لا بد قبل الولوج بهذا الموضوع من نظرة سريعة على واقع الأحزاب
المساهمة بالعملية السياسية ,والتي انشاتها دولة الاحتلال الأمريكي .
فلقد شهدت انتخابات مجالس المحافظات تغييرات في ما تسمى الخارطة
السياسية في المحافظات من خلال خسارة المجلس الأعلى ومنظمة بدر
والفضيلة وكذلك الحزب الإسلامي لمواقعهم التي سبق وان حازوا عليها
,والسبب يعود إلى عاملين رئيسيين هما :
1_انحسار الشد الطائفي الذي تمثله أحزاب العملية السياسية بل وكانت
أدواته الفاعلة اضافة الى القاعدة,والذي يغذيه كل أعداء العراق ابتداء
بالمحتل الأمريكي والصفوي وانتهاء بالصهيونية العالمية,مرورا بالقاعدة
المرتبطة بإيران .
2_ فشل الأحزاب التي تدار بالعقلية الطائفية والمغلفة بالدين من تقديم
أي إثبات على وطنيتها وإمكانية تقديمها الخدمة بالحد الأدنى للمواطن
البسيط وذلك لان جميع ممثلي هذه الأحزاب في المجالس المحلية عبارة عن
لصوص إذا أردنا مدحهم .
من ذلك بدت الساحة العراقية على مستوى انتخابات المحافظات محسومة لكل
من لم يستلم مسئولية في المجالس السابقة, ليس من باب الوطنية أو
القناعة بالأفضلية بل لعدم وجود خيار أمام الشعب سوى التوجه نحو
الآخرين فكان حزب الدعوة في المحافظات الجنوبية هو المستفيد الأول
لادعائه الوطنية ولأطروحاته الأخيرة ضد الطائفية من جانب ولعدم اختباره
في المحافظات لعدم استلامه مسئوليتها مما كان الفيصل هو مجرد الشعارات
والوعود ,حيث انه أفضل الأحزاب الشيعية أو الطائفية المغلفة الموجودة
في الساحة ,وهو الورقة الأخيرة للاتجاه الطائفي بما فيها المعتدل والذي
إذا سقط وهذا مفروغ منه ,فان ذلك سيقبر والى الأبد هذا الاتجاه
جماهيريا لأنه اثبت وبإصرار على إن ممثليه وقادته عبارة عن لصوص
محرومون انتظروا عشرات السنوات للقيام بأكبر تخريب اقتصادي واجتماعي في
التاريخ في وطنهم وكل ذلك من اجل حفنة من الدولارات,دون أي اعتبار,
ولأي قيم, ولن نقول قيم دينية أو وطنية بل حتى قيم الساقطات .
إذن فاز حزب الدعوة في اغلب المحافظات الجنوبية كرد فعل لممارسات عصابة
المجلس الأعلى, ولن ننسى انه رد فعل على التدخل الإيراني والذي تمثل
بمعاقبة المجلس الأعلى وبدر باعتباره الممثل المباشر لإيران في
العراق,وان حزب الدعوة يغازل إيران ولا يلتزم التزام تام بالسياسة
الإيرانية ,أي على طريقة اختيار أفضل السيئين ,وستبقى المرحلة القادمة
والأشهر القادمة هي الحكم النهائي والذي سيحدد مستقبل حزب الدعوة حيث
إن أدائه في مجالس المحافظات هي الحكم النهائي ,والتي لا يمكن أن تكون
بأفضل من من سبقه لسبب بسيط هو انه لم يستطع أن يقدم على مستوى الإدارة
المركزية عناصر شريفة يمكن أن تقدم نموذجا لحزب يسعى إلى المستقبل فهل
سيستطيع على مستوى المحافظة الواحدة ؟
وهذا الموضوع يرتبط أو لا يمكن أن يفهم بمعزل عن التكوين التنظيمي
لحزب الدعوة وصفات هذا التنظيم وظروف نموه وتكوينه وكذلك الفكر الذي
يمثله الحزب ومدى الالتزام بها و مدى التطابق ما بين الفكر والممارسة
والتي لا بد أن تنعكس على سلوكيات عناصره وفي أي موقع ,وحتى في حالة
وجود شريف ما زال بينهم ,وأنا اشك في ذلك ,فانه ومع هذا الطوفان
الممنهج لسرقة كل ما يقدرون عليه ابتداء من القيادة ولأصغر عضو ,فان
هذا الشريف المزعوم والذي يرى هذا التوجه وهذه العبادة المستميتة للمال
العام ,فلا بد أن يكون في مفترق طرق, إما أن يتركهم أو يسير مع
السائرون , مما يوضح إن صورة هذا الحزب قبل انتخابات مجلس النواب
القادمة , وبما أن هذه هي حالة حزب الدعوة والذي يعتبر اكبر حزب حالي
,والتي تعرفها قيادته ربما أكثر من أعدائه ,فلا بد أن يضع إستراتيجية
للمرحلة القادمة للفوز بالانتخابات مستغلا عدم وجود من ينافسه من
الأحزاب الساقطة في الساحة الشيعية,وهو غير مهتم لا بالساحة السنية ولا
بالساحة الكردية ,لأنه يعرف سلفا بأنها ليس ساحته ولان السلطة تأتي من
الباب الشيعي وبالتالي فان كل ما يفعله وما يخطط له متوجه إلى الساحة
الشيعية حصرا مع القليل من المغازلة للباقين , وترتكز إستراتيجيته على
رفض الطائفية ومحاربتها ظاهريا وهو بهذا يعلن ما يلي:
1_ رفض للتدخلات التي تقوم بها الحوزة في السياسة .
2_ ضرب ومحاربة كل الحركات والأحزاب المنافسة ,المجلس الأعلى ,التيار
الصدري ,حزب الفضيلة ,والحزب الإسلامي, وفي الوقت الذي يحرج هذا الشعار
هؤلاء الأحزاب فانه يعلن بأنه غير طائفي والدليل رفعه لهذا الشعار .
3_رفض المشاركة أو الائتلاف مع بقية الأحزاب الشيعية لا من جانب رفضه
للطائفية بل لأنه يرفض مشاركة هذه الأحزاب له في سلطة هو أحق بها وخاصة
بعد نجاحه في انتخابات مجالس المحافظات وانه الوحيد القادر على تمثيل
الشيعة.
4_إعلان المالكي عن ما يلي :
ا_ اعتزامه تغيير الدستور .
ب_الدعوة إلى الحكم الرئاسي .
ج_إلغاء الديمقراطية التوافقية المبنية على المحاصصة الطائفية .
و_اتخاذ إجراءات ضد بعض الأحزاب مثل ما حصل ضد الحزب الإسلامي في
بعقوبة لمعرفته بان هذا الحزب يبغضه السنة والشيعة معا وفي نفس الوقت
التلويح لهم بالعصا الغليظة على سياساتهم .
ز_عدم فسح المجال لأي وطني بالتحرك على مستوى المحافظات الجنوبية من
خلال التأكيد بمناسبة وبغير مناسبة بربط كل عمل إجرامي بحزب البعث رغم
يقينه بان اغلب الشعب يضحك على مثل هذه الأخبار والغاية هي الوطنيين
عموما وحتى لا تظهر ظاهرة ألحبوبي في بقية محافظات الجنوبية ,وذلك من
خلال محاربتهم باسم محاربة البعث .
ح_اتخاذ مواقف متشددة من قضية كركوك وعموم ما تسمى المناطق المتنازع
عليها,وهذا ما اكسبه تعاطف البعض من العرب ,بعد العنجهية الكردية في
التعامل مع هذا الملف .
ط_الابتعاد قدر المستطاع عن اتهام إيران أو التعرض لها, لكسب ودها أولا
,ولعدم إثارة مؤيدي الخط الإيراني ثانيا .
ي_ربط كل العمليات الإجرامية بالقاعدة, من اجل إذكاء الطائفية مع
التركيز على أهمية استثمار هذا التوجه لصالح الدعوة ومنع بقية الأحزاب
الطائفية من استثماره لصالحها .
والخلاصة لهذه الإستراتيجية هي السيطرة على الشارع الشيعي ومحاولة
تمثيله كاملا ومنع الآخرين منه وبذلك يضمن :
1_عدم اللجوء في الدخول إلى تحالفات شيعية مفروضة.
2_بما انه الكتلة الأكبر فانه سيسيطر على السلطة التنفيذية. و التي يجب
أن تكون هي الحاكمة كليا أي رفض دور الرئاسة من خلال دعوته إلى إلغاء
الصيغة الحالية للسلطة التنفيذية والدعوة إلى الحكم الرئاسي.
3_ سيسمح إلغاء التوافقية الديمقراطية المبنية على المحاصصة والتي
عملوا بها طيلة الفترة المنصرمة إلى السيطرة على كل الوزارات وخاصة انه
سيمثل الكتلة الأكبر والتي من حقها تشكيل الوزارة دون اللجوء إلى
المحاصصة وهذا ما سيرفضه الجميع لأنها ستؤدي إلى انفراده بالسلطة من
جانب وتهميش بقية الأحزاب من جانب آخر.
وأخيرا لابد من توضيح الصورة المستقبلية وكذلك الإخفاقات التي قد تواجه
هذا التوجه لحزب الدعوة .
ابتداء فانه لن ينجح في تغيير وضع وصلاحيات السلطة التنفيذية لمعارضة
الأكراد والسنة وقسم من ألشيعه, وهو يعرف ذلك ولكنه طرح هذا الموضوع
ليبرر إخفاقه في السلطة ويرمي اللوم على طبيعة النظام وليس على أدائه.
إن المرجعية لن توافق على إهمالها وسوف تضغط باتجاه المحافظة على دور
كبير لها في توجيه العملية السياسية وضرورة وجود تحالف شيعي يمثل جميع
الأحزاب بغض النظر عن توجهاتها ويؤيد هذا الخط إيران والمجلس الأعلى
وبدر والأحزاب الصغيرة وربما الفضيلة ,ويبقى التيار الصدري يتأرجح وهو
لا يعرف ماذا يريد ؟
إن اكبر المخاطر التي سيلاقيها والتي ستحدد نتائج الانتخابات المقبلة
هي أداء مجالس المحافظات والتي هي محسومة سلفا لصالح السراق من ممثلي
حزب الدعوة مما سيعريه أمام من اجبر على انتخابه لعدم توفر البديل
وليثبت انه لا فرق بينه وبين الآخرين من سراق بقية الأحزاب سوى الاسم
فقط .
ورغم إننا استبعدنا أهم الحلقات المؤثرة وهي المحتل وتأثيراته في
تحليلنا فان هذا لا يعني بقاءه متفرجا و إن دوره في كل هذا ضعيف أو غير
مؤثر بل سيبقى له الدور الأساسي والذي يسعى الجميع وأولهم المالكي
وحزبه لإرضائه وتنفيذ أوامره ,وكذلك لم نتطرق إلى تأثيرات الأزمة
المالية والتي بدأت تؤثر على الأداء الحكومي وتنفيذ المشاريع الصورية
التي تقوم بها الحكومة ,وكذلك لم نتطرق إلى إستراتيجية بدر والمجلس
الأعلى لعدم وضوحها لحد الآن والتي تعتمد على التصفيات الجسدية للخصوم
بدموية ربما أكثر من الآخرين ,حيث إنها اكتفت لحد الآن بضغط المرجعية
على الدعوة لإعادة الائتلاف الشيعي الذي سيضمن لها البقاء في الساحة
السياسية وهذا ما يرفضه الدعوة لأنه يشعر بان هذه الأحزاب تعيش على (
قفاه ) وانه الوحيد الذي يمثل الشيعة ,وسنشهد معارك من نوع غريب في
الأيام القادمة .
|