خاضت السيدة لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال الجزائري، الى جانب
بضعة مرشحين آخرين، انتخابات الرئاسة في مواجهة الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، وخسرت، كما خسر الآخرون.
ثمة أسباب موضوعية للخسارة. و"موضوعية" تعني أنها خارجة كليا عن إرادة
المتنافسين.
ـ احد تلك الأسباب هو أن السيدة حنون تقود حزبا ناشئا، لم تغط نشاطاته
أركان الجمهورية، مما يحد من قدرته على التأثير لجذب الأصوات.
ـ هذا الحزب (كما غيره من الأحزاب المعارضة التي شاركت في الانتخابات)
غير مجرب، بعد، بما يكفي. مما يثير قلقا طبيعيا وشكوكا مفهومة في نفوس
الناخبين.
ـ وحزب العمال الجزائري (على أهميته كحزب يساري وطني يجب أن يحظى بكل
احترام) لا يمتلك "الإطارات" الكافية التي تتيح له التحول الى صوت وطني
قادر على قلب الموازين.
ـ الطبيعة اليسارية للحزب لا تشكل مكسبا انتخابيا. فالناخبون يميلون،
حسب أكثر الاختبارات شيوعا، الى الوسط. "يسار الوسط" تارة، وأخرى "يمين
الوسط". لماذا؟ لان "الوسط" يوفر قاسما مشتركا أعظم لهموم وتطلعات
الناخبين. "الوسط" أيضا، مسرحٌ انتخابي أوسع دائما لأنه يجتذب الى
صفوفه عناصر ومؤيدين من جهات اجتماعية مختلفة.
ـ الإمكانيات المادية المتاحة لحزب العمال، لا تقارن بالإمكانيات
المادية لخصمهم في السلطة. فمن دون الحاجة الى استغلال السلطة، فان
"المنتفعين" من النظام (أي نظام) غالبا ما يتبارون في تمويل حملات مَنْ
يرون انهم أنفع لهم في السلطة. وهذا أمر مألوف في اعتى الديمقراطيات.
ـ السيدة حنون إمرأة في مجتمع ما يزال رجوليا الى حد بعيد. ثم انه
مجتمع مسلم ما تزال ثقافته السائدة تشكك في أهلية المرأة للولاية. وهذا
مما يمكن أن يحرمها من أصوات قطاع ضخم من الناخبين، بمن فيهم النساء
أنفسهن.
ـ حتى ولو كان البرنامج الانتخابي الذي طرحته السيدة حنون كاملا،
ومقنعا، ويجسد نزعة وطنية أصيلة، فان الخبرة والاختبار والتجربة هي ما
ينقصه، وهذا مما لا يشجع الناخبين على التصويت لصالحه.
ـ حزب السيدة حنون، كما غيره من أحزاب المعارضة، ظهر خلال الانتخابات
الرئاسية كجزء من التيارات السياسية المتصارعة في البلد. وهذا يعني انه
لن يكسب (بحسب طبيعة الأمور) إلا تأييد ذلك الجزء والقليل من ظلاله.
بينما كان يمكن لأي مرشح يظهر وكأنه "فوق كل التيارات" أن يعطي ملمحا
رئاسيا أجدر بالثقة في مجتمع مزقته الصراعات.
الآن. كل هذه العناصر لا علاقة لها بالرئيس بوتفليقة نفسه. إنها عوامل
"موضوعية" تتعلق بالسيدة حنون وزملائها المعارضين أنفسهم. إنها مشاكلهم
الخاصة مع أنفسهم. وليس من المعقول أن يرموا عواقبها على الآخرين.
كما أنها عناصر لا علاقة لها بالتزوير. فسواء حصل التزوير أم لم يحصل،
فان "موضوعية" تلك الأسباب كانت ستجعل من خسارة السيدة حنون أمرا
طبيعيا ومفهوما ومنطقيا للغاية.
ولو حصل العكس، لكان هو الشيء غير الطبيعي وغير المفهوم وغير المنطقي.
ولو أضيف الى تلك الأسباب واحد آخر يتعلق بشخصية المرشحين؛ أدوارهم؛
مكانتهم التاريخية؛ سجلات أعمالهم في السلطة أو على ضفافها، لكان من
المنطقي أكثر القول أن بوتفليقة، وهو رجل تاريخ، يستحق الفوز أكثر من
منافسيه.
هل لم تنطو سلطة الرئيس بوتفليقة على نواقص ومثالب وفشل وربما أعمال
فساد قد تحوم بعض شبهاتها على "رجال الرئيس"؟
بلى. كل هذا ممكن. إلا أنه لا يمنع من أن بوتفليقة ظهر بمظهر "رئاسي"
أكثر من منافسيه. وانه استطاع أن يكسب ثقة الناخبين البسطاء الذين رأوه
يتصرف كأب للأمة، لا كواحد من أبنائها المتنازعين.
أبعد من كل هذا، أيجوز ألا تجد السيدة حنون سببا لخسارتها إلا التزوير؟
ألا تبدو إحالة الهزيمة الى وجود تزوير هي نفسها نوعا من التزوير
للحقائق، وانتهاكا للموضوعية.
عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، وبدلا من أن تخرج السيدة حنون لتهنئ
الرئيس بوتفليقة على فوزه، كما يفعل كل المتنافسين المتحضرين، فقد قالت
في مؤتمر صحافي "ارفض جملة وتفصيلا النتائج الرسمية".
وقالت أنها حصلت "على الأقل" على نسبة 30% من الأصوات، معتبرة أن نسبة
الـ90% التي حصل عليها بوتفليقة لا تحدث سوى في "جمهوريات الموز".
والموز الذي تريد السيدة حنون أن تبيعه هو أن الـ30% التي حصلت عليها،
أفضل من النسبة الباقية التي حصل عليها الرئيس.
وهذا خروج فظيع على المنطق.
الشيء الأهم في هذا "المنطق"، هو أن ثقافتنا لا تقبل الهزيمة. هذه
الثقافة تقول أن الفوز يجب أن يكون لنا ولو بـ30% من الأصوات، وإلا
فأننا "نرفض جملة وتفصيلا النتائج الرسمية".
كل الظروف الموضوعية سقطت من مجال الرؤية، لتجد السيدة حنون نفسها تندد
بالتزوير، لا بالمجتمع الرجولي، ولا بالثقافة الاجتماعية المتخلفة، ولا
بفارق الأهلية، ولا باختلاف السجل.
كان من الأولى بالسيدة حنون وهي تعرف أنها ستخسر، أن تعد بيانا يهنئ
الفائز وتقول له فيه، "نحن وإن كنا نختلف معك كمعارضة وطنية، إلا أننا
خلفك كرئيس لكل الجزائريين. وأننا ننتهز هذه الفرصة للتأكيد على جدارة
نظامنا السياسي، وعلى الوقوف معا لمعالجة المشكلات الوطنية، وعلى المضي
قدما في برامج الإصلاح".
لو حصل هذا، لكان النظام السياسي قد وجد في السيدة حنون معارضا ناضجا،
أثبت في الخسارة قبل الفوز، انه مؤهل للسلطة.
التداول السلمي للسلطة لكي يتحول من أسطورة الى واقع يتطلب احتراما بين
"المتداولين"؛ سلوكا متحضرا في العلاقة بين بعضهم البعض؛ شيوعا لثقافة
القبول بالهزيمة والتعامل معها بروح وطنية، لا شتائم ولا إتهامات
بالتزوير.
في بيئة سياسية ينظر فيها الفائز والمهزوم الى بعضهما البعض كمشروعين
وطنيين جديرين؛ والى اختلافهما بوصفه مجرد إختلاف في سبل خدمة المصالح
العامة، فان الوطنية ستكون هي المنتصر، ولن يُهزم احد.
ولكن هذا لم يحصل.
وإذ انه لم يحصل، فانه لم يكن، سببا لخيبة الأمل (الأمر الذي يضاعف
خيبة الأمل) لأنه متوقع. فالمعارضون عندنا هم هكذا دائما: أما أن نفوز،
أو لا نعترف بالنظام ونرفض نتائجه.
معارضونا يريدون الفوز بـ30% من الأصوات التي يعتقدون أنهم حصلوا
عليها. وإلا فان هناك تزوير وانعدام شفافية.
ثقافة النصر هي التي تبرر الخروج عن المنطق والتغاضي عن الموضوعية.
فنحن إما أن نكون منتصرين، وإما أن يكون العيب عيب الآخرين.
وفي هذا ما يناظر القول: "وإن متُّ ضمآنا، فلا نزل القطر".
ولا بد أن يأتي يوم على السيدة حنون لتجد نفسها قادرة على مواجهة
البسيط من الأسئلة: مَنْ لا يعرف كيف يُهزم، ومَنْ لا يعرف لماذا
يُهزم، كيف يكون له أن يحقق أي نصر؟
أليس إلحاق تهمة التزوير بالمنتصرين هو محاولة للهرب من أسباب الهزيمة؟
أليس تبرير الهزيمة بمزاعم التزوير هو نفسه تزويرا للهزيمة؟
|