|
||||
|
||||
|
||||
|
||||
كيف ستنتهي الحرب في العراق |
||||
﴿ الجزء الخامس ﴾ |
||||
شبكة المنصور |
||||
كامل المحمود | ||||
في خطابه يوم 27 شباط 2009 قال الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مخاطبا الأمريكيين والعالم ومنهم شعب العراق قائلا:
( Today, I have come to speak to you about how the war in Iraq will end ). (جئت إليكم اليوم لأحدثكم حول كيف ستنتهي الحرب في العراق).
في الجزء الأول عرّفنا الحرب وخطة الحرب ..والعدوان ..وحق إستخدام القوة ..ومبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية ..
وفي الجزء الثاني تحدثنا عن (الحرب على الإرهاب)!..و(الحرب العادلة والمشروعة) و(إستراتيجية الضربة الإستباقية )..وإستذكرنا في الجزء الثالث ذكرى إشعال هذه الحرب وهل ستكون (حرب أبدية ذاتية التجدد)؟!..وفي الجزء الرابع توصلنا الى إن (الحرب تنتهي عندما تنتهي تداعياتها وما نجم عنها).
اليوم نتطرق الى هدف طرفي الصراع (الحرب) ..وربما أهداف الطرفين..حيث إن الحرب تنتهي عندما ينتصر طرف على الآخر ( ويحقق كامل اهدافه) ليملي عليه شروطه بالإستسلام او بصيغ أخرى..
أو عندما يعجز أي من الطرفين (مع وجود القدرة على الإستمرار أو فقدانها) في تحقيق أهدافه فيتوجه للمفاوضات مع الطرف الآخر لإنهاء الصراع..
أو لشعور أي من الطرفين من إن (الأهداف) يمكن إستحصالها بطرق أسهل وأقل كلفة وحتى يمكن القول بأن تحقيقها أصبح مستحيلا في ظل ظروف مستجدة في الميدان !..
وفي بعض الأحيان يكتفي الطرف الذي بدأ الصراع ..وفي حالة العراق نعني (الحملة العسكرية الأمريكية لغزو وإحتلال العراق) بما حققه من نتائج (ولا نقول إنتصارات) وينسحب عائدا أدراجه تاركا الميدان وساحة المواجهة ..
والإدارة الأمريكية الجديدة ومستشاريها الأمنيين والسياسيين والعسكريين وقادة الجيش الأمريكي وخاصة الذين خدموا أو يتواجدون على الأرض العراقية حاليا يعرفون جيدا الحقائق التالية في الحالة العراقية الحالية:
- كان الهدف المعلن للطرف الأول من الصراع وهو الولايات المتحدة الأمريكية قبل مدة طويلة من ليلة 20 آذار ولغاية 9 نيسان 2003 وما بعدها بشهور هو:
( نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية بالقوة لضمان عدم إستخدامها من قبل حلفاءه في القاعدة وتهديد الأمن القومي الأمريكي والعالم )..
أما الهدف الحقيقي المخفي فهو: ( الإطاحة بالنظام العراقي ممثلا بالرئيس صدام حسين).. ومثلما كانت كل قوى(المعارضة في ذلك الوقت) لا تمتلك رؤية ومنهج واضح لما سيؤول إليه الأمر بعد (تحقيق هذا الهدف ) فقد ثبت لاحقا إن الولايات المتحدة أيضا لا تمتلك برنامجا محددا لذلك ..
ببساطة ..كان (الهدف) أكبر من أن يفكر أحد بما سيحصل لاحقا وكيف ستجري الأمور وماهي طبيعة السلطة الجديدة ..وكيف سيكون شكل التحالفات.. ووضع الداخل العراقي !..وكيف ستتم عملية توزيع الإستحقاقات ؟..
وإستخدمت الولايات المتحدة قوة مفرطة للغاية في هذه المهمة وإستهدفت في هجومها وقصفها سياسة (القوة والترويع ) ليس بمواجهة القوات المسلحة العراقية بمختلف صنوفها ولكن بمواجهة الشعب العراقي وبتدمير شامل لكل البنى التحتية والخدمات وترويع النساء والأطفال والشيوخ وقتلهم وتشريدهم .
- وكان هدف الطرف الثاني وهوالنظام العراقي قبل ليلة 20 آذار ولغاية 9 نيسان 2003 هو الدفاع عن العراق شعبا وأرضا وماءًَ وسماءً وصد العدوان والصمود والصبر أمام قصف جوي وصاروخي وإجتياح بري واسع بأحدث الأسلحة والتقنيات ونظم التجسس والقيادة والسيطرة والإتصالات بسيادة جوية كاملة للقوة المعتدية وبدعم كامل من الدول المحيطة بالعراق عدا إستثناءات خجولة.
- إن الإدارة الأمريكية السابقة طرحت هدفا (ظاهريا)مركزيا قبل بداية الحرب ومهّدت له إعلاميا بشكل مكثف وإستخدمت الترغيب والترهيب لتطويق أي صوت يعارض قرارها وتصميمها على غزو العراق..هذا الهدف المركزي جعلته بمستوى (إنقاذ البشرية وخاصة الأمة الأمريكية من خطر مدمر هو النظام العراقي ) وكيف أن (الواجب المقدس ) و(رغبة وأمر الله تعالى)! تتطلب غزو العراق لرد هذا الخطر ثم تبين لاحقا كذب وبطلان كل الأدلة والتبريرات ليتحول الهدف الى شعار آخر ثم يتحول الى هدف جديد آخر ..وهكذا الى أن وصلنا أخيرا الى إن الإدارتين الأمريكية السابقة والحالية وبعد ست سنوات من الدمار والقتل والإعتقال والتشريد والتشويه والإقصاء إتفقتا على هدف واحد وهو : (الإطاحة بالرئيس صدام حسين)!..
- بعد 9 نيسان 2003 تغيرت تسمية الطرف الثاني من النظام العراقي الى المقاومة الوطنية العراقية وضميرها من القوى الوطنية التي إستهدفها الطرف الأول ..عمقها الشعب كله وتستمد قوتها وديمومتها من شرعيتها وإحتضان الشعب لها..وتغير هدف الحرب الى (المقاومة وتحرير العراق)..
- هنالك طرفان دخيلان على هذه الحرب وليسوا جزءا رئيسيا منها وهما طرف ثالث وهو الحكومة العراقية بكل مؤسساتها وهي طرف متحالف مع الطرف الأمريكي بدليل أنها تطارد وتعتقل وتحاكم مَن يقاومهم ويقاتلهم .. وطرف رابع وهو الإرهاب والقاعدة وما شابه ذلك وهي ليست طرفا في الحرب أيضا ولم تكن مستهدفة في بدايتها بل تم إستخدامها من قبل الطرف الأول وحلفاءه كمبرر لمزيد من الإيغال بتصفية وملاحقة وقتل وإعتقال وتشريد (القوى والشخصيات المستهدفة والغير مرغوب بها) من مقاومة وطنية ووطنيي العراق ونخبه وكوادره ومثقفيه.
لقد كان الرئيس الأمريكي الجديد أوباما صادقا عندما قال : (I want to be very clear: We sent our troops to Iraq to do away with Saddam Hussein’s regime – and you got the job done).
(وأريد ان اكون واضحا جدا : لقد ارسلنا قواتنا الى العراق للتخلص من نظام صدام حسين – ونفذتم هذه المهمة. )!.. ولكن لماذا لم يعلن هذا الهدف مباشرة للأمة الأمريكية وللعالم وخاصة في إجتماع مجلس الأمن الدولي الذي حضره كولن باول وتينيت في بداية شباط 2003 لخداع العالم حيث عرض الجانب الأمريكي صورا مفبركة وكأنها ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية وطائرات التجسس لنشاط عراقي في حيازة أسلحة الدمار الشامل؟.. وهل (الإطاحة بنظام صدام حسين ) هو هدف أم وسيلة لتحقيق هدف آخر؟..
وماهو هذا الهدف؟.. قد يقول البعض إن الهدف من هذه الحرب هو (عراق آمن ومستقر ومرفه وغني ومؤثر في وسطه ومحيطه الأقليمي والدولي كما يتمنى أوباما) وهذا (كان من غير الممكن الحصول عليه ) إلا من خلال (الإطاحة بنظام صدام حسين)!.. إذا الإطاحة بالنظام هي وسيلة وليست غاية!..
وهذا يعني ببساطة إن المهمة لم تُنجز بَعد!..بل يبدو لحد الآن إن إختيار هذه الوسيلة كان إختيارا خاطئا وفعلا مكلفا وعملا غير مدروس!..
وقبل ان نخوض في الموضوع أكثر.. ولو إن الحرب إستمرت سبع سنوات أخرى!.. هل سيأتي لنا الرئيس الجديد للولايات المتحدة بهدف جديد غير هذا الهدف ؟.. وهل يقاس إنجاز المهمة الأساسية بحجم ما تحقق منها ؟.. أم سيتم إستخدام (الوصول ) الى مرحلة ما وكأنه نصر جديد؟..
صحيح إن الجيش الأمريكي بنساءه ورجاله نفّذ بشكل دقيق أمر قائدهم الأعلى السابق وركبوا البحر وحلّقوا ساعات طوال في الجو ليصلوا الى أرض العراق ويقذفوه بكل ما تمتلك ترسانتهم العسكرية من قنابل وصواريخ وأسلحة لهدف وضحهوه لهم بأنه (كبير وإنساني لإنقاذ البشرية والكون والأجيال من خطرجعله القائد العام وكأنه جاء من عمق الظلمة ليقضي على منظومة القيم الجديدة والديمقراطية والحياة المرفهة وينهي بسمة أطفالهم )!..
وصحيح أنهم حققوا (وسيلة الوصول الى الهدف)!.. (إن لم يكن هذا هو الهدف)!.. (وأطاحوا بهذا النظام الذي يهدد مستقبل البشرية)!.. ولكن بعد عدة شهور تبين كذب وبطلان ما تم ترويجه من تبريرات وحكايات ملفقة ساهمت في تضليل الرأي العام ومخادعته وساهمت في ذلك المخابرات والخارجية ومستشاري الأمن القومي ومكتب الرئيس ونائبه!..
فإذا كان الجيش الأمريكي قد حقق هدفه (وأطاح بالنظام العراقي ) فلماذا لم يعد في حينه؟.. ولا نريد أن نسمع من أي مستشار ومسؤول أمريكي تعليل إن مستجدات الساحة العراقية هي التي جعلت الأمور تتعقد!..لأن هذا التبرير يحملها مسؤولية ذات ثلاث أبعاد:
البعد الأول ..إن ذلك يعني إن الغزو وإشعال الحرب يفتقد للدراسة والحكمة لأنها إعتمدت على مبررات واهية ومضللة وملفقة وما يبنى على باطل فسينمو على الباطل وكلما إرتفعت شجرة الباطل في الهواء إزدادت قدرة إستهدافها من قبل مقاومة الشعب!..فلقد رفعتم شعارا يحمل غاية غير تلك التي تضمرونها!..ونحن كشعب مستهدف بهذه الحملة كنا نعرف ذلك وكنا نقول إن لاصحة لما يتم ترويجه وتضخيمه ولكن لم يسمعنا أحد..حتى الشعب والجيش الأمريكي لم يكن راغبا بمعرفة الحقيقة وهو يقع تحت حملة إعلامية مضللة هائلة وضخمة.
البعد الثاني..إن ذلك يفسر كون الهدف (الإطاحة بالنظام)!..عمل غير شرعي لأنه إستند على مبرر مختلق وكاذب.. وتم إستخدام سمعة وقدرة وقوة وسطوة الولايات المتحدة من قبل الإدارة السابقة لغزو العراق وتدميره والقضاء على النظام وأسر قادته وإغتيالهم وسجن البقية الباقية منهم ..
البعد الثالث ..إن الخطأ لا يعالج بمزيد من الأخطاء ..كانت الإدارة الأمريكية السابقة تقول إن (الرئيس صدام حسين كان خطرا على العالم ) وثبت من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم بوش وبإعتراف كل الأجهزة الأمريكية بعدم صحة ذلك!..فهل تستمر الإدارة الجديدة بترديد ذلك ؟..فإذا كانت مقتنعة بهذه الحجة التي خلقتها الإدارة السابقة فسوف لن تنته الحرب مطلقا ..
وستستمر حتى يحق الحق.. لأن هذه الإدارة ووفق هذه القناعة ستنتهج أساليب قد تختلف عن سابقاتها ولكنها تصب في نفس الهدف.. أما إذا كانت الإدارة الجديدة مقتنعة بان الحرب أشعلتها تبريرات كاذبة وإن (النظام السابق لم يكن يهدد الأمن القومي الأمريكي والعالم برغم وجود ملاحظات عليه وإن الطريقة التي عالجت الإدارة الأمريكية السابقة بها موضوع العراق كانت خاطئة ).. ومع ذلك فإنه ( لابد من عدم ذكر ذلك) لأسباب تتعلق بطبيعة السياسة الأمريكية عبر التأريخ التي لا تنتقد فيه الإدارة الجديدة سابقتها..فهذا مؤشر إيجابي لنزع فتيل كل القنابل المنتشرة في ساحة المواجهة العراقية .. ولكن الغريب..
إن الرئيس الأمريكي الجديد أشار بوضوح الى أن الجيش الأمريكي بنساءه ورجاله نفّذ مهمته بنجاح وهي : (الإطاحة بصدام حسين)!..
والأفعال المستقبلية للرئيس الجديد هي التي ستبين بشكل دقيق مالذي كان يقصده بذلك!.. هل يقصد إنجاز مهمة العسكريين الأمريكيين من النساء والرجال المكلفين بواجب ما في العراق وقد نفّذوه بغض النظر عن صحة ذلك من خطأه؟..
أم يقصد إن الجيش الأمريكي بنساءه ورجاله أنجزوا الجانب العسكري من مهمة سياسية يؤمن بها؟.. وإذا كان هذا هو ما يقصده فذلك يعني إن تداعيات هذه الحرب وما نراه اليوم من قرارات وإجراءات الإقصاء والملاحقة والإستئثار يمضي في المسار الصحيح !..
وإن قرار إنسحاب القوات الإمريكية جاء بناءا على قناعة بأن القطار العراقي الحالي (يسير ) بشكل صحيح على السكة الأمريكية ليصل الى الهدف الإستراتيجي الذي رسمته ونفذته الإدارة القديمة وسوف تكمل مساره الإدارة الجديدة!..
عندها .. سواء إنسحبت القوات الأمريكية أم بقيت أو بقي جزء منها فإن المشهد العراقي القادم سيكون بركانا مدمرا قد ينفجر في أي لحظة!.. وعادة ..فإن البراكين لا تعترف بحدود الجغرافيا .. ولا علاقة لها بمن يسكن حولها ..أو يكون قريبا منها!.. |
||||
كيفية طباعة المقال | ||||
شبكة المنصور |
||||
|
||||