حكومة بنيامين نتنياهو التي حظيت بثقة الكنيست يوم الثلاثاء الماضي ،
والتي يصفها معارضوها الإسرائيليون بأنها الأكثر تطرفا "في تاريخ" دولة
الاحتلال ، والتي يتحدث أفيغدور ليبرمان باسمها أمام العالم وهو
المهاجر من مولدوفا الذي خدم في نوادي القمار والميسر قبل أن يستقر
مستوطنا في مستعمرة يهودية في الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967 ليهرب
من ملاحقته قضائيا بتهم الرشوة والفساد وسوء الذمة وتبييض الأموال إلى
منصب وزير خارجية ، هذه الحكومة تعلن جهارا أنها تستعد للحرب العسكرية
ضد قطاع غزة وإيران ، والحرب الديموغرافية ضد عرب فلسطين من "مواطنيها"
ومن الخاضعين لاحتلالها ، والحرب الاقتصادية بمواصلة حصار غزة جنوبا
وبسياسة جديدة شرقا لربط اقتصاد الضفة الغربية باقتصادها ربطا لا فكاك
منه ، والحرب السياسية ضد الشريك الفلسطيني في "عملية السلام" بتكرار
رفضها الصريح لأي تسوية سياسية على أساس حل الدولتين وإقامة دولة
فلسطينية إلى جانبها ورفضها ل"عملية أنابوليس" التي انطلقت عام 2007
لإحياء مفاوضات قيل إن ذلك كان هدفها ، أي أنها حكومة حرب شاملة على
عرب فلسطين جميعهم لخص ليبرمان برنامجها الخميس الماضي بقوله: "إن أردت
السلام فاستعد للحرب" (هآرتس) !
لقد وجهت هذه الحكومة صفعة مبكرة للمبعوث الرئاسي الأميركي للسلام جورج
ميتشل ، المعروف بمعارضته للاستعمار الاستيطاني اليهودي منذ أصدر
التقرير الذي يحمل اسمه عام 2001 ، وبالتالي صفعة للوساطة الأميركية في
"عملية السلام" ، بتعيينها "مستوطنا" وزيرا لخارجيتها .
وكان رد الفعل العربي والفلسطيني عليها وعلى ليبرمان ردا "دبلوماسيا"
تثير دماثته المفرطة الإشفاق على العجز العربي أكثر مما تثير الغضب على
عدم الرد على حكومة نتنياهو بلغتها ، فمن ينصح رئيس أكبر وأول دولة
عربية تبرم معاهدة سلام مع دولة الاحتلال قبل ثلاثين سنة بالذهاب "إلى
الجحيم" إذا لم يرغب في زيارة هذه الدولة ويهدد بتفجير السد العالي
المصري وبضرب غزة بالقنابل الذرية ، كما فعل ليبرمان ، ينبغي ألا يبقي
للدبلوماسية مكانا بين العرب .
فأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى يوم الخميس الماضي اكتفى بوصف
الموقف الإسرائيلي بأنه "سلبي" عندما يتعلق الأمر بالسلام ومبادراته ،
لا بل إنه لم ير أي "تغيير" في هذا الموقف بين الحكومة الجديدة وبين
سابقتها إلا في "أسلوب الكلام الجديد" ، فكلتا الحكومتين ، كما قال ،
لم تلتزما ب"تفاهمات مؤتمر أنابوليس" والاتفاقيات الخاصة ببناء
المستعمرات الاستيطانية .
وخلاصة موقف موسى هي أنه طالما لم يحدث أي تغيير بين الحكومتين فإن عدم
التزام حكومة إيهود أولمرت السابقة الذي لم يمنع التفاوض معها يمكن
القياس عليه للتفاوض مع حكومة نتنياهو الجديدة .
إن استنكاف موسى عن وصف حكومة نتنياهو بأنها حكومة حرب أو في الأقل
بأنها حكومة تنسف كل المرجعيات السابقة الفلسطينية والعربية والأميركية
لأي عملية تفاوضية باسم السلام هو استنكاف عن تسمية الحقائق السياسية
بأسمائها لا يجد تفسيره بالتأكيد في أي عجز شخصي عن رؤية هذه الحقائق
بقدر ما يجد تفسيره في العجز العربي الذي يسند موسى ظهره إليه ، فمؤتمر
القمة العربية الأخير في الدوحة لم يتمخض عن أي قرارات عملية حاسمة وظل
أسير المواقف السابقة الرمادية المطاطة وحمالة الأوجه من "مبادرة
السلام العربية" ، و"عملية السلام" والرعاية الأميركية – الأوروبية
لامتدادها إلى أجل غير منظور ، وحصار قطاع غزة وإعادة إعمارها ،
والمصالحة العربية والفلسطينية على حد سواء ، الخ.
لكن موسى بالتأكيد يمكنه أيضا أن يفسر "سلبيته" بدوره بالمقولة
الممجوجة التي بات كل المتنصلين العرب من مسؤولياتهم القومية تجاه
فلسطين وقضيتها يكررونها ، وهي أنهم لا يمكن أن يكونوا فلسطينيين أكثر
من عرب فلسطين أنفسهم .
فرئيس "دولة فلسطين" محمود عباس -- الذي سوف يزور موسكو في السادس من
الشهر الجاري بحثا عن دعم روسي وأجوبة لأسئلته حول ما حل بمؤتمر موسكو
الدولي الربيعي للسلام في الشرق الوسط الذي كان من المعلن انعقاده خلال
نيسان / أبريل الحالي بعد أن تأكد انهيار مؤتمر أنابوليس الأميركي –
ليس أقل دماثة دبلوماسية من موسى عندما يستنكف حتى الآن عن وصف حكومة
نتنياهو بأنها حكومة حرب ويكتفى "بالتساؤل" عن كيف يمكن التعامل مع رجل
كهذا "لا يؤمن بالسلام" ، وهو الرجل نفسه الذي هاتفه الرئيس الأميركي
باراك أوباما لمدة نصف ساعة الأربعاء الماضي مهنئا بتوليه الحكم
"ومكررا التزام الولايات المتحدة الثابت بإسرائيل وأمنها" وقائلا إنه
"يتطلع إلى العمل في علاقة وثيقة مع رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته
لمعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك ، ومنها إيران والسلام العربي –
الإسرائيلي" ، كما قال بيان للبيت الأبيض ، دون أي إشارة إلى حل
الدولتين الذي تكرر إدارة أوباما استمرار التزامها به ، وهو ما زال
فريق عباس التفاوضي يراهن عليه .
إن تأكيد أوباما على العمل "بصورة وثيقة" مع حكومة نتنياهو يترك فريق
عباس التفاوضي أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما القبول بوساطة أميركية
متوقعة للتفاوض مع نتنياهو وإما إعلان فشل رهان هذا الفريق على أي
وساطة أميركية .
وبما أن الخيار الثاني معناه فقط انهيار سلطة الحكم الذاتي التي يقودها
هذا الفريق والتي تعتمد في استمرارها على الرعاية الأميركية والتمويل
الأوروبي ، فإن الخيار الأول هو الذي يظل مفتوحا وهو خيار يعني فقط
الدخول في دوامة مفاوضات عقيمة جديدة وفق مرجعيات إسرائيلية جديدة لن
يطول الوقت قبل أن تصاغ في مبادرات أميركية – أوروبية جديدة تتبنى
الشروط الجديدة لحكومة الاحتلال الجديدة لتضيف إلى شروط اللجنة
"الرباعية" الدولية الثلاث المعروفة إملاءات جديدة تبتز من المفاوض
الفلسطيني تنازلات جديدة من أجل عيون "السلام" الذي إن تحقق حسب
المعطيات الراهنة لن يكون سوى سلاما إسرائيليا واستسلاما فلسطينيا ،
أيا كانت العناوين التي يتم إخراجه بها .
وأن يترك الفريق التفاوضي الفلسطيني الباب مواربا لاستئناف التفاوض مع
حكومة الحرب الجديدة في تل أبيب ، بإلقائه "الكرة في ملعب العالم كله"
من أجل "الضغط" على دولة الاحتلال وحكومتها الجديدة ، كما قال موسى
وعباس ، هو هروب إلى الملعب نفسه الذي لولا ضغطه في الاتجاه المعاكس
طوال الستين عاما المنصرمة لما قامت للاحتلال ودولته قائمة .
غير أن هذا الموقف ينسجم مع اللغة "المحترفة" التي اختتمت بها دائرة
شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية بيانها للرد على خطاب
نتنياهو يوم الثلاثاء ، فقد كانت لديه "فرصة" لكنه "ضيعها" لإظهار أنه
"شريك" في السلام .
أي فرصة تتحدث عنها الدائرة المخضرمة في التفاوض ، التي قالت في البيان
ذاته إن نتنياهو لا يعرض عليها أكثر من سلسلة من الكانتونات غير
المتصلة ببعضها مع حكم ذاتي محدود ، وتعهدات "غامضة" بمواصلة التفاوض !
ألا يستحق هذا العرض إعلانا رسميا بوقف التفاوض ، ووقف الرهان على
واشنطن ، وترك الاحتلال أمام مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني الخاضع
للاحتلال حسب القانون الدولي دون وكيل فلسطيني عن "إدارته المدنية"
ينسق معه أمنيا ، وبالتالي إزالة العقبات الناجمة عن كل ذلك والتي حولت
الحوار الوطني في القاهرة إلى "عملية حوار" ، مثل "عملية السلام" ،
مقصودة لذاتها ، كما قال الزميل هاني المصري ، وألا يستحق عرض مهين
وطنيا كهذا وحدة وطنية استعدادا للمقاومة لمن يسعى حقا إلى سلام أساسه
العدل ! |