي العاملة الأجنبية بدلا من أن توظف مواطني الدول العربية الأخرى. هذه الظاهرة جعلت نسبة السكان الأصليين من العرب المتواجدين في هذه الإمارات أقل من 10% من مجموع السكان القاطنين والعاملين فيها. كذلك أن اللغة المهيمنة في التعامل اليومي في هذه الإمارات هي اللغة الإنكليزية والفارسية بدلا من اللغة العربية. هذا التغير الديماغوغي واللغوي يشكل مصدر قلق على مصير هذه الإمارات في المستقبل القريب والبعيد، لأنه كان من الأفضل على هذه الإمارات إستيراد الإيادي العاملة العربية بدلا من الأيادي العاملة الأجنبية ليس فقط للمحافظة على كيانها العربي الأصيل بل أيضا لتقليل نسبة البطالة في الأقطار العربية المصدرة لهذه الأيادي العاملة وبقاء السيولة النقدية من العملة الصعبة ضمن إقتصاد الدول العربية.
خ- الخلافات الشخصية بين رؤساء وملوك الدول العربية أو نظمها لا تؤدي بعض الأحيان فقط الى أزمات سياسية وقطع العلاقات الديبلوماسية بين تلك الأقطار المتخالفة بل ايضا الى إهانة وطرد القوى العاملة التابعة لتلك الأقطار من البلاد المتنازعة. أبسط مثال على ذلك هو طرد العمال المصريين من ليبيا حينما حدث خلاف بين الرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس المصري السابق أنور السادات في أواسط عام 1976. نفس السيناريو حدث حينما طردت ليبيا اللاجئين الفلسطينيين العاملين في ليبيا ورمتهم على الحدود المصرية حينما حدث خلاف بين معمر القذافي ومنظمة التحرير الفلسطينية. قبل ذلك وفي زمن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حدثت مشاكل مع المواطنين المصريين في الجزائر. مثال أخر هو منع نظام حافظ أسد دخول العراقيين الى سوريا في العقد التاسع من القرن الماضي بسبب الخلاف مع النظام الوطني في العراق حيث منع على العراقيين الحصول حتى على تأشيرات للدخول الى هذا القطر العربي الذي حمى الجيش العراقي الباسل عاصمته دمشق من السقوط بأيدي الصهاينة في حرب أوكتوبر عام 1973.
د- الإعلام العربي إعلام مسير مدسوس ومخترق وفي كثير من الأحيان مرتبط بجهات أجنبية معادية لمصالح وطموحات الأمة العربية حيث أنه ينشر الأخبار والدعيات المدسوسة والمغرضة من أجل خلق الإرباك والوهن والضعف والشك في عقول ونفوس جماهير الشارع العربي وغرف نومهم وذلك لترسيخ روح الإنهزامية والتفرقة والتقوقع الإنبطاحي فيهم. كذلك يخلق روح العداء والفتنة والأقتتال فيما بينهم لأسباب تافهة وهذا ما حصل فعلا في مصر والسودان بعد مبارات كرة القدم بين فريقي مصر والجزائر والذي أدى في النهاية الى أزمة ديبلوماسية بين مصر والجزائر والسودان.
ذ- غياب دور الأحزاب القومية والقوى التقدمية في تضييق الفجوة الخلافية بين الأقطار العربية لأسباب عديدة منها أولا، غياب دور هذه الحزاب في التأثير على حكوماتهم ثانيا، أن هذه الأحزاب ممنوعة من العمل السياسي في البلدان العربية أو ثالثا، أنها غير موجودة أصلا في بعض الأقطار العربية أو انها متواطئة مع حكوماتها. القوى اليسارية المتمثلة في الأحزاب الشيوعية لا تمتلك في خطابها مسألة مصلحة الأمة العربية والإنتماء القومي لها لأنها أحزاب أممية لها إرتباطها ومصالح مع قوى خارجية معادية لطموحات الأمة العربية في التوحد والتكامل، وقد أظهرت التجربة بعد إحتلال العراق أن هذه الأحزاب (بإستثناء بعد التنظيمات الشيوعية) أحزاب عميلة للإمبيريالية الصهيو-أمريكية ولا تلتزم بمبادئها الماركسية المعادية للرأسمالية والمد الإستعماري الإمبريالي الغربي. تجربة إحتلال العراق أيضا فضحت العقول العفنة للبعض من المحسوبين على التيار القومي العربي حيث أن الكثير من كتاب وقادة هذا التيار لهم الميل الى تبرير الدور ألإيراني القذر في الدول العربية وفلسطين وغض النظر عن الجرائم التي يقترفها نظام ولاية الفقيه الإيراني في العراق المغتصب بحجة أن هذا النظام يؤيد القضية الفلسطينية واللبنانية ويمد يد العون الى حركة حماس في غزة وحزب الله اللبناني الذي هو اصلا حزب شيعي طائفي وموالي لنظام ملالي قم وطهران والمعادي للمقاومة العراقية المسلحة الباسلة وطموحات الأمة العربية.
2- الأزمات الإقتصادية والأخلاقية ما عدا سير الأحداث الإيجابية في العراق بعد ثورة 17-30 يوليو/تموز عام 1968 ونجاح تأميم نفطه وتسخير موارده لبناء الوطن صناعيا وعلميا وعسكريا وتحسين الظروف المعاشية لشعبه ولحد نهاية عام 1990 رغم ظروف حرب الثمان سنوات مع إيران فإن الأمة العربية ومنذ هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 ولحد يومنا هذا كانت ومازالت تعاني من الهزائم المستمرة أمام التحديات الداخلية والخارجية منها الإقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والعسكرية والصحية حيث أن المواطن العربي العادي في جميع الأقطار العربية كان ومازال يعاني من أزمات البطالة وشدة الفقر والجوع المدقع وجهل الوعي الفكري والسياسي ويعاني أيضا من الأمراض النفسية والسريرية بينما حكام البلدان العربية وعوائلهم وأقرباهم وحاشياتهم والمستفيدين من بقاء هؤلاء الحكام في دفة الحكم ينعمون بخيرات الشعب وعلى حساب عموم الشعب حيث أن وفي كثير من الأمثلة اصبحت خيرات الشعب وموارده المالية ملك صرف لهؤلاء الحكام وعوائلهم والأقربون منهم يتصرفون بها حيث ما أرادوا وحيث ما شاءوا. مثال على ذلك هو سيطرة العائلة المالكة في السعودية وحكام الإمارات الخليجية على الموارد المالية للصادرات النفطية وإستخدامها ليس فقط في مشاريع البناء الشكلية داخل تلك الدول وخارجها بل أيضا في التأمر على البلدان العربية مثل العراق وسوريا ولبنان، وكذلك في المضاربات المالية وشراء العقارات في الدول الأوربية والولايات المتحدة واليابان وشراء الأسهم في البنوك وشركات صناعة السيارات والأسلحة الغربية. بسبب تلك المضاربات والمغامرات المالية فقد خسرت إمارات الخليج العربي والسعودية مئات المليارات من الدولارات (حوالي 350 مليار) خلال الأزمة الإقتصادية والمالية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية وعصفت بكل إقتصاديات العالم وأخيرا وصل التلكأ الإقتصادي الى دبي التي عجزت عن دفع ديونها المستحقة الأن والتي تقدر بأكثر من 80 مليار دولار أمريكي. فلو أستغلت هذه الأموال العربية في إستثمارات داخل الوطن العربي خصوصا في الأقطار الفقيرة لتطوير الإنسان العربي ولخلق فرص عمل للمواطنين العرب من خلال بناء المصانع ومعاهد البحوث الطبية والصناعية، وبناء المستشفيات والمدارس والقضاء على الأمية ومساعدة الجامعات لرفع المستوى التعليمي، وتحسين اساليب الإنتاج الزراعي والحيواني ....الخ لما ذهبت تلك الأموال مهب الريح هباءاً منثورا وفي جيوب مدراء كبار البنوك الأمريكية والمضاربين في الأسواق المالية. لقد كتبنا سابقا عدة مقالات بهذا الخصوص منها كانت: فقاعات دول وإمارات الخليج العربي... متى تنفجر؟!!!، دولار النفط العربي في خدمة الخطط الصهيوأمريكية لتدمير العروبة والإسلام، مملكة الشر السعودية وجدارها العازل إلى أين؟!!!
إضافة الى ذلك يعتمد بقاء الكثير من الدول العربية على المعونات والصدقات الخارجية من الغرب وغير الغرب وأن كثير من تلك المعونات تنتقل الى جيوب الحكام وفي حساباتهم في البنوك والمصارف في الدول الغربية.
3- الأزمات العرقية والدينية والطائفية والحروب الأهلية فيما عدا الحالة في العراق - حيث أن الأقلية الكردية التي تشكل الأكثرية السكانية في الشمال الشرقي للوطن والتي تسيرها سياسيا وتسيطر على مقدراتها أحزاب إنفصالية وعصابات مسلحة لها إرتباطات خارجية بالحركة الصهيونية العالمية والإستعمار الغربي وشركات النفط الإحتكارية ومنذ تأسيس الدولة العراقية والتي شكلت للحكومات العراقية المتعاقبة عقبات في طريق التنمية والأستقرار - تعيش في العالم العربي أقليات عرقية ودينية وطائفية بصورة متأخية نسبيا دون مشاكل رئيسية. لكن في منتصف العقد السابع من القرن الماضي ولحد عام 1991 حدثت مناوشات وحروب أهلية كثيرة في لبنان نتيجة الصراعات الحزبية الداخلية والتدخل الخارجي في السياسة الداخلية والخارجية اللبنانية سببها طبيعة الدستور والتكوينة الشعبية اللبنانية وأيضا تواجد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم عام 1948 والتدخل الصهيوني المستمر في لبنان الذي يبغي زعزعة الأمن اللبناني ومطاردة قيادات وكوادر المقاومة الفلسطينية خصوصا في الجنوب اللبناني، كذلك حدثت حرب اهلية في لبنان بعد إنتهاء حرب عام 2006 بين حزب الله والكيان الصهيوني. في مصر هناك مشاكل مستمرة وبشكل متقطع بين الأقباط والمسلمين، وفي اقطار المغرب العربي هناك مشاكل مع البربر وحقهم بإستعمال لغتهم المسمات بالأمازيغية. في السودان كانت وماتزال هناك مشاكل في جنوبه رغم الإتفاق مع قيادة حركة التمرد السوداني ومشاركتهم في الحكم، كذلك هناك مشكلة كبيرة معقدة وحروب في منطقة دارفور. كذلك هناك حروب اهلية في الصومال ومنذ عام 1991 ولحد يومنا هذا. هناك أيضا بعض المشاكل مع الأقلية الكردية في سوريا لكنها ليست ظاهرة للعلن وكما هي الحالة في العراق والدول المجاورة.
أما من ناحية المشاكل الطائفية فإن العرب والمسلمين الذين يتبعون الدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية الصحيحة أناس مسالمون وليسوا طائفيون على الرغم من وجود خمسة مذاهب رئيسية في الدين الإسلامي. لم يكن هناك صراع طائفي واسع في عصرنا الحديث قبل تأسيس الأحزاب الدينية الشعية والسنية، وكذلك لم تحدث صراعات بين السنة والشيعة في الدول العربية قبل مجيئ خميني الى الحكم في إيران بعد سقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979 نتيجة لثورة شعبية عارمة إشتركت فيها جميع قطاعات الشعب الإيراني وقواها السياسية المختلفة. لكن هذه الثورة إنحرفت عن مجرها بعد سيطرة خميني وأتباعه من رجال الدين الطائفيين الشيعة ومريديهم من عامة الناس على الحكم ومطاردة وتصفية القوى اليسارية والوطنية الإيرانية جسديا، التي لعبت دورا مهما وأساسيا في إسقاط حكم الشاه. الجناح الشيعي الذي يمثله خميني يختلف تماما عن المذهب الشيعي الجعفري لأنه جناح محرف ومنحرف وأدخلت فيه خزعلات دينية وأساطير لا يصدقها العقل السليم. لقد نصب الخميني نفسه كفقيه وممثل للرب في الأرض ووكيل الإمام المهدي المنتظر وبهذا أحدث ما يسمى بنظام ولاية الفقيه في المذهب الشيعي الخميني الصفوي. كان لخميني طموحات قومية فارسية لإعادة تأسيس الإمبيراطورية الفارسية التي أسقطها العرب المسلمون في معركة القادسية الأولى في 13 شعبان عام 15 للهجرة المصادف لسنة 635 ميلادية بقيادة الفارس العربي سعد بن أبي وقاص، ولهذا أعلن (الخميني) بأنه يبغي تصدير الثورة الإيرانية الى الدول العربية والإسلامية إبتداءاَ من العراق، بمعنى أخر أنه كان يوظف الدين والدجل المذهبي الديني من أجل تحقيق طوموحاته القومية.
قبل إستيلائه على الحكم في إيران وأثناء مكوثه في العراق في النجف الأشرف لمدة خمسة عشر سنة وقبل إنتقاله لفرنسا أثناء الإنتفاضة الشعبية على الشاه كانت للخميني علاقات وطيدة مع حزب الدعوة الشيعي العراقي الذي أسسه محمد باقر الصدر وسبعة أخرين من ردفائه عام 1957. بعد إستيلائه على الحكم أخذ نظام خميني بالإعتداءات التحريضية على المدن والقصبات العراقية وإحتلال قواته للعديد من المخافر العراقية المتاخمة للحدود الإيرانية وفي نفس الوقت كان يحرض شيعة العراق المنتمين الى حزب الدعوة المحضور في ذلك الوقت الى الإنتفاضة وقلب نظام الحكم البعثي في العراق، وكذلك كان يطلق الشعارات البراقة الخاوية بتحرير مدينة القدس مرورا بكربلاء وبغداد بعد تغيير النظام العراقي. وفي هذا السياق، فقد أمر خميني صاحبه محمد باقر الصدر - الذي أراد الهرب الى إيران بعد تضيق النطاق حول فعاليات حزب الدعوة التخريبية في العراق - أن يبقى في العراق وإستلام السلطة في حالة قلب النظام العراقي إلا أن قوات الأمن العراقية ألقت القبض عليه وحكم عليه بالإعدام ونفذ ذلك الحكم بحقه في أبريل عام 1980.
الإعتداءات الإيرانية على العراق إستمرت على الرغم من مئات الشكاوي والإحتجاجات (293 شكوى) التي قدمتها الحكومة العراقية بهذا الخصوص الى السفارة الإيرانية في بغداد والى الأمم المتحدة والجامعة العربية، ولهذا فلقد قام العراق في 22/9/1980 بشن حرب دفاعية ضد إيران إستمرت لمدة ثمانية أعوام خسرت إيران الخمينية تلك الحرب وتجرع خميني في 8 اغسطس/آب 1988 سم هزيمته في تلك الحرب التي أطلق عليها معركة القادسية الثانية أو قادسية صدام.
أثناء تلك الحرب شكلت إيران حزب معارض شيعي طائفي جديد إسمه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة - محمد باقر الحكيم - المتكون من الأسرى العراقيين الشيعة (التوابين) وبعض أعضاء حزب الدعوة الذين هربوا الى إيران والتبعية الإيرانية الذين هجرهم العراق الى موطنهم الأصلي إيران بعد الأعمال التخريبية التي قام بها حزب الدعوة في العراق في أواخر العقد السابع من القرن الماضي. كوادر هذا الحزب قاموا بأعمال إجرامية ضد الأسرى العراقيين يدمى لها الضمير الإنساني.
الدول العربية خصوصا الخليجية منها ساعدت العراق إقتصاديا أثناء حربه ضد إيران من خلال منح القروض والتسهيلات المالية له وذلك لوقف مد تصدير ثورة الخميني الطائفية عند حدوده قبل أن يمتد الأخطبوط الصفوي الى عقر ديارهم لأن الخميني في ذلك الوقت كان يهدد بتصدير الثورة الإيرانية الى منطقة الخليج العربي من خلال تحريض الشيعة العرب القاطنين في شرق شبه الجزيرة العربية والكويت على الثورة والعصيان. نظام خميني لم يتوقف عن نشر أفكاره الصفوية على الرغم من إستمرار الحرب الضروس مع العراق حيث أن نفوذ الأحزاب الشيعية الصفوية الموالية له أخذ يزداد في العقد الثامن من القرن الماضي في سوريا والجنوب اللبناني والمغرب العربي وحتى في أواسط القارة الأفريقية في نايجيريا.
بعد إنتهاء حرب الخليج الثانية وخروج العراق من الكويت عام 1991 أخذ النفوذ الشيعي الصفوي الموالي لإيران يستعيد نشاطه بصورة سرية في العراق ودول الخليج العربي واليمن وسيطر سيطرة تامة على الجنوب اللبناني من خلال فعالية حزب أمل وحزب الله اللبنانيين ... هذا النفوذ أخذ بالإزدياد خصوصا بعد الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 الذي ساهمت فيه إيران مساهمة فعالة وكما إعترف به العديد من كبار المسؤولين في الحكومة الإيرانية وعلى رأسهم علي أبطحي الذي كان نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي. قادة وكوادر الأحزاب الشيعية الصفوية الموالية لإيران التي كانت تعيش في إيران وسوريا دخلت مع الإحتلال الى العراق وسيطرت بعد ذلك مع الأحزاب الكردية العميلة على زمام الحكم بمساعدة إدارة الإحتلال والمرجعية الشيعية في العراق المتواطئة مع قوات الإحتلال من خلال إصدار الفتاوي الدينية التي منعت شيعة العراق العرب من التصدي لتلك القوات. عناصر وكوادر الأحزاب الشيعية الصفوية وعناصر البيشمركة الكردية عاثت في أرض العراق فسادا وقامت بأبشع الجرائم - بحق وطنيي وأشراف العراق - التي يدمى لها جبين الإنسانية وبموافقة قوات الإحتلال وقامت بتدمير البنى التحتية للعراق ونهبت أمواله وخيراته النفطية وكذلك قامت بتأجيج الصراعات الطائفية والنزاعات القومية العنصرية الشوفينية فيه. قيادات الأحزاب الشيعية والأحزاب الكردية تسعى الى تقسيم العراق الى ثلاث اقسام حسب الخطط الصهيو-أمريكية لإضعاف العراق وإبعاده عن محيطه العربي.
أيران أيضا أججت الصراع الطائفي في اليمن من خلال تحريك المتمردين الحوثيين الشيعة الموالين لها في محافظة صعدة اليمنية وتزويدهم بالمال والسلاح من أجل السيطرة على اليمن وتوسيع رقعة النفوذ الإيراني الصفوي في منطقة البحر الأحمر والسيطرة على منطقة باب المندب. التمرد الحوثي توسع الأن ووصل الى مناطق الحدود الشمالية لليمن المتاخمة للحدود السعودية ذات الطبيعة الجبلية حيث أن تلك المناطق تعيش الأن أحداث دامية وحرب مفتوحة بين القوات السعودية وعناصر التمرد الحوثي الذين يحاولون التسلل داخل الأراضي السعودية. النفوذ الإيراني وكما ذكرنا أعلاه نفوذ قوي في جنوب لبنان من خلال حزب حركة أمل وحزب الله وكذلك لإيران نفوذ في قطاع غزة من خلال تقديم الدعم السياسي والمعونات المالية لحركة حماس الفلسطينية المسيطرة على ذلك القطاع. كذلك لإيران خلايا شيعية صفوية نائمة في الأردن وفي مصر وفي جميع دول المغرب العربي.
الأحداث الطائفية الدامية التي حصلت في العراق بعد الإحتلال وفي لبنان عام 2006 والتمرد الحوثي المسلح المستمر الأن في اليمن وفي المناطق الجنوبية للسعودية، إضافة الى الأحداث التي تحصل في الصومال وفي منطقة دارفور وجنوب السودان غايتها الأساسية خلق حالة الفوضى وعدم الإستقرار في الأراضي العربية من أجل تقسيم وتفتيت وتشرذم الأقطار العربية وهدر المال العربي وإشغال الشعب العربي بأمور معقدة كي يغض الطرف عن التفكير بأموره المسقبلية.
4- مشكلة الجامعة العربية بذرة فكرة تأسيس الجامعة العربية هي بالأساس فكرة بريطانيا دعى لها وزير الخارجية البريطانية أنتوني إيدين في إحدى خطاباته عام 1941 إستعطافا لشعور البعض من المفكرين العرب الذين كانوا يتطلعون لتحقيق نوع من أنواع الوحدة وجمع شمل العرب وتقوية روابطهم الثقافية والسياسية والإقتصادية، وفي بداية عام 1943 صرح أنتوني أيدن في مجلس العموم البريطاني أن "حكومته تنظر بعين العطف الى كل حركة بين العرب ترمي الى تحقيق وحدتهم الإقتصادية والثقافية والسياسية". في عام 1944 وبدعوة من رئيس وزراء مصر مصطفى النحاس عقد إجتماع في القاهرة بينه وبين رئيس الوزراء السوري جميل مردم بيك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري. بحثت في ذلك الإجتماع مسألة إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها. في آذار/مارس 1944 أعلن رئيس الوزراء المصري إستعداد حكومته الإتصال بالحكومات العربية وإستطلاع أرائها حول مناقشة فكرة قيام الوحدة. وفعلا حصلت مشاورات ثنائية بين الجانب المصري وممثلين عن كل من سوريا والأردن والعراق ولبنان واليمن والمملكة العربية السعودية والتي تمخضت عن خروج إتجاهين حول موضوع الوحدة. الإتجاه الأول، دعى الى تكوين وحدة إقليمية فرعية أو جمهورية عمادها سوريا الكبرى (الهلال الخصيب). أما الإتجاه الثاني فقد كان متفرعا الى شقين. الشق الأول منه دعا الى تكوين وحدة أكبر وتشتمل على وحدة جميع الدول العربية المستقلة في كيان فيدرالي أو كونفيدرالي بينما الشق الثاني كان يدعو الى وحدة وسطية يتحقق فيها التعاون والتنسيق بين الدول المنضمة الى الجامعة العربية في سائر المجالات وتحافظ فيه هذه الدول على إستقلالها وسيادتها. وخلال إجتماعات اللجنة التحضيرية المتكونة من ممثلين عن مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان واليمن (بصفة مراقب) التي عقد في سبتمبر/أكتوبر عام 1944 في القاهرة نجح الإتجاه الذي كان يدعو الى إقامة وحدة وسطية بين الدول العربية المستقلة والتي فيها تحتفظ هذه الدول على إستقلالها وسيادتها.
يبدو مما ذكر أعلاه - في السرد التاريخي المختصر حول إقامة الجامعة العربية وأرجحية ألإتجاه الداعي الى عدم تنازل الأقطار العربية المنضمة الى هذه المنظمة عن إستقلالها وسيادتها من أجل تحقيق وحد عربية شاملة أرضا وشعبا - أن بذرة شجرة الفرقة والتفرقة والشرذمة وإستحالة تحقيق هذا الحلم العربي الملح قد زرعت منذ إستهلال إنشاء هذه المنظمة المشلولة وأن جذور التشرذم العربي الخرقاء المعتمة قد ثبتت مع مرور الزمن في أرض الواقع العربي وفي أدمغة الحكام العرب والكثير من أبناء الأمة العربية. الجامعة العربية أخفقت في تحقيق أي شيئ من الطموحات التي كان يتطلع لها الشعب العربي منذ الإنعتاق من هيمنة الإمبيراطورية العثمانية.
البعض من إخفاقات الجامعة العربية:
- أخفقت في توصيل وشرح القضية الفلسطينية وشعبها المغدور على المستوى العالمي قبل وبعد قيام الكيان الصهيوني المسخ في الأراضي الفلسطينية المحتلة. - أخفقت في حل المشاكل والنزاعات بين الدول العربية الأعضاء فيها. - أخفقت في الحث والدعوة الى توحيد الأقطار العربية. - أخفقت في تحقيق الوحدة السياسية والتكامل الإقتصادي بين الأقطار العربية. - أخفقت في المساهمة في حل النزاعات بين الدول العربية والدول المجاورة لها. - أخفقت في العمل على مناهج دراسية موحدة في الأقطار العربية. - أخفقت في ضبط الإلتزام بمعاهدة الدفاع العربي المشترك. - أخفقت في حل مشكلة الصحراء الغربية أو العداء المزمن بين المغرب والجزائر. - أستخدمت من أجل إعلان الحرب على العراق عام 1990-1991 ولم تحتج على مشاركة جيوش عربية مع قوات الحلف الثلاثيني تحت قيادة الولايات المتحدة لضرب العراق. - شاركت في مؤامرة مدريد لتمييع القضية الفلسطينية والمصالحة مع العدو الصهيوني. - شاركت في ولم تحتج على فرض الحصار الجائر على العراق من قبل الأمم المتحدة ولم تعمل شيئ من أجل كسر ذلك الحصار.
- تأمرت على العراق بعد إحتلاله وساعدت على شرعنة الإحتلال من خلال الإعتراف التقني بمجلس الحكم المحلي العميل وإعطاء كرسي العراق في الجامعة العربية الى ممثلي الإحتلال من عراقيين ومستعرقين عملاء أمريكا وإيران.
- إعترفت بحكومات الإحتلال المتتالية في العراق من خلال إرسال مبعوثين لها مقيمين في المنطقة الخضراء وإتصالها المباشر عن طريق عمرو موسى مع الإيراني علي السيستاني وحثت الدول العربية على إرسال مبعوثين وسفراء لها الى المنطقة الخضراء.
- أخفقت في توصيل صوت المقاومة العراقية المسلحة الباسلة في المحافل الدولية ولم تدافع عنها أو تحميها أو تسندها على الرغم من شرعية هذه المقاومة حسب القوانين والأعراف الدولية والشرعية السماوية.
- أخفقت في حل مشكلة الجنوب السوداني ومشكلة دارفور.
- أخفقت في منع وفضح الإعتداء الصهيوني على غزة وعلى الجنوب اللبناني.
بهذا أصبحت الجامعة العربية مجرد أداة للإنبطاح والتشرذم العربي بيد الرجعية العربية ووزارة الخارجية الأمريكية وتعمل المستحيل على تقويض أحلام وأمال وطموحات شعبنا العربي خصوصا بعدما أصبحت تحت سلطة رئيسها البيروقراطي عمرو موسى الذي لا يحل ولا يربط.
5- أزمة ضعف الأمة العربية السياسي والعسكري الأمة العربية أمة ضعيف سياسيا وعسكريا على الرغم من إمتلاكها طاقات بشرية كبيرة وخيرات هائلة ومتعددة وأموال ضخمة يمكنها من خلالها الدفاع عن مصالحها الحيوية والتأثير السياسي في المسرح الدولي. سبب هذه الضعف هو تشرذم الأقطار العربية وتعدد ولائاتها الى قوى خارجية وعدم إستطاعة حكامها الوصول الى صيغة توافقية ثابتة في أتخاذ القرارات الحاسمة والصائبة والهادفة من أجل حماية حقوقها وتعزيز موقعها على المستوى الإقليمي والعالمي. هذا الضعف المزمن جعل العديد من الأقطار العربية الى الإستسلام الى الإمبريالية الأمريكية والرضوخ الى شروطها والخنوع الى الكيان الصهيوني والإعتراف به وتبرير افعاله القمعية والإجرامية ضد شعبنا العربي الفلسطيني المغدور. كذلك عدم إستطاعة الحكام العرب الى الوصول الى صيغة معينة للتعامل مع إيران الخمينية جعل حكام الأخيرة يستهزؤن بالحكام العرب خصوصا حكام إمارات الخليج العربي ويشتمونهم في عقر دارهم حينما كانوا يطلقوا على الخليج العربي إسم الخليج "الفارسي" ويطالبون بضم البحرين الى إيران إضافة الى ضم الجزر الخليجية الثلاثة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى) وقمع شعب الأحواز العربي والتدخل السافر في العراق المحتل. الضعف المخزي إتجاه إيران الصفوية حدى بالكثيرة من المسؤولين الكبار في الإمارات الخليجية من ضمنها إمارة كاظمة الى زيارة طهران وإعلان الطاعة لحكامها من خلال توقيع بروتوكولات تقوية العلاقات التجارية والسياسية خوفا من تأجيج الصراعات الطائفية فيها من خلال عملاء إيران من الشيعة الصفوية القاطنين في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية.
جيوش الأقطار العربية في أغلب الأحيان تستعمل سلاحها المتعدد المصادر ليس للدفاع عن حقوق الأمة العربية وحماية حدودها بل لقمع شعوبها ومساعدة القوى الخارجية ضد الأقطار العربية وهذا ما حصل في حرب الخليج عام 1991 وفي عملية غزو وإحتلال العراق عام 2003 حيث أن في الحرب الأولى وكما ذكرنا أعلاه ساهمت جيوش عربية في ضرب العراق تحت قيادة القوات الأمريكية، وفي حرب غزو وإحتلال العراق ساهمت القيادات السياسية والعسكرية العربية المجاورة للعراق الى تقديم التسهيلات والخدمات اللوجستية والمخابراتية للقوات الغازية حيث أن جيوش الغزاة إنطلقت ودخلت العراق من أراضي عربية وقلعت طائراتهم من مطارات عسكرية وقواعد متواجدة في أراضي عربية هذا إضافة الى سماح النظام المصري للأساطيل الأمريكية المرور عبر قناة السويس لضرب العراق.
سبب ضعف الأمة العربية عسكريا هو عدم وجود جيش عربي واحد أو موحد ويرجع سبب ذلك أيضا الى تشرذم الأقطار العربية حيث أن العقائد العسكرية للجيوش العربية عقائد مختلفة وكذلك مصادر تسليحها ونوعية تسليحها وتدريبها ايضا مختلف. إضافة الى ذلك إنعدام التنسيق بين القيادات العسكرية في الأقطار العربية ولم نسمع في يوم من الأيام أن هذه الجيوش عملت تدريبات عسكرية مشتركة أو رسم خطط دفاعية مشتركة أو تبادل معلومات إستخباراتية عسكرية مشتركة وهذا ما لاحظناه حينما قصف الكيان الصهيوني مفاعل تموز النووي جنوب بغداد عام 1981 أثناء الحرب العراقية-ألإيرانية.
السبب الرئيسي الأخر لضعف الجيوش العربية هي إعتمادها على إستيراد أسلحتها من الخارج وعدم وجود صناعات عسكرية متطورة في العالم العربي وليس هناك معاهد بحوث لتطوير صناعة الأسلحة ولهذا فإن قابلية الجيوش العربية في الدخول في حرب طويلة مع جهة ما محدودة جدا وتعتمد على علاقة الدول المصدرة للأسلحة مع الدول المتحاربة والتي في النهاية قد تقرر مصير من الذي سيخرج منتصرا في الحرب.
ماعدا إنتصار الجيش العراقي في حرب الثمان سنوات بين إيران والعراق وصمود المقاومة العراقية المسلحة الباسلة في حربها المقدسة ضد قوات الإحتلال الأمريكي فإن الضعف المزمن في الآلة العسكرية العربية وغياب التنسيق بين جيوش الأقطار العربية أو تأمر بعضها على البعض قد أدى الى هزائم مخزية ونكبات سوداء لهذه الأمة ومن هذه الهزائم الرئيسية هي:
أ- هزيمة الخامس من حزيران عام 1967. ب- فشل حرب السادس من تشرين أول/أوكتوبر عام 1973 في تحقيق أهدافها المرجوة. ت- الغزو الصهيوني للبنان عام 1982. ث - حرب الخليج عام 1991 ومشاركة الجيوش العربية مع القوات الأمريكية في حربها ضد العراق. ج- حرب غزو وأحتلال وتدمير العراق عام 2003.
6- الأمة العربية أمة متأخرة علميا وصناعيا العالم المعاصر الذي نعايشه هو عالم العلم والمعرفة، عالم الذرة والأليكترونيات، عالم علم الجينات والوراثة الجزيئية، عالم الطاقة النووية والشمسية والرياح، عالم الصواريخ والسفن الفضائية وغزو الكواكب، عالم التخطيط العلمي للتنمية والنظرة المستقبلية للأجيال، وليس عالم الدجل والكذب وخداع النفس، وليس عالم الحروب بواسطة السيف وعلى ظهر الخيل. أنه عالم أخر ومختلف، أنه ديناميكي وحركي غير جامد.
بغض النظر عن النظام الذي يحكم في الأقطار العربية وبغض النظر عن قوة وضعف أقتصادياتها ومواردها المالية فإن جميع الدول العربية بدون إستثناء تعاني من الجهل والأمية في جميع المجالات ومتأخرة علميا وصناعيا ولم تخرج من سلة دول العالم الثالث عدا العراق في زمن الحكم الوطني الذي تأمرت عليه دول العرب وغير العرب وأجهضوا محاولته لإختراق قوقعة العالم الثالث والخروج الى عالم العلم والمعرفة والإختراعات والتصنيع والإبداع كما عملت الصين والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل من قبله. لقد أحتل ودمر العراق من قبل العرب وغير العرب وأرجع الى عهد ماقبل الثورة الصناعية. لماذا؟!!! أهذا ما يبتغيه العرب لإدامة حالة أمتهم المريضة؟!!!
ألم يكن العرب أنفسهم من جلب العار والشنار ومرض التفرقة الجهل المزمن لهذه الأمة المجيدة التي حملت الرسالة السماوية الى عامة البشر؟!!! رسالة الروح والعلم والتقدم والعدالة والرفاهية لشعوب الأرض.
يبدوا أن تعريف التنمية بالنسبة لحكام الأقطار العربية الغنية بالبترول هو إستخراج النفط من الأرض وبيعه في الأسواق العالمية ومن ثم إستثمار موارده النقدية في أسواق المضاربات المالية وشراء أو بناء القصور الفخمة والعمارات الضخمة والأبراج العالية وبيع وشراء الأسهم في الشركات الأجنبية المنتجة للأسلحة والسيارات وغيرها وليس إستثمارها في الوطن العربي من أجل تحسين رأس مال العقل العربي من خلال تثقيف الإنسان العربي وتطويره، وفتح المعامل الصناعية الثقيلة والأليكترونية لإنتاج المكائن والسيارات والطائرات، وزيادة الإنتاج الحيواني والزراعي وتحسين محاصيله، وفتح معاهد الأبحاث العلمية والطبية في كل المجالات والتخصصات، وجمع وتشجيع كل العقول العربية المبدعة والمتخصصة التي تعمل في أوربا وامريكا واليابان وأماكن أخرى من العالم للرجوع الى الوطن العربي والعمل في جامعاته ومراكز بحوثها العلمية التي من المفروض وجودها في كل الأقطار العربية من المحيط الى الخليج.
لماذا هذا الجهل والتخلف المدقع الذي يعصف بإمتنا العربية المجيدة؟!!! ماذا سيحصل لو نضب النفط وإنتهى؟!!! ماذا سكون مصير الأجيال القادمة حينما تنتهي خيرات باطن الأرض العربية؟!!! من الذي سيعيلهم ويطعمهم لو نفذت أموال النفط التي إستولت عليها العوائل المالكة والتي إستخدمتها في المضاربات المالية وشراء الأسهم والعقارات في أوربا وأمريكا، أو رؤساء الجمهوريات الذين إحتفظوا بالمساعدات الأجنبية لبلدانهم في حساباتهم وحسابات عوائلهم الخاصة في المصارف والبنوك الأوربية والأمريكية؟!!!
العمارات الضخمة والأبراج العالية لا تدوم الى الأبد بل تحتاج الى أموال طائلة لإدامتها وأيادي عاملة ذاتية لترميمها وإدارتها. من الذي سيقوم بهذا العمل بعد نفاذ الأموال ورجوع الأيادي العاملة الأجنبية الى بلدانهم الأصلية؟!!!
هل سيتراجع الإنسان العربي بسبب هذا الجهل المدقع وعدم المسؤولية الى الصحراء لرعاية الإبل مرة أخرى ومن ثم ينقرض بعد فقدان هويته كما توقعنا في مقالات سابقة؟!!!
ماهي أوجهة المقارنة مابين الذي حصل في الصين والهند والدول العربية خلال الـ 35 أو ألـ 40 عاما الماضية؟!!!
الأمة العربية المشتتة بأقطارها وقعت تحت الإحتلال العثماني لمئات من السنين بعد تدمير بغداد عاصمة الخلافة العباسية من قبل المغول وبعد سقوط الدولة العربية في الأندلس وقد جاءت فرصتها للتوحد بعد الحرب العالمية الثانية وأثناء فترة تشكيل الجامعة العربية بعد تقسيمها من خلال معاهدة سايكس بيكو، إلا أن العقلية المتخلفة والإنفصالية للمسؤولين العرب كانت سبب تشرذم الأمة والى يومنا هذا حينما أرادوا بدلا من الإتحاد الحفاظ بسيادة كياناتهم المستقلة الهزيلة وتحت حماية أسيادهم المستعمرين.
من هذا ومما ذكر أعلاه نستطيع القول بأن الدول العربية المشتتة المكون للأمة العربية - التي هي أمة متجانسة لغويا وتاريخيا وجغرافيا ودينيا وثقافيا - دول ضعيفة ومتخلفة جدا بسبب ضعف سياسات حكامها الرجعية، وولائهم للقوى الخارجية، ونظرتهم المتخلفة الغير منطقية لمستقبل أجيال الأمة العربية القادمة، وصراعاتهم الداخلية والخارجية، وكذبهم وتحايلهم وإنفصام شخصياتهم المستضعفة في التعامل مع أنفسهم ومع الأخرين. هذه الصفات السلبية قد زادت من حدة شتات وشرذمة الأقطار التي يحكمونها، وإزدادوا جهلا وتأخرا، وفقدوا كرامتهم وخسروا أموالا طائلة، وتنازلوا عن حقوق الأمة العربية في الأرض والخيرات لقوى أجنبية لمجرد حماية عروشهم وكراسيهم الخاوية والبالية. هذه السلوكية الشاذة لها إنعكاسات سلبية على مستقبل وجود الأمة العربية كأمة ذات كيان وجغرافية وثقافة واحدة.
من الناحية الأخرى وفي هذا السياق نرى أن الصين والهند كمثالين نتطرق إليهما للمقارنة كانتا من الدول الفقيرة في العقد السادس والسابع من القرن الماضي وأصبحتا اليوم من القوى الإقتصادية والصناعية والعسكرية المتصاعدة التي يحسب لها ألف حساب من قبل الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوربي على الرغم من كثرة عدد سكانها وتعدد لغات وأثنيات شعوبها ومشاكل الإضطرابات الداخلية فيها، لأن عصرنا الحاضر يعايش ظروف إستثنائية جديدة تتميز بصعود دول العالم النامية وهبوط نسبي في إقتصاديات دول العالم المتقدمة وأن ألأمة العربية المشتتة وللأسباب التي ذكرناها أعلاه قد فقدت هذه الفرصة الذهبية وأن هذه الفرصة قد لا تعد مرة أبدا قبل حدوث موعد يوم القيامة. لا نتطرق في هذا المقال الى إعجوبة إقتصاديات كوريا الجنوبية أو البرازيل.
ماذا حصل في الصين الشعبية خلال الـ 35 عاما الماضية رغم التأمر الغربي على وحدتها وكينونتها المستقلة؟!!!
تعتبر دولة الصين الشعبية ثالث دولة في العالم من ناحية المساحة السطحية (9.6 مليون كيلومتر مربع) وأكثف بلد في العالم من الناحية السكانية حيث يعيش فيها أكثر من "1.3 مليار" نسمة، أي خمس سكان العالم، وتحتوي على الأقل 56 مجموعة أثنية أو قومية مختلفة وأكبرها هي أثنية أو قومية الـ "هان" التي تشكل حوالي 92% من مجموع سكان الصين الشعبية. إضافة الى اللغات الدارجة لكل قومية من القوميات الموجودة في الصين، هناك أربعة لغات رئيسة سائدة في الصين الشعبية وهي لغة الـ "ماندرين"، لغة الـ "فو"، لغة الـ "يو أو الكانتونية"، والغة الـ " مِنْ "، ولكن لغة الماندرين هي اللغة السائدة ويتكلم بها أكثر من 850 مليون نسمة وتأتي بالمرتبة الأولى في العالم من حيث عدد الناس المتكلمين بها.
بدأت ملامح المعجزة الصينية في الصعود بعد كسر عزلتها التي أحدثتها زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في شباط/فيبراير عام 1972 الذي كان يبغي توسيع الفجوة في المعسكر الإشتراكي خصوصا بين الصين الشعبية والإتحاد السوفيتي السابق وإيجاد حل ناجع للخروج من حرب فيتنام حيث بدأ عصر الإنفتاح الصيني على الغرب وبدأت المنتوجات الصينية تغزو أسواق الولايات المتحدة الأمريكية واسواق أوربا الغربية، وكذلك بدأ نزوح الإستثمارات الغربية في الصناعات الإنتاجية في الصين الشعبية خصوصا بعد تربع "دنغ شياو بينغ" في مقعد القوة بعد إنتزاعه السلطة من "هو جوا فينغ" الذي عينه الرئيس "ماوتسيتونغ" خليفة له قبل وفاته عام 1976. عمل "دنغ شياو بينغ" إصلاحات جذرية في الإقتصاد الصيني ذات حجم كبير خصوصا بعدما خفف الحزب الشيوعي الصيني الرقابة الحكومية على حياة المواطنين الشخصية وحل الكوميونات والسماح للمزارعين بإستئجار اراضي متعددة للزراعة مما ساهمت في زيادة الحوافز وزيادة الإنتاج الزراعي. هذه الإصلاحات أحدثت تحول إنتقالي في الإقتصاد الصيني من إقتصاد مخطط الى إقتصاد مختلط مع بيئة سوق مفتوحة على نحو متزايد. لقد أطلق على هذا النظام نظام "إشتراكية السوق". التطور في الإقتصاد الصيني وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي وزيادة الإستثمارات الغربية في الصين الشعبية حدث بعد إعتماد الدستور الصيني الجديد عام 1982 من قبل الحزب الشيوعي الصيني الذي كان يعكس وجهة نظر وتصميم "دنغ شياو بينغ" على إرساء أساس للتحديث والإستقرار الداخلي. الدستور الصيني الجديد وفر الأساس القانوني للتغييرات الواسعة في المؤسسات الإجتماعية والإقتصادية الصينية وايضا أدخل تحسينات في الهيكل الحكومي.
لم يشهد العالم من قبل بأن بلد من البلدان النامية تصبح واحدة من أكبر إقتصاديات العالم حيث منذ بداية الثورة الصناعية في بريطانيا عام 1780 كان الإقتصاد القوي ومستوى المعيشة العالي محصورا في البلدان الصناعية الغربية الكبرى مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. لكن الوقت الأن مختلف حيث أن أكبر الإقتصاديات في العالم وعلى نحو متزايد سيكون في البلدان الكثيفة السكان. هذا هو الوضع الجديد، وهذا ما ذكره الصحفي والكاتب البريطاني مارتن جاكس في مقابلة تلفزيونية في محطة تلفزيون "ديموكراسي ناو" مع الصحفية الأمريكية إمي جودمان في نقاش حول كتابه "حينما تحكم الصين العالم".
يقول مارتن جاكس، لمدة ثلانون عاما ومنذ 1978 نما الإقتصاد الصيني بمعدل نحو 10% سنويا وهذا يعني أن حجم الإقتصاد الصيني قد تضاعف كل سبعة سنوات، وهذا أيضا يعني أن مستويات المعيشة الصينية قد تحسنت بشكل مزدهر خصوصا في المدن الرئيسية وفي الأرياف على الرغم من أن نصف الشعب الصيني مازال يعيش في الأرياف وأن كثيرا منهم مازال فقيرا. ولكن هذا التحول يعني أن الصين كانت مسؤولة عن الحد لأكثر من نصف الفقر في العالم على مدى الثلاثين عاما الماضية. وهذا التحول يعتبر من أبرز التحول الإقتصادي في تاريخ البشرية.
التطور الإقتصادي في الصين قد أبهر وخيب تأملات الغرب الذي كان يعتقد بأن من خلال الإستثمار في الصين سيحول الصين الى دولة مشابهة للدول الغربية، ولكن نسى الغرب بأن بروز وتطور المعجزة الصينية كانت ليس فقط من خلال إعتمادها على السوق والتكنولوجية والإبداعات الصناعية ولكن أيضا من خلال إلتزامها بتاريخها وثقافتها الخاصة. لقد عول الغرب على أحداث الشغب في الصين في منتصف ونهاية العقد الثامن من القرن الماضي - خصوصا بمطالبة الطلبة المتظاهرين بتطبيق الديموقراطية وإعطاء المزيد من الحرية الفردية، وأحداث الشغب في ساحة تيانانمين في العاصمة الصينية بكين عام 1989 - بأن الصين سوف تتقسم وأن الحزب الشيوعي الصيني سيزول أو سينهار كما إنهار الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي بعد سقوط جدار برلين. الغرب أيضا أخفق في شكه بمصداقية الصين حين إستلامها لهونك كونغ من بريطانية وإعلانها عن تعايش الإثنين في دولة واحدة لكن في نظامين مختلفين، وهذا ما حصل ولحد الأن. كذلك فشل الغرب في تنبئه بأن نمو الإقتصاد الصيني سوف لن يدوم ولكنه مازال يتألق وينمو تصاعديا.
القوة الإقتصادية للصين الشعبية جعلتها من أكبر الدول المالكة للسيولة النقدية بالعملات الصعبة واصبحت أكبر دائن للولايات المتحدة. الولايات المتحدة ألأمريكية المستمرة في إحتلالها لكل من العراق وافغانستان والمستمرة في شن عدوانها على شعبيها والتي في نفس الوقت تحاول إسناد إقتصادها المتدهور وسد عجزها المالي - بسبب تلك الحروب والأزمات الإقتصادية التي تعصف بها - من خلال إقتراض أمول من الصين. يتم الإقتراض من خلال بيع السندات الحكومية الأمريكية التي الى حد كبير تشتريها الصين وبصورة مستمرة. لحد الأن، الولايات المتحدة مدانة الى الصين بمبلغ مقداره 800 مليار دولار أمريكي. هذا يعني أن للصين قوة تأثير كبيرة على الإقتصاد الأمريكي وعلى قيمة الدولار. فلو توقفت الصين عن شراء السندات الحكومية الأمريكية أو حاولت بيع ما تملكه من هذه السندات في الأسواق العالمية – كما هددت الكويت ببيع سندات الأقتراض العراقية الى بنوك الأمريكية وتحطيم الإقتصاد وتقويض الدولة العراقي عام 1990- فإن قيمة الدولار الأمريكي ستنهار في الأسواق العالمية مع تبعات لا حصر لها على موقف الدولار كعملة إحتياطية عالمية، وعلى مركز نيويورك المالي العالمي. هذا يعني وكما ذكر مارتن جاكس في المقابلة الصحفية من إمي جودمان أن الصين قد اصبحت صيرفي للولايات المتحدة وأن الولايات المتحدة مدانة لهذا الصيرفي الكثير من الأموال، وهذا ايضا يعني أن هناك تحول في العلاقة لصالح الصين.
هناك إحتمال إيضا وحسب الأخبار الأخيرة أن الصين قد تستفيد من الأزمة المالية التي عصفت في دبي من خلال إستعمال جزءاَ من إحتياطياتها من السيولة النقدية بالعملة الأجنبية لشراء الذهب وتعزيز إحتياطياتها النفطية المستقبلية. هذه الفرصة الإستثمارية في الموارد الطبيعية قد تزيد من قوة الإقتصاد الصيني من خلال تجنب تداعيات الدولار الأمريكي الذي تملك منه الصين كميات هائلة.
الصين ستبقى هي الصين وإن نفوذها أخذا بالتوسع في اسيا وأمريكا اللاتينية وفي القارة الأفريقية التي أصبحت في زمن قصير شريك لها، وسيتخلل نفوذها اي منطقة تأتي بالإتصال معها لأن الصين الشعبية في الحقيقة ليست دولة أمة أو قومية بالمعنى الكلاسيكي المتعارف عليه وإنما هي دولة حضارة تفكر وتتفاعل مع الأحداث العالمية من منطلق يختلف عن التفكير والتعريف الغربي للدولة القومية، حيث أن طريقة التفكير الصيني يستخلص العبر من خلال شعوره وإرتباطه بتاريخه. حتى أن لغة الماندرين أخذت تتوسع جغرافيا في جنوب شرق اسيا وأصبحت تدرس إلزاميا في عدة بلدان مثل تايلاند وكوريا الجنوبية. إضافة، كان الغرب يعتقد بأن الظاهرة الصينية هي مجرد ظاهرة إقتصادية وتبين أن هذا الإعتقاد أعتقاد مضحك وسخيف لأن مع صعود أي قوة عالمية جديدة يتلازم معه دائما تأثير سياسي وثقافي وقكري وعسكري وأخلاقي، وهذا ما سيحصل بمرور الزمن في الوقت المناسب في الصين. هذا يعني أن نفوذ الغرب العالمي سينتهي تدريجيا بمرور الزمن، لكنه لا يعني أن أمريكا والدول الغربية سيكونون أقل ثراءاَ، لكن سوف لن يكون بإستطاعتهم صياغة صورة العالم كما كانت عليه الحالة خلال الستين عاما الماضية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية. بالمقابل، سيزداد التأثير الصيني مستقبلا في المسرح العالمي ويصبح أكثر تأثيرا مما هو عليه الأن وكما ذكرنا اعلاه أن النفوذ الصيني قد توسع في شرق أسيا وامريكا اللاتينية وخصوصا في القارة الأفريقية.
الصين وكما هو معروف عنها دولة نووية ومنذ العقد السادس من القرن الماضي ولها أكبر جيش في العالم (جيش التحرير الصيني) يتكون من حوالي 2.5 مليون جندي في الخدمة الفعلية ويضم هذا الجيش القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية. إضافة الى إمتلاكه لقوة نووية إستراتيجية فإن الجيش الصيني يمتلك أيضا قوة صاروخة وبالستية ضاربة، ووسائل الرصد والإعتراض الأليكترونية. تصنع الصين أسلحتها الخاصة من الدبابات والدروع، وتستورد أيضا أسلحة من روسيا خصوصا في مجال القوة الجوية والأسلحة البالستية والتي أدخل عليها بعض التحسينات خصوصا نظام سلاح صواريخ أرض-جو المعروفة بـ أر-300. الصين أيضا غزت الفضاء الخارجي وتعتبر ثالث دولة في هذا المجال بعد روسيا وأمريكا.
المعجزة الإقتصادية الهندية مستمرة في التطور والقوة
كانت الهند في العصور الغابرة مهد لحضارة وادي السند التي كانت لها علاقات تجارية مع الحضارة الصينية وحضارات وادي الرافدين، وتكونت في شبة القارة الهندية العديد من الإمبيراطوريات المعروفة بثرواتها الثقافية ونشطاتها التجارية مع الحضارات المجاورة. نشأت فيها أيضا ديانات عديدة مثل الديانة الهندوسية والبوذية والسيخية والجاينية ودخلت فيها نتيجة الغزواة والفتوحات ديانات أخرى مثل الزرادشتية والإسلام والمسيحية.
أعتبرت الهند سابقا جوهرة من جواهر التاج البريطاني أثناء فترة إستعمارها لكثرة خيراتها وكبر مساحتها الشاسعة وموقعها الجغرافي، وكثافة سكانها، ووفرة اياديها العاملة الرخيصة التي كانت تستغل من قبل شركات الدولة الإستعمارية. بعكس ما حدث في الصين التي حررت عام 1949 من خلال حرب شعبية طويلة الأمد قادها زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماوتسي تونغ والذي حكمها بيد من حديد وفرض فيها نظام الديكتاتورية البروليتارية، تحررت الهند من الإستعمار البريطاني عام 1947 من خلال كفاح شبه سلمي تميز بالعصيان المدني والمقاومة الغير عنفية التي إختلقها وطبقها المهاتما غاندي.
تعرضت الهند خلال وبعد الإستقلال من بريطانيا الى عنف دموي وإضطرابات دينية وعرقية عنصرية بين الهندوس والسيخ من جهة والمسلمين من جهة أخرى راح ضحيتها مئات الألاف من كلا الطرفين وهجر الملايين من أماكن سكناهم وتقسمت شبه القارة الهندية وخلقت على إثر ذلك العنف الدموي والإنقسامات الدينية دولة باكستان المسلمة بشطريها الشرقي (باكستان الشرقية، بنغلادش الحالية) والغربي (دولة باكستان الحالية)، وفي عام 1950 أصبحت الهند جمهورية فيدرالية برلمانية لها دستور، وطبق في إسلوب حكمها النظام البرلماني الديموقراطي الغربي مع الإحتفاظ بخصوصية المجتمع الهندي.
خاضت الهند بعد إستقلالها حروب حدودية متعدد مع الصين والباكستان. الحرب الباكستانية الهندية التي حصلت عام 1971 خسرتها الباكستان وأدت الى إنفصال باكستان الشرقية وإقامة دولة بنغلادش المستقلة. كذلك كانت وماتزال الهند تعاني من تحديات إنفصالية وعنف داخلي، لكن ليس لهذه التحديات أي تأثير على وحدة البلاد.
تعتبر الهند الدولة الديموقراطية الأكبر من حيث عدد السكان في العالم وتأتي بالدرجة الثانية بعد الصين من ناحية الكثافة السكانية، ويقدر عدد سكانها بأكثر من 1.1 مليار نسمة (حوالي 17% من مجموع سكان العالم)، ويسكن معظمهم (حوالي 70%) في المناطق الريفية إلا أن ألنزوح الى مراكز المدن الرئيسية قد إزداد في العقود الأخيرة نتيجة للتطور الإقتصادي. توجد في الهند لغتين هنديتين رئيسيتين ولغات فرعية كثيرة أخرى تستخدم محليا في الولايات الهندية، هذا بإضافة الى اللغة الأنكليزية التي تستخدم على نطاق واسع في التعليم والتجارة والإدارة.
حكمت الهند في أكثر الفترات ما بعد تأسيس الجمهورية عام 1950 ولحد نهاية العقد الثامن من القرن الماضي من قبل حزب المؤتمر الوطني الهندي - الذي كان يمتلك أغلبية المقاعد في البرلمان الهندي - المتحالف مع أحزاب إشتراكية ويسارية وإتبعت تلك الحكومات سياسات متأثرة بالإشتراكية حيث تم تقييد الإقتصاد بنظام شامل الذي إنتشر فيه الفساد وبطء النمو الإقتصادي. لكن وعلى الرغم من ذلك شهدت الهند في تلك الفترة زيادة هائلة في الإنتاجات الزراعية خلال الثورة الخضراء وتحسن المستوى المعاشي للسكان خصوصا في الطبقة الوسطى، وتجنبت الهند المجاعات لكن حوالي نصف عدد الأطفال فيها كانوا ومازالوا يعانون من نقص في التغذية وفي الوزن.
التغير الجذري في الإقتصاد الهندي حصل في بداية العقد التاسع من القرن الماضي حيث أن الدولة إنتقلت من النظام الشمولي البيروقراطي شبه الإشتراكي الى النظام القائم على السوق - الذي تخلص من سيطرة بيروقرطية الدولة على قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات - وذلك بسبب حصول أزمة حادة في ميزان المدفوعات الهندي. هذا التغيير أدى الى تشجيع الإستثمارات الإجنبية في الهند وأيضا شدد على تحفيز التجارة الخارجية كجزء مكمل للإقتصاد الهندي. وفعلا تسرب أموال الإستثمار الإجنبي الكبيرة في جميع المجالات الصناعية والخدمية والبحوث في الهند خلال العقدين الماضيين نتيجة لوجود الكادر المهني والعلمي المدرب عاليا والرخيص الكلفة في البلاد مما أحدث طفرة نوعية في الإقتصاد الوطني الذي إستمر في التطور والنمو الى يومنا هذا حيث تحولت الهند الى واحدة من أسرع الإقتصاديات نموا في العالم. وبالرغم من أن الإقتصاد الصيني والهندي يسجلان توسعا ونموا مستمرا في الوقت الذي فيه يمر العالم بأزمة إقتصادية خانقة إلا أن خبراء الإقتصاد ويتوقعون بأن نمو الاقتصاد الهندي سيتجاوز نمو نظيره الصيني خلال العام المقبل لتنتهي المرحلة التي حافظ فيها الاقتصاد الصيني على معدلات نمو تفوق نمو الاقتصاد الهندي.
نتيجة الإستثمارات الأجنبية المتصاعدة ونجاح السياسة الإقتصادية التي أدت الى نمو الإقتصاد في فترة زمنية قصيرة فقد تطورت الجامعات ووسائل التعليم والبحوث العلمية الهندية بصورة متوازية مع نمو الإقتصاد في جميع المجالات التقنية والطبية والهندسية والأليكترونية، وأدخلت صناعات مختلفة جديدة في الهند، وفتحت معامل إنتاجية ضخمة، وتحسنت نوعية الإنتاجات الصناعية الهندية وزادت الصادرات الى مختلف الأسواق العالمية. لقد كان لهذا التطور مردود إيجابي على المستوى المعيشي للمواطن الهندي وعلى مستوى الإستهلاك المحلي وزيادة سرعة حركة التجارة الداخلية والبناء العمراني وخلق فرص عمل جديدة وتحسين الخدمات الإجتماعية والطبية....الخ
خلافا للفهم والإعتقاد المغلوط الذي يحمله الكثير من المواطنين في الدول العربية عن الهند والهنود وكما تحدثنا عنه في مقال سابق (ليش آني هندي: كم تمنيت لو كنت هنديا لكنني أتشرف بـ ومازلت عربيا)، فإن الهند ليس فقط البلد الذي يحتوي على أكبر كثافة للفقراء والمشردين في العالم، وليس فقط بلدا مصدرا للأيادي العاملة الرخيصة، والأطباء والمهندسين والأخصائيين في الكثير من العلوم الأخرى الى الخارج، فإن الهند كانت وما تزال دولة زراعية وصناعية تصنع وتصدر الكثير من منتجاتها الزراعية والصناعية مثل منتجات الصناعات الغذائية بأنواعها، المنتجات البترولية المستخلصة من البترول المستورد، السيارات العادية والباصات والسيارات الكهربائية، المجوهرات والأحجار الكريمة، المنسوجات بأنواعها المختلفة، الإسمنت والمواد الكيمياوية، السلع الهندسية والبرمجيات الأليكترونية، المصنوعات الجلدية، الأفلام السينمائية ....الخ.
تمتلك الهند قوة عسكرية ضاربة وتعتبر ثالث أكبر قوة عسكرية في العالم متكونة بصورة رئيسية من الجيش والقوة الجوية والقوة البحرية، وقوات مساعدة مثل قوات حرس السواحل، قيادة القوات الإستراتيجية وقوات شبه عسكرية. وقد طورت الهند محليا من خلال نشاطات منظمة أبحاث الدفاع والتنمية الهندية معدات عسكرية واسلحة معقدة يشمل ذلك الصواريخ البالستية والطائرات المقاتلة والدبابات وذلك لتقليل إعتمادها على الإستيراد الخارجي لتلك الأسلحة. كذلك تمتلك الهند أسلحة نووية وتعتبر سادس أكبر قوة نووية في العالم. إضافة الى ذلك فقد دخلت الهند عصر الفضاء وارسلت أقمار صناعية ومسبار أو مجس فضائي لإستكشاف الفضاء والقمر.
لعبت الهند في السنوات الأخيرة دورا مؤثرا في منظمة التجارة العالمية وفي رابطة جنوب أسيا للتعاون الإقليمي. تحافظ الهند ايضا على معاهدة التعاون مع روسيا وفرنسا والكيان الصهيوني وهذه البلدان هي المصدر الرئيسي للأسلحة الى الهند. عززت الهند في الفترة الأخيرة ايضا علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين والباكستان، ولها علاقات إقتصادية متينة مع كثير من الدول النامية في أسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
مقارنة الأمة العربية بالأمة الصينية والأمة الهندية ، نرى أن ألأمة العربية المشتتة بأقطارها تعاني من الجهل والفقر والتأخر في جميع المجالات على الرغم من إمتلاكها خيرات عظيمة متواجدة فوق أرضها وتحت أرضها.لا تمتلك الأمة العربية المشتتة بأقطارها المقومات الحيوية التي تمتلكها الصين أو الهند، في الحقيقة وبكل صراحة ليست هناك أي مقارنة أبدا.
إذن ماهي الحلول الناجعة لإنقاذ الأمة العربية المريضة قبل مواجهتها لمصيرها المظلم؟!!!
لو نظرنا تحت المجهر وأخذنا حالة العراق تحت ظل الإحتلال كمثل للمقارنة لتوحيد صفوف العرب في وطن واحد لنجد أن الأمة العربية تحتاج الى مئات السنين لإيجاد حل للم شملها وصهر الشعب العربي في وطن واحد موحد من المحيط الى الخليج. الحالة العراقية تحت ظل الإحتلال حالة معقدة تعكس ظروف الواقع العربي الراهن حيث نجد فيها، من ناحية، قوى عميلة منبطحة ومنقسمة على نفسها لاتستطيع أن تحكم العراق بشكل صحيح رغم حمايتها من قبل سيدها المستعمر الصهيو-أمريكي والفارسي-الصفوي، وفي نفس الوقت، من الناحية الأخرى، نجد فيها قوى وطنية وإسلامية مقاومة ومعادية للإحتلال لكنها ترفض التوحد تحت قيادة عسكرية واحدة وقيادة سياسية موحدة ضمن برنامج تحرري واحد متفق عليه لطرد الإحتلال وعملائه وتحرير العراق رغم علمها بأن توحدها في سبيل تحرير الوطن من براثن الإحتلال وعملائه هو واجب وطني وشرعي أمرنا الله به في محكم كتابه العزيز. حتى ولو صار توحد ضمن الخندقين المتعاديين فستبقى في النهاية الحرب بين الخندقين لتقرير مصير الوطن. أسباب صعوبة إيجاد صيغة التوحد -خصوصا في خندق المقاومة - أسباب عديدة ومختلفة، منها الطبيعة العقلية العربية العشائرية العمق والمتقوقعة ضمن محيطها الأناني الخاص، إنفلات الشعور والإيمان بمبدأ التقبل والتنازل من أجل المصلحة العامة، النرجسية والغرور الفارغ، الشك وفقدان الثقة بالنفس وبالأخرين، إضافة الى الصراعات الفكرية.
من وجهة نظرنا هناك ثلاث حلول لهذه المشكلة لايمكن تحقيقهما في الوضع الدولي الراهن والحقبة التاريخية الراهنة.
الحل الأول: هو حدوث حرب أهلية مسلحة واسعة النطاق بين الأقطار العربية تقوم بها القوى القومية والوطنية التقدمية المتحالفة مع بعضها البعض في جميع أرجاء الوطن العربي الكبير التي تدعوا الى توحيد الوطن العربي ضد القوى التي تدعوا الى التقسيم والإنفضال وبقاء الوضع التشتتي كما هو عليه الأن. لا يمكن تطبيق هذا الحل لأن الوضع الدولي لا يسمح بذلك وخير مثال على ذلك هو حرب 1990-1991 حينما أراد العراق إسترجاع قصبة كاظمة الى الوطن الأم، حيث أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا بإخراج العراق من كاظمة بالقوة وشاركت في تلك الحرب 36 دولة من ضمنها دول عربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
الحل الثاني: هو قيام القوى القومية والوطنية التقدمية التي لها تنظيمات في داخل جميع الأقطار العربية بتنظيم نفسها والقيام بإنقلابات أو ثورات مسلحة شعبية وتغيير حكامها ونظم حكوماتها بالقوة ومن ثم العمل على توحيد الأقطار العربية من خلال إلغاء الحدود المصطنعة وتشكيل برلمان شعبي يمثل فيه جميع الشعب العربي من المحيط الى الخليج، والعمل على توحيد القوات المسلحة العربية وخلق تشكيلات عسكرية جديدة لحماية الحدود والنظام العربي الواحد. لا يمكن تطبيق هذا الحل أيضا لأن للبعض من الدول العربية معاهدات أمنية مع دول كبرى لحماية أنظمتها وعروشها وكراسيها.
الحل الثالث: الذي لا يمكن تطبيقه ايضا هو أن يصحى الحكام العرب من سبات نومهم العميق ويفتحوا عقولهم المغلقة لفهم وإستيعاب بعمق ما حل من كوارث كبيرة في هذه الأمة نتيجة الإنقسامات القطرية والصراع الفكرية، والتقوقع والسمسرة للقوى الأجنبية. خير بادرة في هذا الإتجاه ستكون بإعتقادنا هي مساندة المقاومة العراقية المسلحة الباسلة ماليا وتسليحيا وسياسيا وإعلامية لتتمكن من التوحد وطرد الإحتلال الصهيو-أمريكي والفارسي – الصفوي وعملائه منه والى الأبد، وإرجاع العراق كما كان عليه سابقا قطرا عربيا ابيا شامخا في حضن الأمة. كذلك العمل على دخول جميع الأقطار العربية في إتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي، وإطلاق الحريات لتشكيل أحزاب وطنية وقومية تقدمية في جميع إنحاء الوطن العربي، والتخطيط لحل الجامعة العربية المشلولة وخلق برلمان عربي واحد بديلا عنها يمثل فيه الشعب العربي من خلال إنتخابات حرة ديموقراطية وشفافة. إضافة الى ذلك العمل على تنويع الإقتصاد العربي وتطويره وتطوير الصناعة وبناء المصانع الإنتاجية الخفيفة والثقيلة .... الخ. يتخلل ذلك أيضا توحيد الجيوش العربية في جيش واحد يتكون من قوات برية وقوات جوية وقوات بحرية مسلح بأحدث الأسلحة لحماية أراضي وسواحل وأجواء الوطن العربي.....الخ.
غير ذلك ستبقى الأمة العربية مشتتة وضعيفة ومريضة وسهولة إنقراضها بموجب حركة التاريخ ونظرية البقاء للأقوى والأصلح. |
||||||
|
||||||