عزف منفرد  - بيروت بريئة من دم عصفورتك يا نزار !!

﴿ الحلقة الاولى ﴾

"بلقيسُ.. إنَّ الحُزْنَ يثقُبُنِي.. وبيروتُ التي قَتَلَتْكِ.. لا تدري جريمتَها.. وبيروتُ التي عَشقَتْكِ.. تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها.. وأطفأتِ القَمَرْ"..

بهذه الكلمات وجه الشاعر نزار قباني اتهامه إلى بيروت بقتل زوجته بلقيس الراوي التي قضت في حادث انفجار بشع تعرضت له السفارة العراقية في بيروت عام 1981م، وقد جاء هذا الاتهام في واحدة من أطول قصائد الرثاء في الشعر العربي الحديث، ولكن ظهر أخيراً أن بيروت بريئة من دم بلقيس براءة الذئب من دم يوسف، وأنها كان معتدى عليها وعلى أمنها أيضا.

وقد غرز بمقتل بلقيس خنجر في قلب نزار الذي كان متعلقاً بها ويعشقها عشقاً لم يعشقه لأحد.

وقصة نزار وبلقيس قصة من قصص الحب العربي خلدها نزار شعرا ونثراً، فقد رفض أهل بلقيس بنت السيد جميل الراوي التي تسكن الأعظمية نزار القباني زوجاً لابنتهم، كما رفضته بلقيس نفسها خوفاً من علاقاته الغرامية، ويقال إن قيادات بعثية ثقافية توسطت في الأمر منهم المرحوم الشاعر شفيق الكمالي وخطبوا بلقيس لنزار.

لكن السيد ابراهيم جميل الراوي شقيق بلقيس روى القصة في لقاء أجراه معه أحد الصحفيين بقوله: كان نزار قباني يتردد اثناء زيارته لبغداد الى بيت ابنة عمه المتزوجة من عراقي والمجاور تماما لبيت عمي شقيق والدي.. وان من لفت انتباهه الى بلقيس هي ابنة عمه التي رشحت له ان يتزوج بلقيس ولكن بلقيس رفضت ذلك.

وأضاف: إن خطبة نزار لبلقيس وطلب يدها للزواج لم يكن بالسهولة والامر الهين، بل كان هناك رفض وتردد في بادئ الامر من العائلة ومن بلقيس نفسها، ولكن نزار قباني لم يفقد الامل او ييأس فبعد مدة طويلة كرر نزار طلبه للزواج من بلقيس مرة اخرى حتى وافق والدي اخيرا والعائلة على طلبه.. ومع ذلك لم تتعجل بلقيس بالموافقة وكانت مترددة في قبول هذا الزواج وعندما تحرينا عن سبب رفضها وترددها علمنا أنها لم تعترض على شخص نزار، بل كان خوفها من كونه شاعرا مشهورا وله قصصه الغرامية ومغامراته مع النساء في اشعاره، فتحدثت شخصيا معها وقلت لها: لا تحكمي على نزار من قصائده وكتاباته الشعرية فحياته الشعرية قد تختلف تماما عن حياته الشخصية.

ولم يكن هذا كل شيء، كما يتابع السيد ابراهيم الراوي، بل أن نزارا كانت له مطالب على المرأة التي يريدها ان تكون حبيبته وزوجته هذه المطالب هي ليست وليدة اللحظة عندما تقدم لخطبة بلقيس بل كانت شروطا وضعها على نفسه حينما يختار زوجته، فكان يريدها كما يقول: "اولها ان تكون من احبها ان تشبهني، وثانيهما ان تكون أمي، وثالثهما ان يكون في من عمرها كما هو جزء من عمري".

وتزوج نزار بلقيس وهو في سن السادسة والاربعين، وبلقيس في سن الثلاثين، وبحكم الصداقة القائمة بين أخيها السيد ابراهيم وبين نزار وجه إليه هذا السؤال: لماذا لم تتزوج من امرأة اجنبية وانت الذي جاب مدن الدنيا والعالم وهامت به نساؤه؟ فقال له نزار ان الزواج من امرأة اجنبية يعني ان بك حاجة الى ترجمان دائم لعواطفك ولمشاعرك وعندما تترجم العواطف والمشاعر لا تدخل الى القلب مباشرة لذا استطيع الآن أن أحب امرأة عربية مثلي فيها رائحة القهوة وجسدها مفصل تفصيلا يشبه خارطة وطني..

ويكمل السيد ابراهيم: عندما طلب نزار يد بلقيس للزواج كانت متكاملة وناضجة فلم يشق نزار في تعليمها وتوجيهها، بل هي اضافت لحياته كشاعر الهدوء والاستقرار وهذا ما اكده نزار في زياراته المستمرة لنا حيث كان يقول دائما عنها: "أنها ذات شخصية قوية، متفهمة جدا لمشاعري، أم حنونة بقلب طفلة وتعلمت من بلقيس الوضوح والكبرياء".

تزوج العريسان عام 1969 وأقيم لهما حفل عائلي تقليدي بسيط وقضيا اسبوعين في بغداد من شهر العسل وبعدها ودعت بلقيس بغداد ودجلة والاعظمية لتبدأ رحلة حياتها الجديدة في كنف الشاعر نزار قباني، وفي العام 1969 نفسه طار نزار بحبيبته بلقيس الى بلاد الاندلس وباريس ليكملا رحلة الشوق والحب وعمر العسل التي بدأت من بغداد.

عاش نزار وبلقيس اثنتي عشرة سنة أنجبا خلالها بنتاً هي زينب وولداً هو عمر، لكن نزارا وبسبب الحرب الاهلية في لبنان أقام سنتين في بغداد في حين غادرت بلقيس الى لبنان لارتباطاتها العملية في الملحقية الثقافية ببيروت التي قضت في عملية تفجيرها في العام 1981، وقال نزار في مرثيته: (سأقول في التحقيق.. إني قد عرفت القاتلين.. بلقيس يا فرسي الجميلة.. إنني من كل تاريخي خجول.. هذي بلاد يقتلون بها الخيول.. بلقيس أيتها الشهيدة والمطهرة النقية.. سبأ تفتش عن مليكتها فردي للجماهير التحية.. يا أعظم الملكات.. يا امرأة تجسد كل أمجاد العصور السومرية.. بلقيس يا عصفورتي الأحلى.. نامي بحفظ الله أيتها الجميلة).. فهل عرف نزار فعلا من قتل عصفورته الأحلى.. وهل كان يتوقع أن من قتلها سيكون بعد أكثر من عشرين سنة رئيس حكومة؟!!

وللحديث صلة

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال