يمكن للمتتبع ان يلتقط بوضوح ان
العديد ممن يعادون النهج القومي
العروبي المسلم ينطلقون من جهل
مطبق بابسط مفردات هذا الفكر
ويؤسسون هذا العداء على الاعلام
الامريكي والمتأمرك او بناء على
موقف الفكر الاسلامي السياسي
الطائفي الذي يلجأ للتكفير
والتلحيد الذي يغالط كل حقائق
الفكر القومي جملة وتفصيلا لاننا
نعرف انفسنا قبل ان نعرف ونقرأ
الافكار السائدة على جغرافية
السياسة العربية فما عرفنا
العروبة الاّ مسلمة ومؤمنة.
ينطلق الاسلامويون من اممية
الاسلام ويجادلون في ان مفهوم
(الامة) الوارد في القرآن الكريم
لا يقصد الامة العربية، بل الامة
الاسلامية، ونحن هنا بدءا لن
نتعارض معهم لاغراض الجدل
الايجابي. ونسأل .. مم تتكون
الامم وما هي الوحدة الاساسية في
تكوينها الاجتماعي؟ واظن ان خلية
البناء الاجتماعي هي الاسرة, ومن
وحدتها وتماسكها ورقي الصلة بين
ابناءها تتأسس مجتمعات وامم بذات
الصفات, وعليه فلا مانع ولا نجد
ضيرا من ان ننظر الى الامة
العربية على انها مكون اسري من
مكونات الامة الاسلامية.
ما الذي يمنع ان نعمل على توحيد
الامة العربية على انها وحدة من
وحدات التكوين لأمة الاسلام؟ لا
اجد قطعا ما يمنع. فمَن يعتقدون
بشوفينية الفكر القومي هم على خطأ
فادح بحق انفسهم قبل غيرها.
العروبة (القومية) حب وتطلع
انساني لتأكيد الذات وكينونة
دورها الانساني. القومية العربية
هوية وصيرورة حضارية تصب في مصلحة
البشرية برمتها لان تعطيل قرابة
200 مليون انسان وعزلهم في زوايا
الفقر والجهل والتخلف والاستلاب
هو جريمة بحق البشرية برمتها.
ومثل هذا التعميم صحيح على الامم
الاخرى ولا نتعاطى به بطريقة
شوفينية عنصرية بائسة. الامة
العربية غادرت التعصب مبدئيا
وفكريا يوم اجتباها الله بحمل
رسالة الاسلام الحنيف واختار
لغتها لتكون لغة اعظم كتاب مقدس
عرفته الانسانية في تاريخها
المادي وتاريخها الديني.
مَن يعادي الفكرة القومية لانها
متعصبة فنحن معه نعاديها. لان
الفكر والعقل البشري بما حباه
الله به من حيوية لا تحدها الاّ
قدرة الباري سبحانه لا يمكن ان
يسجن في زوايا القومية الاوربية
الفاشية والشعوبية والمتعصبة
تعصبا اعمى. وعليه فان الفكر
القومي والكينونة القومية التي
نحبها ونعانق ارثها العظيم
ومستقبلها المرتجى، ومن ثم فان
الامة العربية الواحدة التي نناضل
فكريا وعمليا من اجلها، هي وحدة
تكوينية عملية ومتاحة في مقومات
ثقافية وتاريخية واجتماعية ولا
مانع من ان ينظر لها الاخوة اهل
الاممية الاسلامية ضمن هذا الاطار
وبذلك يمكننا ان نجد الف نقطة
لقاء توحد اتجاهات سير الفكر
القومي العروبي المسلم مع اتجاهات
سير الفكر السياسي الاسلامي بعد
ان يتوحد الاخير في خطوطه العريضة
التي تتجاوز التناحر الطائفي
المرير على الاقل. وبعد ان يدرك
قادة هذا التيار الاسلاموي
المسيّس ان مفاهيم وتطبيقات
العلمانية قد خرجت من قمقم
الالحاد البغيض وان الفكر القومي
المتحرر قد قذف بالعلمانية
الملحدة الى الوراء منذ اكثر من
ستين عاما.
ان معادات الفكرة القومية السائرة
باتجاه توحيد الامة العربية عودة
بها الى ما قبل سايكس بيكو على
الاقل التي يلعنها الجميع
ورسالتها الخالدة التي تعني في
ابسط تعبيراتها عدم التوقف عند
حدود اهداف الفكر القومي المعاصر
(الوحدة والحرية والاشتراكية
العربية الخاصة المسلمة) بل ان
الفكر الحي والارادة الانسانية
المتطلعة لاحياء دور العرب
الحضاري ومساهماتهم العميقة في
العلم والفلسفة والثقافة والسياسة
والانتاج التكنولوجي قادر على
التواصل معتمدا على خلود رسالة
الاسلام الحنيف ومستمدا ومتمثلا
منها خصالها الانسانية والحضارية
الراقية التي تجعل من الايمان
بالله وكتابه ورسوله مآلا مطلقا
للفعل الخير التقي الاخلاقي في
ذات الوقت الذي تجعل منه منطلقا
واساس.
ان العداء الذي يظهر لشعار امة
عربية واحدة ذات رسالة خالدة هو
صهيوني ماسوني امريكي. وان من
يعضده يكون قد سقط عن قصد او دون
قصد بين مخالب الماسونية
والصهيونية. ان الصهيونية
وادواتها تدرك ان وحدة الامة
العربية هي محور انطلاق هائلة نحو
وحدة العالم الاسلامي او (الامة
الاسلامية) وان في هذه الوحدة
مقتلها ونهايتها التي هي حتمية
تاريخية لا مفر منها. الصهيونية
ومحافل الماسونية تعمل على
التفتيت لكي تكسب الزمن الاطول
قبل اندحارها النهائي. والاّ فما
معنى ان تسير الامم الاوربية نحو
وحدة من طراز ما دون ان تقف
المحافل الماسونية موقفا معاديا
منها؟ ولماذا اعيد توحيد المانيا
فور انتهاء الحرب الباردة لتكون
نواة صلدة للوحدة الاوربية؟
الجواب كلّه يتكور في ان الوحدة
الاوربية قد تعزز الماسونية
وادواتها الصهيونية في ادامة
تمزيق الامة العربية واستثمار
مواردها المختلفة.
ان الوحدة العربية المعبر عنها
بشعار امة عربية واحدة ذات رسالة
خالدة يجب ان يحتضن من كل ابناء
العروبة وأن يُسند من كل المسلمين
لانه هو الطريق الوحيد الذي يحقق
اهداف العرب المشروعة ويحقق
حضورهم الانساني ويعين الامة
المسلمة على السير في طريق التوحد
الذي لا يمكن ان يكون واقعيا الاّ
بوحدة العرب. اما من يمسكون
بتلابيب تجارب قومية وحدوية
وينبشون الامس الذي انتجها او
ولدها بسلبيات واخطاء مختلفة
ومتعددة فان عليهم ان يدركوا قبل
فوات الاوان، انّ المسك بحبال
الماضي لشنق الامة لا يتناسب مع
معطيات وحيثيات الايمان بان الفكر
الانساني والادوار الانسانية
قادرة على تخطي العثرات والاخطاء
لانتاج دروب ومسالك خيرة جديدة
غير منقطعة عن ايجابيات التجارب
السابقة. الامساك باخطاء الماضي
وكأنها قدر نهائي مثلبة حضارية
وفكرية عند امة حية اصيلة.
|