جميع العرب يرجعون إلى ولد ثلاث رجال:وهم عدنان وقحطان وقضاعة ,فعدنان
من ولد إسماعيل بلا شك في ذلك ,وأما قحطان ,فمختلف فيه من ولد هو ؟
فقوم قالوا هو من ولد إسماعيل _عليه السلام _ وقد قيل إن قحطان من ولد
سام بن نوح ,والله اعلم,وقيل :من ولد هود عليه السلام . وأما قضاعة
فمختلف فيه :فقوم يقولون :هو قضاعة بن معد بن عدنان ,وقوم يقولون :هو
قضاعة بن مالك بن حمير ,والله اعلم .
وقد عاشت الأمة العربية قبل الإسلام في الجزيرة العربية واليمن وجنوب
وغرب العراق ومنطقة الجزيرة ما بين سوريا والعراق ,وعندما جاء الإسلام
اجبروا على الخروج من الجزيرة لنشر الدين الإسلامي ,ولمحاربة
الإمبراطوريات المجاورة التي كانت تهدد وجودهم وتقف حائل أمام انتشار
الإسلام فاصطدموا بالإمبراطورية الفارسية وانتصروا عليها بل وانهوا
وجودها, وكذلك حاربوا الإمبراطورية الرومانية وطردوها من سوريا ومن ثم
اتجهوا إلى أفريقيا ليسيطروا على شمال أفريقيا وليمتد سلطانهم الى وسط
أفريقيا, ومن اجل تثبيت الدين الإسلامي, كان واجب على العرب انتقال
الكثير من القبائل العربية من الجزيرة العربية إلى الأمصار التي خضعت
لهم وكانت الغاية الأساسية هي نشر الدين ومبادئه وتعاليمه وأضيفت إلى
هذا الهدف مع تطور الدولة الإسلامية هدف الحفاظ على الإمبراطورية أو
الدولة الإسلامية وتوسعاتها, ومع مرور الزمن تغلغلت القبائل العربية في
هذه البلدان, وبدأت عملية الاندماج والانصهار بين هذه الشعوب وبين
العرب بطريقة سلسة وبدون تخطيط مسبق وكان العمل الأساسي المساعد هو
الدين الإسلامي والذي فرض على هذه الشعوب تعلم اللغة العربية لكي
تستطيع قراءة القرآن وفهم الدين مما كان عامل أساسي ومؤثر مستقبلا على
تحديد هوية هذه الشعوب وإذا ما أضفنا القيم ومفردات الأخلاق والتي
تداخلت مفاهيمها بين الأخلاق العربية والأخلاق الإسلامية والتي كانت
مكملة لها ,حتى أصبحت واحدة لا يمكن التفرقة بينهما كل ذلك جعل عملية
اندماج هذه الشعوب بالعروبة وإمكانية تبنيها للعروبة أسهل بكثير والشيء
الأساسي الذي كان حجر الأساس لهذا الاندماج التدريجي هو عدم وجود ضغط
أو تخطيط مسبق أو قوة في السير به بل جاء تلقائيا وضمن سياق التطور
التاريخي لهذه الشعوب ,كل ذلك جعل هذه الشعوب تتخلى تدريجيا عن قوميتها
السابقة لتندمج مع العرب ولتصبح جزء من الشعب العربي وبالتالي جزء من
القومية العربية ,ولم يكن هذا هو العامل الوحيد بل إن التفاعلات ما بين
التراث العربي والتراث المتبقي من الحضارات القديمة مثل الحضارة
الفرعونية والفينيقية والبابلية والأشورية وبقية الحضارات التي نشأة
على هذه الأراضي والتي لعبت دورا كبيرا في حياة تلك الشعوب ,هذا
التفاعل ما بين الحضارة العربية وهذه الحضارات والذي أدى إلى خلق حضارة
وتراث موحد يعرف اليوم بالتراث والحضارة العربية والإسلامية,كل ذلك
إضافة إلى وحدة اللغة ووحدة المصير واندماج الدماء العربية بدماء هذه
الشعوب والاهم هو وحدة الدين لأغلب هؤلاء قد ساعد بل كان الأساس للوجود
القومي وبالتالي نشوء القومية العربية بمفهومها الحالي ,فالعلاقة ما
بين هذه الشعوب أو الأفراد لا تقتصر على الدين فقط ولا تقتصر على الدم
أو النسب فقط ولا تقتصر على التراث فقط ولا تقتصر على وحدة المصير ولا
على اللغة ولا على وحدة الأخلاق ومنظومة القيم المشتركة بل على جميع أو
اغلب هذه المقومات فمن لا تشترك معه بالدين تشترك معه ببقية المقومات
ومن لا تشترك معه بالدم تشترك معه ببقية المقومات مما يفرض خلق حالة
جديدة تضم كل هذه المقومات التي تفاعلت عبر مئات السنين لتنتج لنا
القومية العربية بمفهومها الحالي والأمة العربية بتراثها المشترك
والشعب العربي بأهدافه المعروفة ,والتي مهما حاول المتشككين من القفز
فوقها فلن يستطيعوا التأثير على مسيرتها ومستقبلها ووحدة مصيرها ,فهذا
منطق التاريخ المشترك, والجغرافية التي تمثلت بالوطن العربي بحدوده
الحالية وهذان العاملان المضافان لمقومات وجود هذه القومية واللذان
سيبقيان سدا منيعا أمام محاولات كل أعداء القومية للنيل منها, وبالرغم
من محاولة البعض من استغلال الدين الإسلامي للنيل من القومية العربية
ومحاربتها,من خلال تنكرهم لدور العرب وعلاقته بالإسلام ,بل حاولوا
القفز على أهم مهمة للعرب كلفهم الباري بها وهي اختيارهم من دون شعوب
وقوميات الأرض لنشر الدين الإسلامي ,وكذلك تغافلوا عن إرادة الباري
الذي كرم لغتهم بان جعلها لغة الجنة ولغة القرآن وهي اللغة الوحيدة
التي لن تزول من الوجود لأنه ربطها ببقاء القرآن الكريم عندما ذكر في
محكم كتابة العزيز (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) سورة الحجر
(وأنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )سورة يوسف و(كتاب فصلت آياته
قرانا عربيا لقوم يعلمون) فصلت و(وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) الرعد
(نزل به الروح الأمين ,على قلبك لتكون من المنذرين,بلسان عربي مبين
)الشعراء.صدق الله العظيم.
وبعد كل هذا, فكيف يمكن أن يحفظه الباري عز وجل إذا لم يحفظ اللغة
التي نزل بها,وأما البعض الآخر والذين يدعون حبهم لأهل البيت والتزامهم
بالأئمة من أهل البيت, وإذا بهم يتنكرون للنسب العربي من خلال تنكرهم
للقومية العربية,وأنا لا افهم كيف انك تؤمن بنظرية يكون النسب العربي
أهم ركن فيها من خلال النسب العمودي للحسين (ع) وفي نفس الوقت تجاهر
بالعداء لأصل هذا النسب,أو تعمل ضمنيا ضده من خلال محاربته بحجة
الإسلام, وكان الإسلام بعيد عن هذه القومية ولم يتكون ويظهر إلى الوجود
من خلالها وبها بل بأخلاقها والتي أتم مكارمها الإسلام,ومن يستند إلى
قول الرسول (ص) (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) لكي يلغي الوجود
العربي إسلاميا فانه يلغي بذلك الكثير من ركائز الإسلام ,إن المساواة
ما بين المسلمين لا يعني بأي حال من الأحوال إلغاء للروابط التي تربط
البشر ولكن على شرط أن لا تكون متقاطعة مع الإسلام, والعروبة لم تكن
ولن تكن متقاطعة مع الإسلام بل مكملة له والشواهد كثيرة على إن الإسلام
لم يلغي كل عادات وتقاليد العرب وقيمهم بل قوم الأخطاء وجعلها بعد
التقويم أخلاقا للإسلام,أي إن الأخلاق الإسلامية أساسها الأخلاق
والقيم العربية,فكيف بعد ذلك بالإمكان محاربة القومية وباسم
الإسلام,وأما دور اللغة العربية فهو وحده كافي لكي تأخذ القومية
العربية دورا متميزا في الدين الإسلامي,ولو أضفنا إلى كل ذلك النسب
العربي لسيد البشرية ونبي الهداية ,وبالرغم من كل ذلك فان القومية
العربية بالمفهوم البعثي لم تكن في يوم من الأيام إلا إنسانية ,وان
الثوريون في العالم اقرب إلينا من العملاء العرب ,فلم تكن قوميتنا
شوفينية ولا نحن, ولم نقل بأفضليتنا عن بقية القوميات لا كجنس ولا
كقومية ولكن كل ما قلناه بأننا امة واحدة لها الحق بان تتوحد في دولة
واحدة وهذا لا يسيء إلى أي قومية أو شعب إسلامي كان أم غيره,وإنها ذات
رسالة وهذه الرسالة هي رسالة منبثقة ومبنية على جوهر الإسلام, أما من
يريد محاربة القومية العربية باسم الإسلام فهو إنما يريد محاربة
الإسلام باسم القومية لأنه لا وجود للإسلام بدون العرب ولا وجود للعرب
بدون الإسلام,فإذا انتهت اللغة العربية انتهى العرب وبالتالي انتهى
الإسلام,وبما إن القران هو الحافظ للغتنا وهو الحافظ للإسلام فان
الاثنان باقيان ما دام الله هو الحافظ لهما,حيث مادامت اللغة العربية
حية فان القومية العربية حية هي الأخرى,ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا
بان هنالك علاقة جدلية ما بين نهضة العروبة ونهضة الإسلام وما بين
الدولة القومية وبين الإسلام, فكلما كانت القومية العربية قوية كانت
الدولة العربية قوية و كان الإسلام قويا والعكس صحيح,وعندما تخلفت
الدولة القومية تخلف المسلمون وأصبحت البلاد الإسلامية عرضة للغزاة
الطامعين ,وهذا ما يجعلنا ننادي بالنظرية القومية والتي هي الحل الأمثل
لهذه المرحلة التي تمر بها قوميتنا وامتنا العربية والمتمثلة بأهداف
الأمة والتي هي الوحدة والحرية والاشتراكية ,أي إن هذه الأهداف جاءت
لمعالجة الوضع المتردي للأمة العربية ضمن هذه المرحلة ,وكل هدف يعالج
جانب من هذا التردي ,أي إن القومية باقية مع بقاء البشر ولكن النظرية
القومية متغيرة ,فلكل مرحلة تاريخية نظريتها الخاصة التي تنبثق من
حاجاتها المرحلية وهي التي تحدد أهدافها المرحلية وتنتهي هذه المرحلة
بتحقق الأهداف أو بانتفاء مبرراتها,لتبدأ مرحلة جديدة وبأهداف جديدة
وحسب طبيعة تلك المرحلة وحسب طبيعة حاجيات الأمة.
ونستطيع القول بان مفهوم القومية العربية يستند ويضم كل المنتمين لهذه
القومية بغض النظر عن نسبهم مازالوا يعيشون في الوطن العربي ,أما العرب
كجنس أو كنسب فهم المنحدرون من السلالة العربية وهذا ما يجعلنا نفرق ما
بين الانحدار القومي والانتماء القومي,فان من ينحدر عربيا ولا يلتزم
بالمشروع العربي ويعمل ضد هذا المشروع لا يمكن أن يكون منتميا إلى
القومية العربية ,والكردي أو البربري والمسيحي أو اليزيدي عندما يلتزم
بالفكر العربي ولديه الشعور العربي يكون منتميا إلى القومية
العربية,وهذا ما جعل القومية العربية هي البودقة التي انصهرت بها كل
الأقوام التي تسكن الوطن العربي والتي كان الإسلام هو المحتوى لها
كمفاهيم وكأخلاق وقيم أكثر مما هو كدين .
والقومية قبل كل شيء هي شعور وعاطفة تتمثل بالحب والذي يستند إلى
مقومات مادية تساعده في ديمومة هذا الحب,وهو عشق وغرام ولوعة يفسره
المعاناة التي يلقاها المناضلون القوميون بسبب إيمانهم بهذا الوجود
الخالد ولا يتخلوا عنه.
إن القومية العربية ليس مرحلة برجوازية كما يفسرها البعض والذي ربما
يصح هذا التفسير على القوميات في البلدان الأوربية والتي كانت القومية
فيها تمثل طبقات اجتماعية معينة.بل وتمثل مصالحها والتي تم استغلال هذه
القومية للسيطرة على غيرها من الشعوب بل وكانت قوة بيد تلك الطبقات
لاستغلال الطبقات الكادحة في بلدانها بل ومن الملاحظ أن نجد إن الدين
متمثلا برجال الكنيسة في أوربا هم الذين حموا القومية ونادوا بها وهذا
عكس ما نراه في حالتنا فان الكثير من رجال الدين حاربوا القومية
العربية وهذا دليل إضافي لاختلاف مفهومنا القومي عن المفهوم الأوربي
مما يبرر هذا التفسير الذي لا يمكن أن ينطبق على القومية العربية ,لان
القومية العربية قومية إنسانية عانت من الظلم والاضطهاد والاستعمار وكل
أشكال القهر وبالتالي فهي ضد كل أنواع القهر والاستعمار والاضطهاد
والتمييز,ومن الصحيح أن النضال القومي يعتمد على التحالف الطبقي أي
تحالف كل طبقات الشعب ,إلا إن ذلك لا يعني سيطرة الطبقة البرجوازية على
هذا النضال لأنها أساسا تدخل وتشترك في هذا النضال مع الطبقة الكادحة
كأفراد وليس كطبقة ,حيث إن الآخرين من هذه الطبقة والذين تحالفوا مع
الاستعمار أو الذين استسلموا للأفكار المعادية للقومية تحت شتى
العناوين لا يمكن أن يؤثروا على هذا النضال أو يسيطروا عليه لصالحهم
لأنهم صنفوا أساسا كأعداء بصفاتهم الشخصية وبأفكارهم المعادية للقومية
.
أما لماذا حددت الوحدة والحرية والاشتراكية كأهداف لهذه المرحلة من
حياة الأمة العربية ,أو لماذا حددت النظرية القومية هذه الأهداف لهذه
المرحلة,فان ذلك لم يكن إلا تلبية لمتطلبات الواقع والحل لمعالجة
الأمراض التي تعاني منها الأمة العربية والوطن العربي وليس نتيجة ترف
فكري لأحد المفكرين أو القادة,إذن فان تشخيصنا لأمراض امتنا ووطننا
وللحاجات التي يمكن أن نعالج بها هذه الأمراض هي التي فرضت علينا هذه
الأهداف ومن المؤكد إن هذه الأهداف تحتاج إلى من يؤمن بها والى من يعمل
ويسعى لتحقيقها وبالتالي فان الأداة لهذه المهمة أي لتحقيق هذه الأهداف
هي التنظيم أي الحزب,وبما إن المشاكل التي تعاني منها الأمة العربية قد
تفاقمت وتجذرت إلى الحد الذي لا يمكن معالجتها طبيعيا وبالطرق
التقليدية,وعليه فقد حدد الحزب الأداة والتي هي التنظيم الثوري, والذي
وحده القادر على إحداث التغيير ومن خلال الانقلاب على الواقع المرير
,ولن يتم هذا إلا إذا استطعنا القيام به على مستوى التنظيم وداخله أولا
ومن ثم على هذا الواقع ,ولكن التنظيم غير قادر على إحداث التغيير في
واقع الأمة دون وجود نظرية ثورية تكون منبثقة من هذا الواقع وتتصف
بوضعها الحلول التي تستطيع إن تعالجه وهذه النظرية هي نظرية البعث
والتي تتمثل بالنظرية القومية والتي حددت أهدافها بالوحدة والحرية
والاشتراكية ,
لماذا الوحدة العربية _لان الوطن العربي مجزأ إلى أقطار ولان الشعب
العربي تمت تجزئته إلى شعوب وتم إيجاد حواجز تبعد كل يوم أبناء القومية
الواحدة والأمة الواحدة عن بعضهم,من خلال الحدود المصطنعة التي أوجدها
الاستعمار وزاد عليها تكريس وزيادة الفوارق بين هذه الأقطار وبين
شعوبها والذين هم شعب واحد وكلما تأخر السير في تحقيق الوحدة العربية
وبأي صيغة كلما زادت الحواجز وصعبت المهمة,ويبقى التنظيم القومي للبعث
هو الأمل لهذه الأمة لأنه تجسيد حي للوحدة العربية.
وبالرغم من فشل التجارب الوحدوية ,وخاصة الوحدة بين مصر وسوريا لأسباب
عديدة لا مجال للتطرق لها ,إلا إن الأمل, بل و الظروف التي تمر بها
الأمة العربية تجعل الحاجة إلى الوحدة العربية تزداد يوما بعد يوم رغم
ازدياد وتعمق الحواجز التي تكرس التجزئة وأخطرها هي الإمكانيات المالية
للدول النفطية العربية والتي أصبحت عائقا كبيرا أمام أي تقارب عربي
بدلا من أن تكون عامل مساعد لتحقيق الوحدة أو حتى التقارب وذلك لتصور
الأغنياء بان الدول العربية الفقيرة تطمع بثرواتها ,وعليه فان دور
العراق باعتباره الدولة نفطية العربية الوحيدة التي بالإمكان تجاوز هذه
التصورات من خلال تقديم نموذج مبني على تصورات الحزب في تحقيق الوحدة
إن شاء الله .
لماذا الحرية _إن الوطن العربي والأقطار العربية عموما تحررت من
السيطرة الاستعمارية المباشرة أي إن اغلبها تحررت من الاستعمار العسكري
أو الاستعمار القديم ليحل محلها الاستعمار الجديد ,الثقافي والاقتصادي
والذي ربما يكون اخطر من الاستعمار القديم لأنه مخادع ظاهره إننا نتمتع
بالاستقلال الصوري وحقيقته إننا محكومون من قبل أفراد من أبناء جلدتنا
يحكمون بالنيابة عن الامبريالية ولصالحها وهم يسخرون خيرات الأمة لصالح
الغرب مقابل حماية عروشهم,وبالتالي فان هدف الحرية مازال بعيدا ولن
يتحقق إلا بزوال هذه العروش وتحقيق الحرية الاقتصادية الحقيقية .
لماذا الاشتراكية _إن التخلف الذي تعيشه الأقطار العربية أو الأمة
العربية وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية
والصحية يفرض على من يريد النهوض بواقع هذه الأمة أن تكون لديه النظرية
التي يستطيع من خلالها تحقيق تغير جذري في الواقع المتخلف ,حيث إن
التطور التقليدي لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة حيث إن الفارق كبير جدا ما
بين العالم المتقدم والأقطار العربية ,مما يعني إن التقدم أو التطور
يجب إن لا يكون تقليديا لأنه سيبقي على الفجوة بل ويزيدها ,كذلك فان
اعتماد نظريات الاقتصاد الحر أي اقتصاد السوق لا يمكن أن يكون مجديا
لسبب بسيط وهو عدم وجود رأسمال وطني يمكن أن يقوم بهذا المهمة وبالتالي
يجب اللجوء إلى الاستثمار الأجنبي للقيام بهذه المهمة والتي تعني مشاكل
إضافية فوق الموجودة أصلا في هذه المجتمعات ,أو أن تقوم الدولة بهذه
المهمة, أي إن طريق الاشتراكية مفروض على اغلب الأقطار العربية في حالة
رفضها للاستعمار الجديد الذي سيدخل عن طريق هذا الاستثمار الأجنبي,من
ذلك يتضح إن اختيار الحزب لهدف الاشتراكية لم يكن إلا تلبية لحاجة
المجتمع العربي بل هو الحل الوحيد والمفروض واقعيا أما من يضن إن
الاشتراكية لا تتوافق مع الإسلام ,فان اعتراضهم الحقيقي هو على اسم
الاشتراكية وليس على المعنى أو المفهوم الذي تمثله الاشتراكية التي
ينادي بها البعث والتي تختلف اختلافا كليا عن الاشتراكية الماركسية
,لعدة أسباب أهمها إن الاشتراكية الماركسية تفترض وجود صراع طبقي حاد
,وهذا غير موجود في مجتمعاتنا العربية وذلك لعدم تنامي البرجوازية لا
ماديا ولا معنويا ولا سياسيا لكي تمثل طبقة اجتماعية مؤثرة على المجتمع
وعلى الاقتصاد وهذا يفرض عدم وجود صراع طبقي بالمفهوم الماركسي,وكذلك
فان الفكر البعثي أو المفهوم البعثي للاشتراكية لم يلغي الملكية الخاصة
لوسائل الإنتاج مما يتيح المجال للجميع بالتملك على شرط عدم التعرض إلى
مصالح الأغلبية من خلال السيطرة على بعض وسائل الإنتاج مع احتفاظ
الدولة بالسيطرة على وسائل الإنتاج التي لها تأثير على حياة الشعب وعلى
سيادة البلد,أي إن اشتراكيتنا تعني القيام بتنمية البلد بوتيرة يمكن من
خلالها تقليص الفجوة ما بيننا وبين العالم المتقدم وذلك باستغلال
إمكانيات القطاع الخاص المتوفرة وإمكانيات الدولة وضمن تخطيط واضح,ولا
تسمح للاستثمار الأجنبي بالسيطرة على وسائل الإنتاج ,أو الاستثمار داخل
البلد إلا في حدود ضيقة وضمن حاجات البلد الضرورية جدا وفي المجالات
التي لا تتمكن الدولة أو القطاع الخاص الوطني القيام بها ,هذه هي
الخطوط العريضة للاشتراكية العربية أو الطريق العربي للاشتراكية والتي
نؤمن بأنها الطريق والهدف الأسلم لرفع مستوى الشعب وتحقيق التنمية .
وأخيرا لا بد الإشارة إلى العلاقة الجدلية ما بين هذه الأهداف والتي
استطاع الحزب اكتشافها من خلال تحليل الواقع العربي حيث إن أي خطوة
باتجاه تحقيق احد هذه الأهداف سيكون حتما عامل مساعد أو أساسي في تحقيق
الهدف الثاني الذي ننادي به مما يوضح العلاقة الجدلية مابين هذه
الأهداف ,وأحسن مثلا على ذلك هو ماذا لو إن أموال الخليج التي تبددت في
الولايات المتحدة من خلال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية والتي
قدرت بمئات المليارات, أو السرقات التي حدثت في البورصات والتي طالت
الأموال العربية ,قد تم استثمارها في أي قطر عربي في المشاريع
الاقتصادية والتي كان مردودها يساعد على تنمية تلك الأقطار مع تنمية
هذه الأموال والحفاظ عليها بدلا من تبديدها,وهذا سيؤدي إلى خطوة
بالطريق الصحيح نحو الوحدة وفي نفس الوقت تنمية الدول العربية الفقيرة
والمحتاجه إلى الاستثمار وكذلك خطوة نحو سد الطريق أمام الاستثمار
الأجنبي الذي يريد السيطرة والاستعمار الاقتصادي وتشغيل العمالة
العربية وغيرها من الفوائد للجانبين علما بان السوق العربية الكبيرة
كانت ستضمن عدم تعرض المشاريع الاقتصادية إلى أي خسارة حتى في ظل هذه
الأزمة , وفي نفس الوقت خطوة نحو التكامل الاقتصادي العربي والذي نادى
به البعث منذ تأسيسه ,هذه هي أهدافنا وهذه هي العلاقة الجدلية فيما بين
هذه الأهداف ولا اعرف ما هو الحرام فيها والذي يتعارض مع الإسلام أو مع
طموحات الشعب العربي .
أما المنظرون الذين يضنون إن هنالك تناقض ما بين القومية والحرية
لأنهما يعتمدان على التحالف الطبقي من جهة وبين الاشتراكية من جهة أخرى
لأنها تعتمد على الصراع الطبقي,فلا اعتقد إن تنظيرهم مبني على الواقع
العربي والذي يتصف بعدم وجود أو تأثير للطبقة البرجوازية الكبيرة حتى
في الخليج في الوقت الحاضر في ظل الأموال المتنامية الكبيرة ,وبما إن
هذه الطبقة غير مؤثرة اقتصاديا ,إذن لا وجود للصراع الطبقي أصلا وان ما
يميز المجتمعات العربية عموما هو التحالف الطبقي والذي يقلص الصراع إلى
الحد الأدنى الذي لا يكون ذو تأثير يذكر على هذه المجتمعات,بل إن
البرجوازية العربية الخليجية وبتأثير الدين فإنها تتصف بصفات وطنية لا
تقل عن بقية أبناء الشعب وهي أفضل بكثير من البرجوازيات الناشئة بسبب
الانفتاح الاقتصادي في مصر مثلا والتي تتصف بالقذارة وليس فقط بعدم
الوطنية مما يوضح خطورة الاستثمار الأجنبي على أقطارنا العربية,ويوضح
عدم وجود للصراع الطبقي أصلا.
أن هذا المقال المختصر والذي يوضح إن القومية العربية ليس نظرية ولكنها
تبعث النظريات فهي حقيقة دائمة وكل تفسير للقومية لا ينبع من صميمها هو
تفسير جامد بل ميت,لأنها حية وإنها ليست علما بل هي تذكر حي وهي ليست
عنصرية ولا هي بأفضل من غيرها لكنها مختلفة عن غيرها ولهذا يسمونها
عربية ولا يسمون غيرها بهذا الاسم الخالد .
|