|
||||
|
||||
|
||||
|
||||
ايران وعبء الدور الفائض |
||||
شبكة المنصور |
||||
المحامي حسن بيان | ||||
مع بدء التحضير للانتخابات الرئاسية في ايران،برزت ملامح ازمة داخلية،كانت معالمها تنضج تدريجياً مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي،واتخذت طابعاً عنيفاً اثناء وبعد نتائج الانتخابات وهو ما يزال مستمراً بأشكال تعبيرية مختلفة كنتيجة طبيعية للتداعيات التي افرزتها العملية الانتخابية بمقدماتها ونتائجها.وانه رغم التعتيم الاعلامي والتشدد الرسمي في المراقبة الا ان ما تسرب عبر وسائل الاعلام او الاتصال كان كافياً ليثبت ان حركة الاعتراض السياسية،انما هي حركة جدية،تتوطن عناصرها الاساسية في بعض مراكز القوى وتمتد الى شرائح متجمعية متنوعة وان بنسب متفاوتة في فعاليتها، مما يؤثر الى وجود مكونات ازمة فعلية كان الاشتباك السياسي الذي رافق الانتخابات ما يزال واحداً من تعبيراتها،مما يعني ان الازمة الايرانية هي ازمة مفتوحة رغم محاولات لاحتواء التداعيات الانتخابات الرئاسية.
ان السبب الرئيسي الذي يجعل الازمة الايرانية التي تأخذ اسماً حركياً معبر عنه بالصراع بين ما يسمى بالاصلاحيين والمحافظين ،هو تداخل المكونات الداخلية للازمة بالمكونات الخارجية.
من المعروف ان الوضع الايراني الداخلي تتحكم بإتجاهاته السياسية العامة،ثلاثة مراكز قوى،الاولى هي المؤسسة الدينية،الثانية هي المؤسسة الامنية والعسكرية والثالثة هي تجار البازار.وقد بدا واضحاً حتى الان،ان الصراع الاوضح هو اليوم داخل المؤسسة الدينية التي يستند اليها النظام السياسي في تأمين التغطية الشرعية الدينية لسياسته الداخلية والخارجية.وهذا الصراع الذي اتخذ بعداً سياسياً مختلفاً عن السابق،لم يكن ابن ساعته،بل هو يمتد الى مرحلة ما قبل المرحلة الخمينية واثناءها وبعدها.
واذا كان هذا الصراع لم يبرز بهذه الحدية السياسية خلال المرحلة الخمينية السلطوية،فلأن الخميني الذي لم يكن اولاً في مرجعية الاجتهاد والولاية وظف معطى الزخم السياسي الذي استمده من معطيات حركة التغيير التي حصلت في ايران وقبل وبعد سقوط نظام الشاه،وقد وفرت له تلك المتغيرات وضعاً متميزاً استند اليه لتحجيم وانهاء كل من يعتبره متقدم عليه في المرجعية الدينية.
كما ان الخميني استفاد من الحرب مع العراق ليسكت كل صوت معارض او اعتراضي تحت حجة اولوية وحدة القرار الداخل لمواجهة تحديات الخارج.
هذه الميزة التي توفرت للخميني،لم تتوفر لخلفه الذي ما ان عين في موقع "المرشد الاعلى" حتى بدأت الاعتراضات تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة وكان ابرزها هذا الذي حصل مؤخراً.وان دخول خامنئي مباشرة على خط الازمة فلأنه يدرك،بأن المعركة مع نجاد هي اشتباك على خط الدفاع الامامي يمس موقعه ومرجعيته حيث ان كثيرين لم ولن يسلموا بمرجعيته المقررة والملزمة ان في الشأن الفقهي وان في الشأن السياسي.وطالما ان المؤسسة الدينية الايرانية وحوزتها المتعددة المرجعيات الاجتهادية،دخلت السجال السياسي حول الخيارات الكبرى،فإن الازمة وان خبتت في لحظات معينة،فإنها لا بد وان تعود للبروز مجدداً ،ان السبب احتجاجها على مرجعية خامنئي او ان بسبب التحضير لمرحلة ما بعد خامنئي،
هذا الوضوح الذي تبرز ملامحه داخل المؤسسة الدينية باعتبارها واحدة من المؤسسات الارتكازية للنظام،لم يبرز ما يوازيه داخل المؤسسة الامنية العسكرية فهذه المؤسسة التي اعيد تشكيلها بعد سقوط نظام الشاه وانتصار حركة التغيير في ايران،هي اليوم المؤسسة التي تمسك فعلياً بمفاعيل السلطة السياسية والتنفيذية.
واذا كانت المؤسسة الامنية العسكرية،تتوزع بين مرجعيتين،الجيش والحرس الثوري فإن الاولى اي الجيش هي تشكل رديف "للحرس الثوري" الذي يشكل القوة الفعلية في البلاد،والذي يرتبط مباشرة "بالمرشد الاعلى" وهو بات الضامن والحامي للنظام من اي تعرض له داخلياً كان او خارجياً.وان الذي جعل الوضع يتجه نحو الاحتواء للازمة الاخيرة هو عدم انسحاب الصراع داخل المؤسسة الدينية على المؤسسة الامنية وخاصة"الحرس الثوري"والذي يبدو وانه ما يزال القوة الاساسية الداعمة للنظام بتركيبته الحالية،لكن عندما تصل تداعيات الصراعات داخل المؤسسة الدينية الى المؤسسة الامنية،فعندها تكون مرحلة البحث الفعلي عن البدائل قد دخلت طوراً تنفيذياً متقدماً،
امام وضوح الصراع داخل المؤسسة الدينية والتي ضخت تعبيراتها الصاخبة الى الشارع وتبرز معطياتها واضحة الان،وامام التماسك الظاهر لدى المؤسسة الامنية،فإن مراكز القوى الثالث في ايران يعيش لحظة الترقب.
ان تجار البازار في ايران ليسوا رقماً هامشياً في معطى الوضع الداخلي،بل هم مركزاً من مراكز القوى،وان انحيازهم لحركة التغيير ضد نظام الشاه سرع في سقوط الاخير،وهم حتى اللحظة لم يفصحوا عن خيار محدد في الصراع الدائر حالياً لكن هذا الخبوت في دورهم لن يبقى هكذا،اذا ما فرض نظام عقوبات اقتصادية صارمة على ايران بسبب الملف النووي.
عند ذلك سترتفع اصوات معارضة لخيار النظام واخرى مؤيدة،وبذلك تكون ثالثة مراكز القوى قد دخلت ميدان التجاذب السياسي الذي بدأ في مؤسسة الرعاية الاعلى والذي لابد وان يسحب نفسه على المؤسسة الامنية بكل مكوناتها وخاصة"الحري الثوري- الباسيج".
ويبقى السؤال الاساسي،هل ما جرى ويجري في ايران حالياً،يعود الى اسباب داخلية؟؟؟
من ظاهر الحال،يبدو وان الصراع على السلطة هو العنوان الابرز للحراك السياسي الذي عبر عن نفسه بأشكال مختلفة لكن من التبسيط حصر مسببات هذا الصراع بعوامل داخلية وذلك لاسباب عديدة ابرزها ثلاثة:
السبب الرئيسي الاول،هو ان ايران تقع ضمن منطقة مفتوحة على اعادة ترتيب اوضاعها السياسية والامنية بعد المتغيرات التي طرأت على نظام العلاقات الدولية بعد الانهيار الجيو سياسي للاتحاد السوفياتي السابق،والسبب الرئيسي الثاني، ان ايران بحكم موقعها الجغرافي محاطة بزنار من المواقع المأزومة والمتفجرة امنياً وسياسياً،وبالتالي لا يمكن ان تكون بمنأى عن التأثيرات التي تطال هذه المواقع وهي مضطرة للتعامل معها.
اما السبب الرئيسي الثالث:فيرتبط بالرؤى السياسية لقوى الداخل في التعامل مع ملفات كبيرةو ترتبط بخيارات استراتجية تعلق الامر فيها بالعلاقات مع الخارج وخاصة الخارج الاقليمي ام تعلق الامر بإعادة تكييف معطى الوضع الداخلي بما يخدم الدور الخارجي اياً كانت نتائج التشكيل السياسي والامني والعبء الاقتصادي والانعكاس الاجتماعي لهذا التشكيل وان هذا السبب الاخير يمكن اعتباره السبب المباشر الذي فجر الازمة الداخلية في ايران.
اما لماذا يمكن تصنيف هذا الاخير بالسبب المباشر،فلأن ايران مرت وخلال العقود الاربعة الماضية بأوضاع سياسية متقلبة ومتعغيرة.فهي في فترة الحرب الباردة كانت تحتل موقعاً متميزاً وممتازاً في الحلف السياسي الذي كانت تقوده اميركا،وان الدور الذي كانت تضطلع به في منطقة الخليج العربي تحت مسمى "شرطي الخليج" وان كان يستند الى موقع ايران الجغرافي وقوة نظامها وامكاناتها الاقتصادية، الا انه كان مجازاً ومحمولاً على الرافعة الاميركية.ولم تكن ايران آنذاك شريكاً بل كانت تؤدي وظيفة في اطار الاستراتجية الاميركية عبر الضغط على النظم السياسية وخاصة الخليجية منها.
لكن بعد سقوط الشاه وانتصار حركة التغيير تحت شعارات دينية فإن النظام السياسي والذي سيطر على مقاليد الامور عمد الى تغيير قواعد اللعبة وطبيعة الدور،بأن سعى لان يخرج خارج حدوده عبر اعتماد سياسة الاختراق والضغط على البنية المجتمعية،لاثارة مشاكل بنيوية عميقة وخاصة في مبنى المجتمع العربي في اقطاره المختلفة،وصولاً الى اسقاط النظم السياسية القائمة وجعل الازمات الداخلية،ازمات مفتوحة كي يصار من خلالها النفاذ عبر بعض القوى للتأثير في بعض الاوضاع الداخلية.
هذا الخيار الاستراتيجي الذي اتخذه النظام الديني الجديد والذي اعتبره استمراراً للدور القديم لكن بمضمون وادوات مختلفين،اصطدم بحاجز قوي كان العراق الذي استطاع ان يصد هذه الاندفاعة الايرانية ويجعلها ترتد على نفسها وان بتكاليف باهظة.
ان النتائج السياسية التي افرزتها الحرب الايرانية العراقية،فرضت انكفاء على النظام الايراني لجهة اندافاعه نحو الداخل الاقليمي المحيط بإيران وخاصة العربي منه،لكن هذا الانكفاء لم يدم طويلاً،اذ ان الحربين التين شنهما التحالف الدولي بقيادة اميركا على العراق،اعاد فتح تنفيسات للدور الايراني نظراً للموقع التنفيذي الذي احتلته ايران في خارطة تحالف القوى التي شنت الحربين على العراق.
واذا كان الدور الايراني لم يتسم بالوضوح الكامل في الحرب الاولى فإنه كان شديد الوضوح في الحرب الثانية والتي اسفرت عن وقوع العراق تحت الاحتلال.
لقد فتح الاحتلال الاميركي لافغانستان والعراق شهية النظام الايراني على دور كبير في منطقة تعيش فراغاً سياسياً انتقالياً وخاصة في افغانستان والعراق،وان اميركا حفظت للنظام الايراني وداً من خلال الدور الذي لعبه هذا النظام في افغانستان والعراق،
لقد ظنت ايران انه بعد احتلال افغانستان والعراق والدور الايراني في هذين الموقعين،وخاصة في العراق حيث لايران مشروعها الخاص الذي يبقى قائماً اياً كانت طبيعة النظام السياسي الحاكم،انها اصبحت شريكاً كاملاً لاميركا في ترتيبات المنطقة.
وهذا الدور يجب ان يؤخذ بالاعتبار في كل الازمات والمتفجرة وخاصة في العمق العربي والمحيط الاسيوي وان هذا الدور يحتاج لاثبات وجوده الى تقوية مرتكزات النظام في الداخل وايجاد مواطىء قدم سياسية في الخارج.
ففي الداخل عمد النظام الى تعزيز قدراته العسكرية مستفيداً من الفورة النفطية،وفي الخارج عبر التدخل في كل ازمة يجد تبريراً لها ان تحت شعارات سياسية براقة وان لاسباب مذهبية وطائفية.
هذا الدور الذي تنطح النظام الايراني للعبه لم يقدر جيداً حجم الاعتراض عليه لا في الداخل العربي ولا في المحيط الاسيوي ولا على الصعيد الدولي،والسبب في ذلك انه اندفع للعب هذا الدور وهو يريد ان يقدم نفسه شريكاً اساسياً في اعادة ترتيب الاوضاع السياسية في المنطقة العربية والاسيوية ونسى وتناسى ان ايران ما استطاعت ان تخرج خارج حدودها ايام الشاه الا في ظل الرعاية والاجازة الاميركية وانها ما استطاعت ان تخرج خارج حدودها بعد حربي افغانستان والعراق الا بسبب الحاجة الاميركية لها. وان من يقدم نفسه عنصراً مساعداً في تنفيذ مشروع كبير لا يمكن ان يكون شريكاً مقاسماً.
ان انتفاخ الدور الايراني،لم يكن بسبب ما يمكله النظام من عناصر قوة،بل بسبب ضعف المواقع المحيطة من ناحية والرعاية الاميركية لهذا الدور من ناحية ثانية،لكن عندما تبدأ بعض المواقع بتجاوز عوامل ضعفها،ورفع الغطاء الدولي وخاصة الاميركي عن الدور الايراني فإن هذا الدور يصبح في موقع مأزقي نظراً لعدم الموازنة بين سقف الطموح العالي من ناحية والامكانات المتاحة من ناحية اخرى،
ان النظام الايراني الذي انتفخ دوره ويريد ان يكون لاعباً في المنطقة العربية،والمحيط الاسيوي لا تمكنه امكاناته وقدراته من لعب هذا الدور.لأن ايران ورغم الشعارات التعبوية العالية النبرة فإنها ما تزال دولة متخلفة بمقاييس التقدم العلمي والتقني،وسياسة التدخل في شؤون الاخرين بالاستناد الى معطيات مذهبية وعرقية وقومية سترتد عليها،لأن ايران هي بلد مركب ،وانها وان كانت تمتاز ببعض عناصر القوة الا انها لا تستطيع ان تفرض نفسها طرفاً مقرراً في رسم الخوارط السياسية.
ان كل ما تستطيعه ايران هو ان تلعب دور التعطيل في البحث عن حلول الازمات،ودور التخريب في مبنى متجمعية اخرى ظناً منها ان دورها يصبح مطلوباً للمساعدة في الحل حيث اقتضت الحاجة لذلك،لكن امام وصول الامر الى لحظة الاستحقاقات الكبرى،فإن الازمات التي تفتعلها في الخارج سوف ترتد عليها وها هي مؤشراتها بدأت بالظهور بالصراع الدائر حالياً الا بداية الغيث،
ان النظام الايراني ادى ويؤدي دوراً يفوق قدرة ايران كدولة ونظام ان تلعبه بدون رعاية دولية.
وان انكشاف هذا الدورسيجعل عبء هذا الدور يرتد عليه لان من يتواجد في منطقة تعج بالازمات لا يمكن ان يكون بمنأى عنها،ومن يتوطن منطقة زلازل لا يمكن ان يكون بمنأى عن هزاتها الارتدادية،واذا ما ارادت ايران تجنب تجرع كأس السم ثانية،فما عليها الا ان تقلع عن سياسة التعطيل والتخريب،وتعود الى رشدها ومعرفة حقيقة حجمها وطبيعة التناقضات التي يختلج بها مجتمعها،والمدخل الى ذلك اعادة النظر فعلياً بمشروعها الخاص في المنطقة العربية وخاصة في العراق،
ان الازمة المندلعة في ايران ما بين تيار اصلاحي واخر يسمى محافظ هي نتيجة طبيعية لحجم التثقيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي بات ينوء تحت وطأته الوضع الداخلي بفعل تداعيات الدور الخارجي،وهذه الازمة التي تفصح عن نفسها بالصراع الدائر حالياً هي نتاج طبيعي لعبء الدور الفائض لنظام لم يقدر جيداً حدود امكاناته وقدراته المتاحة ولا حدود ضوابطه ولا حدود ما هو مسموح له ان في منظومة التسلح وان في حدود الدور السياسي في منطقة يعاد ترتيب اوضاعها بعد سقوط نظام الثنائية الدولية الاستقطابية . |
||||
كيفية طباعة المقال | ||||
شبكة المنصور |
||||
|
||||