صدٌام لم
يستهدف لشخصه وكذلك البشير (
تهمة البشير الحقيقة هي رفضه
تجزئة السودان ورفضه فتح أبوابه
أمام التحالف الغربي بديلا للصين
وروسيا )
شبكة المنصور
نقولا ناصر /
كاتب عربي من فلسطين
ما أشبه اليوم السوداني بالبارحة
العراقي ، حيث يشن الطامعون
الأميركان والأوروبيون أنفسهم
حملة اغتيال سياسي وإعلامي دولية
لشخصية الرئيس عمر حسن البشير ،
وما مذكرة الاعتقال التي أصدرتها
محكمة الجنايات الدولية يوم
الأربعاء الماضي إلا حلقة مركزية
في هذه الحملة التي تذكر بمثيلتها
التي شنوها ضد الرئيس العراقي
الشهيد صدام حسين التي كما يبدو
لم تؤد الغرض منها خلال حياته
فواصلوها بعد استشهاده ، والهدف
في الحالتين واحد وهو تجريد قيادة
تاريخية من شرعيتها الدولية على
أمل أن يساهم ذلك في زعزعة
شرعيتها كرمز للوحدة الوطنية
تمهيدا لانهيار الجبهة الداخلية
وفتح الأبواب العرقية والطائفية
والمذهبية والقبلية والحزبية
مشرعة أمام التدخل الأجنبي لهدم
الدولة وإقامة نظام سياسي موال
للخارج يكون ضمانة لعدم بنائها
مرة أخرى ، وإذا كان الصراع
التاريخي الدائر في العراق اليوم
لم يحسم بعد لصالح الطامع الأجنبي
فإن الصراع المماثل في السودان لن
يحسم لصالحه في المدى المنظور على
الأرجح ولن يتمخض الصراعان إلا
عن المزيد من المعاناة الوطنية
وعدم الاستقرار الإقليمي
والاستقطاب الدولي .
ومن الواضح تماما أن الحملة
الأميركية – الأوروبية تستهدف
التركيز على شخص البشير وتحاول
الفصل بينه وبين السودان كدولة
وحكومة على أمل أن تتكرر مع
البشير خيانة حكومة صربيا لرئيسها
السابق سلوبودان ميلوسيفتش عندما
سلمته للمحاكمة تحت الضغط
الاقتصادي الغربي لينتقل إلى رحمة
الله خلالها ربما قهرا على ما آلت
إليه وحدة الأراضي الإقليمية
لبلاده ، وقد بلغ التمييز بين
البشير وبين حكومته حد الوقاحة
بتحريضها علنا عليه ، فالمحكمة
الجنائية الدولية بعد إصدارها
مذكرة الاعتقال قد حثت الحكومة
السودانية على "التعاون" مع
قرارها وكذلك فعلت في اليوم نفسه
الولايات المتحدة والاتحاد
الأوروبي وفرنسا وبريطانيا
وألمانيا والأمين العام للأمم
المتحدة بان كي – مون مكررين ما
نص عليه القرار رقم 1593 الذي
أصدره مجلس الأمن الدولي طبقا
للفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة في الحادي والثلاثين من
آذار / مارس 2005 بإحالة ملف
دارفور إلى المحكمة الجنائية بعد
الاطلاع على تقرير لجنة دولية
انتدبها المجلس للتحقيق في
"انتهاكات القانون الإنساني
الدولي وقانون حقوق الإنسان" في
الإقليم السوداني الغربي الذي كان
تاريخيا معبر العرب والمسلمين إلى
قلب القارة السوداء جنوب الصحراء
الإفريقية ، حيث حقق الفاتيكان
وغيره من الكنائس الغربية أهم
انجازاتهم التبشيرية خلال القرنين
الماضيين كون شمال الصحراء في مصر
والمغرب العربي يمثل قلعة عربية
إسلامية يصعب اختراقها .
وكان لافتا للنظر أن الولايات
المتحدة كانت ضمن أربعة دول
امتنعت عن التصويت على القرار
1593 إضافة إلى الجزائر والصين
والبرازيل ، وإذا عرف السبب بطل
العجب ، فهي كانت أيضا ممتنعة عن
التوقيع على معاهدة روما لعام
1988 التي أسست المحكمة الجنائية
الدولية ، إضافة إلى روسيا والصين
وإسرائيل وكل الدول العربية
باستثناء الأردن وجيبوتي ، خشية
أن تستخدم المحكمة لملاحقة جرائم
الحرب الأميركية في العراق
وافغانستان وغيرهما من ناحية
وخشية وضع نفسها في موقف أخلاقي
وسياسي محرج إذا لاحقت المحكمة
جرائم حرب حليفها الإسرائيلي من
ناحية أخرى ، وكإجراء وقائي سارعت
واشنطن منذ إنشاء المحكمة إلى
توقيع العشرات من الاتفاقيات
الثنائية مع الدول الأخرى تلزمها
بالإكراه والضغوط بعدم إحالة
أميركيين إلى محكمة لاهاي .
ولا بد من وقفة هنا أيضا مع
الأسباب التي منعت دولة الاحتلال
الإسرائيلي من التصديق على معاهدة
روما وبالتالي الانضمام إلى عضوية
المحكمة ، مع أنها كانت ناشطة جدا
في اللجنة التحضيرية للمحكمة
الجنائية ممثلة بالمدعي العام
السابق القاضي إيلي روبنشتاين ،
فحسب آيرين كوهن نائبة رئيس
الاتحاد الدولي للمحامين
والحقوقيين اليهود التي عملت
مديرة لدائرة الشؤون الدولية
بوزارة عدل دولة الاحتلال حتى عام
2005 ، كانت المادة 8 (بي) 8 من
المعاهدة هي السبب ، لأنها تعالج
"قيام القوة القائمة بالاحتلال ،
بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،
بنقل أجزاء من سكانها المدنيين
إلى داخل الأراضي التي تحتلها ،
أو ترحيل أو نقل كل سكان الأرض
المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه
الأرض أو خارجها" ، وقد نقلت هذه
المادة حرفيا تقريبا من
البروتوكول الأول لعام 1977 من
مواثيق جنيف لعام 1949 ، وكان
تضمينها المعاهدة "تسييسا" لها
كما قالت كوهن الهدف منه انتزاع
اعتراف دولي باعتبار المستعمرات
الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية
المحتلة من أخطر جرائم الحرب
وبالتالي يجب أن تخضع لولاية
المحكمة الجنائية ، مما "لم يترك
أي خيار لإسرائيل غير الامتناع عن
الانضمام إلى المعاهدة لكي لا
يكون لها بالتالي ولاية قانونية
عليها أو على مواطنيها" .
إن الطريقة الوحيدة لاعتقال
الرئيس البشير هي قرصنة جوية أو
غير جوية لاختطافه كما صرح المدعي
العام للمحكمة لويس مورينو
أوكامبو ، الأرجنتيني الذي تربى
في مؤسسات أميركية مثل بنك
التنمية عبر أميركا والبنك الدولي
قبل أن تضيفه هذه المؤسسات إلى
رصيدها البشري في الأمم المتحدة ،
والبديل الوحيد لهذه القرصنة هو
اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي
لاستصدار قرار يدوٌل أي عملية
قرصنة كهذه ويضفي عليها شرعية
الأمم المتحدة في تكرار لمسوغات
غزو العراق ، والمفارقة الآن أن
الحاملين على البشير ومن يتصدون
للدفاع عنه على حد سواء قد توجهوا
إلى مجلس الأمن للاستقواء به ،
ويكاد يكون شبه مؤكد أن محاولة
جامعة الدول العربية والاتحاد
الإفريقي ، بعد اجتماعات طارئة ،
للطلب من مجلس الأمن الدولي تعليق
تنفيذ قرار محكمة الجنايات
الدولية لمدة عام طبقا للمادة
السادسة عشرة من معاهدة روما بسبب
النتائج السلبية المتوقعة لتنفيذ
مذكرة الاعتقال على عملية السلام
في دارفور أو بحجة عدم كفاية
الأدلة التي استندت المحكمة إليها
في قرارها ، هي محاولة ستبوء
بالفشل على الأرجح ، بسبب حق
النقض "الفيتو" الذي تتمتع به
الدول الثلاث دائمة العضوية في
المجلس (الولايات المتحدة
وبريطانيا وفرنسا) التي تقود
الحملة ضد البشير ، وكانت الدول
الثلاث قد أبلغت الجامعة العربية
والاتحاد الإفريقي في الثاني عشر
من الشهر الماضي بأنها ستعارض أي
محاولة كهذه ، وهي محاولة إن نجحت
فإنها تبقي تنفيذ قرار المحكمة
معلقا لمدة اثنتي عشر شهرا يظل
خلالها سيفا مسلطا على رقبة
الخرطوم لابتزازها .
بل على العكس فإن الدول الثلاث
تبدو مصممة على استخدام مجلس
الأمن الدولي في اتجاه معاكس
تماما بالاستغلال السياسي للقرار
السوداني بطرد ثلاث عشرة منظمة
إنسانية غير حكومية أجنبية من
السودان لاتهام الخرطوم لها
بالتجسس لصالح محكمة الجنايات
الدولية ، أربعة منها في الأقل
أميركية وواحدة (أطباء بلا حدود)
أسسها وزير الخارجية الفرنسي
الحالي برنار كوشنير صاحب نظرية
التدخل العسكري الدولي لأسباب
إنسانية في الدول الأخرى ، وكان
طردها من النتائج العكسية
المتوقعة للأهداف المعلنة لإصدار
مذكرة الاعتقال ، وقد وفرت لها
الأمم المتحدة نفسها المسوغ لذلك
إذ أعلن روبرت كولفيل المتحدث
باسم المفوضة السامية لحقوق
الإنسان نافي بيلاي يوم الجمعة
الماضي أن مكتبها سوف يدرس ما إذا
كان قرار الخرطوم يمثل انتهاكا
لحقوق الإنسان الأساسية وربما
أيضا "جريمة حرب" لأنه يعرض حياة
مئات الآلاف من السودانيين للخطر
، دون أن ينسى الإشارة إلى أن
مواثيق جنيف تحرم تجويع الناس حتى
الموت بمنع وصول الغذاء إليهم ،
علما بأن هناك أكثر من مائة منظمة
غيرها عاملة في السودان .
ومواقف الدول الثلاث تؤكد أنها
تسعى إلى التصعيد بكل السبل للضغط
على الحكومة السودانية بالرغم من
شبه إجماع الجبهة الداخلية
السودانية على رفض قرار المحكمة
الدولية وهو شبه إجماع ضم حزب
الأمة المعارض بقيادة السيد
الصادق المهدي الذي انقلب البشير
على حكومته المنتخبة قبل عشرين
عاما وكذلك سلفا كير مايارديت
النائب الأول للرئيس السوداني
ورئيس جنوب السودان وزعيم جيش
التحرير الشعبي السوداني الذي
تحول إلى سفير متجول لجمع التأييد
الإقليمي والدولي دفاعا عن البشير
، وشذ عن ذلك زعيم حزب المؤتمر
الشعبي المعارض حسن الترابي الذي
اعتبر البشير "مدانا" وطالبه
بتسليم نفسه للمحكمة الجنائية مما
قاد إلى اعتقاله . كما أظهر
الموقف العربي في الاجتماع
الوزاري ال 131 الذي انعقد مؤخرا
في القاهرة إجماعا افتقده في حالة
الرئيس العراقي صدام حسين ومثله
كانت مواقف الاتحاد الإفريقي
ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة
عدم الانحياز بحيث لو ذهبت القضية
إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة
بدل مجلس الأمن لكانت الدول
الثلاث في موقع الخاسر بالتأكيد ،
بخاصة بعد أن أعربت الصين وروسيا
اللتان تتمتعان بحق "الفيتو" عن
قلقهما من نتائج مذكرة الاعتقال
واعتبرتاها سابقة خطيرة تصدر لأول
مرة ضد رئيس دولة ما زال في منصبه
بينما دولته ليست عضوا في المحكمة
الجنائية الدولية التي لها ولاية
على الدول الأعضاء فيها فقط مع أن
روسيا كانت من الدول التي أيدت
القرار 1593 ، مما يشير إلى
استقطاب دولي حول السودان يفاقم
التوتر الناجم عن الاستقطاب حول
قضايا عالمية أخرى ، وكان فشل
مجلس الأمن يوم السبت الماضي في
الاتفاق حول بيان رئاسي حول طرد
منظمات إنسانية من السودان أحدث
مثال على هذا الاستقطاب .
وهذا الاستقطاب الدولي بالإضافة
إلى التأثير السلبي لمذكرة
الاعتقال على عمليات الإغاثة
الإنسانية في السودان هما ضمن
سلسة من النتاج العكسية المتوقعة
للمذكرة ، فعلى سبيل المثال فإن
السودان ، إذا ما نجحت الحملة
الغربية في دفع مجلس الأمن
الدولي إلى موقف مواجهة معه ، قد
يجد نفسه مضطرا إلى طلب سحب
القوات الدولية التي ترفع علم
الأمم المتحدة في عملية لحفظ
السلام في دارفور إلى جانب قوات
الاتحاد الإفريقي أو يجد نفسه في
وضع مواجهة معها إن رفض سحبها
بالرغم من إعلان الخرطوم يوم
الجمعة الماضي إنها ملتزمة
بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها
وبعملية السلام في دارفور . وفي
هذا السياق ليس مستبعدا أن ينجح
التحالف الغربي في دفع مجلس الأمن
إلى تشديد الحصار على السودان
وفرض عقوبات سياسية واقتصادية
عليه قد تشمل حظر تصدير النفط
والحد من تمثيل الرئيس البشير
لبلاده في الخارج خصوصا في الأمم
المتحدة والضغط على الدول الخاضعة
لنفوذ هذا التحالف لعدم استقباله
ووقف التعامل مع حكمه . أما ما
أعلنه خليل إبراهيم زعيم حركة
العدل والمساواة المتمردة في
دارفور من احتفالات بصدور المذكرة
ومن استعداد حركته سياسيا وعسكريا
للتجنٌد مع المحكمة في تنفيذها
بعد أيام من توقيعه اتفاقا مع
الخرطوم في الدوحة فأنه أولا يهدد
عملية السلام التي ترعاها قطر ،
ويوفر ثانيا طابورا خامسا جاهزا
لكي يستخدمه أي تدخل أجنبي كحصان
طروادة مثلما استخدم الغزو
الأميركي – البريطاني للعراق ما
سمي "المعارضة العراقية" ، مما
يوضح بأن إصدار مذكرة الاعتقال قد
استهدف منح شرعية دولية للمتمردين
في السودان بقدر ما استهدف سحب
هذه الشرعية من القيادة السودانية
الشرعية في الخرطوم . ومثل هذه
التطورات لها نتائج سلبية تكاد
تكون مؤكدة على عملية السلام في
دارفور مما قد يضطر الحكومة
السودانية إلى إعلان حالة الطوارئ
في انتكاسة للمناخ الديموقراطي
الذي وفرته عشية الانتخابات
الرئاسية .
ويما أن الاتحاد الإفريقي
والدبلوماسية الدولية بعامة ما
زالوا ملتزمين بمبدأ عدم تغيير
الحدود السياسية التي ورثتها
القارة الإفريقية من الاستعمار
الأوروبي فإن التحالف الغربي لن
يسعى إلى انفصال الأقاليم
المتمردة في دارفور بل سوف يسعى
على الأرجح إلى تكرار السيناريو
العراقي في السودان لإنهاء وحدة
أراضيه الإقليمية عمليا بإضعاف
سلطته المركزية عن طريق تعزيز
سلطة الأقاليم فدراليا أو
كونفودراليا ، وعلى الأرجح أنه لم
يكن مجرد مصادفة اندلاع التمرد في
دارفور عام 2003 في تزامن مع
إنهاء حرب أهلية استمرت إحدى
وعشرين سنة في الجنوب باتفاق على
استفتاء لاحق على الوحدة أو
الانفصال ، ومثلما حرص التحالف
الغربي على التعتيم على العامل
الإسرائيلي سياسيا وعسكريا
واستخباريا في غزو العراق فإنه
الآن حريص على إبقاء هذا السر
الكبير بعيدا عن أضواء الإعلام في
السودان أيضا ، لو لم يكشفه رئيس
حركة تحرير السودان المتمرد عبد
الواحد نور في السادس عشر من
الشهر الماضي عندما طلب تدخلا
إسرائيليا مباشرا لدعم التمرد بعد
أن كان يهود فرنسا ، حيث يقيم ،
قد رتبوا له لقاء مع رئيس الدائرة
السياسية والأمنية بوزارة الدفاع
الإسرائيلية الميجر جنرال أموس
جلعاد على ذمة هآرتس وليفتح مكتبا
لحركته في تل أبيب دافع عن فتحه
بقول حق يراد باطل عندما قال إنه
لا يختلف عن السفارات العربية
هناك ، فدولة الاحتلال الإسرائيلي
لها مصلحة استراتيجية في أن يكون
مآل الوضع في السودان مثلما آل
إليه وضع العراق ، وليس سرا أن
المتمردين يسعون إلى توحيد أقاليم
دارفور الثلاث في إقليم واحد له
حكومة إقليمية على نمط حكومة
كردستان العراق وأن التحالف
الغربي يسعى إلى وضع مماثل في
جنوب السودان ثم في كردفان لينسحب
الوضع نفسه بحكم الأمر الواقع على
شمال السودان حيث تتم محاصرة
الأكثرية العربية في كيان رابع
مماثل لمحاولة حصار الأكثرية
نفسها في محافظة الأنبار العراقية
، فمثل هكذا تقسيم عرقي وطائفي هو
الذي يمكنه فقط تجريد العراق
والسودان من هويتهما العربية
الإسلامية بتغليب أقليات متنازعة
ومتصارعة على الفتات الذي يبقيه
الأجنبي لها بحيث لا تبقى للبلدين
أية هوية وطنية جامعة عامة .
وهنا تكمن تهمة البشير الحقيقة
وهي رفضه تجزئة السودان ورفضه فتح
أبوابه على مصاريعها أمام الشركات
الغربية العابرة للقارات التي فجر
انفلاتها الأزمة الاقتصادية
العالمية الراهنة ، وهنا تكمن
كذلك الأهداف الحقيقية للتحالف
الغربي الذي لا يرى له حصة في
ثروات أكبر دولة إفريقية حيث
الصين هي المستثمر الرئيسي في
النفط كما في التنمية السودانية
وحيث روسيا هي المصدر الرئيسي
لتسلح السودان شمالا وجنوبا . وفي
خضم دموع التماسيح الإعلامية الذي
يذرفها التحالف الغربي على
المعاناة الإنسانية السودانية حيث
يصور الصراع مرة بأنه بين العدل
والمساواة وبين السلام ، ومرة
بأنه بين المبادئ وبين السياسة ،
وثالثة بأنه بين السودانيين العرب
وبين السودانيين الأفارقة ،
ورابعة بأنه بين السلطة المركزية
المستبدة وبين الأقاليم النائية
"المهمٌشة" ، وخامسة بأنه بين
المعاناة الإنسانية للاجئين وبين
جبروت الآلة العسكرية للدولة
السودانية ، إلخ ، في خضم كل ذلك
تضيع حقيقة أطماع التحالف الغربي
في نفط السودان وثرواته ، وحقائق
أن السودان يملك الأرض الخصبة
ليكون سلة غذاء الوطن العربي
والقارة السوداء معا ، وأنه ثالث
أكبر منتج للنفط في إفريقيا جنوب
الصحراء ، وأن النفط يمثل (56%)
من دخله السنوي ، وأن جنوب دارفور
، حيث للصين أكبر امتياز نفطي ،
مثل جنوب السودان غني بالنفط ،
وتغيب أيضا حقيقة أن بقاء السودان
خارج النفوذ الغربي يمثل خطرا على
الاستراتيجية العسكرية لحلف شمال
الأطلسي "ناتو" وللولايات المتحدة
التي أنشأت للقارة قيادة
"أفريكوم" الخاصة بها ، مثل الخطر
الذي كانت تمثله وحدة يوغوسلافيا
على كليهما قبل أن يعيدا
"بلقنتها" إلى دويلات متصارعة !