ماذا
تعرف عن (حفلات
الاعدامات الجماعية) والممارسات السادية التي كانت تجري
بغرف الموت السرية
في مقر الشعبة الخامسة بسجن الكاظمية في بغداد ! -
شهادة أحد المعتقلين
هل
يعقل ان يعم الحب في زمن الكوليرا والطاعون؟ أو ان
تبرعم أزهار
الديمقراطية في عتمة الخوف القابع فوق الجفون؟ وهل يمكن
ان يستمر الزيف
والتزوير الى مالا نهاية في افواه حكام القتل واللصوصية
ومليشيات الموت
وهم يدعون ليلا ونهارا بانهم جائوا لتخليص البلاد من
الدكتاتورية ؟
هذه الاسئلة وغيرها أثارتها فينا الصحافة البريطانية في
تحقيقها عن غرف
الموت السرية في سجن الكاظمية في بغداد، لكن الحقيقة
سوف تبقى ناقصة في ظل
غياب شهود الاثبات، وفي لجة الدعاية الامريكية للنموذج
الديمقراطي الشرق
الاوسطي المدفوع ثمنه المعلن بـ 300 مليون دولار لقنوات
فضائية عربية
مشبوهة, وصحافة صفراء، واشباه مفكرين ومحللين سياسيين ،
اتخذوا من الدعارة
السياسية وسيلة للارتزاق في زمن مطلوب فيه شرعنة
الاحتلال ، وتجميل الوجوه
العميلة القبيحة، والتغاضي عن قتل مئات الالاف من
الابرياء بدم بارد في
كافة انحاء العراق
.
لم يبزغ الفجر بعد ومازال حظر التجوال ساريا عندما
أقتحمت مجموعة مؤلفة من
اثنا عشر شخصا دارنا بعد ثمانية ايام من اطلاق سراحي من
سجن المطار التابع
للقوات الامريكية بعد ان امضيت فيه سنتان وثلاثة اشهر
متهما بمقاومة قوات
الاحتلال الامريكية.. كان بعضهم يرتدي ملابس ما يسمى
الحرس الوطني
الحكومي.. والآخرين بملابس مدنية.. يستقلون سيارات
حكومية وأخرى مدنية،
وفي وسط الصراخ والشتائم التي توالت علينا منهم عرفنا
انهم يبحثون عني.!
حيث تم اقتيادي من داخل البيت بملابس النوم
وتقدموا
بي نحو شخص معمّم
كان
يجلس داخل إحدى السيارات فاخرج من حقيبته صورة لي
طابقها مع وجهي فقال نعم
هو..؟ لم يتم كلمته حتى انهالت علي الضربات من كل جانب،
وتم عصب عيني
وتقيد يدي ورجلي والقي بي في الحقيبة الخلفية للسيارة،
وما كادت السيارة
تتحرك حتى سمعت وابلا من الرصاص.. لم استطع سوى التكهن
بأنه وسيلة لإرهاب
المواطنين الذين تجمعوا في باب دورهم صباح ذاك اليوم
لمشاهدة الحدث كي
لا يتجرأ أحد لأخذ رقم إحدى السيارات او التعرف على
وجوه المقتحمين.
لم تمض سوى ثلاثة ارباع الساعة تقريبا حتى توقفت
السيارة التي تقلني وفتح
الصندوق الخلفي لتمتد لي عدد من الايدي فتحملني الى حيث
لا ادري، حينها
شعرت بلطمة قوية على وجهي اسقطتني ارضا، ثم امتدت الي
مرة اخرى لتنزع عن
عيني قطعة القماش التي عصبوا بها عيني عندها تلاقت عيني
بعينيه فصاح بي
مستهزئاً أهلا وسهلا بالمناضلين اين ستذهب اليوم مني
لقد اشتريناك منهم..؟
فإذا كنت امنا لديهم في السجن سنتان فأنت اليوم في
الشعبة الخامسة..! ألا
تعرف الشعبة الخامسة في الاستخبارات.. نعم انت اليوم
ضيفها.!
ثم صاح بأعلى
صوته (سيدنا هذا جاهز)..؟
لم تمض سوى لحظات حتى تقدم مني شخصان كانت بيد احدهما
هراوة غليظة
والآخر كان يحمل كيبل كهربائي
واقتادوني الى
غرفة كانت أثار الطلقات لم
تزل على جدرانها وبقع دماء تكومت فوقها اكوام من الذباب كانت نافذتها
الخارجية تطل على نهر دجلة وكان يتدلى من السقف حبل غليظ وفي وسطها
طاولة
اشبه بطاولة المنضدة عليها مساند لتثبيت اليدين والقدمين يلتصق بسطحها
السفلي جهاز كهربائي تم ربطه بالكهرباء، وفي ركن الغرفة كانت منضدة
صغيرة
صفت فوقها عدد من الاشياء المختلفة الاستخدام، مكواة كهربائية، مثقاب
كهربائي، مطرقة، ومفك يدوي..
اتجه احدهم لغلق الباب بينما أنهال الاخر
بالضرب علي بالكيبل في جميع الاتجاهات ..عندها سقطت
ارضا هجم الاثنان علي
فخلعوا ملابسي عني وانهالوا علي ضربا بكل شيء فتفجرت
الدماء من جميع انحاء
جسدي حتى شعرت بان الغرفة دارت امام عيني وانقلبت فوقي
ولم اعد اشعر بشيء
بعد ذلك.
لا ادري كم هو الوقت الذي استغرقته وأنا فاقد الوعي لكن
الماء الذي القي في
وجهي اعاد الحياة لي مرة اخرى، فوجدت نفسي ملقى على
المنضدة الوسطية وقد
كبلت يداي وقدماي على سطحها،
لم تمضي سوى
لحظات حتى شعرت بان الماكنة
الكهربائية المربوطة بالمنضدة قد بدأت العمل، ولكون المنضدة كانت من
جزأين
فقد بدأ كل جزء يسير بالاتجاه المعاكس للآخر مما يؤدي الى سحب الاطراف
السفلى الى الاسفل والاطراق العليا الى الاعلى، حتى بدأت أشعر وكاني
سوف
اقسم الى نصفين من وسطي..! لم اتمالك نفسي امام الالم الرهيب حتى صرخت
صرخة من شارف على الموت، تم ايقاف الكهرباء فعاد نصفي المنضدة الى
بعضهما
البعض، فتقدم مني احدهم قائلا .. اذا كنت مستعدا للاعتراف فلن ترى هذه
الماكنة مرة اخرى..؟ اما اذا كنت غير مستعد لذلك فاقسم جسدك الى نصفين.!
تم اقتيادي الى غرفة اخرى وجلست امام منضدة كانت مفروشة
بالأوراق
بغير انتظام يجلس على طرفها
الآخر شخص كث
اللحية يتحدث العربية بصعوبة
تشير انه ليس عربي الاصل..؟
باغتني فورا ،هل ستعترف..؟ قلت بم ..؟ قال من
هم الذين عملت معهم؟ ما أسماؤهم وعناوينهم؟ من الذي كان
يمول اعمالكم.؟
وعشرات الاسئلة على هذه الشاكلة.. ثم ترك ورقة بيضاء
امامي وقال اكتب
.
قلت يا سيدي سنتان يحقق معي الامريكان ولم يجدوا دليلا
ضدي..؟ لم يدعني
اكمل حتى قال سأنزع اليوم جلدك عن عظمك..؟ فأعادوني الى
نفس الغرفة مرة
اخرى التي اصبحت احد ضيوفها الدائميين على مدى ثلاثة
اشهر قضيتها في هذا
السجن.
لم يكن قد مضى على وجودي في المكان سوى ثلاثة ايام،
عندما فتحت باب
الزنزانة، ودخل السجان وهو يدعونا باستهزاء لحضور حفل
الليلة، لم أفقه
ما قال، لكنه قيدني مع زميلي الاخر وقادنا الى غرفة
اخرى، دخلت اليها فوجدت
الكثير من السجناء يجلسون ارضا بينهم الشيخ والشاب
والحدث، بينما كان رجل
في الثلاثين من العمر ينتصب واقفا أمام الجميع وقد قيدت
يداه.. وتم جلب
بقية السجناء حتى امتلأت الغرفة ثم اغلقت الباب ..
فتقدم احدهم وهو يحمل
بيده هراوة غليظة بدأ يلوح بها امامنا وهو يتحدث شاتما لاعنا ليشرح لنا
كيف ان هذا الرجل الواقف امامنا الآن هو من الطائفة السنية ولم يستطع
الامريكان الحصول على اعتراف منه بأنه عمل مع المقاومة العراقية لكنهم
هم
حصلوا على اعترافه بذلك..؟
وعلى هذا سيلقى جزاءه اليوم امامنا،
تم وضع الحبل
المتدلي من السقف حول
عنق الرجل، وأوقفوه على صفيحة دهن فارغة لا يتجاوز ارتفاعها اربعين
سنتمترا، ثم دحرج احدهم الصفيحة من تحت رجليه، ولكون الحبل طويلا ولا
توجد
مسافة بعيدة تحت قدميه فقد سقط على الارض متدليا بالحبل لكنه لم يمت
وراح
يصرخ صراخا مدويا، ويرفس بقدميه كما الذبيحة، لكنهم انهالوا عليه ضربا
بالهراوات حتى تضرج بدمه وفارق الحياة،
عندها
طلبوا منا جميعا ان نبصق على
وجهه جميعا وقبل ان نغادر الغرفة تم اختيار خمسة افراد
منا كنت احدهم، كي
نحمل الجثة الى خارج القاعة، حيث تبين ان هناك خندقا
طويلا على الساحل
الغربي لنهر دجلة المحاذي للسجن، يبدو ان الجيش العراقي
السابق قد عمله
للتموضع فيه بغية التصدي للعدوان الامريكي ايام الغزو
ثم طلب منا رمي
الجثة في الخندق وإلقاء التراب عليه.
عدنا الى الزنزانات المخصصة لنا ونحن نمشي على غير هدى
بينما كان السجانون
يكيلون لنا الشتائم ويتوعدونا بنفس المصير غدا او بعد
غد، لكنني لم اكن
اصدق اطلاقا بان هذه الجريمة ستكرر يوميا عندما سمعت
ذلك من زميلي الذي
يشاطرني نفس الزنزانة وهو يصف لي التفنن اليومي بالقتل
حتى تيقنت في
الليلة التالية من صدق كلامه،
عندما دعينا
مرة اخرى الى نفس الغرفة التي
كانوا يطلقون عليها أسم
( ملهى الطاحونة
الحمراء )،
كانت الضحية هذه المرة
رجل تجاوز الخمسين من العمر، عمل سابقا ضابطا في الجيش العراقي السابق،
وكان آمرا لإحدى الوحدات العسكرية وقد افرجت عنه القوات الامريكية بعد
اعتقال دام ثلاثة سنين، وهذا ماسمعناه منه.. حيث كان على الضحية ان
يقدم
نفسه قبل الاعدام وبعد ان انهى كلامه برز احد السجانين اليه وقام بوضع
حذائه على كتفه قائلا له باستهزاء هذه نجمة اخرى لك مني فقد رفعنا
رتبتك
اليوم الى رتبة أعلى ياسيدي و تكريما لبطولتك وشجاعتك
..!هذا
وتقدم الآخر منه وهو يخيره بين الموت شنقا او رميا بالرصاص
باعتباره عسكري، لكن ثالثهم أقترح عليه القتل بالكهرباء على الطريقة
الامريكية كما قال.؟ وفورا تم جلب جهاز اشبه بجهاز شحن بطارية السيارة
وتم
ربط يده في طرف وقدمه بالطرف الآخر وربط الجهاز بالكهرباء, وماهي الا
لحظات حتى أخذ الرجل يتدحرج على الارض في كل الاتجاهات ويشخر شخيرا
عاليا
ويزبد فمه وانفه حتى فارق الحياة بعد ان أسودت يداه وقدماه، ثم طلب منا
كالعادة أن نبصق في وجهه قبل المغادرة.
كنت في شك تام من ان القوات الامريكية على علم بما يجري هنا عندما
حدثني
زميلي السجين من انهم يترددون بين الحين والآخر على هذا الموقع لكن
نداء
السجان علينا للخروج لتنظيف ارضيات السجن بمناسبة قدوم الامريكان جعل
الحقيقة واضحة امام عيني..
كما انه نبهنا الى عدم التحدث معهم بأي شيء
والذي سيتحدث معهم بالانكليزية سيتم قطع لسانه ثم
استدرك قائلا عموما هم
لن يأتوا اليكم ليروكم هم
سوف يذهبوا الى
قاعة السجينات كي يقضوا أحلى
الاوقات مع رفيقاتكم في النضال
ثم يتصرفوا وقد كان صراخهن وعويلهن ودعوات
كبيرات السن منهن على الجنود الامريكيين التي سمعناها
في تلك الليلة دليل
على ان القوات الامريكية شريكة فعلية في الجريمة التي
ترتكب في هذا السجن
بعيدا عن الانظار.
كان يوم الرابع عشر من كانون الاول عام 2007، شاهدا على
ابشع جريمة في هذا
السجن، وهي وصمة عار في جبين الاحتلال وأعوانه وكل من
سار في ركبهم
وأعانهم بلسانه او بيده او
حيث دخلنا غرفة
الاعدامات فوجدنا اربعة عشر
شخصا مقيدي الايدي مكممي الافواه يصطفون على حائط الغرفة وعندما جلسنا
على
الارض نهض احد السجانين واقفا امامنا قائلا بأنهم خلية مقاومة يريدون
ارجاع العراق الى الدكتاتورية..! وسنقبرهم اليوم مع الدكتاتورية،
فانهال
بالضرب عليهم بالهراوات والكيبلات ثم قاموا بتعليقهم بالحبل المتدلي من
السقف واحدا بعد الاخر كانت ارجلهم تمس الارض وهم متدلين بالحبل من
رقابهم
عندما يدفعون الصفيحة من تحت ارجلهم ويبقون يرفسون وهم مختنقين دون ان
يموتوا، حتى ينهون حياتهم بطلقة في الرأس، او بضربة هراوة على الاعضاء
التناسلية.. لكن ابشع مارأيناه عندما صعد أطول من فيهم وهو شاب في
مقتبل
العمر، قوي البنية، عندما تم دفع الصفيحة من تحت قدمية انتصب واقفا على
الارض لكن رقبته معلقة بالحبل ولازالت الروح فيه وجسده يقاوم الموت ،
حتى
قفز اثنان من السجانين على كتفيه كي يزيدوا من ثقل جسده الى الاسفل حتى
توتر الحبل وضغط بقوة على رقبته حتى فارق الحياة..
لقد تقيء الجميع وفقد البعض الاخر الوعي ونحن ننظر الى
الاجساد
المتكومة بعضها فوق البعض لكنهم لم يوعزوا لنا
بالانصراف هذه المرة بل قال
احدهم لديكم عمل شعبي اليوم .. عليكم ان تنقلوا هذه
الجثث الى الخندق على
ضفة النهر فورا، ولم تمض ساعة من الوقت حتى كانت الجثث
متكدسة في الخندق،
ثم طلبوا منا أن نجمع بعض الاخشاب والأعشاب الملقاة هنا
وهناك ونرميها
فوقهم، ثم تقدم أحدهم بصفيحة نفط ونثرها عليهم، فأوقد
النار في كومة
الاجساد والأخشاب وأمر السجانين بصرفنا الى الزنزانات
المخصصة لنا.
فلينظر أحرار العالم ماذا يجري في العراق وكيف أن المهمة أنجزت فيه
على خير ما يرام وأصبح نموذجا للشرق الاوسط الجديد.. ذلك المشروع الذي
بشر
به سفاح القرن بوش زعيم اقوى دولة في العالم والذي استنبطه من أظلم
زاوية
في التاريخ. |