كانت مدينة بغداد قبل ثورة الرابع
عشر من تموز 1958عام مدينة صغيرة
اذا ماقورنت بما هي عليه في العام
2003 اي قبل ان يدنسها الاحتلال
الهمجي ، فالمثل الشعبي العراقي
الذي يقول ، ( واكع حملك
بالداودي) يؤشر الى ان حي الداودي
( المنصور ) حدودها الغربية في
جانب الكرخ وان مايسمى (السدة)
التي تم بنأها ورصفها بالتراب
والاجر واكياس الرمل بهدف حماية
بغداد من فيضان النهر والتي تمتد
من باب المعظم الى جسر ديالى هي
الحدود الشرقية في جانب الرصافة ،
اما من جهة الشمال فان الاعظمية
والوزيرية هي اقصى الاحياء شمالا
وان الكرادة بكل فروعها هي اقصى
الاحياء جنوبا ، (اعتذر لمن لديه
اختصاص في مجال الجغرافية
والخرائط ان حصل خطاء في تحديد
الاتجاهات ) ، المهم ان الاحياء
المهمة هي التي بنيت حول المراقد
المقدسة والتي غالبا ماتكون قريبة
من النهر ، فحي الاعظمية فيه مرقد
الامام الاعظم، والكاظمية فيها
مرقد الامام الكاظم والامام
الجواد نوباب الشيخ فيه مرقد
الشيخ عبد القادر الكيلاني والكرخ
( الرحمانية والشواكة والتكارته)
فيها مكان على النهر يقولون انه
مزار الخضر حيث تجلس النساء على
ضفة النهر ليطلقن زواراق ورقيه
صغيرة تحمل الشموع في نهر دجلة
والهدف هو النذور واهمها عودة
الغائب ، هذه هي بغداد قبل
الخمسينيات من هذا القرن وقبل
الهجرة التي تسبب فيها الاقطاع في
الجنوب وشيوخ العشائر في المناطق
الاخرى والبحث عن عمل او اكمال
الدراسة ومن ثم الاستقرار في
بغداد ، لااريد ان اتحدث عن
الواقع الاجتماعي في بغداد في تلك
الفترة الزمنية وادعو من يريد
معرفة ذلك الى العودة الى رواية
الكاتب الفلسطيني جبرا ابراهيم (
وليد مسعود) ،
تغيرت بغداد بعد عملية النزوح
الجماعي من الريف الى المدينة حيث
وفد الى اليها من المحافطات
الاخرى اعداد غفيرة من العوائل
جراء الظلم والجوع ، كان الفلاح
العراقي في الجنوب مثلا يزرع ولم
يحصل على مايسد الرمق فاالحاصل
للاقطاعي وجزء منه للفلاح وكثيرا
مايكون هذاالجزء تالف ونتيجة ذلك
فان الديون قد تراكت على الفلاح
لهذا الاقطاعي الامر الذي ادى الى
السجن والسجن هو دفن الانسان في
الارض الى مستوى الراس ، فالحكومة
غائبة تماما او متواطئة مع
الاقطاع وكان الاقطاعي وحاشيته (
السركال والحوشية) يتعدون على
حرمات الفلاحين، فعائلة الفلاح
كانت في الكثير من الاحيان تتعرض
الى تجاوزات هؤلاء ، ان هجرة
ابناء جنوب العراق كانت هي الاكبر
اذا ماقورنت بهجرة ابناء
المحافظات الاخرى ، والسؤال هو
مالذي جلبته هذه الهجرة الى بغداد
واين استقرت وكيف ؟ والجواب هو ان
الذي جلبته معها هو العادات
والتقاليد العشائرية واخلاقيات
الريف التي كانت سائدة في الجنوب
، اما استقرار هؤلاء فانه كان
جانب على اطراف مدينة بغداد في
احياء مبنية من الطين وقصب البردي
وسعف النخيل في احياء الشاكرية في
جانب الكرخ والميزرة والعاصمة في
جانب الرصافة والبعض من ابناء
الجنوب سكن (خانات) ومنها خان حجي
محسن في منطقة باب المعظم ، اما
طريقة عيشهم وعملهم فهي لاتسر
الصديق ولا العدو كما يقولون
فالاعمال الشاقة كانت في انتظارهم
لكنهم مع ذلك كانوا سعداء بذ لك
لانهم كانوا يقارنون هذه الاعمال
بما كانت عليه حياتهم في السابق .
جائت ثورة 14 تموز لتزيح هذه
الاحياء وتنقل الناس منها الى
مدينة سميت انذاك مدينة (الثورة)
حيث تم توزيع على المواطنين قطع
صغيرة من الارض لاتتجاوز مساحتها
140متر مربع على هؤلاء بدون اي
تخطيط واضح ، فليست هناك اي بنية
تحتية لهذه المدينة فلا وجود
لمجاري للصرف الصحي ولاطرق معبدة
ولامنح ماليه للبناء كما كان
الامر مع مايسمى (الاف دار) في
منطقة (تل محمد) ومنطقة اسكان غرب
بغداد في جانب الكرخ ، الامر الذي
جعل هذه المدينة والتي يقطنها
اليوم اكثر من مليونيين نسمة عرضة
لكل مايمكن التفكير به من الاشياء
التي لها تأثير مباش على مدينة
بغداد في جانبيه الايجابي والسلبي
، لماذا التركيز على هذه المدينة
التي تقع في جانب الرصافة ولم
نركز على مدينة ( الشعلة ) مثلا
والمشابه لمدينة الثورة بكل شيء
والتي تقع بجانب الكرخ والتي تحيط
هي الاخرى بمدينة بغداد ؟ السبب
في ذلك هو ان عدد سكان مدينة
الشعلة هي اصغر وان سكانها اقل
بكثير اذا ماقورن بمدينة الثورة
التي اطلق عليها مدينة الرافدين
1963م ومدينة صدام بعد عام1968م
ومدينة الصدر بعد العام 2003 م
واليوم اسمها المتداول على لسان
الناس (المدينة) وذلك بسبب خجل
الناس من ذكر اسم الصدر ولاادري
ماهو الاسم الذي سيطلقونه عليها
في المستقبل ، هناك احياء صغيرة
في مدينة بغداد على سبيل المثال
لاالحصر كمدينة الحرية والوشاش
والاسكان غرب بغداد والاف دار
والقاهرة والصليخ التي انتقل
اليها سكان خان حجي محسن
والصرافية وهي احياء مشابهة
لمدينة الثورة من جهة العادات
والتقاليد ولكن ليس من جهة البناء
والخدمات مع ان لهذه الاحياء
تأثير على مدينة بغداد وقد ظهرا
واضحا بعد الاحتلال عام 2003م.
لابد من ان نؤشر على ان مدينة
بغداد قد توسعت بعد ثورة 17 ـ 30
تموز عام 1968م افقيا بعد ان قامت
حكومة الثورة في توزيع الاراضي
على المواطنين وجلهم من الموظفين
وبمساحات كبيرة تصل الى 600م لكل
عائلة بغض النظر عن الجنس واللون
والعرق والطائفة فامتدت مدينة
بغداد عمرانيا من مدينة سلمان باك
جنوبا الى مدينة الراشدية شمالا
ومن مدينة ابو غريب غربا الى
مدينة بعقوبة شرقا وكانت هذه
المدينة تفخر باحيائها الحديثة
فحي الكفاءات واليرموك والخضراء
والمنصور والغزالية في جانب الكرخ
وزيونة والمهندسين وحي 14 تموز
والعقاري والبنوك والطالبية في
جانب الرصافة من اجمل الاحياء ،
هذا بالاضافة الى التجمعات
السكنية في شارع حيفا وحي 7نيسان
وحي صدام وحي السيدية ...الخ
والتي تم تشيدها من قبل ارقى
الشركات العالمية ( الالمانية
واليابانية ) ، لقد بيعت هذه
المجمعات الى المواطنيين باسعار
زهيدة وبالتقسيط ، وقد كانت
الشوارع التي تمثل مركز مدينة
بغداد اجمل بكثر من توصف فشارع
الرشيد وشارع ابو نؤاس وشارع
الجمهورية وشارع الكفاح ... والتي
كان لمجرد ذكر اسمائها وقع في
نفوس ابناء العراق .
ماهي علاقة ماتقدم في موضوع
معيشتنا في الجبهات الامامية لارض
المعركة بغداد ؟ يقول ابناء
العراق ( تجيك السالفه)، اعتقد ان
لما تقدم تماس مباشر في ماسنقوله
، فعنوان معايشتنا هو(مدن هجرها
اهلها ومدن من صفيح ) ، فاما
المدن التي هجرها اهلها فهي المدن
الجميلة في جانب الكرخ والرصافة
واما اسباب التهجير فاولها
الديمقراطية التي جاءت الى العراق
في (البساطيل) الامريكية والتي
يصدر منها العراق اليوم (بالكواني
ـ الخط الاحمر) الى الدول
الاسكندنافية ، ومن اسباب الهجرة
ايضا هو القتل الطائفي الذي مارسه
ابناء المناطق التي ذكرتها اعلاه
في جانب الكرخ والرصافة والذين
سارعوا بالارتماء باحضان القوى
الاجنبية بفعل الدولار والتومان
والليرة والدرهم وهناك اسباب
اجتماعية ونفسية اخرى لانريد
بحثها لاننا لانريد ان نتسبب بجرح
مشاعراحد من ابناء العراق العظيم
، ونتيجة المعايشة تأكدنا بما
لايقبل الشك بأن ابناء العراق
الاصلاء وهم حقيقة اكثرية يقفون
ضد القتل الطائفي بكل اشكاله ،
فهم يحتقرونه و يحتقرون من مارسه
ولديهم قوائم باسماء القتلة ستقدم
في حينها الى اي حكومة وطنية تاتي
بعد اسحاب الاحتلال الناجز ، ففي
حي اور كان الناس يرشدوني الى
مكان جرائم القتل التي مارستها
المليشيات بحق ابناء العراق وكانت
بجانب بناية مات صاحبها كمدا وهو
يرى افوجا من الابرياء تقتل امام
عينيه ، اما في حي الاعظمية
المجاهد فان الناس كانوا يصفون
لنا بالم ما مارسته شراذم القاعدة
في احياءهم فالقتل والذبح يجري
على الارصفة امام اعينهم اما
الجثث فيتم رميها بين البيوت ،
جرائم يندى لها الجبين مارسها
عراقيون بقيادة اجانب ، نعم
القتلة من ابناء العراق ، علينا
ان نقول الحقيقة ولاندفن رؤسنا
بالرمال ونعلق اخطائنا على شماعة
الغير فالمثل العراقي الذي يردد
اهل مدينة الحويجة يقول ( لوما
الجلب حيز الواوي مايفرخ بالتبن )
، ان اكثرية ابناء شعبنا كانوا
رافضين لذلك وهم بانتظار دائم
ليوم الخلاص لكي يقدم هؤلاء
القتله الى المحاكم المختصة ،
علما بان القتله يعملون الان في
مايسمى الصحوات والحمايات
والوزراة هذا مايقوله ضابط طيار
كبير وهو يشير بيده اليهم ، ان
ذاكرة ابناء العراق لاتنسى اي
مجرم .
جراء الحرب الطائفية او تحت
الغطاء الذي وفرته زحف ابناء
الاحياء المذكورة (...) على
البيوت الفارغة وشغلوها تحت
الحراب و تم للبعض تسجيلها
باسماءهم تحت ذريعة (عاد الحق
لاصحابه) ، يافطة تكتب على الباب
ولاادري اي حق ، بالمناسبة البعض
من هؤلاء جاء من ايران ، فسكان
الغزالية المسيجة بالكونكريت
المسلح حل محلهم ابناء مدينة
الشعلة والحرية وابناء الاسكان
والوشاش اجتاحوا حي المنصور اما
زيونة المدمرة التي لم يعد فيها
شارع صالح لسير المركبات فقد
قطنها ابناء الثورة من المليشيات
والبعض من الحواسم ، وان اثار
الخراب عمت مدينة الاعظمية وشارع
الجمهورية والكفاح ، فاينما تولي
وجهك فهناك اثار الاطلاقات
النارية على الجدران اما شارع
الرشيد وغيره من الشوارع التجارية
فقد اغلقت واستغلها الباعة بفتح
مايسمى ( البسطيات ) وقد تحولت
الى اقذر ماشاهدته في حياتي ، اما
بنايات الاساتذه الجامعيين فانها
محاطة بالعربات العسكرية وان
المصاعد فيها تشغل كل اربعة ساعات
، اي ان الاستاذ الجامعي المصاب
بمرض القلب لايتمكن من الصعود الى
شقته الا بعد اربعة ساعات، زرت
شاعر من شعراء العراق الكبار الذي
اخبرني بانه قد ارسل رسالة الى
مايسمى امين بغداد يخبره فيها بان
شارع الشاعر الكبير صفي الدين
الحلي في حي البيضاء قد تحول الى
محلات لتصليح وبيع ادوات السيارات
من بدايته الى نهايته فلم يستلم
جواب .
اما مدن الصفيح التي انتشرت في
بغداد فانها شيء مخجل ، فابناء
العراق الذين تخلصوا من بيوت
الشاكرية والميزره والعاصمة عام
1958م قد عادو اليها بعد الاحتلال
2003 م وبأسماء لايمكن ان نقول
عنها الا انها مزحة سوداء فما
معنى ان يطلق على حي من الصفيح
اسم حي ( الشيشان ) في نهاية حي
الشعب ومامعنى ان يطلق على اكثر
من حي اسم ( الحواسم ) اي السراق؟
، بالاضافة الى هذه الاحياء
العشوائية والتي يتاجر سياسيا
المالكي وغيره بها ،فهم يدعون الى
عدم ازالتها بحجة انها تلبي حاجة
المواطنيين الفقراء ، يضاف الى
مدن الصفيح الخيام والمباني
الحكومية سكنها المواطنون ، نتيجة
لمعايشتي في الخطوط الامامية من
ارض المعركة في بغداد اؤشر الى ان
الاحياء التي يقطنها ابناء
الطائفة المسيحية والصابئة قد
هجرها ساكنيها وخل محلهم ابناء
مدينة الثورة فلم نرى اي منهم في
احيائهم التقليدية فالبتاوين لم
تعد البتاوين وشارع النهر لم يعد
يعمل فيه الصاغة الصابئة كما
كانوا .
لااريد ان ارسم صورة سوداء قاتمة
لكنها الحقيقة رغم مرارتها،
فمامعنى ان تنصب خيمة كبيرة في
المنصور او عرصات الهندية او
البتاوين او زيونة لان الاخوة من
العشيرة الفلانية لديهم ( فصل) ،
ان التقاليد والعادات التي كانت
قد تميزت بها الاحياء في
البغدادية الاصيلة قد انتهت و حلت
محلها القيم والتقاليد الريفية
العشائرية ، انا اعرف ان للعشيرة
دورها اليوم في العراق فهي رادع
لكل ماهو شاذ وهذه القيم
العشائرية تحفض في الكثير من
الاحيان امن وكرامة وحقوق الانسان
بعد ان عجزة الدولة عن تحقيق ذلك
، لكن مامعنى الحديث الذي حدثني
به مدرب كرة القدم والذي قال فيه
بانه اخرج كرت احمر ليخرج لاعب من
الملعب بعد ان ارتكب خطاء فهدده
اللاعب بالعشيرة فلم يجراء الحكم
على اخراج الكرت ومامعنى ان تقدم
الخدمات البلدية لابناء احياء من
طوائف وعشائر معينة على حساب
احياء اخرى .
ـ يتبع
ـ |