ارتكب المسؤولون الفلسطينيون
الذين وقفوا وراء تأجيل التصويت
على تقرير القاضي الدولي ريتشارد
غولدستون حول الجرائم الإسرائيلية
في غزة، جريمةً أبشع من كل جرائم
إسرائيل ضد شعبهم.
الكل يدرك اليوم، ربما بتأثير
القشعريرة التي سرت أجساد
الفلسطينيين والعرب والمسلمين،
حجم "الخطيئة" التي ارتكبت ليس
تجاه 1400 ضحية قتلوا في العدوان
الوحشي على غزة، ولكن ضد كل ضحايا
الإحتلال الصهيوني لفلسطين.
لقد وجه الزعماء الفلسطينيون،
بذلك التأجيل المخزي، صفعةً لكل
شهدائهم ومرّغوا وجه قضيتهم
بالوحل، وقدموا أنفسهم كتجار دم.
لا توجد في كل قواميس الأرض
كلماتٌ تكفي لوصف هذا العار. وحتى
لو ألقيت الأحذية على وجوه
المسؤولين المعنيين، فان الأحذية
سوف تتنجس.
وكلنا يعرف من أين بدأ الأمر كله.
فالميل الذليل للمساومات هو الذي
مهد الطريق لتجار القضية وبائعيها
أن يتقدموا ليتاجروا بدماء شعبهم.
وحسنا فعلوا. فقد بلغوا من
الفضيحة أقصاها. وكان من المفيد
تماما أن يكشفوا عن أنفسهم كأصحاب
سلطة بيع وشراء لا كأصحاب قضية
وطنية.
ما يدركوه اليوم، من جراء الصدمة
التي أحدثتها تجارتهم البائسة هو
أنهم لا يملكون الحق في تمثيل
الشعب الفلسطيني، وسيظل العار
يلاحقهم الى يوم الدين.
الدم الفلسطيني ليس سلعةً. وما من
مسؤول فلسطيني يملك الحق بالتصرف
فيه.
لقد كان هؤلاء المسؤولون يعدون
أنفسهم لكي يمسحوا الجريمة ضد
شعبهم مقابل أول تسوية تُعرض
عليهم في سوق النخاسة الذي تخرجوا
منه كتجار دم. ويبدو انهم
استعجلوا بالكشف عن استعداداتهم
حتى قبل أن يحصلوا على أي شيء.
وحسنا فعلوا. فلولا هذا العار لما
كان يمكن لأحد، في غمرة الاحتفال
المقبل بالتسوية، أن يلاحظ
التوقيع على باب المسلخ: مسح
الجريمة وشطف الدماء.
الجرائم ضد الإنسانية التي
ترتكبها إسرائيل غير قابلة
للتصرف. وغير قابلة للمحو. وليس
من حق أي زعيم فلسطيني أن يتنازل
عن ما تعنيه من حقوق.
لقد أراد عملاء إسرائيل في السطلة
(او السلطة، لا فرق) الفلسطينية
أن يغسلوا لمخدوميهم جرائمهم،
فأوقعوا أنفسهم بالفضيحة. ولكنهم
بعملهم النذل والمتسرع هذا أصابوه
بالضرر. فالكل بات اليوم واعيا
لما كانوا سيفعلونه بعد حين.
والكل اليوم يجب أن يستعد لكي
يوقفهم عند حدهم. فالضحايا ليسوا
ملك تلك السطلة لكي تتبرع بغسل
دمائهم.
صحيح أن الفلسطينيين يبدون اليوم
ضعفاء وعاجزين عن إحقاق الحق
لأنفسهم (وغالبا بسبب "دود الخل"
الذي يغزو سلطتهم)، إلا إن الصراع
لم ينته بعد. وهو حتى ولو انتهى
بخسارتهم، فان الجريمة يجب أن
تبقى شاهداً على النتيجة.
من هذا الشاهد وحده، ستظل القضيةُ
الفلسطينيةُ حيةً. وسيظل الصراع
قائماً. وسيظل هناك سبيلٌ يمكن أن
يُفتح، في أي زمان، للسعي وراء
إحقاق الحق.
أجيال تأتي وأخرى تذهب. ولكن
طالما ظل عمودُ الجريمة شاخصاً،
فان أحفادها والمستفيدين منها يجب
أن يدفعوا الثمن.
وهذا حق لا يملك أي مسؤول فلسطيني
أن يتصرف فيه.
الدم ليس للبيع.
نعم، يستطيع التاجر أن يبيع كل
شيء. بما في ذلك شرفه الشخصي، إلا
أنه لا يستطيع أن يبيع ما لا
يملك.
الدماءُ ملكٌ خاصٌ وفرديٌ لكلّ
ضحيةٍ من الضحايا. حتى انها ليست
ملكاً للشعب ولا ملكاً لأي هيئة
عمومية او جهة تمثيل سياسي. وما
لم يمكن الحصول على تنازلٍ فردي
من الضحايا عن دمائهم، فان أحداً
لا يملك أن يقدم هذا التنازل
بالنيابة عنهم.
لهذا السبب لا تسقط الجرائم ضد
الإنسانية بالتقادم.
ولهذا السبب لا يمكن شطبها أو
إزالتها او التخفيف منها أو
التبرع بها أو المساومة عليها.
الدماء ملك الضحايا وحدهم. وهي
ملكهم المطلق والخاص. وما لم يحصل
التجار على ترخيص من كل شهيد
بالتبرع لهم بدمه، فلا يمكنهم
الإتجار به.
التجارة بالعَرض أسهل.
|