|
||||
|
||||
|
||||
|
||||
حول خطة الإنسحاب الأمريكي من العراق .. كيف نخطو خطوة واحدة للأمام ؟ |
||||
﴿ الجزء الثاني ﴾ |
||||
شبكة المنصور |
||||
كامل المحمود | ||||
(الفرص النادرة تحتاج لقرارات شجاعة)
في الجزء الأول تحدثنا عن (مرة أخرى ..المهمة تتغير ) ولاحظنا كيف أن خطوات حل الشكلة العراقية ما هي إلا حلقات مترابطة ..ولا يمكن فصل حلقة عن أخرى..ومعالجة موضوع وترك آخر ..وتطرقنا الى تثبيت العديد من الحقائق ..منها (إن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للحكومة والقوات العراقية الحالية أمر مفروغ منه!)..ولكن هذا الدعم هو (دعم مشروط بتحقيق مهمة وغاية!).. ونبهنا كيف إن على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعرف أنه بعدم قيام الحكومة العراقية بما يستوجب عليها من أفعال لتحقيق هذا الهدف (المعلن!)..فسينحرف مجرى نهر الدعم الأمريكي عن مساره ..وسيقوم هذا الدعم (الهادر ) بإغراق المدن والنواحي والقصبات العراقية ..بدلا من إرواء الأراضي القاحلة والجرداء وإحياءها!..
فكيف يبدأ (الجميع) بخطوة صغيرة (ولو خطوة متوجسة ولكنها صحيحة ومدروسة وناجحة ) الى الأمام ؟..
يمكن ان تكون خطوة بسيطة .. ولكنها قد تكون الفرصة النادرة .. حينئذ .. نحتاج للقرارات التأريخية والشجاعة..
لو تأملنا كلمة الرئيس الأمريكي الجديد أوباما وهو يخاطب جنود الولايات المتحدة في الخطاب الذي أعلن فيه خطة الإنسحاب من العراق بقوله :
(Thanks in great measure to your service; the situation in Iraq has improved).
(يعود الفضل بشكل كبير في تحسن الوضع في العراق الى خدماتكم ).
وهنا بالتأكيد مصطلح (تحسن الوضع) يقصد به التراجع التدريجي لأعمال العنف و(التحسن) البطيء للوضع الأمني العام في العراق بالقياس على سنوات ماضية وربما أشهر ماضية حيث جرت العادة بان يُصرّح المسؤولين الأمريكان بأن هنالك تحسن أمني (ملحوظ) هذا الشهر!..ويعرضون مقارنات بين عدد القتلى الأمريكان للشهر المذكور بسابقه أو مقارنة عدد القتلى العراقيين في أعمال العنف التي إجتاحت العراق بالسنة الماضية!.. وبشكل عام للإدارة الأمريكية تفسيراتها الخاصة (لتحسن الوضع في العراق) فهو لا يعني (في هذه المرحلة) توقف كل مظاهر العنف ..
ولا إلقاء المقاومة الوطنية العراقية للسلاح ..وتخليها عن برنامج تحرير العراق..
ولا يعني بداية عصر جديد من التسامح والمصالحة ونهاية صفحة الإعتقالات والملاحقات والإقصاء وإلغاء المحاكمات وإطلاق سراح السياسيين المعتقلين كافة والإقرار شرعا وقانونا بوجود حق للمقاومة العراقية ..
ولا يعني بداية حملة الإعمار وإعادة المهجرين وتعويضهم..وإعادة المفصولين والمطرودين والمنحلة دوائرهم والمُبعدين والمُجتثين وإيقاف التعقيبات والملاحقات بصددهم وإلغاء القرارات التعسفية التي صدرت بحقهم ..
بل إن التحسن للوضع العراقي يعني من وجهة النظر الأمريكية (على الأقل حاليا ولفترة من الزمن ) هو:
(تراجع العنف ، تراجع نسبة القتل الطائفي ، إيقاع هزيمة بالقاعدة ،تحسن طاقة وأداء القوات الأمنية العراقية ، وتقدم في العملية السياسية ).. وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي بقوله:
) Violence has been reduced substantially from the horrific sectarian killing of 2006 and 2007. Al Qaeda in Iraq has been dealt a serious blow by our troops and Iraq’s Security Forces and through our partnership with Sunni Arabs. The capacity of Iraq’s Security Forces has improved, and Iraq’s leaders have taken steps toward political accommodation. The relative peace and strong participation in January’s provincial elections sent a powerful message to the world about how far Iraqis have come in pursuing their aspirations through a peaceful political process).
) لقد تراجع العنف بشكل كبير من عمليات القتل الطائفي المروعة من عام 2006 و 2007. وقد مني تنظيم القاعدة في العراق بسلسلة من الضربات الشديدة على يد قواتنا وقوات الامن العراقية ، ومن خلال شراكتنا مع العرب السنة.
وقد تحسنت طاقة وقدرة قوات الأمن العراقية ، وقادة العراق قد اتخذوا خطوات في اتجاه التسوية السياسية. السلام النسبي المتحقق والمشاركة القوية في انتخابات مجالس المحافظات في يناير كانون الثاني الماضي وجهت رسالة قوية إلى العالم حول مدى قدرة العراقيين على تحقيق ما يصبون اليه من خلال عملية سياسية سلمية(.
ويبقى السؤال المهم :
لماذا لم تتمكن الإدارة الأمريكية والحكومة الحالية من القضاء نهائيا على العوامل التي تقف أمام الوصول الى عراق آمن ومستقر ومتحرر ومتطور ومقتدر ماليا وإقتصاديا وله القدرة على أن يلعب دور أساسي في المنطقة والعالم وبالرغم من دخول الحرب عامها السابع؟.. فالرئيس الأمريكي يحذر من إن: (العراق ليس آمنا بعد).. وتأكيده على أنه : (ستكون هناك أيام صعبة أمامنا)..
(But let there be no doubt: Iraq is not yet secure, and there will be difficult days ahead).
وإن: ( العنف سيستمر ليكون جزءا من الحياة في العراق).
(Violence will continue to be a part of life in Iraq).
أما في الجانب السياسي فمازال هناك أكثر من مصطلح (التحديات) ..بل هنالك مخاطر جدية لأن المسائل الجوهرية المتعلقة بالإصلاحات السياسية لازالت تراوح في مكانها بل في بعض الأحين تتراجع الى حد إقصاء الحلفاء و(الموالين والأنصار)!.. أما مستقبل العراق فبعد سبع سنوات لازالت معالمه غير محددة وغير واضحة ومعاضله تتفاقم ..ولسنا من نقول ذلك فقط بل الرئيس الأمريكي نفسه بقوله :
(Too many fundamental political questions about Iraq’s future remain unresolved).
(الكثير من المسائل السياسية الأساسية حول مستقبل العراق ما زالت دون حل).
ولازالت الحكومة الحالية ومعها كل القدرات الأمريكية السياسية والإقتصادية عاجزة عن حل مشكلة العراقيين المشردين في دول الشتات واللاجئين بشهاداتهم وعوائلهم وهم بأمس الحاجة للعون والمساعدة ويتنقلون من بلد لآخر خوفا على حياتهم من القتل والملاحقة والإعتقال..وهذا أيضا قول الرئيس الأمريكي وليس فقط قولنا :
(Too many Iraqis are still displaced or destitute).
هنالك إذا الكثير من المشاكل باقية ولم يجر معالجتها ..
والسبب الرئيسي بذلك يعود الى إن المعالجات غالبا ماتكون سطحية ووليدة لرد فعل يفرضها الواقع السياسي او الأمني وحتى الإقتصادي ..
وعندما تُعلن الحكومة الحالية عن نيتها بإصدار (أي قرار محدد) يتناول موضوع حساس يخص محتواه وظاهره على تأمين إستقرار دائم للعراق ومعالجة جذرية لواحدة من تلك المشاكل التي تطرقنا إليها تبدأ فورا جهات عديدة من أحزاب وشخصيات وتيارات وحتى من داخل الحكومة للحديث عن خطورة هذا الإجراء (وحتى مجرد التفكير فيه!) مما يسحب الحكومة ليس فقط للتراجع عن إصدار القرار بل تتشدد في الإتجاه المعاكس له وتعلن رسميا من خلال مكاتبها ومستشاريها بعدم وجود نية لهذا الإجراء!..
ثم تقوم الحكومة بحملة إعلامية وعسكرية وأمنية مضادة لا تعيد الحال للمربع الأول فقط بل (تزيد الطين بلة ) وتفاقم المشكلة وتزيدها تعقيدا !..
والأمثلة على ذلك كثيرة وبما يفضي للقناعة بأن هنالك سيناريو (ودائما) لمثل هذه الفعاليات وخاصة فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية او بإجراءات مباشرة للحد من ظواهر الإقصاء ومنع الحقوق وحجب المستحقات الوطنية!..
وتناقض التصريحات بين رئيس الحكومة ومستشاريه واحد من هذه الأدلة..والغريب أنها تتكرر مرات عدّة!..
وفيما يخص الجانب الأمني ..
حيث يمكن تلخيص الحالة بتصريح الجنرال بيترايوس قائد القوات الأمريكية الوسطى يوم 31 آذار 2009 والذي قال فيه نصا: ( الوضع الأمني في العراق لازال هشا والقاعدة لازالت تمثل خطرا لنا)!..
وجاء هذا التصريح في ظرف لم تأخذ حملة الأجهزة الحكومية لإعتقالات جديدة بعد طابع التوسع والعشوائية والإنتقائية الذي توضّح اليوم!..
وقول بيترايوس كان قبل ان يبدأ الناس يشككون في التوجهات الطائفية لهذه الحملة!..
وحدث هذا قبل المباشرة بفعاليات عسكرية وملاحقة وإعتقالات وكيّل الإتهامات لفك عرى الصداقة والتحالف مع الصحوات!..
وقبل تخلي الكثير من هذه الصحوات عن مهامها وسريان التوجس والريبة من إجراءات الحكومة !..
وعودة التفجيرات والسيارات المفخخة وسط تصريحات واضحة للمسؤولين الأمريكان بأن إيران هي التي تقف وراء ذلك!..
ثم التصعيد الحكومي والسماح بإعادة (خطاب التجريم ) ولغة (الإستمرار بالإنتقام ) ، والإبتعاد عن أبسط مفاهيم وأسس المصالحة الوطنية، وخلق أجواء الفرقة والتنافر، والإستمرار بإطلاق اليد للمفسدين الذين نهبوا العراق ..وغيرها من الممارسات التي ستفضي الى شيوع ( العنف والقتل الطائفي من جديد، وتراجع التعجيل التصاعدي بإيقاع هزيمة بالقاعدة ،وظهور سوء إستغلال للتحسن الذي طرأ على طاقة وأداء القوات الأمنية العراقية بحيث بدأت بضرب الحلفاء والمعارضين في آن واحد ، وسيؤدي ذلك بالنهاية الى تراجع خطير في نسبة ظهور شعاع أمل لنجاح ما في العملية السياسية )!..
وإذا إستمر الحال عمّا عليه الآن ..
فلن تتحقق أهداف الخطة الأمريكية الجديدة (المعلنة ) بجعل العراق نموذجا ديمقراطيا وإقتصاديا وسياسيا في المنطقة من جهة ولن يهنأ الشعب العراقي لعقود طويلة من جهة اخرى ..
وسيجد الرئيس الأمريكي الجديد إن تحقيق التقدم في موضوع العراق لا يتم من خلال توفر (حسن النية ) و(الخطط المهنية ) فقط!..
بل يحتاج الأمر الى :
(توفير جو إيجابي وصحي ) لكل الأطراف ذات العلاقة مهما كان تأثيرها كبيرا أو هامشيا.. وتتحمل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الكاملة بذلك..
وتليها الحكومة الحالية وكل مؤسساتها وقيادات الأحزاب التي تمثلها..
ويكون ذلك من خلال الإيمان (بإستحقاقات الأطراف المعارضة وعلى رأسها المقاومة الوطنية العراقية وضميرها من عناوين ومسميات ومؤسسات منحلة وبشرعية مطالبها الوطنية)..
ومن خلال إتخاذ ( الإجراءت التنفيذية لتأمين ذلك)..
ليتمكن (الجميع بدون إستثناء) من الشروع ببناء (هيكل الثقة )..
للمباشرة الفعلية بخطوة بسيطة ولكنها مهمة وتأريخية .. وهي خطوة التفكير الجدي بالتنازلات المتبادلة إكراما للعراق وأمنه ومستقبله .. |
||||
كيفية طباعة المقال | ||||
شبكة المنصور |
||||
|
||||