أنا لم أقرأ أخطر وأفجع مما كتبه السياسي المحترف عبد الأمير الركابي
في مقاله المنشور بتاريخ 19نيسان في صحيفة القدس العربي
بعنوان(الردكالية الرثة والمفهوم التاريخي للمقاومة العراقية) والذي
يمكن تلخيص ما يسعى لتعميمه بالرغم من تفاصيله ألمطوّله بنقطتين
جوهريتين هي:
1.إن كل ما كتب عن مقاومة وصمود ومجابهة العراقيين وتصديهم للغزاة
والطامعين به نمط من الزيف والهراء سواء كان ذلك في التاريخ الغابر منذ
السبي البابلي أو الغزو المغولي أو الفارسي او العثماني وانتهاء
بالاحتلال الإنكليزي والأمريكي ضمن مسار تقييمه للمقاومة الوطنية
الراهنة
2.ان المكون الإجتماعي للعراق منذ تشكيله كان متشظيا وهزيلا ومنقسما لا
بل غائبا ككيان ولأكثر من 1800عام من تاريخ وجوده ان كان له وجود كما
يشكك الكاتب ولا يشكل بالأساس أرضية خصبة لنشوء مقاومة مسلحة فاعلة .
وعلى ضوء ما اسس له الكاتب من افتراض يخلص الى الاستنتاج إن كل من ما
كتب عن المقاومة العراقية من تنظير وتاطير منذ الغزو في نيسان عام 2009
من الذين لا يقبلون بتنظيره المرحلي ودعوته الإخيرة للانتقال الى مرحلة
الإصلاح السياسي من الداخل هو نوع من الدجل والافتراء والتبجح يهدف منه
انتزاع الإطار الوطني للمقاومة وحصرها بطائفة ومكون واحد مما أدى الى
انحصار فعلها وضعفها فيما يكرر القول بدعوى ان المراحل
الحاسمة للتحرير لا تتحقق بالسلاح وإنما بالفعل السياسي ويوصم من
يبرر فعلها ( الاستمرار بحمل السلاح وربط نشاطها وفعلها بوجود الاحتلال
وهيمنته) بالفكر الرث والهيمنة الطائفية والقبلية كما يراهن على الفعل
السياسي في تصليح مسارات الأنظمة والحكومات ويعزي بذلك الفعل الى قوى
سياسية وطنية وتقدمية !؛ ما يثير الاستغراب فيما يكتبه الركابي من
الممكن تلخيصه بما يلي:
1.لا أدري كيف يريد الكاتب ان يوظف بهذا التنظير المنفرد والمستلب
للحقيقة والقراءة الموضوعية للتاريخ والواقع تنظيره هذا لخدمة العراق
الذي تشتد عليه الهجمة الإحتلالية ويتم تفتيته ونهب ثرواته وكفاءاته
واستهداف شعبه وقيمه من قبل دولة احتلال غاشمة ومجاميع عمالة منصَّبة
ومستفيدة ودول إقليمية وغير إقليمية طامعة.وإذا كان العراقيون يفتقدون
تكوينا وتركيبة وتاريخا مقومات المقاومة المنظَّمة والهادفة كما يدعي
وينَّظر ؛ فما هو بديله لمجابهة هذا المشروع ؛ألا يفهم من كلامه ان
نشوء مقاومة عراقية بلا مقومات تاريخية لنشوئها وتركيبة تكوينية لنموها
أمر يحول بالتالي الى عدم جدواها ويتناقض مع حقيقة جودها؟ وكيف يفسر
ظاهرة وجود وفعل المقاومة التي كثيرا ما أشاد بها بل وبرر فشل المشروع
الإحتلالي بفعلها ؟.
2.لا ادري كيف يخول الركابي لنفسه نشر مثل هذا التنظير إعلاميا وفي
أحرج ظروف ألأمة تعقيدا وهو تنظير لا يوافقه فيه واحد من كتاب العراق
السياسيين والمؤرخين والناقدين المعاصرين او المتأخرين وإذا كان مثل
هذا التنظير يحسب إبداعا أو افتراءً للكاتب
فأن أتعس ما فيه وأخبث ان ينزلق هذا الكاتب الذي يحسب نفسه واحدا من
كتاب الفكر المقاوم هذا الإنزلاق الخطير في ظل ثقافة الاحتلال بل يتفتق
بهذا الإبداع ! من وحي المنطقة الخضراء وفندق الرشيد فيها !عجب ليس
بعده عجب ؛ تزوير واضح واستلاب متقصَّد لإرث الأمة وكرامتها وتاريخها
حين يؤسس تنظيره على أساس الحدود الجغرافية المصطنعة والمتأخرة
بالتكوين فيؤسس لمقاومة الحدود حتى قبل الإسلام في فرض واقعيتها ليفصل
بين مقاومة عراقية ومقاومة عربية أو إسلامية على امتداد تاريخ طويل
للأمة بل لا يرعوي في غيه وينتقص حتى من قيمة ثورة العشرين العراقية
اعقاب سقوط مفهوم الامة بانتهاء الدولة العثمانية ويعدها انتفاضة فاشلة
بكل معانيها في حين احسبها المقاومة العراقية الوحيدة في المنشأ
والأداة والفكر والتضحيات.
يتناسى الركابي ان التاريخ كما كتبه المؤرخون الانكليز المعاصرون يذكر
أن أقسى هزيمة مني بها البريطانيون على مر التاريخ كانت هزيمتهم بحصار
الكوت وعلى يد قائدهم الجنرال طاوزند بفعل مقاومة وطنية بسيطة التسليح
وبلا تعقيد آيديولوجي مع ان الأمة كانت تعاني من فراغ فكري بسبب شطط
ألإدارة العثمانية والدولة المريضة.
3.ولا يستحي الكاتب والمنظر بمفهوم انهزامي لوقفات ذهبية من تاريخ
الأمة الطويل أن يعرج إلى قضية مهمة تتعلق بدور المقاومة المسلحة كأداة
حسم للاحتلال ليقلل من أهمية هذا الدور ويريد لها بهذا المفهوم أن تكون
وسيلة ضغط لإنهاء الاحتلال سياسيا وفي حين يدرك ان المقاومة السياسية
ممكن أن تزاول أو تدار من المهجر إعلاميا
وتنظيرياً بالطريقة التي زاول فيها الكاتب نفسه هذا الدور كمعارض
ومقاوم لعقود عديدة من الزمن إن صح أن نسميه مقاوما بعد مرحلة كتاباته
ونشاطاته الانهزامية المتأخرة فانه يتناسى إن دور المقاومة المسلحة
محدود بجغرافية الاحتلال وحاضناتها عراقية صرفة ولهذا لا أجد معنىً
لدعوته للمقاومة المسلحة للعمل داخل العراق وكأنه يفترض أن لها حاضنات
إعداد او مهمات خارج العراق؛ما يهدف إليه الكاتب ان تتحول فصائل
المقاومة الى خلايا نائمة داخل العراق ليتسنى له ولغيره أن تقع في شباك
عملاء العملية السياسية وميليشياتها لأنه يعتبرها أساسا مريضة وسقيمة
وفي دور المنازعة! وبالتالي فان دعوته المزعومة للقوى المناهضة الى
الداخل لم تنشأ من مبدئية تقويم خلل كبير أجبرت عليه هذه القوى بهجرتها
من خلال حجم الحملة التصفوية لها في الداخل ولكن على أساس أن دورها
الأن قد بدأ لأنه يعتقد ان الدور القادم هو تفاوضي وحاسم ومرهون بدور
القوى التي يسميها مناهضة في حين ان من مثلها منهم بالعودة وتلبية دعوة
السيد المالكي لحضور مؤتمره الأخير يعدها قوىً مهادنه ومتهافتة.
4. الكاتب الذي تبنى في يوم من الأيام حمل السلاح بمجاميع يسارية
ووطنية شيوعية الفكر في أهوار العراق للإطاحة بنظام حكم عراقي يخالفه
بالفكر والنهج ويبرر في مقاله الانقلابات العسكرية لتصحيح الأوضاع
السياسية بعد نزوح الاحتلال ويتطرق بالذكر لدور القوى السياسية لتبني
هذه المسارات للتحرير الشامل ؛ينكر على المقاومة المسلحة دورا أساسيا
في مرحلة انسحاب الغزاة وهذا افضح ما في المقال من نوايا وأهداف وتناقض
في المفاهيم!.
5. يذكر الكاتب ويعتقد أن مكونا ما او طائفة ما استحوذت على
المقاومة وأدت الى انحصارها بهذا المكون ؛ولكنه لم يذكر او يتطرق
لأسباب هذا الإحتواء وأسباب هذا الانحسار اذ كان من المفروض على الكاتب
الذي يتهمنا بالدوافع الطائفية في كتاباتنا ويعتقد ان ردودنا لما يتصدى
له بدافع معين لها علاقة بالانتساب الطائفي أن يتصدى بشجاعته التنظيرية
للوقوف أمام ظاهرة انحسار المقاومة وعدم نموها إن صح اعتقاده داخل
المكونات الأخرى سواء كانت طائفية أو دينية أو عرقية ولماذا لم تستطع
القوى الوطنية في هذه المكونات أن تنهض بهذه المهمة من خلال تنظيماتها
وتنظيراتها إذا افترضنا إن الدوافع الدينية والقومية قد تم استلابها من
قبل أحزاب طائفية وعرقية عميلة؟.ولماذا كانت الأهوار حاضنة جيده
لمقاومة الشيوعيين لنظام البعث لكنها لم تعد تشكل حاضنة مقاومة مسلحة
ضد الاحتلال والغزو الأجنبي؟ في حين إننا نعتز بدور المناهضين
والمقاومين للاحتلال لكل مكونات الشعب العراقي ولا نرى انفراجا
وتأثيراً كبيرا لدور المقاومة المسلحة إلا من خلال انتشار وتعميم هذا
الدور بين كل المكونات بلا مناطقية أو حواجز جغرافية او طائفية وهذا ما
تبشر به وقائع الأحداث اليوم وغدا إنشاء الله وتدعوا له كتابات
الوطنيين والمناهضين للاحتلال ودأبت على تثقيفه.
خلاصة القول
أنا أرى فيما بين السطور التي يكتبها سياسي محترف وكاتب ممتهن كالسيد
عبد الأمير الركابي كثير من التجني على التاريخ والقيم وكثير من
التشكيك والتفكيك لدور المقاومة العراقية الباسلة وكثير من الإستهداف
الغير مبرر للشخوص والقوى الوطنية المناهضة التي يعد نفسه واحدا منها
وحريصا على توحيدها وتنشيطها ولو كانت مثل هذه الكتابات قد نشرت بعد أن
نكون قد أنجزنا مرحلة التحرير الشامل من الأجنبي لربما كان لها صدىً
لتحظى بالنقاش والتمحيص ؛أما أن تكتب وتنشر والعراق يمر في اخطر مرحلة
وأدق ظرف وأحلك فترة منذ تاريخ تكوينه فلا مجال لقبول هذه التنظيرات
والكتابات إلا إذا احتسبت واحدة من سهام عديدة تنغز في ركب المناهضين
والمقاومين للاحتلال وما أكثرها من سهام ( الذين قال لهم الناس إن
الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم
الوكيل )
|