|
||||||
|
||||||
|
||||||
|
||||||
عزف منفرد - تقرير حكومي عن معركة بين حمار وبغل |
||||||
شبكة المنصور |
||||||
سلام الشماع - البلاد البحرينية | ||||||
الدكتور فائق شاكر هو أحد مؤسسي جمعية العلم الأخضر سنة 1913م، وهي من الجمعيات القومية في العراق، كما أنه كان من الوجبة الأولى من الاطباء العراقيين الذين عادوا الى بغداد في ثلاثينات القرن الماضي بعد استكمال دراستهم إبان الحرب العالمية الثانية وكان من أعضاء هذه الوجبة أبرز أطباء العراق وأشهرهم من مثل الدكتور هاشم الوتري، الدكتور سامي شوكت، الدكتور اسماعيل الصفار، الدكتور صائب شوكت، والدكتور شوكت الزهاوي.
عيّن الدكتور فائق شاكر في سنة 1946, أميناً للعاصمة وكان ألمعياً فكهاً، وتصادف أول مباشرته بالدوام في وظيفته الجديدة أن تعاركت الحيوانات في اسطبل أمانة العاصمة, ببغداد, وكانت الأمانة تستعين بهذه الحيوانات في جمع الأزبال وحمل الأحمال الخاصة بعملها، وأصيب سائس هذه الحيوانات جراء تلك المعركة بضربة في بطنه حـُمل على إثرها إلى المستشفى. وتم تسجيل القصة في تقرير رفعه الطبيب البيطري إلى أمين العاصمة الدكتور فائق شاكر، الذي علق على التقرير تعليقاً مرحاً يفيض بالنكتة البارعة.
قال الطبيب البيطري في التقرير الأول الذي وجده أمين العاصمة الجديد, في ديوانه الرسمي في اليوم الأول من دوامه:
سعادة أمين العاصمة المحترم الموضوع: التقرير اليومي للحيوانات التابعة لأمانة العاصمة والتي تستخدم في نقل الأزبال والأوساخ وجر عربات الكير (القير) إلخ.
مساء البارحة, وبعد غروب الشمس بقليل, قام البغل الأسود رقم (73) بممازحة رفيقه الحمار الأبيض رقم (201) المربوط بجانبه بالاسطبل الواقع بالنزيزة مال الشيخ عمر (منطقة في بغداد). وقد أدى هذا الشقا (الشقا كلمة بغدادية تعني المزاح) على غير العادة كل يوم إلى العراك أمام زملاء البغل والحمار, وأسفر – مع الأسف الشديد – عن فشخ الحمار بكوكة رأسه (الكوكة تعبير بغدادي يعني قمة الجمجمة) نتيجة ضربة زواج رداف قوية ومعاندة البغل (ضربة زواج تعبير بغدادي يعني الرمح بالحافر, وقوله رداف يعني أن الدابة رمحت بحافريها معاً) مما دفع زميله الحمار إلى أن يخرج عن جادة الصواب, ويملخ البغل بعضّة قوية شلعت (قلعت) وصلة (قطعة) من كتفه الأيمن. وعند قيام النوبجي السايس رقم (11) جبار الأعور, بالمفازعة (أي بالحجز بينهما) أمام أنظار بقية الحيوانات, أتته ضربة تياه (تائهة أو طائشة) غير مقصودة في بطنه وانطرح على الفِشقي (روث الحيوانات) يتلوى من شدة الألم. وقد أُدخل المصابون المستشفى البيطري بموجب ورقة الفحص الطبي رقم 93 في 25/9/1946. أما السايس, فقد قام بعدها سلامات.
تقدم بالتفضل بالاطلاع, والأمر بما يلزم وإعلامنا والأمر منوط بسعادتكم.
التوقيع الطبيب البيطري
وقد علق الدكتور أمين العاصمة على التقرير بما يأتي:
1 ـ الحمد لله على سلامة السايس جبار الأعور.
2 ـ يغرم البغل والزمال (الحمار) بقطع العليج (العليق = العلف) عنهما لمدة ثلاثة أيام حتى يتأدبا من الآن فصاعدا ويكونا عبرة لغيرهما من الحيوانات وليفهم كل من تسول له نفسه الخربطة. إن الحكومة ساهرة وفاكّة (فاتحة) عينها على الزغيرة والجبيرة (الصغيرة والكبيرة) ولا يتصورا الدنيه (الدنيا) عفترة كلمن بكيفه (سائبة وكل يتصرف على هواه).
3 ـ يمنع الشقا (المزاح) بين الحيوانات بالشغل (أوقات العمل) وأثناء الراحة منعاً باتاً, بأمري. وتعلق قطعة (لوحة) بذلك بالاسطبل.
4 ـ يربط الطبيب البيطري بين الزمال (الحمار) والبغل حتى إشعار آخر حتى يتأكد الطبيب – وهو الأب المسؤول عن أبنائه – أن البغل والحمار قد صفت قلوبهم وما بقت بيناتهم عداوة تؤدي إلى القتل والمقتول.
5 ـ على مدير الإدارة في أمانة العاصمة أن يكتب إلى معالي وزير الداخلية ليفاتح الجهات المسؤولة لنقلي فوراً إلى أي وظيفة ما عدا أمانة العاصمة لأن ما عندي خلك للزمايل والبغال. إحنا ويا الأودام هلـّه هلـّه (نحن مع البشر ندبر أمورنا بصعوبة), عاد ويه الحواوين (الحيوانات).
الدكتور فائق شاكر أمين العاصمة 26/9/1946
وهكذا ننهي رحلتنا مع ظرافة البغداديين، ونحن لم نأخذ منها إلا بمقدار قطرة من بحر أو ذرة من رمل الصحراء، فبغداد الذبيحة اليوم كانت منجم الظرافة والفكاهة والطرافة.. نجاها الله من همّها وغمّها وأزاح عنها الاحتلال وتبعاته.. قولوا: آمين. |
||||||
|
||||||