المأدوبة

 
 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد

قيل في الأثر : تأمل الخير من بطون شبعت ثم جاعت لان الخير باق فيها ولا تأمل الخير من بطون جاعت ثم شبعت لان الجوع باقٍ فيها,مقولة قالها قائل كريم على ما يبدو في ظرفٍ شبيه بظرفنا الحالي يُضطر أحدنا أن يعجل بطلبهِ إلى عبدٍ شحيحٍ  كما يحصل الآن ونحن نعيش أتون زمنٍ ملأ علينا سراب خافق رؤوس أعياها الضنى الشديد زمان ضاعت فيه القِيم واندثرت تحت ركامات الحرائق التي أحدثها واشل معيشةٍ يمرُّ بها أبناء الأمة ولم يبق عنده جِــلٌّ ولا دِق فكانت امرأة ثقاف(2) تملك من سجايا كانت حكراً على الرجال في حِلهم يعملون بها لكنها هي الأخرى انطفأ بريقها بعد أن طغت الأنا واللا أُبالية ميدان كنا نفاخر به الدُنا يلجأ في كنفنا الأسير واليتيم والمحروم لكنا آثرنا سلامة المال على سلامة الجاه فكنا كما نحن وكانوا كماهم وعلى غير موعدٍ يأتي مَحِين إن الإنسان العراقي على مدى الست سنوات العجاف عاش صراعا وجدانيا وغدا إلى الرمس وكان لم يغن بالأمس فتطارح الخير والشر في نفوس العالمين فأبى الخير إلا أن يكون الغالب رغم موانع الحقد والانتقام التي جاء بها الاحتلال فأخذ الكثير من الناس يبارح الوطن موسِراً ويعود إليه مدينا تُرهِقهُ ذلة وضيَّع دار ومسكن ولم يضيِّع مُسْتَكَن الضمير ولم يَعرفُ أهلنا لهم مقتل سوى الذل فنحن قوم لا نعرف للذل طريقاً فقد قالت العرب مقتل الرجل بين فكيه ( والكذب بين فكيه ) ولكن أسوأ القتل البخل الذي بين كفيك ,إن المصائب التي صُبَّت على العراق جعلته يترنّح من شدة الضربات وتتاليها يتلقاها بجسدٍ نحيل لا يقوى على النهوض فقد أخذ الحصار منه مأخذاً جعل منه وجاءً ومجابهة خصمه فرغم عياطات الناس يمنعهم من الآخ جذل تاريخٍ عريق و جناب عالٍ ونفس تأبى المهانة والتذلل لغير الله والمؤمنين وقد وصف عمر بن الخطاب العراق بمأسدة الرجال وهم كذلك ولكن إحدى أهم الخصال في الرجال التي تحط من أقدارهم وتجعلهم تبعاً هو حب الدنيا وزخرفها وأساس هذا الزخرف المال ... امرأة كبقية النساء لكنها آثرت تخلي القوامون عن واجبهم فتقدمتهم تتلمس بفيض الحب ونجابة المحتد الأهل والجيران لتطفئ حر وسداد عوز ما اسطاعت اليد أن تمتد لتغرس الفرح بقلب حزين هدَّه المرض أو محتاج ليكمل مراسم زواج أو تصليح سيارة تعيش عليها وفردٌ أضناه العوز فكانت لها حميدة تلك الأم الرءوم ,المرأة المرهفة الأحاسيس والتي تعيش على مهنةٍ تعتاشُ عليها عائلة المرأة ولكن حلمَها الذي تحمله في حلها وترحالها في اليقظة والمنام يدغدغ فيها حالة الغنى التي كانت تعيشه في صغرها ثم افتقرت بعد ذلك- فشعرت بطعم الشبع والجوع- لكنها أبت إلا أن تتذكر وطأة الجوع ومعنى أن يكون الإنسان محتاجاً يُدير عينيه يَمنةً ويسرة دون أن يجد من يقول له ..أبشر..فقد جاءك الغيث والكثير من المفردات البالغة الطرافة والتعقيد وغيرها من الأمور التي لا يمكن لنا  أن نصف فيه المرأة وصفاً يقترب مما نتصور والحقيقة  كقول المتنبي :-

 

فلو كان النساء كمثل هذي      لفُضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمسِ       عيبٌ ولا التذكير فخرٌ للهلال

 

فهي التي أقسمت أمام قبر النبي بالله وأشهدته أنها تناصف الفقراء ما تحصل عليه من مردود متجرها الذي تديره وتبذل الجهد الجهيد في سبيل أن تحصل على رزق حلال تريد أن تفوز بأجر التجارة مع الله أولاً ومن ثم تتقاسم رزقه الحلال مع عيال الله من الفقراء.

 
(1) المأدوبة : التي تدعوا الناس لمشاركتها لقمة عيشها
(2)ثَقاف : فطنة .. ذكية
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٢ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / أب / ٢٠٠٩ م