حتى كتابة هذه السطور تتضارب
الأنباء عما إذا كان عماد العبادي
قد فارق الحياة أم إنه مازال
يتلقى العلاج في مستشفى الكاظمية،
ولكن الأكيد أن الرجل تلقى إصابة
مميتة جعلت حياته في قلب الخطر،
فرصاصة في رقبته ورصاصة في رأسه.
وعماد العبادي إعلامي عراقي يعمل
مستشاراً لقناة الديار العراقية،
لسانه طويل، وقد يكون قد صدّق
أكذوبة الديمقراطية التي جلبها
الأميركان لبلاده فأطال لسانه
أكثر على (السادة الجدد) الذين لم
يجدوا صعوبة في قص هذا اللسان على
الطريقة الديمقراطية التي
يعرفونها هم ولا يعرفها العالم.
ظهر العبادي قبل أيام من اغتياله
على شاشة إحدى الفضائيات منتقداً
الأوضاع التي تعيشها البلاد، وكان
قبلها قد كتب منتقداً المؤسسات
الأمنية التي لم تحقق الأمن في
البلاد واصفا إياها بأنها مؤسسات
غير دستورية.
إني قد أختلف مع العبادي في بعض
طروحاته وأفكاره، ولكني لا أختلف
على أن الرجل كان يمارس مهمته
بمهنية عالية، وأنه كان ينقل هموم
الناس ويوصلها إلى الناس، بعد أن
صُمَّت آذان المسؤولين عن سماع أي
كلمة لا تلائم أمزجتهم أو يجدون
أنها تعارض توجهاتهم.
لكن اغتيال العبادي يحيلنا مجدداً
إلى موضوع استهداف الصحافيين
والإعلاميين في العراق الذي صار
أخطر بقاع الأرض على صحافي يمارس
مهنته وإعلامي يؤدي واجبه... وعدد
من استشهد من الصحافيين
والإعلاميين في العراق منذ
احتلاله إلى الآن فاق عدد من قتل
منهم في الحرب العالمية الثانية
وحرب فيتنام والحروب الأخرى في
العالم، ووفق ما صرح به نقيب
الصحافيين العراقيين نوفمبر
الماضي بأن عدد الشهداء من
الصحافيين قد وصل الى 295 شهيدا،
وأن هناك قرابة 200 معوق وجريح من
الصحافيين، بينما هاجر اكثر من
1000 صحافي من بلده بسبب الضغوط
والتنكيل والخوف وفي بعض الأحوال
بسبب الوضع الاقتصادي، كما إن
هناك 18 صحافيا بينهم امرأة لا
يعرف مصيرهم حتى الآن بعد
اختطافهم.
والتفنن في إيذاء الصحافيين
والإعلاميين لم يقف عند هذا الحد،
بل أصبح الاعتداء عليهم طبيعياً
أثناء أدائهم مهماتهم من طرف رجال
حمايات المسؤولين والوزراء، وكذلك
من طرف القوات الأمنية، وأخبار
ذلك غير خافية، فكم من صحافي
اعتدي عليه وأهين وهو في باب
مسؤول أو وزير في بلد يدّعي
الديمقراطية وحرية الصحافة؟..
أنا لا أدعي أن مثل هذه التجاوزات
لم تكن تحصل خلال النظام الذي
يسمونه اليوم (ديكتاتورياً)...
أبداً... كانت مثل هذه الاعتداءات
تحصل أحياناً على الصحافيين
والإعلاميين، ولكنها لم تكن تحصل
في كل الأحيان، كما نرى الآن، ولم
تصل هذه التجاوزات والاعتداءات
إلى حدود الاغتيال والموت... كما
إنها إذا حصلت فإن الدنيا كانت
تقوم ولا تقعد ويتدخل حتى رئيس
الجمهورية في معاقبة المتجاوزين
ويصدر التعليمات والأوامر المشددة
في رعاية الصحافيين وتسهيل
مهمتهم، وكم من مرة تلقى صحافي أو
إعلامي اعتذاراً من رئاسة
الجمهورية بسبب اعتداء حصل عليه
أو تجاوز ارتكب ضده؟... وهذه كلمة
أقولها للتاريخ لا حباً بـ
(الدكتاتورية)، ولا مناهضة لـ
(الديمقراطية).
ومنذ أن استشهدت أطوار بهجت
الإعلامية والصحافية العراقية على
يد مسلحين قلت إنها لن تكون
الأخيرة وإن عجلة الموت ستسحق كل
من يقول كلمة لا تسر جهة من
الجهات أو مليشيا من المليشيات،
وأقول الآن: إن عماد العبادي لن
يكون الصحافي والإعلامي الأخير
الذي يطاله العدوان والموت.
استقيت أمس إحصائية من موقع
إلكتروني اسمه (مقهى الصحافيين
العراقيين) تقول: إن 186 صحافياً
قتلوا على أيدي مسلحين مجهولين او
مليشيات، وإن 37 آخرين لقوا حتفهم
أثناء تواجدهم في اماكن حدثت فيها
انفجارات نفذها مجهولون، وإن 22
صحافيا قتلوا بنيران القوات
الأميركية، بينما قتل صحافيان
بنيران القوات العراقية، مما يعني
أن الصحافي العراقي مستهدف من
الأطراف المتنازعة كلها من دون
استثناء.
إن هناك من يدعو، الآن، إلى إصدار
قانون لحماية الصحافيين متوهمين
أن هذا القانون إذا ما صدر سيعيش
الصحافيون والإعلاميون ببركاته في
نعيم واستقرار، وستفكر الرصاصة
التي تستهدفهم الف مرة ومرة قبل
التوجه إلى صدورهم، ولكن هناك من
يقول: حتى لو أصدرت الحكومة
تشريعاً لحماية الصحافيين فلن
يعجزها ذلك عن إطلاق ألف سبب وسبب
لقتل الصحافيين، وأيسرها أنهم
قتلوا على يد “مسلحين مجهولين”،
وهؤلاء “المجهولون” معلومون لدى
العراقيين جميعاً... إنهم أعضاء
الميليشيات الطائفية والعرقية
التي رعاها المحتل نفسه ومنحها
عوامل الديمومة والنمو، والمفروض
أن تطبق مواد قانون مكافحة
الإرهاب وفقراته على هذه
الميليشيات التي يقودها أعضاء في
الحكومة والبرلمان، ولكن يبدو أن
هذا التشريع وضع لتطبيقه على رجال
المقاومة العراقية التي تستهدف
قوات الاحتلال بعلوجها وأزلامها.
ظل شهاب التميمي نقيب الصحافيين
العراقيين السابق يطالب بتشريع
لحماية الصحافيين من القتل
والاختطاف والاعتداء حتى جاءته
رصاصات فارق على إثرها الحياة وهو
يوصي بإصدار هذا التشريع، وأطلق
الرصاصات من لا يريد الحياة
لصحافيين شرفاء في العراق، وأنا
لا أشك أن الرصاصتين اللتين
استقرتا في رقبة عماد العبادي
ورأسه قد انطلقتا من أسلحة
المؤسسات والميليشيات التي سماها
العبادي “غير دستورية”.
|