لم يكن العراق في يوما ما متنكرا لعروبته أو جاحدا لمن يتصل به بصلة
الدم والنسب, أو منكفئا على ذاته , متنعما بثرواته التي حباها الله له
من دون منة من احد , , ولم يكن انانيا عندما سفح دم ابنائه على كل شبر
من ارض العروبة وطأتها اقدام محتل أو غاز , بل ان كل الشواهد التاريخية
تؤكد على ان شعبه كان ولايزال وسيظل عربيا حتى العظم , قوميا حتى
النخاع حتى اصبحت مقابر الجنود العراقيين علامات بارزة في أرض فلسطين
والاردن وسورية , وغيرها من الاقطار العربية , بل كان أول المدافعين عن
حقوق العرب أينما كانوا في مشرق الوطن ومغربه , حتى أعتبره الكثيرون
مغاليا في ذوده عن حياض الامة, متطرفا في ايمانه بالعروبة,وان التاريخ
الحديث قد شهد لشعب العراق بانهم أول شعب قبل أن يتولى عرشه ملك عربي,
وان يمثله لدى دول العالم سفراء من جنسيات عربية , وممثلين رسميين له
في منظمات أقليمية ودولية غير عراقيين , وانه أول من فتح حدوده للعمالة
العربية بدون تاشيرة دخول , وساوى بين العراقي والعربي في حقوق التملك
والتصرف والعمل والاقامة , بل أنه اعطى للعربي مالم يتمتع به العراقي
في جوانب كثيرة , حتى اصبحت سبة عليه من قبل الطائفيين ودعاة مايسمى ب(
الامة العراقية) , وقد كان للمواطنين الفلسطينيين قوانين تحميهم
وتساويهم مع اشقائهم العراقيين منذ عام 1948 وحتى بداية الغزو
والاحتلال الامريكي للعراق في عام 2003 بل كانوا يتقدمون على غيرهم من
الاشقاء العرب في الوظائف الحكومية لاعتبارات وقوع بلدهم تحت الاحتلال
ومقيمين في العراق منذ عقود طويلة , وكون غالبيتهم مولودون فيه , مما
فسح المجال لهم للتقدم في الصفوف الاولى في غالبية أجهزة الدولة حتى
الحساسة منها.
أننا عندما نتحدث بهذه الصيغة التذكيرية فاننا لانقصد الانتقاص من
أشقاءنا والمنة عليهم أو الغمز من طرف النقمة على ماتمتعوا به , بل ان
شعبنا يعترف بان كل من عمل على أرضه أنما كان يقدم خدمة للعراق وشعبه
وانه قد ساهم بهذا القدر أو ذاك في تحقيق فرصة للتقدم أمتلك العراق
ناصيتها , لكن من حقنا نحن أن نتسائل عن السبب الذي دفع الرئيس
الفلسطيني محمود عباس الى زيارة شمال العراق بصيغة توحي انها زيارة الى
دولة اخرى؟ بل حتى زيارته الى بغداد المحتلة قد أثارت فينا نحن
العراقيين الف سؤال وسؤال؟ وهل انها في مصلحة الشعبين العراقي
والفلسطيني ؟ويقينا أن شعبنا العربي في كافة أقطاره قد طرح هذا السؤال
وفي مقدمتهم شعبنا العربي الفلسطيني ؟
لقد كانت زيارتي عباس الى العراق , تفريطا واضحا بمصالح الشعب
الفلسطيني حيث ان مصلحته الحقيقية هي في التلاحم التام مع شعب العراق
ودعم وحدته الجغرافية ضد الدعوات الانفصالية التي يروج لها المتسلطون
على رقاب شعبنا الكردي في أربيل , حيث أنه عكس صورة مؤيدة لدعوات هؤلاء
الذين زارهم كرئيس دولة الى دولة اخرى , كما انه ألحق ضررا بالغا
بالمصلحة الوطنية العراقية التي تعمل من أجلها المقاومة العراقية, من
خلال محاولته التعامل مع قتلة شعبنا واضفاء الشرعية عليهم , لكننا نقول
بان الرجل قد سهل الهوان عليه , عندما فرط من قبل بحقوق شعبه البطل في
غزة ووقف متفرجا وهو يذبح على مدى أسابيع طويلة دون أن يحرك ساكنا ,
باحثا عن مكاسب سياسية وسط الدمار والقتل والدماء أملا ان يدخل الى غزة
على ظهر دبابة اسرائيلية , واذا كانت زيارته قد حصلت نتيجة ضغوط دولية
وأقليمية كالتي منعته من حضور مؤتمر القمة الاستثنائي في الدوحة ,
عندما أعتذر لوزير خارجية قطر عن الحضور بسبب تلك الضغوط التي وصفها
بانها سكين على رقبته , نقول أذا كان هذا هو السبب في زيارته الى
العراق , فانه قد أثبت مرة أخرى أنه ليس سوى دمية تحركها أطراف خارجية,
وانه ليس أكثر من منفذ لادوار مشبوهة تفرضها اجندات دولية, على حساب
مصلحة الامة ,
وأن شعب العراق لم يكن يأمل من عباس أن يكون عونا له في محنته وصوتا
هادرا للدفاع عن حقوقه المهضومة , على أعتبار أنه كان في يوما ما
محسوبا على المقاومة الوطنية الفلسطينية , لان هكذا مواقف لاتطلب ممن
باع قضيته ,وقبل ان يذبح شعبه , ويقدم يوميا الولاء والطاعة الى محاصري
اطفاله ومجوعي شعبه , من اجل كرسي السلطة الموهومة التي سلبت أرادته
وصرفت نظره وأفقدته البصر والبصيرة , حتى ماعاد يميز بين الخراب
والتدمير والتهجير والقتل على الهوية والسلب والنهب والطائفية المقيتة
, فاعلن ملء فمه بانه مبهور بما تحقق في العراق من تقدم وامن وامان ,
وراح يقبل أعوان المحتل وكاني بحاله يقول لهم ( أني أشم فيكم رائحة
الرذيلة والخيانة والعمالة كرائحة المسك والعنبر) , ولاعجب في ذلك
فالزائر والمزار أشتركى في مصافحة قادة الصهاينة من قبل ولهم تاريخ
طويل سري وعلني بالتعامل مع العدو الصيوني واجهزة مخابراته الملطخة
ايديهم بدماء شعبي العراق وفلسطين.
أن تبجحه بانه قد ترك فلسطينيوا العراق باياد أمينه , انما تدل دلالة
واضحة على الخطيئة الكبرى التي أقترفها الرجل بحق شعبه , فمن يدعي بانه
أتمنهم على شعبه انما هم حفنة من الرعاع والغوغاء وهم مجاميع
ميليشياوية وفرق موت سادية , قتلت شعبه واحرقت بعضهم وهم أحياء في حي
البلديات وغيرها من مناطق بغداد التي كانوا يقطنونها , وهم الذين
القوهم عراة جياع في صحراء غرب العراق بعد ان سلبوا أموالهم وممتلكاتهم
, وكان حري به ان يتوجه الى دول الجوار العربي كي يرفع هذه المعاناة عن
شعبه ويجد ملجا لهم فيها , لا ان يمجد قاتلي شعبه الفلسطينيين واشقاؤه
العراقيين , لكن يبدو ان المشتركات بينه وبين فئران جحور المنطقة
الخضراء أكبر من مصالح شعبه وأشقائه العراقيين , فكلاهما ناقصي الشرعية
الوطنية, واصحاب سيادة زائفة , وخدم احتلال مباشر, وان مرجعيتهم الاولى
هي البيت الابيض لذلك حرص على زيارتهم في جحورهم التي يختبأون فيها .
أن من يبرر لعباس خطيئته الكبرى بان مجيئه الى بغداد المحتلة , وزيارته
الى اربيل المحتلة كان دفاعا عن مصالح شعبه المضطهد في العراق , انما
يقع في وهم كبير فقد كان بامكانه طرح الموضوع على القمة العربية التي
عقدت في الدوحة مؤخرا , أو اللقاء بما يسمى رئيس الوزراء العراقي على
هامشها , والتباحث بشأن فلسطينيوا العراق , أو في ارسال وزير مختص
للقاء من تبرك بزيارتهم في أربيل , لا أن يتجاوز على مشاعر العراقيين
ويساوم علنا على حقوقهم الوطنية , ويبدو مؤيدا للاحلام المريضة التي
يطقها اعداء العراق , وعليه فان الواجب المطلوب الان من كل القوى
والفصائل الوطنية الفلسطينية , هو أدانة ما أقدم عليه عباس , واستنكار
عمله المشين وتطاوله على شعب العراق , في تمجيد قتلته وسارقي قوته .
|