ثلاث سنوات مضت وأنا أمنع عيني أن
تُسقط دمعتها، حتى تخاذلت اليوم
أمام إصرارها وشدة لهفتها،
فانسكبت عبراتها وأجهشت بنحيبها،
دموعا حرَّى تكوي مساكبها، وما
كنت في هذا مستأنفاً لقرارٍ
اتخذته أن لا أبكي رفيق دربي صدام
حسين وأنا أراه يُغتال على أرضٍ
ما كان لأحدٍ أن يحميها بهمته،
ويرفع عن كاهلها كل أثقال الزمن
الرديء، ويطهرها بعرق الرجال
وتضحياتهم، فقد حلَّ أَجله وهو
على صهوة جواده يضرب بسيف لسانه،
معبراً صادقاً عن مكنون روحه، وجه
الشيطان وجحافله بكلماتٍ كانت
والله أجدى من سلاحٍ تمسكه يدٌ
لتقتل ألفاً من جنود الغزاة
وأتباعهم الأذلاء، فالقتل قادرٌ
عليه كل ذي يدٍ تضغط على الزناد
فتردي قتيلاً وجريحا، لكنَّ صرخة
التوحيد التي أطلقها المجاهد
الشهيد صدام حسين رحمه الله
ودوَّت أصداؤها في كل أرجاء
المعمورة كانت أثمن من دمار
أمريكا بجيشها واقتصادها وإعلامها
وفسقها ومجونها، وذلك الذي منع
عيني أن تذرف الدمع بمصابه وفقده
وإن كان أليما قاسيا، فلا قيمة
لهذا الألم أمام موقف أراده الله
تعالى ليكون صورة ناطقة معبرة
بعمقٍ شديد عن الإيمان وفعله في
النفوس، وعن حقيقة أمة أختارها
لتكون سارية لراية عقيدته
ورسالتها الخالدة، فكم هي شاسعة
تلك المسافة بين الراكض خلف الموت
لا يهابه بإيمانٍ غمر روحه
الطاهرة وأمدها بالأمل والرجاء
لما عند الله العزيز القدير، وبين
هارب من حتفه لا تجد روحه لذتها
إلا في الحياة الدنيا، يتوسل فيها
كل غايته ومراده، ليس له عند الله
إلا الويل والثبور.
لكنَّ الذي فسح المجال للدمع أن
ينهمر كان سبباً آخر، أفزعني هوله
وأرقني وهو يترادف بفعله مع ذكرى
الفقيد رحمه الله، واستهتاره
بتضحيته السخية، ذلك هو حال أمتي،
بعد كل الذي بذلناه و الشهيد،
والطريق الذي لهم عبدناه،
والعراقيل التي عن طريقهم
بأرواحنا أقلناها، وبعد صبب عرق
الدرس الذي لهم لقنَّاه، نجدهم
يقتتلون فيما بينهم كالأعداء
الألدَّاء، أخوة يتكالبون على
إخوة لهم، لأجل كرةٍ تتقاذفها
الأقدام قبل أن تمسها الرؤوس،
أهملوا كل واجباتهم وتهافتوا
عليها، نقلها لهم الأعداء، وما
كانوا يفعلون لو وجدوا فيها خيرا
لهم، وكأنَّ الشباب لا شاغل له
يشغله لتسقط عليه كرة القدم هبة
من السماء تبدد في مضمارها طاقة
الشباب حتى لا يلتفتوا إلى كراسي
الحكام وملاعبها وكؤوسها وعقودها.
كأنهم يستثمرون وقتاً للفراغ، فقد
عمروا الصحراء واخضرَّت فيافيها،
وتزوج الشبان فقد بُذِل المأوى
والمعاش، واحمرت وجنات الملايين
من جياع الأمة الذين يسقط أحدهم
من هامته مصفرا دكنا بفعل الجوع
والحرمان والمرض والجهل والتخلف،
وكأن الأرياف تحولت إلى جنان على
الأرض فلا تجد يبساً أجرداً فيها،
وكأن المدن العربية انتصرت على
أكوام القمامة التي تعلو على
هاماتها - إلا مواطئ السياح -
واستبدلتها حدائق غناء تُسرّ
الناظرين، وكأن السواعد السمر هذه
حققت لنفسها وأمتها اكتفائها من
متطلبات العيش والوجود فلم تعد
تستورد حتى ابر الخياطة، تحررت
أرضهم ومقدساتهم وما عادت للغزاة
أقدام تربض على صدورهم، هذا
يحررها من بريطانيا العظمى واهماً
ويحكمها بالنيابة عن الصهيونية،
وذاك يطرد فرنسا الاستعمارية
بدماء الشعب السخية فيسلمها لقمة
هنية للفرس والصفوية، تحررت
فلسطين وانعتقت أولى القبلتين
وثالث الحرمين من مخالب غاصبيها،
وغزة تنعم بالأمن والسلام، فمن
قال عنها محاصرة! وعادت الجولان
واستعادة هويتها، واستخلصت
الأحواز من غاصبيها و عادت معها
الجزر الثلاث، واطمأن الشباب
العربي على وحدة السودان واليمن
وطاردوا انفلونزا الخنازير
والضباع والأفاعي والبغال، تحقق
الرخاء وساد العدل والإحسان، بل
لقد توحدت الأمة وامتلكت إرادتها
وهيمنت على خيراتها ووظفتها لرفاه
شعوبها وما عادت ذليلة كسيرة
تتحكم فيها المصالح والأهواء
والمنح والقروض والاستثمار، حرة
سيدة على أرضها ومقدراتها
وخيراتها، فلم يعد لدولار الفرس
دور ولا لعاب يسيل من أفواه العرب
الذين استعجموا له، ولا شأن لهم
في العراق، فقد كفاهم أهله أمر
تحريره بعون الله وتضحيات الشهداء
وجهاد الصابرين المحتسبين.
فأي أمة هذه، تشوه كل شيء فيها
حتى أدنى ثوابتها، أيّ دمار حلَّ
بها، وكلها تلهج باسم الله ولا
تستجيب له بأمر ولا تقف عند نهي!
بل وأي تشويه ومسخ لروابط
العروبة، أهذه ثمار الشرق أوسطية
الصهيونية أم ماذا؟ إن كان العرب
حكاماً ومحكومين على كرةٍ لا
تركلها إلا الأقدام يقتتلون فعلى
أمة العرب أقرأ السلام وألف سلام.
لكن المصيبة ليست في الأمة لكنهم
الحكام، ما فقهوا من حكمهم إلا
عبادة الكرسي، فله العشق وبه الحب
والهيام، ولتذهب الأمة إلى حيث
شاء الأعداء قطعاناً من الماعز
تُقاد حيث يُراد، وإلى أي مسلخ
تنحر فيها رؤوسهم وتسلخ الجلود.
وهم ليسوا بعيدا عن واقع العراق
الجديد، الواقع الذي أسهم فيه
حكام العرب كلٌ من موقعه وحسب
قدرته على العمالة والخنوع
والخيانة، فقد فعلوا مثل فعلهم،
شعبٌ يذبح بأبشع الأساليب، لا
تحيط بها الموسوعات الطوال
والرعاع تحتفل وتطرب فرحا بكرة
هزت شباك الملعب لا الاحتلال.
ورحم الله قائد الأمة الذي من
خيبتها بغلبة الرعاع والحكام
عليها سلبها الله تعالى وجوده،
لأنها لم تنهض نهضتها وتمسك بزمام
فرصتها فتنطلق براية رسالتها من
جديد، فما كان في زمنه للاعب كرة
أن يركلها إلا أن يؤدي دوره
وواجبه في بناء الحياة الحرة
الكريمة، التي اغتالها الغزاة،
وما كان للكرة نصرٌ ينافس نصر
الأخوة العربية وتعميقها بكل
الوسائل والسبل بأي حالٍ من
الأحوال.
فعن أي فوزٍ تبحثون يا حكام
الهزيمة والركوع، وأنتم لا تجيدون
سواهما؟ |