من المعلوم إن لكل علم أو تخصص
هنالك مؤشرات يمكن الاستناد إليها
في تحديد درجة التقارب أو التباعد
عن مؤشر ما متفق عليه لقياس ظاهرة
معينة ,فهناك مثلا المؤشرات
المالية التي يمكن من خلالها قياس
كفاءة أداء الشركة ,وهنالك مقياس
رختر لقياس درجة الزلزال وهناك
درجة محددة لقياس مستوى الضغط
الجوي القياسية وهكذا ...الخ .
فهل يمكن تثبيت معايير محددة
لقياس الوطنية في العراق وفي
المرحلة الحالية حصرا ,حيث إن هذه
المعايير تتغير نسبيا تحت ضغط
عاملين هما الزمان والمكان حيث إن
ما يصلح كمؤشر أو كمعيار في
العراق ربما لا يكون ذا تأثير في
الفلبين مثلا ,وكذلك فان التطور
الطبيعي للمجتمعات إضافة إلى
المتغيرات التي قد تحصل في
المجتمع أو العالم أو المنطقة لا
بد أن تفرز بعض المؤشرات الجديدة
أو تقلل من تأثير البعض
الآخر,وبالرغم من تقارب هذه
المؤشرات ونتائجها في المناطق
القريبة إلى بعضها أو المتشابهة
مثل الأقطار العربية (لوجود
مقومات مثل اللغة والقومية والدين
والمصالح المشتركة والتاريخ
المشترك وغيرها)أو تباعدها في
مناطق أخرى إلا إن هنالك مؤشرات
شبه عالمية أو بمعنى آخر متفق
عليها عالميا أو إنسانيا ,هذا إذا
استبعدنا الآراء الشاذة!!.
كذلك لا بد من القول بان المؤشر
أو المعيار يرتبط بالفلسفة أو
الأيديولوجية التي يستند إليها
من يقوم بالقياس وهذا ما دعانا
إلى إضافة المكان أي العراق في
عنوان المقال (أي إن هناك خصوصية
للعراق حيث لا يمكن أن يكون وطنيا
من كان طائفيا ولا يمكن أن يكون
وطنيا من كان شوفينيا )أي انه لا
يخص الوطنية بصورة عامة وضمن
المفاهيم العالمية فقط ولكنه يخص
مجتمع محدد وهو المجتمع العراقي
وضمن الزمن الحالي وهذا لا يعني
إن هنالك اختلاف جوهري ما بين
المقاييس العالمية للوطنية وما
بين مقاييس الوطنية في العراق
,إلا إننا لا بد أن نأخذ الخصوصية
لكل بلد بعين الاعتبار ,والآن
وبعد تحديد المجال الذي سنطبق
عليه والذي هو نفسه الذي سيحدد
المقاييس الذي سنستند إليها
,والمقصود هنا المجتمع العراقي
,يمكننا تحديد هذه المعايير
الوطنية والتي هي :-
1 - الولاء للوطن .أي إن الولاء
يجب أن يكون للوطن أولا وعلى حساب
العشيرة والطائفة والمدينة أو
الإقليم والحزب والفرد (مهما علا
شانه).
وبالتالي فان كل الأحزاب التي
تدعي بأنها إسلامية والمشتركة في
العملية السياسية لا بد أن تكون
طائفية بل هي طائفية وقد أثبتت
ذلك بفكرها وبممارساتها وبتنظيمها
وبمواقفها السياسية مما يعني إن
ولائها للطائفة وليس للوطن بل
وعلى حساب الوطن ومصالحه وبالتالي
فهي ضد الوطن بل إن حقيقة الأمر
إن جميع هذه الأحزاب ورغم كونها
طائفية إلا إن حقيقة الأمر إنها
عملت ضد طائفتها عمليا ولم تقدم
أي مكسب لطائفتها غير الدمار ولا
تتذكر طائفيتها إلا في الانتخابات
ولإغراضها ولمصالحها.
2 - وحدة الوطن أساس
المواطنة.وتعني الحفاظ على وحدة
البلد ,والدفاع عنه ضد كل أنواع
الاعتداءات الخارجية أو الأجنبية
أو محاولة تقسيمه أو تفكيكه
خارجيا أو داخليا وبما إن الحزبان
الكرديان يسعيان إلى الانفصال
فعليه تسقط صفة المواطنة والوطنية
عنهما مهما كانت مبررات ادعاءاتهم
وكذلك كافة الأحزاب التي دعت إلى
الفدرالية .
3 - الطائفية والعنصرية
والشوفونية أدوات لتقسيم البلد
وهي ضد الوطنية ويجب محاربتها
وبالتالي فان أي حزب طائفي فكر أو
ممارسة أو تنظيم تسقط عنه صفة
الوطنية .
4 - الجهاد ضد المحتل
وعملائه أساس ومرتكز الوطنية وان
أي تشكيك أو محاولة لتشويه هذا
المفهوم من خلال الربط بين الجهاد
والإرهاب من قبل أي فرد أو جهة أو
حزب ما هي إلا تأكيد من هؤلاء على
عدائهم للمقاومة وبالتالي فان
جميعهم ضد الإسلام وضد الوطن .
5 - فصل الدين عن السلطة ,والتي
تعني إبعاد أصحاب العمائم
المرتزقة باسم الدين عن السياسية
وعدم السماح لهم باستغلال الدين
لتنفيذ رغباتهم وعلى حساب الشعب
مع التشديد على أهمية قيم الدين
في المجتمع وعدم السماح لأي قيم
أو مفاهيم بعيدة أو منافية للدين
بالتغلغل إلى المجتمع بل الاستناد
إلى القيم الدينية الحقيقية وخاصة
الإسلامية في كل القوانين
والإجراءات التي تتخذها السلطة.
6 - الإقرار بان العراق جزء
من الوطن العربي وبالتالي ولان
أكثر من 80%من الشعب العراقي هم
من العرب فان العراق عربيا التوجه
والانتماء مع ضمان كل الحقوق
القومية للقوميات الأخرى من أكراد
وتركمان وغيرهم والإصرار على منح
الأكراد الحكم الذاتي ضمن إقليم
كردستان وممارسته لكل حقوقه
القومية وللجميع حقوق متساوية .
7 - محاربة المحتل هي المقياس
الأول للوطنية ,حيث لم نسمع
بشريعة سماوية أو أرضية بررت
الاحتلال ,ولم ينشأ مصطلح الخيانة
إلا للتعبير عن من يهادن المحتل
ويبرر احتلاله لوطنه ,ولا نقصد
بالمحاربة إلزاما المفهوم العسكري
,فان المنكر يمكن محاربته بأكثر
من وسيلة.
8 - إقامة دولة قوية يمكنها
الدفاع عن مصالح البلد شعبه.
9 - بناء اقتصاد قوي يسهل للمواطن
العيش الكريم مع محاربة الفساد
بكل أنواعه وتحقيق الأمن للمواطن
.
10 - تحقيق المساواة
والعدالة بين كافة أبناء الشعب
بغض النظر عن دينه أو قوميته أو
أي معتقد أو لون أو جنس .
أما مقياس الوطنية ضمن المرحلة
الحالية أي ضمن المعايير السياسية
العملية الحالية فهي : -
1 - رفض الدستور الحالي .لأنه ليس
من صنع الشعب بل من صنع الأجنبي
ولأنه يؤسس للطائفية والمحاصصة
ويؤسس للفدرالية بالمفهوم الذي
يؤدي إلى تفتيت العراق إلى دويلات
من خلال إضعاف الحكومة المركزية
وتقوية الحكومات المحلية وعلى
حساب الحكومة المركزية ولأنه يؤسس
إلى ديمقراطية غريبة استوردت من
الغرب دون النظر إلى قيمنا وديننا
ومجتمعنا وما يصلح له وما هو مهيأ
لممارسته وذلك لا يعني بأننا ضد
الديمقراطية بل إننا ضد نقلها من
الغرب كما هي دون دراستها واخذ
منها ما يصلح لمجتمعنا ,فنحن مع
تداول السلطة سلميا ولكن بعد
إعادة ترتيب أوضاع المجتمع وقد
حددت بسنتين قبل إجراء انتخابات
حقيقية ,ونحن نؤمن بان المرحلة
الحالية تحتاج إلى جهود جميع
الخيرين والشرفاء من أبناء الشعب
المشاركة بالسلطة أي إننا نرفض
انفراد شخص أو حزب بالسلطة ,وهذا
لا يعني بأي حال قبول كل من هب
ودب ومن باع الوطن ومن تعاون مع
المحتل بل المعنيين هم الشرفاء
فقط ممن يختلفون في الرؤية
السياسية أو الاقتصادية لهذه
القضية أو تلك.
2 - رفض الاتفاقية مع المحتل لعدم
أهلية الحكومة العراقية ,كونها
غير شرعية ومن صنع الاحتلال
وبالتالي فان أي التزام على
العراق حددته هذه الاتفاقية هو
غير شرعي وغير مقبول من قبل الشعب
.
3 - الانسحاب الكلي للقوات
المحتلة دون قيد أو شرط .
4 - الاعتذار للشعب العراقي مع
تحمل المحتل الأمريكي لكافة تبعات
الاحتلال غير القانوني وغير
الشرعي بما في ذلك التعويضات
للبلد وللشهداء ولكل ما جرى من
تدمير طيلة سنوات الاحتلال .
5 - بناء حكومة مركزية قوية تضمن
صيانة ووحدة العراق وهذا لا يمكن
إلا من خلال تسليم السلطة إلى
أصحابها الشرعيين المدافعين عنه
بدمائهم ضد المحتل وأعوانه
وعملائه أي تسليم السلطة إلى
المقاومة العراقية الباسلة.
6 - الاعتراف بالمقاومة على إنها
الممثل الشرعي والوحيد للشعب
العراقي ,لماذا ؟ لأنها القوى
الوحيدة التي رفضت الاحتلال
وحاربته وقاومته بدمائها
وبأموالها ,وبالتالي فهي الوحيدة
بكل شرائع السماء والأرض التي
يمكن أن تمثل الشعب ,فهل من
المعقول وبأي منطق أن يمثل الشعب
عملاء المحتل (كل من شارك في
العملية السياسية هو عميل للمحتل
حتى لو ادعى خلاف ذلك لان من
يشترك في أي ترتيب أو عمل سياسي
صنعه المحتل يصبح جزء من أدوات
المحتل )
7 - إطلاق سراح كل المعتقلين
السياسيين من سجون المحتل والسلطة
العميلة .
8 - إعادة المؤسسات الوطنية وخاصة
الجيش وقوى الأمن الداخلي بكل
مسمياتها .
9 - رفض العملية السياسية
الحالية لأنها من صنع المحتل أولا
ولأنها لا تلبي احتياجات وطموحات
المجتمع العراقي حيث إنها بنيت
على مفهوم الديمقراطية الغربية
التي ربما تصلح للتطبيق في السويد
آو الولايات المتحدة
الأمريكية,ولكنها لا تصلح قطعا
لمجتمعاتنا العربية الإسلامية
,وعندما نرفضها لا يعني ذلك بأننا
نرفض الديمقراطية كمفهوم وكنظام
لتنظيم الحياة السياسية ,ولكننا
نرفض الاستنساخ الأعمى أي إننا
نرفض الآلية المستخدمة والتي تم
استيرادها من الغرب والتي سمحت
للعميل واللص والمزور والأجنبي
والمعتوه بالوصول إلى عضوية
البرلمان بحجة الديمقراطية ,إن
الديمقراطية في أي من الدول
الغربية قد بنيت خلال العشرات من
السنين ولم تأتي اعتباطا بل جاءت
تلبية لحاجات ذالك المجتمع وقد
تطورت هذه الديمقراطية مع الآليات
المرتبطة بها مع تطور الوعي
والثقافة لدى أفراد ذالك المجتمع
.
وبعد أن حددنا مقياس الوطنية
بشقيها العام والخاص لابد من
استكمال توضيح علاقتها بالبعث
,وعند العودة إلى بداية مقالنا
وتحديدا المقاييس والمؤشرات
,يمكننا أن نوضح العلاقة بين
البعث والوطنية كيف ؟
إن من يؤيد النقاط المذكورة أعلاه
عليه أن يحدد مدى انطباقها على
البعث وعند ذاك ستتوضح العلاقة
بين الاثنين , وقد يسال سائل
ويؤشر علينا بأننا فصلنا النقاط
المذكورة أعلاه على البعث ونحن لا
ننكر ذلك ,حيث إننا لم نجد غيرها
كمقياس للوطنية, فان كان
باستطاعته أن يؤشر نقاط أخرى
للوطنية لا يتصف بها البعث فليجرب
,ونحن لا ندعي الكمال فالكمال لله
وحده ,ولكن هنالك مقياس يمكن أن
يكون الحكم وسترون إن البعث هو
أكثر تمثيلا فكرا وسلوكا لأغلب
المؤشرات الوطنية, إن لم يكن
لجميعها,المذكورة أو التي
ستذكرونها.
|