قضى نزار السامرائي المحلل
السياسي والخبير بالشأن العراقي
عشرين سنة في أقفاص الأسر
الإيرانية ابان الحرب العراقية
الإيرانية، وخرج من هذه التجربة
بكتاب صدر حديثاً عنوانه «في قصور
آيات الله»، بالإضافة إلى المتاعب
الصحية التي ترافقه إلى الآن جراء
التعذيب الذي قاساه في تلك
الأقفاص، ومعاناة البعد عن الأهل
والوطن، وذلك الإحساس اللعين بأنه
أسير لدى من لا يرحم.
والسامرائي حسب مدة أسره بالأيام
إذ يقول: "عشرون عامًا إلا شهرين
في سجون إيران الرهيبة، فهي إذن
238 شهرًا، وهي أيضا 1032 أسبوعًا
وبالأيام هي 7245 يومًا بلياليها.
فلنتأمل كم من الساعات هي،
وبالتالي من الدقائق وثوانيها؟ من
يضع الأرقام أمامه لا بد أنْ يخرج
بنتيجة واحدة، وهي أنّ حياة في
وسط ضيق ووجوه تتكرر، وعذابات
تفنن الآسرون بإيقاعها بأسرى سقط
السلاح من أيديهم، كان يمكن أنْ
تذهب بعقول أصحابها حتى بفرض توفر
كل مستلزمات العيش الطبيعي، تتدفق
فيه المعلومات من دون انقطاع، أو
يتوفر للجميع كل ما يحتاجون إليه
من أسباب إدامة الحياة، أو أنّهم
يزارون من قبل الأهل والأصدقاء،
ترى هل يطيق أحد أنْ يواصل حياته
بشكل سوي في قلب المحنة؟".
كان السامرائي في بداية الحرب
معاون مدير عام دائرة الإعلام
الخارجي، وكان المشرف على برامج
الصحافيين الذين جاءوا إلى العراق
لتغطية أحداث الحرب العراقية
الإيرانية ولكنه تطوع في ألوية
المهمات الخاصة، قوة شعبية تلقت
تدريباً على القتال في جبهات
الحرب ضد إيران، فوقع في الأسر في
جبهة الشوش جنوب العراق في 24
مارس 1982، ولم يطلق سراحه حتى 22
يناير 2002، واحتفظ بمنصبه مديرًا
عامًّا في وزارة الثقافة والإعلام
حتى عام 1985، حين تم نقل خدماته
إلى ديوان رئاسة الجمهورية، وهي
الوظيفة التي بقي فيها إلى يوم
التاسع من نيسان 2009، إذ احتلت
الولايات المتحدة الأميركية
بغداد.
إنّ كتاب (في قصور آيات الله)،
ليس كتاب مذكرات أسير فحسب، بل هو
كتاب تحليل سياسي أيضاً وضع فيه
السامرائي خبراته السياسية
والحياتية كلها، لذلك فهو جدير
بالقراءة. ولست هنا في معرض من
يبين للناس محتويات الكتاب، ولكني
أريد أن أشير إلى أفكار مهمة،
كانت بمنزلة التحذير للدول
المستهدفة بالمخطط الأميركي، التي
إذا أرادت النجاة مما يخطط لها في
الخفاء فعليها دراسة هذا الكتاب
بدقة واستخلاص الدروس منه لتفادي
المخاطر التي تحيق بها.
يقول نزار السامرائي: "إن سيادة
الدول ووحدة أراضيها، خاصة
الصغيرة منها تتعرض اليوم إلى خطط
من جانب الدول الكبرى لاسيما
الولايات المتحدة للتفتيت، تحت
لافتات وذرائع شتى، وعلى الرغم من
أنّ عالم اليوم يسير بقوة نحو
توجهات العولمة، وإقامة التكتلات
الاقتصادية والسياسية، فإنّ الدول
الكبرى تريد تفكيك الجغرافية
السياسية لمعظم دول العالم وإعادة
تركيبها بما ينسجم ومصالحها
الاقتصادية، ولعلّ شعار الشرق
الأوسط الكبير تارة والجديد تارة
أخرى، هو الذي يجسد بوضوح النوايا
غير المعلنة للمشروع الكوني
الأميركي".
وإذا وجهنا سؤالاً إلى السامرائي:
كيف يكون الرد على هذه المخططات؟
فإن كتابه سيجيب: «إنّ المطلوب
وقفة موحدة من شعوب الأرض
المستهدفة بالتفتيت، وتسخير
مواردها الطبيعية لبناء اقتصادات
قوية، وتعميق العلاقات على
المستويين الثنائي والجماعي
بينها. أمّا الأمم المتحدة التي
جاء ميثاقها ضامنا لحق الشعوب في
اختيار نظمها السياسية، فإنّها
مطالبة بمراقبة التطورات الأخيرة
التي طرأت على صعيد العلاقات
الدولية خاصة بعد انكفاء الاتحاد
السوفييتي وتفرّد الولايات
المتحدة كمركز استقطاب دولي وحيد
ومتمرد على الميثاق والشرائع
الدولية وحقوق الإنسان التي لا
يعجز عن ترديد الحديث في الدفاع
عنها».
ويتوقع السامرائي أن يصل عدد دول
العالم إلى ألف دولة إذا ما تم
تسويق المفهوم الجديد لموضوعة
السيادة الوطنية التي طرحها
الرئيس الروسي ميدفيديف في الحرب
الأخيرة التي شهدتها منطقة
القوقاز بين روسيا وجورجيا، عندما
فصل بين سيادة أية دولة ووحدة
أراضيها، فقال إنّه في الوقت الذي
تحترم روسيا سيادة جورجيا، فإنّها
تعتقد بأنّ وحدة الأراضي
الجورجية، قضية منفصلة ويقررها
سكان المناطق المتنازع عليها
هناك.
وفي هذا الصدد يتعرض الكتاب إلى
الولايات المتحدة التي تعيش هذا
التناقض العجيب في مواقفها تجاه
وحدة الأراضي، فإنّها تبحث عن
مصلحتها المباشرة وتتعامل مع
القانون الدولي وميثاق الأمم
المتحدة تعاملا سياسيا خالصا، فهي
وحدها التي أوصلت العراق إلى حافة
التقسيم، وهي التي لم تكتف
بالتدابير الميدانية وإنّما وضعت
الدستور ومن قبله قانون إدارة
الدولة العراقية المؤقت، لتعطي
الوصفة الناجحة للتقسيم، ومع ذلك
فإنّنا يمكن أنْ نتحاكم مع الرئيس
الأميركي جورج بوش في وقفته إلى
جانب وحدة الأراضي الجورجية،
وسيكون من حقنا أنْ نطالب
الولايات المتحدة وبصرف النظر عمن
يحكم فيها أنْ تقف الموقف نفسه
الذي وقفه جورج بوش مع جورجيا.
إن كتاب «في قصور آيات الله» الذي
صنفه استاذ القانون الدولي في
الجامعة الأردنية جاسر علي
العناني تحت عنوان «أدب الأسر»
ورأى فيه ما هو أكثر من الأدب،
وأكثر من مذكرات شخصية، بل هو
بانوراما هائلة من المخزون في
مناح عديدة من الحياة سيجعل
القارئ يحار في تصنيفه بين
التاريخ والجغرافيا، والأدب، وعلم
النفس، والمذكرات الشخصية، ولذلك
فهو جدير بالقراءة حقاً. |