منذ أن تم اكتشاف النفط،
في العراق، سارعت الشركات الاحتكارية، للسيطرة عليه، إنتاجا وتكريرا
وتسويقا. وقد مكنها احتكار هذه الصناعة من خلال صيغة عقود الامتياز
التقليدية، من العمل على استغلالها،والتصرف بها،وفقا لمصالحها الخاصة،
دون أي مراعاة لمصالح ما أسموه يوم ذاك بالدول المضيفة. حيث كانت
الشركات، تضع خطط الإنتاج، على أساس ما يضمن لها تحقيق أعلى معدل من
الأرباح.
وقد تمادت الشركات الاحتكارية، في إلحاق الضرر بهذه الثروة الوطنية ،من
خلال رفع معدلات الإنتاج، بشكل يؤدي إلى الهدر والاستنزاف السريع،
لاحتياطي هذه الثروة الطبيعة ،إدراكا منها بأنها ثروة ناضبة، وان نهبها
وهدرها، بهذه الطريقة، يلحق الضرر المنظم، بالشعب العراقي، وإبقاءه
متخلفا وفقيرا.
ولم تقوم الشركات الاحتكارية، بتطوير المناطق والمدن المحيطة بالحقول
المنتجة، بل تعمدت الإبقاء عليها متخلفة ومهملة، و تركتها مناطق خربة
،ومكبات نفايات، بحيث بات يطلق عليها، مدن الأشباح.
كما تعمدت هدر الاحتياطيات والمكامن، وعدم ضبط مقاييس معدلات الإنتاج
والكميات المسوقة، في عملية سرقة منظمة، لهذه الثروة، وهدرها بأي
طريقة، للإبقاء على بلدانها متخلفة وفقيرة. كما تعمدت حرق الغاز
الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط من حقولها، إمعانا في الهدر والإضرار
بالمصالح الوطنية.
ولعل إبعاد الكادر الوطني، عن المشاركة، في الحلقات الأساسية، من
العمليات النفطية ،وعزلهم عن رسم سياسة الإنتاج والتسويق،وعدم إشراكهم
في الحسابات ، قد فتح الباب على مصراعيه للشركات الاحتكارية، للتلاعب
بالحسابات، وتعظيم الأرباح للشركات ،على حساب البلدان المنتجة واستنزاف
ثروتها.
على أن الشركات الاحتكارية، كانت في حقيقة الأمر، واجهه لدولها، وأداة
لتمرير السياسات الاستعمارية، لتلك الدول. فكانت تعمل بأسلوب دولة داخل
دولة.. بحيث كانت ،تعبث بامن البلد العاملة فيه, وتنتقص من سيادته،
بشكل خطير.
وبهذا كانت السيادة الوطنية منقوصة ومنتهكة، من قبل الشركات
الاحتكارية.
وعندما قامت ثورة17تموز المجيدة في عام ،1968واجهت أهم تحدي في مسيرتها
الظافرة، وهو تأميم النفط، انطلاقا من رفها شعار( نفط العرب للعرب) ،
وضرورة استكمال استقلال القرار السياسي الوطني، من خلال انجاز
الاستقلال الاقتصادي.
فكان أن بدأت معركة التأميم، مع الشركات الاحتكارية. ولان الشركات
الاحتكارية إخطبوط هائل، يحتمي بالدول الامبريالية، التي تقف معه، فقد
كانت المعركة ضارية وشرسة.
وقد كانت القيادة الثورية في العراق، على وعي تام، بخطورة الأمر، و
دراية كاملة، بصعوبة التحرش، بالمصالح الاحتكارية. الأمر الذي جعلها
تعقد العزم ،على اتخاذ قرار التأميم، مهما كانت العواقب، بعد أن هيئت
كل متطلبات المواجهة.
وفعلا كان قرار التأميم في الأول من حزيران عام1971حيث وجهت القيادة،
صفعة قوية للاحتكارات، ومن ورائها، دولها الاستعمارية. وبذلك وضعت حدا
لنهب الشركات لنفط العراق، وطردت الاحتكارات من البلد، إلى غير رجعة.
لقد كان التأميم، ثورة في كل الحسابات، واستكمل العراق، بذلك القرار
الثوري الشجاع، سيادته الوطنية المنقوصة، وساهم بشكل فعال، في تعميق
الصراع مع الاحتكارات، والدوائر التي تقف وراءها إلى حد بعيد.
لقد كان مورد النفط، وانفراد الشركات ألاحتكاريه باستغلاله، خطا احمرا
لايمكن تجاوزه .لكن العراق، بقيادته الشجاعة، وعلى رأسها القائد صدام
حسين، ومن ورائهم الشعب العراقي البطل، قد تجاوزوا كل الخطوط الحمراء،
ليحققوا ذلك الانجاز التاريخي العظيم، الذي سيظل محفورا في الذاكرة
الوطنية، كمنجز ثوري كبير، أعاد للشعب اعتباره، وسيطرته المباشرة، على
ثروته الوطنية، وتوظيفها وفقا لمصلحته الوطنية، وخططه التنموية.
ولاشك، أن تداعيات الاحتلال الأمريكي البغيض، للعراق اليوم ،هي حقيقة
الأمر، احد نوازع الثأر،والانتقام لصفعة العراق القوية، التي وجهها
للشركات الاحتكارية، في محاولة يائسة للعودة إلى الكنز المفقود،
والسيطرة عليه مرة أخرى.
ولكن هيهات لهم ذلك.. فالمقاومة العراقية الباسلة لهم بالمرصاد, وهي
الآن، تذيق المحتل الأمرين، و تمرغه بوحل المستنقع العراقي، كما يحلو
لهم أن يوصفوا الحال.
|