لا أظن أن شعبا في العالم ينتخب
نوابا لبرلمانه من أجل منحهم
وعوائلهم وأقربائهم المزيد من
المكاسب والامتيازات والمنافع
الشخصية, رغم كونهم لم يحقّقوا
لهذا الشعب, الذي إنتخبهم كما
يزعمون, حتى خمسة بالمئة ممّا
وعدوا به في حملاتهم الانتخابية
التي هدروا من أجلها ملايين
الدولارات, كلّها من المال العام
طبعا, ووظّفوا لها معظم دوائر
ومؤسسات الدولة والحكومة.
وإذا كانت حكومات ودول وأحزاب
العالم تمارس ضغوطا متزايدة على
برلماناتها من أجل تشريع قوانين
ترمي الى ترشيد وتقليص التكاليف
والمصاريف والتخلّص من بعض
الامتيازات الزائدة عن الحاجة,
بما فيها السيارات التابعة للدولة
والحماية الخاصة, فان برلمان
بغداد المحتلّة يتصرّف بالضد من
الجميع. فالامتيازات التي يتمتع
بها البرلماني العراقي اليوم لا
يتمتّع بها حتى رؤساء بعض الدول.
ولا خلاف على بعض الامتيازات لو
أن البرلمان العراقي يتمتع بشرعية
ممنوحة له من قبل الشعب لا من قبل
المحتل, وأن له الحرية الكاملة
والاستقلال التام في إتخاذ القرار
المناسب لا القرار المفروض عليه
من قبل السفارة الأمريكية. وفوق
كلّ هذا وذاك لديه السلطة والقدرة
والهيبة لممارسة دوره الدستوري في
مراقبة عمل ونشاط الحكومة ومحاسبة
المقصّرين فيها, وتشريع القوانين
وإصدارها ومتابعة تنفيذها. ولا
يخفى على أحد من إن برلمان
المنطقة الخضراء لا يملك من هذه
الصفات حتى الأسم. وهو لا يختلف
كثيرا عن مقهى شعبية في سوق كبير
مزدحم. وما حصل في برلمان العراق
الجديد مؤخرا, أي فشله لست مرات
متتالية في الاتفاق على قانون
الانتخابات الجديد, لو حصل في أي
بلد آخر في العالم لتمّ حلّه
باسرع وقت ممكن وطرد أعضائه.
لكن لا يجب علينا أن نُصاب
بالذهول والدهشة لما يحصل في عراق
اليوم. فمنذ إحتلاله وحتى هذه
اللحظة لم نرّ منه الاّ العجائب
والغرائب ممزوجة بالدماء والمآسي
والمصائب. وهاكم أبسط مثال, كما
ورد في الكثير من الصحف
العراقية:"صادق مجلس الرئاسة
العراقي - الغير موقّر طبعا -
المكوّن من جلال الطلباني ونائبيه
عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي
يوم الأثنين على قانون يقضي بمنح
النواب العراقيين وزوجاتهم
وابنائهم جوازات سفر دبلوماسية
نافذة لمدة تزيد عن ثماني سنوات
مقبلة. يبقى العمل نافذا بها بعد
إنتهاء ولاية المجلس وسقوط
الحصانة التي يتمتع بها, مع
إنتهاء ولاية المجلس في كانون
الثاني المقبل".
وعلى الرغم من أننا تعوّدنا, كما
أسلفنا, على غرائب وعجائب العراق
الجديد, الاّ أن الأغرب هو
التبرير الذي قدّمه مجلس الرئاسة
سيء الصيت والسمعة. فقد برّر هذا
المجلس قراره "التاريخي " هذا
كالآتي:"أنّ القانون جاء نظرا
للدور المهم الذي يمارسه أعضاء
مجلس النواب ومن أجل مساواتهم مع
الوزراء - أي مع بقية الحرامية -
في جميع المجالات بموجب القانون
رقم 50 ولتلافي الاشكالات
الادارية والمحاسبية الحاصلة".
ولم يوضّح لنا مجلس رئاسة العراق
المحتل طبيعة هذه الاشكالات.
لأنها بكل بساطة غير موجودة. فثمة
فرق كبير, وهذ ا أمر تعرفه حتى
الأحجار كما يقول الطليان, بين
نائب في البرلمان ووزير في
الحكومة. لكنّ المهم عند"الرئيس"
العميل ونائبيه, هو مساواة النواب
مع الوزراء. فالكل يجب أن يكونوا
متساويين في نهب وسرقة أموال
الشعب العراقي.
ثمّ نود أن نسأل أصحاب الفخامة في
مجلس الرئاسة, أخزاهم الله في
الدنيا قبل الآخرة, ماهي طبيعة
"الدور المهم الذي يمارسه أعضاء
مجلس النواب". في الوقت الذي
يُعتبر العراق الجديد, حسب جميع
مؤسسات ومنظمات العالم وهيئات
النزاهة المختصة, من أكثر دول
العالم فسادا ماليا وإداريا. وما
الذي كسبه الشعب العراقي على مدى
أربع سنوات تقريبا من عمر برلمان
اللصوص هذا غير الفشل الذريع
المتواصل وتكديس بل موت عشرات
القوانين, رغم أنها لم تكن في
صالح العراقيين, على رفوف مكاتب
البرلمان بانتظار ساعة الفرج التي
لم تحن أبدا.
لكنّ الحقيقة ليست أبدا كما وردت
في التبرير العجيب لما يُسمى
بمجلس الرئاسة العراقي, لأنه لا
يُعقل أن تمنح جائزة أو مكافأة من
أي نوع كان لفاشل ومتقاعس ومتردّد
ونصّاب, كما هو شأن أعضاء مجلس
النواب في الحضيرة الخضراء.
ومعلوم إن منح أعضاء مجلس النواب
وزوجاتهم وأبنائهم جوازات
دبلوماسية سوف يحميهم, أو هكذا
يتصوّرون, من الاعتقال بعد
إنتخابات العام المقبل بجرائم
تتعلّق بالفساد الاداري
والمخالفات المالية وسرقة ثروات
العراق النفطية وجرائم عديدة
أخرى. ويُشار في هذا السياق الى
أن مصادر سياسية عراقية, في
الداخل والخارج, بيّنت"إن الهدف
من منح هذا النوع من الجوازات الى
النواب وزوجاتهم وأولادهم هو
حمايتهم من الاعتقال في الخاررج
بسبب ملاحقتهم بشكاوى مقدّمة
ضدّهم في الخارج أو ستُقام عليهم
في المستقبل".
وربّما فات على مجلس"الرئاسة"
الغير موقّر إن المواطن العراقي
تطلع روحه ويشيّب رأسه من أجل
الحصول على جواز سفر عادي. بل أنه
يدفع, في كلّ خطوة يقوم بها, رشوة
لبواب الدائرة وموظّف التوثيق
وضابط الشرطة وغيرهم, تتراوح بين
500 الى 1000 دولار. وعادة ما
يكون جواز سفره نافذ المفعول
لمدّة سنة واحدة لا غير. وإذا
حالفه الحظ وسافر الى بلدٍ ما فان
الشبهات والشكوك والريبة وعيون
المخبرين تلاحقه في كلّ مكان لأنه
ببساطة آتٍ من "العراق الجديد"
الذي أصبح مثالا نادرا لجميع
المساويء والسلبيات والفوضى. |