إذا كان في اهتمام الشباب ببحث القومية ما يدعو إلى الانتشار فان في
طريقة بحثهم لها ما يدعو إلى كثير من الحذر والقلق.فلقد أصبحت القومية
عندهم نظرية من النظريات، يمكن الأخذ بها كما يمكن رفضها، إن لم اقل
موضوعا من موضوعات الإنشاء وبابا من أبواب الصحف والمجلات.
إن إقبالا شديدا كالذي نراه على هذا الموضوع ليخيف أكثر مما يطمئن،
لأنه كثير الشبه بالإقبال على زى جديد من أزياء اللباس واللهو. والزى
الجديد سرعان ما يصبح قديما ويهجر بمثل الشدة التي قبل بها.
إن القومية التي تأتينا من أوربا مع الكتب والمجلات تهددنا بخطر مزدوج
تنسينا شخصيتنا وتشوهها، ومن جهة أخرى تسلبنا واقعنا الحي وتعطينا بدلا
منه الفاضا فارغة ورموزا مجردة، فبحث القومية على الأسلوب الأوربي
يعللنا بآمال كاذبة،فيوهمنا إننا نبلغ ما بلغته الأمم الأوربية العظمى
بأخذنا بعض من مظاهرها- أي بضرب من ألسحركما انه يورثنا أمراضا ومشاكل
وهمية فنشعر بنفس الإمراض والمشاكل التي تعانيها تلك الأمم. ولكن لنهجر
اللفظ قليلا ولنسم الأشياء بأسمائها وصفاتها المميزة فنستدل
بالقومية"العروبة" وبالدين"الإسلام" تظهر لنا المسالة تحت ضوء جديد
فالإسلام في حقيقته الصافية نشا في قلب العروبة وأفصح عن عبقريتها أحسن
إفصاح وساير تاريخها وامتزج به في امجد أدواره فلايمكن أن يكون ثمة
اصطدام ،وبعد فهل القومية محصورة بالأرض كما يظن، بعيدة كل البعد عن
السماء حتى يعتبر الدين شاغلا عنها مبذرا لبعض ثرواتها، بدلا من
اعتباره جزءا منها مغذيا لها ومفصحا عن اعم نواحيها الروحية والمثالية.
إن القومية العربية ليست نظرية ولكنها مبعث النظريات، ولا هي وليدة
الفكر بل مرضعته،وليست مستبعدة الفن بل نبعه وروحه، وليس بين الحرية
وبينها تضاد ، لأنها هي الحرية إذا ما انطلقت في سيرها الطبيعي وتحققت
ملء قدرتها.
كل تفسير للقومية العربية لاينبعث من صميمها، انبعاث ألغرسه من الأرض
والسنبلة من القمحة يكون تفسيرا ضالا جامدا ميتا،وكل نظرية عن العروبة
يصح ان تقال على السواء عن فرنسة القرن الثامن عشر وعن اليونان في عهد
أفلاطون،نظرية زائفة آلية.لانها لاتنبئ عن خصائص المكان ولا يستشف
منها انسياب الزمان.
|