وأخيراً تصاعد الدخان الأبيض من
مداخن باراك أوباما، الذي أيقن أن
جورج بوش وعد شعبه بخيرات العراق
فخاب. وأن المقاومة الوطنية
العراقية وعدت شعبها بالتحرير
فأوفت. ولهذا قرَّر ترك العراق
لأهله من أجل تخفيض النفقات على
الشعب الأميركي بعد أن أرهقته
المقاومة العراقية واستنزفت، حسب
الأرقام المعلنة، ما يعادل المبلغ
الذي قرَّرت أخيراً المؤسسات
التشريعية في الولايات المتحدة
الأميركية إنفاقه من أجل دعم
المؤسسات الصناعية المنهارة.
لقد رحل جورج بوش مع إدارة اليمين
الأميركي الجديد غير مأسوف
عليهما، كما أعلنت أصوات الشارع
الأميركي في الانتخابات الأخيرة
التي أطاحت نتائجها بهما، طالبة
من الرئيس والإدارة اللذين
سيخلفانهما بإعادة أبنائهم إلى
أرضهم، لتوفير فاتورة الدم والمال
الباهظة، التي كانت تُدفع من أجل
مصالح حيتان الرأسمالية في
الولايات المتحدة الأميركية.
أولئك الحيتان، الذين يشكل معظم
أقطاب الإدارة السابقة، أعضاء
أساسيين فيها، وهم من المنتسبين
إلى (الحركة السيناركية) التي
يشعل أعضاؤها الحروب بقصد الربح
غير آبهين بمن سيكون المنتصر.
وهكذا باتوا بعد رحيلهم نائمين
على مبالغ خيالية سرقوها من ثروات
العراق كما من جيوب المكلف
الأميركي. ولم يبق أمام الشعب
الأميركي إلاَّ الضغط من أجل
إحالتهم على المحاكم الجنائية
الأميركية والدولية أيضاً،
ليقطعوا الطريق في المستقبل على
كل من تسوِّل له نفسه بالقيام
بمغامرات كما فعلوا في كل من
أفغانستان والعراق.
في ظلال تلك الوقائع. وأخيراً،
تصاعد دخان النصر الأبيض من مواقد
المقاومة الوطنية العراقية، ليؤكد
لكل من كان يشكك بمصداقيتها أن
تشكيكه كان قائماً على أغراض
وأهواء كانت غير قادرة على رؤية
حزب البعث العربي الاشتراكي
منتصراً في العراق.
بعد أن تسربت أنباء بداية طلائع
الانسحاب الأميركي من العراق، كما
أوردته وكالة الأسوشيتدبرس، ابتدأ
عصر جديد لينسج ثوباً جديداً
للعراقيين يستقبلون به مرحلة ما
بعد الانسحاب الأميركي من العراق.
وعلى أساسه انفتحت أبواب مرحلة
جديدة لاستقبال متغيرات على غاية
من الأهمية. قد تكون مرحلة صعبة
بلا شك، ولكنها لن تكون بأصعب من
المراحل التي خاضها أبطال التحرير
طوال ست سنوات ضد كل أنواع
الأعداء الذي جردوا سيوفهم لنحر
العراق ونهب ثرواته وتدمير كل
بناه البشرية الأساسية التي لا
وجود لدولة من دونها.
إنها بالفعل لا تزال مرحلة لن
تنتهي إلاَّ بانسحاب آخر جندي
أميركي من العراق، وقد لا يكون
التوقيت الذي حدده أوباما هو
التوقيت الدقيق، بل من المرجَّح
أن يكون أقصر مما هو مقدَّر له،
على الرغم من تعقيدات الانسحاب
بسبب من كميات العتاد الهائلة
المخزونة في العراق، كميات كانت
مخزنة أصلاً لاحتلال دائم طويل
الأمد وقد يمتد إلى الأبد.
ويظهر من خلال ما أعلنته
الأسوشيتد برس أن البداية
الأساسية ستكون مركَّزة على سحب
ما ثَقُل من العتاد وغلا ثمنه. أو
من العتاد السري خوفاً من وقوعه
في أي يد قد تستفيد من أسرار
تصنيعه. هذا ما يقودنا إلى
الاستنتاج أنه في الوقت الذي
تنتهي قيادة الاحتلال فيه من
إخلاء السلاح ذي المواصفات التي
ذكرنا يصبح كل انسحاب آخر سهل
التطبيق.
إن سلاح المرحلة القادمة نفسي
ومعنوي
إنه بعد البدء بالمرحلة الأساسية،
التي ابتدأت في الثالث والعشرين
من شباط، ستطرأ عوامل جديدة
ستتحكم بطول فترة صمود الجندي
الأميركي وعملاء الاحتلال، أو
بسرعة انهيارهم، وتأتي على رأسها
الحرب النفسية التي ستسيطر على
مزاج المحتلين: الجندي الأميركي،
وعملاء الاحتلال أولاً. وبالتالي
ستطرأ عوامل نفسية جديدة سيرتفع
منسوبها الإيجابي عند الشريحة
الواسعة من العراقيين الرافضين
للاحتلال ثانياً.
لهذا السبب ستتغير معالم معادلة
الصراع في المرحلة التي تسبق
إتمام الانسحاب الأميركي، ولكي
نوضحها أكثر، سنقوم بعملية رياضية
أسسها التالية:
-بعد الاحتلال مباشرة كانت الحالة
المعنوية لقوات الاحتلال وعملائها
في أوج سقوفها، يقابلها انخفاض في
الحالة المعنوية عند شريحة واسعة
من الجماهير العراقية، وشبه
انهيار عند قطاعات واسعة ممن
يعملون في السياسة، ناهيك عن أن
صفوة المقاومين كانوا يقاتلون
لتحرير العراق من دون أفق زمني
معروف. في مثل تلك المعادلة كان
الاحتلال وعملاؤه يقاتلون بضراوة
المنتصرين.
-بعد سلوك الخطوة الأولى لانسحاب
الاحتلال أخذت معايير المعادلة
تتغير. وبها أصبحت المقاومة في
أوج سقوفها المعنوية، والحالة
الشعبية الأوسع ستجد انفراجات
نفسية لأنها لمست بالفعل أن
معاناتها لن تطول بعد أن تأكد
لديها أن هناك مدى زمني محدود
للتخلص من الاحتلال. وبدوره أصبح
الجندي المحتل موعوداً بالعودة
إلى أهله، وسيعمل كل جهده من أجل
أن يعود إليهم حياً وليس ميتاً،
ولن يمارس طريقة إما أن يكون
قاتلاً أو مقتولاً، وهو عامل
ستتغلب فيه عنده إرادة الحياة
وليس احتمال الموت. أما عملاء
الاحتلال الكبار، ممن قادوا
العمليات السياسية والإرهابية ضد
شعبهم، فسيصبحون في أدنى درجات
حالاتهم النفسية ضعفاً كلما انسحب
جندي أميركي أو كلما تقلصت أعداد
القواعد الأميركية. أما الشريحة
التي كانت مترددة في حسم
خياراتها، إما لجهل أو لحاجة
مادية أو حماية لحياة، فسوف تكون
الأسرع استجابة لنداءات التحرير.
ومن تلك الشريحة أكثرية الذين
انضموا إلى جيش العملاء أو الشرطة
أو تنظيمات الصحوة، إذ أنهم لن
ينتظروا طويلاً في الانقلاب على
من قاموا بتضليلهم وإغرائهم، فهم
سيكونون الأكثر استجابة للارتداد
عن مساندة من يقف في وجه
المقاومة، وسيكونون على أهبة
الاستعداد باللحاق بركبها وملاحقة
من سيبقى من عملاء الاحتلال.
بمثل تلك المعايير نستنتج بأن
الموعد الزمني الموضوع نظرياً
للانسحاب لن يكون موعداً ثابتاً
بل سيكون عرضة للتسريع باحتمال
حصول متغيرات، من أهمها:
-إذا استخدمت المقاومة سلاحاً قد
تكون قد حصلت عليه ولم تظهره حتى
الآن.
-انهيارات سريعة في البنى
العسكرية والأمنية التابعة
للحكومة العميلة.
وكل احتمال في المتغيرين، ليس
ببعيد عن الحصول. وإذا كنا نجهل
ما تخطط له المقاومة للاحتمال
الأول، فإن الاحتمال الثاني لا
بدَّ من أنه سيتحقق بفعل متغيرات
موازين القوة المعنوية والنفسية
بين الاحتلال وعملائه والقوى
المقاومة ومناصريها، حيث إن الضغط
الشعبي والعشائري ستزداد وتيرته
على كل المنخرطين في تلك الأجهزة.
فهم بانضمامهم إلى المقاومة
ينخرطون في مشروع سيعيد لهم
كرامتهم بعد طول إذلال، وسيقاتلون
تحت سقف زمني أصبح أفقه منظوراً
بوضوح، وسيقابلون عدواً مهزوماً
منهار المعنويات، وإذا قاتل فلن
يغيِّر من معادلات الأمور شيئاً،
فبحالته النفسية المنهارة سيكون
راغباً في الهروب أكثر من
استمراره في الدفاع عن مشروع أصبح
خاسراً ولا يمكن المراهنة عليه
على الإطلاق.
وفي شتى الاحتمالات سيبقى
المقاومون الأبطال هم البدريون
الذي لن يلقوا سلاحهم لملاحقة سلب
هنا أو هناك، بل سيبقون على رأس
التلة شاهرين سلاحهم حتى يتأكدوا
من هروب آخر جندي أميركي من أرض
العرق، متبوعاً أو مسبوقاً بآخر
عميل أو خائن باع وطنه.
|