صدر عند دار الطليعة في بيروت، للباحث حسن خليل غريب، كتاب جديد حمل
عنوان (تهافت الأصوليات الإمبراطورية، وأو، شروق العصر القومي العربي).
وقد جاء الكتاب حصيلة لأبحاث سابقة تناولت جوانب الفكرين الديني
والقومي بالنقد والتحليل. كما جاء ردَّاً على الواقع السياسي الراهن
للأمة العربية في ظل الاحتلال الأميركي للعراق، الاحتلال الذي انكشفت
معه آفاق المشروع الإمبراطوري الأميركي الذي أعدَّته زمرة اليمينيين
الأميركيين الجدد، المشروع الذي أعاد إلى ذاكرة التاريخ البشري النزعات
الإمبراطورية بالاستيلاء على أراضٍ وشعوب عديدة من أجل إخضاعها وحكمها
لمصلحة شعب من الشعوب.
لقد أثار المشروع الأميركي الإمبراطوري هواجس المؤلف كواحد من الرافضين
له، فراح يعمل للكشف عن أبعاد هذا المشروع وأهدافه، ولذلك راح يستقرئ
تاريخ واقع الإمبراطوريات الأخرى خاصة تلك التي عرفتها المنطقة
العربية: فكان الغزو الإمبراطوري البيزنطي والفارسي والروماني
واليوناني والمغولي والأوروبي الذي عرفه التاريخ بـ «الحملات
الصليبية».
من خلال استقرائه أكَّد على أن الأسس الفكرية والإيديولوجية لتلك
الإمبراطوريات قد تكونَّت عبر تلك التجارب، فتوحَّدت تحت أهداف القفز
فوق الحدود المتعارف عليها بين الدول في تلك الحقب التاريخية. في تلك
الحقب التي سبقت التكوين القومي للأمم والشعوب استباحت الدول القوية
حدود الدول الأضعف، فغزتها وسرقت ثرواتها واستعبدت شعوبها من دون حسيب
دولي أو رقيب. أما اليوم وفي ظل الاعتراف الدولي بالحدود الجغرافية
والحقوق السياسية للدول القومية وحمايتها، فلا تزال النزعات
الإمبراطورية التوسعية سائدة، إما في مشاريع سياسية قابلة للتنفيذ كما
هو حاصل في النزعة الإمبراطورية الأميركية، وإما في مشاريع إيديولوجية
يروِّج أصحابها لتنفيذها كما هو حاصل في فكر الأصوليات الدينية، ومنها
الأصوليات الدينية الإسلامية، التي من أبرز دعاتها: حركة الإخوان
المسلمين السنية، وحركة (ولاية الفقيه) الشيعية. كما توصَّل الباحث في
كتابه إلى أن المنطقة العربية كانت ولا تزال تمثل محوراً لتلك النزعات،
بشقيها الإمبراطوري الأميركي المدعوم من الصهيونية واليمين المسيحي
المتصهين من جهة، والأصولية الإسلامية التي تعتبر تلك النزعة بمثابة
تكليف إلهي عليها تنفيذه من جهة أخرى.
لم تكن النزعات الإمبراطورية مشاريع سياسية فحسب، بل كانت نزعات دينية
أيضاً، ولهذا تساوت أهداف النزعات الإمبراطورية المادية مع النزعات
الإمبراطورية الدينية.
من أجل ذلك عمل الباحث غريب على تحديد مفاهيم لمصطلح «النزعة
الإمبراطورية» فوجد أنها النزعة التي تتجاوز الحدود الجغرافية القومية
لشعب من الشعوب، الأمر الذي يعني أن التوسع الإمبراطوري كان، طوال
مراحل التاريخ، غير آبه على الإطلاق بخصوصيات قوم من الأقوام، أو
بخصوصيات مجتمع من المجتمعات التي كانت لا تزال تجتاز مراحل التكوين
القومي.
فإذا كانت المجتمعات ما قبل القومية قد تقبَّلت الاتجاهات التوسعية،
ولم تجد ما يحمي حدود توطنها الجغرافي أو خصوصياتها الثقافية والفكرية،
فإن عصر انتشار المفهوم القومي وبناء الدولة القومية قد عزَّزا مفاهيم
مواجهة النزعات الإمبراطورية وعملا على مجابهتها.
لكل ذلك اعتبر الباحث أن النزعات الإمبراطورية راحت تشكل إيديولوجية
مستقلة، بحيث بنى كل مشروع سياسي أصول نزعاته الخاصة، فتكوَّنت نزعتان
عريضتان: النزعة الإمبراطورية المادية التي تحصَّنت وراء أهداف نشر
النهضة الصناعية وإنتاج السلعة الأفضل، والنزعة الإمبراطورية الدينية
التي تحصَّنت وراء أهداف تسهيل العبور الآمن للروح البشرية نحو مرحلة
ما بعد الموت.
وبرهن الباحث على أن كل من النزعتين الإمبراطوريتين قد أنهت التاريخ
عند حدود انتصار أفكارها، فتساوتا بالعمل من أجل تجميد التطور التاريخي
عند تلك الحدود.
كما برهن الباحث على أن النزعتين تحملان للبشرية عامل الاحتراب الدائم،
والمآسي الدامية، لأن كل نزعة تعمل على اجتثاث كل فكر يتناقض معها، أو
حتى يتعارض بجوانب مع بنيتها الإيديولوجية، ولا يمكن الخروج من متاهة
الاحتراب الدائم إلاَّ بالقضاء على أسبابه. وهذا لا يمكن الوصول إليه
إلاَّ بالانتقال من مرحلة رفض الآخر إلى مرحلة الاعتراف به. أي
بالانتقال من صراع الأفكار إلى مرحلة الحوار بينها، وهذا ما يشبه تحصين
المعرفة بـ «لولبية الفكر الهيغلي» وليس ببسماركيته.
آخذاً بعين الاعتبار خصوصيات المجتمعات القومية الثقافية والنفسية
وتقاربها، دعا الباحث إلى اعتبار المجتمع القومي خلية قائمة بذاتها في
الجسم الإنساني، له خصائصه ودوره في بناء ذلك الجسم، بحيث يلعب دوره
كعضو فاعل يتكامل مع أدوار المجتمعات القومية الأخرى وليس بتنافرها.
ولهذا السبب وضع الباحث عدداً من العوامل التي تجعل من المجتمع القومي
عضواً متآلفاً مع غيره من الأعضاء الأخرى من المجتمعات القومية، مما
يوفِّر عوامل التفاهم بين المجتمعات المختلفة ويضمن عوامل الاطمئنان
والتطمين، والتساوي والاعتراف المتبادل والحوار المتكافئ فيما بينها.
وقبل أن يضع الباحث عوامل توفير سبل التعاون الآمن بين المجتمعات فقد
وضع تصوره لعوامل التعاون الآمن بين أفراد المجتمع الواحد، وهذا ما لا
تستطيع أن توفره إيديولوجيات النزعات الإمبراطورية الدينية التي لا
يمكنها على الإطلاق أن توفره لتعددية المذاهب داخل الدين الواحد، وهي
عاجزة أيضاً عن توفيرها للتعدديات الدينية في داخل المجتمع القومي
الواحد.
وخلص الباحث في نتائج بحثه بالدعوة إلى تحديد أقرب إلى الدقة لأهداف
الفكر القومي، الذي يمكنه الاستفادة من التنوعات الفكرية داخل المجتمع
على أن لا تشكل أي تعددية منها أولوية في تحديد شروط الانتماء إلى
المجتمع القومي الواحد. فعليه أن يستفيد من جوامعها المشتركة ويرفض
القواسم التي تحيد عن جادة الوحدة والتوحيد النفسي والسياسي والفكري.
وقد قسَّم الباحث عمله إلى فصول سبعة جاءت عناوينها الكبرى على الشكل
التالي:
- الفصل الأول: التكوين الإيديولوجي
للمحافظين الجدد ذو أبعاد شوفينية عرقية وطبقية واقتصادية.
- الفصل الثاني: باحتلال العراق يكتمل
المشروع الإمبراطوري الأميركي.
- الفصل الثالث: تهافت الأصوليات
الإمبراطورية.
- الفصل الرابع: تهافت مشاريع
الإمبراطوريات الدينية.
- الفصل الخامس: قبل ردم المسافة بين
الديني السياسي وبين القومي: إشكاليات والتباسات للمعالجة.
- الفصل السادس: شروق العصر القومي تحول
جديد في مفاهيم نهاية التاريخ.
- الفصل السابع: آليات العمل الجبهوي من
أجل النضال الوحدوي.
-خاتمة الكتاب:
وقد أنهى الباحث عمله بخاتمة ألقى فيها الضوء على إشكاليتين:
أولاً: اعتبار الاختلاف حول الهوية الثقافية والهوية القومية أزمة
أساسية تعيق طريق حركة التحرر العربي.
ثانياً: رؤيته للعوامل التي تجعل بناء فكر قومي متماسكاً وواضحاً.
|