لم تكن العملية السياسية الجارية في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم
مجرد ترف فكري , أو نزهة تكتيكية أو حربا أختيارية , كما وصفها الرئيس
الجديد أوباما , في نقده الضمني لسياسات الرئيس الذي سبقه والذي مازال
متمسكا بها , بل هي اجندة ستراتيجية عزمت الولايات المتحدة على تنفيذها
بعد سنين طويلة من التخطيط والتدريب , ومازالت حريصة كل الحرص على
أستمرارها , خلافا لكل المقولات والتصريحات الداعية الى ترك العراق
لاهله كما تزعم الادارة الامريكية الجديدة , لذلك يجب أن ينظر الى هذا
الواقع السياسي الجديد المسمى (بالعملية السياسية ) على أنه أطار
لمجموعة قيم دونية ومبادئ أستعمارية , وأفكار مسمومة , تستهدف البنى
التحتية للانسان العراقي بالدرجة الاولى ثم البنى المادية للمشروع
النهضوي القومي المضاد للمشروع الصهيوني الاستعماري في المنطقة العربية
, وهذا ماأثبتته السنوات السبع من عمر الاحتلال . لذلك لاغرابة أن نسمع
اليوم منطلقات نظرية منحرفة ومفاهيم سادية مشوهة يطلقها من هو في قمة
هرم سلطة الاحتلال في المنطقة الخضراء , وكذلك من هم في معيته من كوادر
الاحزاب الطائفية والقومية العنصرية بشتى أشكالهم والوانهم , منطلقين
من الروى التي فرضها المحتل ومستلهمين نظرية عملهم من النبع الثر للقيم
والافكار الفاسدة التي انطوت عليها منهجية ( العملية السياسية ) , حتى
صار الطلاق بين القول والعمل أحدى صفاتهم البارزة .
وفي سابقة خطيرة تشكل عنوانا صارخا لهذا التوجه الانتهازي , وتؤسس لقيم
معرفية مقلوبة , وأستخفاف بالمشاعر الوطنية العراقية ,وأهدارا واضحا
لحقوق الشعب والوطن , وتفريطا بدماء الشهداء الابرياء الذين قضوا نحبهم
على أرض العراق , يقف من هو في قمة هرم السلطة السياسية العراقية
الحالية , والذي يدعي ليل نهار بانه الممثل الشرعي والوحيد للعراقيين ,
وانه جاء بانتخابات شرعية , يقف والحرب مازالت مستمرة حاملا اكليل ورد
عرفان وشكر في مقبرة (ارلنيغتون ) التي تضم رفات الجنود الامريكيين
الذين غزوا العراق والذين مازال 130 الف جندي أخر منهم , يدنسون أرضه
ويمتهنون كرامة شعبه , في ظل أنكشاف كل الاسباب التي سوقوها لحربهم
وتبيان كذبها وزورها , بينما يؤكد في غمرة فزعه من الخطوة الامريكية
بالتحاور مع بعض الفصائل المقاومة –بغض النظر عن راينا في ذلك- متوسلا
بان ( الادارة الامريكية لن تتصالح مع العناصر المسلحة التي أستهدفت
الامريكيين والعراقيين ) على حد قوله , متناسيا بانه بذلك يساوي بين
الضحية والجلاد , وبين الحق والباطل , وبين المقاومين الشرفاء والغزاة
, بل أنه نصب نفسه في تصريحه المخزي هذا , بكل وقاحة حاميا لدماء
الامريكان الغزاة , ومدافعا عنهم وهم يغتصبون حرائر العراق , ويدنسون
حرماته , وينهبون ثرواته , ويصادرون تاريخه وحاضره ومستقبله , حتى بات
حاملا رايات ( يالثارات الامريكان ) ,و ( لعن الله أمة قتلت أمريكيا )
, بينما يبرر أستشهاد أكثر من مليون ونصف المليون عراقي على ايدي
حلفائه الامريكان , ومليشيات حزبه وأتلافه الموحد , بانها ضريبة
التحرير , كما صرح بذلك في زيارته الى أستراليا , ثم يحرض على قتل
الرموز الوطنية العراقية المقاومة للاحتلال عندما كشف عن وجهه القبيح
وعن ضحالته الفكرية , وهو يتمنى لو كان الشيخ حارث الضاري الامين العام
لهيئة علماء المسلمين هو القتيل بدلا من النائب حارث العبيدي , وتبلغ
ساديته قمتها وهو يدعو مليشياته الى أستمرار تعذيب وأغتصاب المعتقلين
العراقيين في السجون العلنية والسرية , وأعادة أعتقال كل من تطلق سراحه
القوات الامريكية , منصبا نفسه قاضيا يتهم من يشاء ويجرم من يشاء , في
ظل التجربة الديمقراطية التي يدعي بانها بدأت تخيف دول الاقليم وانه
يجب التوقف عندها ودراستها كي تنهل منها الشعوب المحيطة بالعراق !!!!
واذا كانت حزمة التصريحات التي أطلقها ( كرزاي ) المنطقة الخضراء في
زيارته الاخيرة الى واشنطن , قد كشفت بشكل جلي عن السقوط الاخلاقي
والسياسي لهذه الزمرة المتسلطة على رقاب شعبنا , فانها كذلك كشفت عن
البون الشاسع بين الشعب وهذه الرموز الخيانية التي تتسيد السطح السياسي
العراقي , وانهم في واد غير واد الشعب الذي يعاني من ماساة حقيقية على
كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والتربوية
والصحية , وان علاجات الاصلاح التي يدعو لها البعض لما يسمى ب (
العملية السياسية ) والنضال من داخلها وضمن أطرها التي وضعها الاحتلال
, والقاء السلاح , تحت مسميات تعديل الاعوجاج واعادة التوازن وتثوير
النقاط الايجابية بالطرق السلمية وبالمشاركة السياسية المعارضة , أنما
هو عويل في ليلة ظلماء , وتغريد خارج السرب , ومحاولات مشبوهة لاضفاء
الشرعية على الفعل الجرمي الذي تلطخت به أيادي الغزاة ووكلائهم من
اقزام المنطقة الخضراء .
أن تاريخ حزب رئيس السلطة واحزاب الائتلاف الاخرى , الحافل بالجرائم
والقتل الاعمى والسيارات المفخخة في ثمانينيات القرن الماضي التي
أستهدفت الابرياء في وزارة التخطيط , ووكالة الانباء العراقية , ودار
الاذاعة العراقية , والسفارة العراقية في بيروت , وأستهداف
الدبلوماسسين العراقيين في الخارج , ومقاتلة الجيش العراقي الباسل جنبا
الى جنب مع القوات الايرانية , وتعذيب الاسرى العراقيين وقتلهم في
السجون الايرانية , وتسليب الجنود العراقيين وعابري السبيل على طريق
الناصرية السريع , والطرق التي تربط البصرة بالمحافظات الجنوبية الاخرى
, وحملة النهب والسلب والقتل والاغتصاب وحرق دوائر الدولة التي تمت في
العام 1991 , تحت قيادة وأشراف ضباط الحرس الثوري الايراني , ثم السعي
لاطالة أمد الحصار بالمعلومات المزورة التي كانوا يقدمونها الى دول
العدوان , نقول أن هذا التاريخ هو الذي قاد الى الصفحة الثانية بعد
الاحتلال والتي أشتملت على حملة التطهير العرقي والقومي والطائفي التي
تسببت في مقتل الاف من الابرياء ورمي جثثهم في أماكن القمامة , وتهجير
الملايين داخل الوطن وخارجه , كما أن هذا التاريخ هو الحاضر اليوم في
تصريحات ( كرزاي ) المنطقة الخضراء , والذي جعل دماء الغزاة أغلى من
دماء الابرياء العراقيين .
أن الظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر التمثيل الشرعي للشعوب , يتطلب
الحفاظ على مصالح الامة وعدم المتاجرة بمصالحها وحقوقها , من اجل تسوول
المواقف الخاصة التي تصب في مصلحة الحاكم الضيقة واستمرار تسيده في قمة
السلطة وحمايته من غضب شعبه , لذلك فان أي مراقب سياسي محايد يجد اليوم
بان كل الجولات والزيارت التي يقوم بها رموز سلطة الاحتلال الى دول
العالم الخارجي , لم تنتج أية منافع فعلية وواقعية لشعب العراق , ولم
تساهم في رفع اي حيف لحق به , على الرغم من الامكانات المادية
والمعنوية التي تمتلكها هذه الدول باعتبارها دول كبرى , مما يدل دلالة
واضحة على عبثية هذه الزيارات وعدم منهجيتها وأقتصارها على برامج
بروتوكولية وعلاقات عامة هدفها تزيين صورة السلطة الحالية باعتبارها
الحارس الامين على مصالح هذه الدول وأضفاء الشرعية عليها , مقابل
التكفير عن ذنوب المحتل وماأقترفته يداه من جرائم في العراق , على لسان
من يدعون بانهم القادة الشرعيون من سلطة المنطقة الخضراء . أن الايمان
بالشعب وحقوقه تتطلب من كافة القوى الوطنية والقومية والاسلامية توحيد
جهودها لاسقاط المشروع اللاشرعي , والانتصار للدم العراقي الذي يحاول
(كرزاي)المنطقة الخضراء جعله أرخص من الماء .
|