جاء التعديل
الوزاري الأخير قبل بضعة أيام إثر
مخاض قاسٍ وتكهنات اقتضت وقتاً
غير قليل إذا ما قيس بتعديلات
وزارية سابقة، ورغم ذلك فإن هذا
التغيير لم يتجاوز مظاهر ومحددات
ما كان يجري فيما مضى من تعديلات
ورغم كل ما تنوء فيه أجهزة وأدوات
الإعلام الرسمية وغير الرسمية
كعادتها التي تسهب في الأوصاف
والألقاب والتحليل والتفصيل لكل
قادم وأحيانا إلى سلوك عكس ذلك في
أي تشكيل منصرف.
وعلى أي حال
فإن هذا التعديل والتشكيل الأخير
يأتي في مرحلة لا نبالغ إذا قلنا
بدقتها وخطورتها حيث يواجه الأردن
وحتى المنطقة بكاملها أوضاعا
وتحولات غير عادية وربما بالغة
الخطورة لا تخفى على احد سواء على
الصعيد المالي والاقتصادي أو على
الصعيد السياسي إقليميا ودولياً،
الأمر الذي يفرض تفعيلات غير تلك
الإجراءات التبسيطية للتصدي لها
من حيث ضرورة تصليب الجهة الوطنية
بما يتناسب وحجم (المؤامرات) التي
توقعها وتحدث فيها قال رأس الدولة
الأردنية قبل أسابيع.
ولكي نعطي
رئيس الوزراء صاحب التعديل حقه
ولا نطلب منه المستحيل نقول انه
على مدى الفترة التي مرت من
رئاسته قد أبدى قدراً من الشجاعة
والموضوعية ضمن حدود الممكن في
تصديه لبعض القضايا الاقتصادية
والإدارية التي عاشتها البلاد رغم
محدودية المساحة المتاحة له في
التصرف خاصة إذا ما تصورنا حتى في
الأحوال العادية كيف يجد المسؤول
نفسه محكوماً بالمحددات الموروثة
والمكتسبة أو الطارئة التي شكلت
مع الزمن جدران صعبة مدعمة
بالعوائق التي يصعب تجاوزها مما
يعيق أي محاولة للإصلاح السياسي
ومقولات التنمية السياسية
والاقتصادية التي لا ينقطع الحديث
عنها في جميع المحطات عبر خطابات
التكليف والتوجيهات وما يسمى
بالبرامج الحكومية سابقاً وحالياً
والمرجعية المفترضة من الميثاق
الوطني العتيد الذي وضع وأعلن عنه
بالتهليل والتطبيل في مؤتمر
ورعاية ملكية حاشدة قبل حوالي
عقدين من الزمن، لكنه وقبل أن يجف
الحبر الذي كتب فيه قد وضع فوق
الرفوف المنزوية ليعلوه فيما بعد
غبار الزمن رغم كل الجهود
والأموال التي استهلكت في سبيله
فبات كالسراب يحسبه الظمآن
ماءً..........
لا نلوم رئيس
الوزراء ولا نطلب منه المستحيل
لأننا على دراية بحجم الأزمة
المالية والاقتصادية التي تشكل
امتداداً طبيعياً لما يجري في ذلك
على الصعيد العالمي طالما أن
السلطات كانت من قبل قد ربطت
الأردن من تلك النواحي بعجلة
الاقتصاد الرأسمالي دولياً وتوسعت
في الاستجابة لوصفات دهاقنة ذلك
الاقتصاد وأعمدته في البنك الدولي
بأساليب الاقتراض والخصخصة غير
المبررة وفتح قنوات تتغلغل عبرها
أدوات ذلك النوع من رأس المال
المتوحش خلال مرحلة ما بعد الحرب
الباردة ومحاولات هيمنة القطب
الواحد فرض توجهاته السياسية
والاقتصادية على العالم.
لكن رئيس
الوزراء في أدائه الأخير قد انطلق
في تصريحاته وتوجهاته في معرض
تعديل حكومته وحتى برز تشكيلها
المقصود من مسببات قد لا يجد
المراقب تبريراً حقيقياً لها وان
كان البعض حاول الاجتهاد لتقصي
الأسباب والخيارات للحديث عن
المحاصصات والاعتبارات الإقليمية
والجهوية والعشائرية وحتى
العشائرية والعائلية، وإذ نتجاوز
من جانبنا عن كل ذلك فإننا نعود
إلى الأخذ بالنوايا الحسنة لنقول
باختصار بأن مثل هذا التعديل لا
يعدو أن يكون ظاهرة طبيعية تكاد
تكون مستقرة اعتاد رؤساء الحكومات
فيما مضى اللجوء إلى أشباهها في
محاولاتهم لإعادة التلميع ووضع
الرتوش والمساحيق على الصورة التي
خبت لإطالة أعمار حكوماتهم ما
أمكن عندما تدخل تلك الحكومات
مرحلة المراوحة في مواقعها طالما
أن تشكيل الحكومات أو تعديلها أو
إقالتها يتم ضمن الأسلوب التقليدي
من التصورات الذاتية التي تقتضيها
ظروف ومراحل معنية وقد تكون آنية
أو على هيئة ردود أفعال وقد لا
تكون لها علاقة بأي برامج سياسية
أو اقتصادية أو اجتماعية معروفة
أو واضحة المعالم أو أنها تدخل في
مساقات وعمليات المواجهة أو
التصور لأي تطوير منشود شعبياً،
فكان هذا الحال منذ تأسيس الدولة
والى يومنا هذا مما ترتب عليه
توقف عمليات الإصلاح السياسي
والاقتصادي وفي أحسن الظروف
استمرار المراوحة أو التذبذب دون
الولوج الفعلي في عمق القضايا
الأساسية للمجتمع لمعالجتها بما
في ذلك المقولات المستمرة عن
الإصلاح التي يتجنب جميع من تولوا
المسؤولية التماس الفعلي معها
خشية الوقوع فيما قد يعتبر خطيئة
قاتلة ضمن دائرة العمل السياسي
الكلي.
لقد مر وقت
طويل على القول بالتحول
الديمقراطي وإجازة الأحزاب
السياسية واستحداث وزارة للتنمية
السياسية، لكن ذلك كله وبرغم ما
رافقه ويرافقه حتى اليوم من تهليل
وتهويل وتضخم للأجهزة الإدارية
والأبنية والسيارات وإقرار تخصيص
الأموال اللازمة لتمويل الأحزاب
لا يوفي بالغرض ولن يكفي لإقناع
الناس بأن الحكومات جادة في عملية
الإصلاح السياسي والتنمية
السياسية دون توفير المناخات
والشروط اللازمة لإنجاح مثل ذلك
الإصلاح؛
ولقد تقدم
حزبنا في الماضي بالكثير من
المذكرات والدراسات حول تلك
المناخات والشروط ونجد هنا وفي
هذه المرحلة ضرورة لإعادة طرحها
للبحث:-
1.
الإيمان ابتداء بالديمقراطية
حقيقة وفعلاً وبما تقتضيه من
ضرورات إعطاء الأحزاب السياسية
ومؤسسات المجتمع المدني دورها
الكامل كمؤسسات وطنية ضرورية لأي
إصلاح سياسي
أو تنمية سياسية وكذلك إشراكها في
رسم سياسات الوطن الأمر الذي
يقتضي أن يعاد النظر في كافة
التصرفات الرسمية حيال تلك
المؤسسات وإزالة كافة العوائق
التي تحد من هذا الدور بما في ذلك
تغيير الأسس الفردية والمزاجية في
تشكيل الحكومات أو تعديلها
واعتماد الشفافية لإعطاء الشعب
وممثليه وأحزابه حقهم في العملية
السياسية.
2.
إعادة
النظر في قانون الأحزاب السياسية
الأخير ومراعاة جميع
الاعتراضات والدراسات التي سبق
طرحها أو إقرارها عبر ورشات العمل
التي سبق أن جرى عقدها لهذه
الغاية خلال العقود الماضية.
3.
إعمال نصوص وروح دستور عام 1953
فيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق
الأردنيين وإعادة النظر بالقوانين
التي تعرقل أو تحد من تلك الحقوق
والحريات أو تهددها وإلغاء
الصلاحيات الأمنية والاستثنائية
أو غير المحددة أو الشبيهة
بالقوانين العرفية وقانون الدفاع
المنوطة بالحكام الإداريين وكذلك
ذلك قانون الاجتماعات العامة
وقانون الصحافة وأمثالها التي
تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان والعهد الدولي في تلك
المجالات.
4.
وعلى هدي من ذلك نقل كافة
اختصاصات وصلاحيات وزارة الداخلية
فيما يختص بالأحزاب السياسية
ومؤسسات المجتمع المدني إلى وزارة
التنمية السياسية
باعتبار إن هذا هو الوضع الأصح
خلافاً للوضع القائم والموروث منذ
ما قبل تعريب الدولة والى يومنا
هذا إذ أن مهام وزارة الداخلية في
معظم ممارساتها هي وزارة شؤون
أمنية لا علاقة لها بالتنمية
السياسية والحزبية.
5.
العمل على اللحاق بالدول المتمدنة
وأقطار أخرى من حولنا باستحداث
محكمة دستورية عليا
باعتبار ذلك مطلباً وطنياً يقتضيه
الدستور والحفاظ على قدسية نصوصه
وقد كان ذلك أيضا احد أبواب
الميثاق الوطني والخطابات الملكية
عبر حقب ماضية، لكن ذلك المطلب قد
جرى الالتفاف عليه بطرق أخرى
لاستبعاد أي رقابة قضائية على
دستورية القوانين مما أوقع الوطن
والمواطن فريسة لازمة القوانين
المؤقتة المعروفة التي كان قد جرى
تمريرها أثناء فترة حل مجلس
النواب آنذاك.
·
وليعش شعبنا حراً ووطننا عزيزاً
كريماً
·
وليعش نضاله في سبيل الوحدة
والحرية والاشتراكية |