|
||||
|
||||
|
||||
|
||||
جديد عالمنا العربي بعد جديد أوباما |
||||
شبكة المنصور |
||||
نبيل أبو جعفر | ||||
يُلاحظ في الآونة الأخيرة بدء حراك هادىء من قبل بعض الأنظمة العربية يُنبىء باعتماد أسلوب جديد في التعامل مع السلفيين وحتى الحركات التي توصف بالإرهاب، يستهدف بعضه إجراء مقايضة يتمّ التخلّي بموجبها عن العنف والإرهاب، مقابل الإعتراف الرسمي بوجود الآخر، وفتح مجال العمل السياسي أمامه ونشر أفكاره خارج إطار تكفير ما عداه، أو التحريض ضد النظام الرسمي أو العام. كما يستهدف بعضُه الآخر التخاطب مع "الخارجين عن القانون"، لأجل كشفهم أو إقناعهم، أو الوصول وإياهم إلى صيغة جديدة غير محدّدة الملامح بعد.
لكن الواضح في هاتين الحالتين من الحراك الذي بدأ يُعبّر عن نفسه مؤخراً في كل من السعودية والمغرب بشكل خاص، محاولة المراجع الرسمية العليا تجميد أسلوب السيف في التعامل مع كل من يحمل فكراً سلفياً، و يتخّذ من عمليات العنف طريقاً لتنفيذ أفكاره أو فرض مواقفه.
قد يتصوّر البعض أن هذا الإنقلاب النوعي في أسلوب التصرّف يعود إلى الأفكار التي طرحها بأسلوب تسامحي الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه بالقاهرة حول الوفاق والسلم وضرورة محاورة الآخر، ثم تجنّبه ذكر كلمة الإرهاب ، واستبدالها بالعنف وما شابه . ولكن الحقيقة أن هذا التحرك قد بدأ قبل زيارة أوباما وإلقاء خطابه بفترة وإن كانت وجيزة . اللّهم إلاّ إذا كان الرئيس الأميركي قد وضع القادة العرب مسبقا في صورة ما يراه ، قبل أن يتفوّه به في كلام موجّه علناً للعالمين العربي والإسلامي.
وتوخياً للدقة لا بدّ أن يُقال بأن تحركاً مماثلاً في نفس الإتجاه، ولو في إطار محدود ومشروط وخجول أحياناً، قد جرى قبل ذلك بفترة في أكثر من بلد عربي ، وإن بصيغ أخرى ومستويات وحتى نوايا مختلفة . غير أن التحرك السعودي والمغربي، كما تصوّر لنا المعلومات ، أوسع إطاراً وأكثر جدّية. فما الذي دفع هاتين المملكتين الحازمتين جداً مع ظواهر العنف والإرهاب والسلفيّة إلى مثل هذا التغيير؟
من البنتاغون إلى اليوم
هنا قراءة – قديمة نسبياً – لرؤية الإدارة الأميركية ممثلة بالبنتاغون من هذا الموضوع، وموقفها العملي منه، وهي توضّح لنا "السياق التاريخي الحديث" لما كانت عليه قُبيل قدوم بوش الإبن، وكيف أصبحت الآن. أين أصابت وأين أخفقت، ثم ماذا كانت آراء بعض الأطراف المحليّة التي أفضت في النهاية إلى إعادة نظرالمملكتين ب أسلوب السيف في التعامل مع الآخر، وإحلال المنطق والحوار بدلاً منه ، هذا إذا صحّت المعلومات وصدقت النوايا .
في أواخر أيام الرئيس الأميركي بيل كلينتون أصدر البنتاغون تقريره السنوي المعتاد وقد تضمّن في جزء بارز منه الجوانب الأساسية للإستراتيجية الأمنية التي تبنّت علناً خيار دعم الأصدقاء في دول العالم "الحر"، ودفع الإرهاب لـ "الهروب" إلى معسكر الأعداء.
وجاء في الجزء الثالث منه أن المرحلة القادمة (التي قُدّر لبوش أن يحكمها) تعتمد على ضرورة تقوية الحركات المعارضة في مواجهة الأنظمة "المارقة"، ودعمها على طريق تحقيق التغيير المطلوب. وهذا يقتضي – في نظر البنتاغون – ضرورة تعزيزالتواجد الأمني خلال السنوات القادمة ودعم القوات المسلحة، بالإضافة إلى حتمية تحقيق السبق على نشاط المنظمات الإرهابية الذي توقَّع التقرير أن يزداد مع الأيام.
بعد ذلك بشهور جاء بوش، وسار على هذا الطريق بشراسة وإجرام غير معهودين، وتحقق للولايات المتحدة على عهده كسب معركة استهداف العراق واحتلاله . إلاّ أن عوامل عديدة مفاجئة دخلت على الخط قُبيل الإحتلال وبعده جعلت من عملية تكرار "المشهد العراقي" أمراً مستحيلاً، كانت أبرزها أحداث 11 سبتمبر2001 ، حيث رأينا بعدها ورغم استشراس الأميركان بعد ضرب البرجين أن شوكة "الإرهاب" قد قويت بدل أن تضعف نتيجة ملاحقة تنظيماتها ورموزها وحتى المتعاطفين معها. وهذا ما دلّ عليه تصاعد المواجهات والعمليات الدامية في أفغانستان، ثم بعدها في باكستان التي نرى امتداداتها حتى اللحظة.
التغيّر الجوهري في الموقف
أما في السعودية التي لم يختلف الوضع فيها عن مثيلاتها من "صديقات" الأميركان ، فقد بدأنا نرى أنه بدلاً من أن تخمد عمليات "القاعدة" واستهدافها المجمعات والمؤسسات وأماكن تواجد الأميركان... الخ، فقد أخذت تتصاعد بشكل مذهل، وتحوّل الضرب العشوائي المباغت الى الضرب المركّز والمعيّن التوقيت مسبقا ، وهو ما حصل في عملية تفجيرات الرياض التي استهدفت الأميركيين وبعض المجمعات السكنية في 12 أيار 2003، ثم تكرّرت في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، لتطال مجمعات أخرى غربي الرياض.
هذا التصاعد العنفي الممنهج لم يقرأه وقتها أحد من "طوال العمر" القراءة الصحيحة، ولم يتعاملوا معه بالعقل كما يجب بفعل انشداد الأعصاب. فآثروا مواجهة العنف بمزيد من العنف والملاحقة والإستنفار، الأمر الذي دفع الأوضاع الى مزيد من التعقيد، فكرّت سبحة العمليات المشابهة في نيسان 2004 حيث استُهدف مبنى سكني بالرياض، وفي أيار 2007 حيث استهدفت مؤسسة أميركية في ينبع، كما استهدفت في آخر العام نفسه شركتا نفط في الخبر... وهكذا...
يستوجب القول هنا أنه بعد عملية تفجيرات الرياض وما نتج عنها من دمار هائل وعشرات الضحايا، ورغم الإدانات الشاملة لهذا الحدث، إلاّ أن الموقف من طريقة مجابهة هذه الحالة قد اختلف بين فريقين داخل المملكة، كان لكل منهما رأيه الخاص في أسلوب المعالجة أو التصدّي . أولهما تبنّاه بعض الشباب الذي نادى بضرورة استيعاب الحقائق ولو كانت مرّة والتعامل معها بما يًخفّف من مرارتها. وكان غريباً في هذا السياق أن ينضمّ الى هؤلاء أحد المقربين من القصر الملكي وهو رئيس تحرير صحيفة "الوطن" – في ذلك الوقت – فهد العرابي الحارثي، الذي يحتلّ مقعداً في مجلس الشورى أيضاً، فقد كتب يلخص رأيه بالقول: "لا بدّ من معالجة مشكلة القاعدة بأسلوب غير الأسلوب الأمني فقط. يجب معالجة المشكلة بالفكر والثقافة وبخَلقْ البديل الآخر. البديل الذي يقوم على الحوار وفتح القنوات مع الآخر، ولا بدّ من الإعتراف بأن للقاعدة وجود وتأثير في عموم العالم الإسلامي وفي المملكة أيضاً".
وفي نفس هذا التوجّه سمعنا أيضاً غيره من الشباب يُركّز على ضرورة إعادة النظر في طريقة التعامل مع هذه الظاهرة فكراً وشرحاً، لا قمعاً واعتقالاً وتعذيباً لكلّ من يُشتبه بأنه متطرّف.
صدقت الواشنطن بوست هذه المرة
على النقيض من ذلك خرجت معظم الصحف السعودية تُحرّض على التصرّف مثلما تصرّف بوش رداً على 11 سبتمبر، وكان ولي العهد الأمير عبد الله – وقتها – مع هذا الخيار الأخير، ولم ينتبه لا هُوَ ولا أحد من المسؤولين الكبار في المملكة أن "الإرهاب" الذي أفقد رئيس الدولة الأكبر صوابه، كفيل بأن يُفقد صواب الأقل منه قوة وجبروتاً. وهذا ما لاحظته من يومها صحيفة الواشنطن بوست الأميركية في عددها الصادر يوم 14 أيار/مايو 2003، أي بعد يومين من تفجيرات الرياض بقولها: "على الرغم من قدرة أميركا على تعقّب القاعدة والحؤول دون تنفيذ عملياتها في السابق، إلاّ أنها لم تستطع اكتشاف العملية الأكثر خطراً، ولن تستطيع اكتشاف الأكثر والأكثر هولاً. وهذه الحقيقة تُعرّض إدعاءات بوش بأن الإرهاب قد بدأ يحتضر إلى السخرية".
فإذا أخذنا بعين الإعتبار أن كل عمل مقاوم في نظر الولايات المتحدة والسائرين في فلكها هو عمل إرهابي ، سواء حدث في العراق ضد قوات الإحتلال أم في أفغانستان أم في فلسطين، فإن ما توقّعته "الواشنطن بوست" في تحليلها بأن "الإرهاب" لم يدخل معركة الاحتضار كما إدعّى بوش، هو الصحيح والمرئي اليوم أمام العالم. وهو ما أدّى – على الأرجح – إلى العودة لقراءة "الموضوع" من أساسه، والتعامل معه بما يستوجبه من مسؤولية وتعقّل.
مملكة تلو أخرى
وبالعودة إلى التحرّك السعودي والمغربي في هذا الإتجاه ، فإن آخر المعلومات الخارجة من المطبخ الأمني السعودية تقول أن المملكة وبعد التوكّل على الله قرّرت أن تدخل في مناظرة فكرية – استكشافية مع تنظيم القاعدة على شبكة "الإنترنت"؟ بهدف "كشف الإدعاءات التي يُروّج لها هذا التنظيم ومحاججته".
أما الجهة التي ستتولّى هذه المناظرة فتُدعى "حملة السكينة"، التي قالت في بيان أصدره مديرها العام الشيخ عبد المنعم الشوح "أن الفريق العلمي الشرعي لحملة السكينة هو الذي سيتولّى عملية المناظرة والحوار مع من يختاره تنظيم القاعدة ومن يدور في فلكه من جماعات مماثلة له. شريطة أن يُعلن أسماء أعضاء "فريقه" المحاور، الذي لا بدّ أن يكون ممثلاً للقاعدة ، لأن الهدف من هذه العملية الحوارية هو الدخول في حوار معلن مع أشخاص مفوّضين من قبل التنظيم ويتكلّمون باسمه.
أي باختصار: حكومة "خادم الحرمين" الذي كان يحمل سيف الملاحقة بالسلاح، أصبحت – كما هو أيضاً – تُحبّذ الحوار والتسامح "الأوبامي"، وإن إدّعت "حملة السكينة" بأنها تستهدف "كشف وتعرية هذا التنظيم الذي يخالف بممارساته صحيح الدين".
أما بالنسبة للمعلومات الأخرى التي رشحت من المطبخ الأمني المغربي ، وقد غطّتها بالتفصيل صحيفة "المتوسط" التي أصدرها حديثا من لندن زميلنا علي الصرّاف ، فتؤكد على أن عملية الحوار مع قيادات سلفية قد بدأت بالفعل داخل السجون التي "يقيمون" فيها منذ زمن. وأن النتائج الأولية لهذه الخطوة تُبشّر بحلول وسط، تأتي على قاعدة "لا يموت الراعي ولا يفنى الغنم". أي بمعنى أدق وهو ما بُنيت على أساسه عملية الحوار: ضرورة إقدام الحركات السلفية على مراجعة مواقفها وأسلوبها التكفيري العنفي وإعلان ذلك على الملأ، في مقابل إعتراف الدولة بهذه الحركات ورموزها وتوفير الجو "الديمقراطي" لترويج مبادئها، شريطة عدم تكفير الآخرين ونبذ العنف، والإلتزام بالقوانين . أي ممارسة نشاطها الدعائي والفكري بأسلوب سلمي وفي الإطار الضامن للحريات والآراء. وهذا يتضمن حكماً إطلاق سراح جميع المعتقلين. علماً بأن عملية الحوار هذه قد قادها من جانب الدولة عدد من المسؤولين الأمنيين الكبار، وقد يتّسع إطارها فيدخل على خطها بعض الرموز السياسية في الدولة المغربية. أما من جانب القيادات السلفية فقد شمل الحوار كلاً من الشيخ محمد الفيزازي، السلفي الأشهر والمحكوم بثلاثين عاماً سجناً، وحسن خطّاب قائد خلية أنصار المهدي، ومحمد الحدوشي/الداعية الجهادي، وكلهم معتقلون وراء القضبان، كما أن لكلٍ منهم موقفه ونهجه الفكري المختلف عن الآخر، لهذا فإن الحكم المسبق على اتفاق هؤلاء المشايخ الثلاثة على موقف واضح قد يكون سابقاً لأوانه وإن لم يكن مستحيلا.ً
المهم أن سيف بعض السلطات في بلادنا قد بدأ يعود إلى غمده ـ حسبما يحاولون إقناعنا على الأقل ـ وأن الحديث مع الآخر "الإرهابي" قد أصبح ممكناً ولو على شبكة الإنترنت، أو من وراء قضبان السجن. |
||||
n4jaafar@hotmail.com |
||||
كيفية طباعة المقال | ||||
شبكة المنصور |
||||
|
||||