عشية انتهاء مهامّ قوّات بريطانيا القتاليّة في العراق، وقبيل بدء
تنفيذ الانسحاب النهائيّ قال البريغادير توم بيكت قائد الفرقة
المدرّعة العشرين: "إننا نشعر بالأسى لأننا نترك الأصدقاء العراقيّين،
لكنّنا نغادر ونحن نعرف أننا أنجزنا مهمّتنا، وبشكل جيّد.. نغادر
ورؤوسنا مرفوعة."
لا أحد من أصدقائه العراقيّين سأله: ما هي المهمّة التي أنجزها
البريطانيّون في العراق؟ وعلى أيّ نحو تمّ الإنجاز؟ كما لم يكلف أحد
نفسه أن يسأل هذا القائد العسكريّ عن أولئك الجنود البريطانيّين الـ179
(طبعا وفق الإحصائيّات الرسميّة) الذين قُتلوا في العراق بلا أيّ هدف
وسط ارتفاع أصوات من داخل بريطانيا تطالب بالتحقيق في الملابسات التي
أدّت إلى مشاركة بريطانيا للولايات المتحدة في حربها الظالمة على
العراق سنة 2003.
مسؤولون سياسيّون وعسكريّون لا يملكون الإجابة.. كما لا يملكون الحياء
الكافي لمداراة أخطائهم عندما لا يكونون قادرين على الاعتذار عنها..
رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أعرب عن فخر بريطانيا بـ"الإرث"
الذي خلفته قوّاتها في العراق.. ولا أحد يدري بم يفاخر براون، وأيّ إرث
يستحقّ التباهي في الوقت الذي قالت فيه الصّحف البريطانيّة إن الاحتلال
كان وبالاً على بريطانيا. فالحرب كانت باهظة الثمن إنسانيّا وسياسيّا..
لقد أحدثت صدعا هائلا في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.. وألحقت ضربة
قاسية بمبدأ "التدخّل العسكريّ ذي الأغراض الإنسانيّة" كما حدث في
كوسوفو وسيراليون ورواندا..
إن الانسحاب البريطاني من العراق لا ينبغي أن يكون مسوّغا لنسيان الدرس
العراقيّ القاسي.. هكذا علّقت صحيفة الاندبندنت على الضلوع المباشر
للبريطانيّين في جريمة غزو العراق واحتلاله.
بلا خجل.. يزعم المسؤولون البريطانيّون أنهم نجحوا في رفع مستوى معيشة
العراقيّين في الجنوب.. وها هي نفس صحفهم تقول إن عددا من البصْريّين
يشْكون من تدهور الخدمات والمرافق الأساسيّة في مدينتهم على نحو أكبر
مما كانت عليه قبل الاحتلال الغربيّ لبلادهم.. ولا تملك هذه الصحف إلا
إبداء الأسف بسبب إخفاق بريطانيا في جلب شيء من الرفاهيّة لجنوب
العراق..
وفي لحظة صدق مع النفس تأمل صحيفة الاندبندنت في أن يغفر العراقيّون
"هذه النقيصة" في المستقبل!
بنهاية جويلية المقبل لن يبقى من القوّات البريطانية التي شاركت في غزو
العراق سوى 400 عنصر يقول البريطانيّون إنهم باقون لغرض تدريب القوّات
العراقيّة.
تزامنا مع هذا الانسحاب العسكريّ البريطانيّ يبدو أن غوردن براون يهيّئ
الأذهان لغزو جديد تباركه السلطات العراقيّة المنصّبة.. إنه غزو
الشركات النفطيّة للعراق. فقد قال براون: "نأمل في توقيع اتفاق مع
الحكومة العراقيّة بشأن الدور المستقبليّ الذي يمكن أن نضطلع به في
التدريب وفي حماية إمدادات النفط العراقيّ.. وهذا سيكون اتفاقا بين
حكومتينا وليس قرارا جديدا من الأمم المتّحدة."
غزو يتلوه غزو..
أما الأمريكيّون فلا يبدو أنهم اطمأنّوا إلى اكتمال مهمّتهم التي لا
يعرفها أحد.. وعوض أن يستعدّوا للانسحاب من المدن العراقيّة وفق
اتفاقيّتهم التي وقّعوها مع الحكومة التابعة لهم في المنطقة الخضراء،
فإنهم تسلموا القاعدة العسكريّة التي كانت ترابط فيها القوّات
البريطانية في البصرة.. وكان لافتا أن الأمريكيّين لا العراقيّين هم
الذين تسلّموا مسؤوليّة الإشراف على الملفّ الأمنيّ في هذه المدينة في
وقت بحّت فيه أصوات بعض ساسة "العراق الجديد" وهي تؤكد جاهزية القوات
العراقية للإشراف على الملفّ الأمنيّ في كلّ محافظات العراق..
المشكلة أن العراقيين لا يريدون أن يستوعبوا حقيقة أن المهمة الأمريكية
لم تكتمل بعد...
|