ماذا يملك العرب والأفارقة
ليفعلوه في مواجهة المخاطر التي
تطوّق رقبة السودان؟ وما الذي
سيترتّب في النهاية عن مذكرة
الاعتقال الصادرة عن المحكمة
الجنائية الدولية بحق الرئيس
السوداني عمر حسن البشير؟ وهل
حُكم على العرب شعوبا وبعضَ قادة
أن يواجهوا منفردين أو مجتمعين
صلف الكبار وأطماعهم في أرضنا
وثرواتنا؟
كثيرة هي الشعوب التي اكتوت بنار
العدالة الدولية.. والشرعية
الدولية.. والقانون الدولي..
غير أني لا أعرف أمة كالعرب
طاردتها هذه العدالة.. ومزّقتها
هذه الشرعية.. ونكبها هذا
القانون..
اغتُصبت فلسطين تحت أنظار الشرعية
الدولية.. أكثر من هذا.. اغتُصبت
بقرار دولي سمّوه "تقسيما"،
واعتبروه رمزا للشرعية والعدالة
الدولية.
وهكذا أصبح الاغتصاب شرعيا ما دام
قد تمّ تحت أنظار "المجتمع
الدولي" وبمباركته.. ومن الطبيعي
أن تمتلك كل التداعيات الناشئة عن
قرار التقسيم الشرعية الدولية..
فأصبح الاستيلاء على القدس شرعيا،
وتهجير الفلسطينيين من أرضهم
شرعيا.. مثلما أصبح ذبح العربي
-أيّ عربي- شرعيا طالما أنه في
خدمة الشرعية!!!
في بداية تسعينيات القرن الماضي
حاصروا العراق.. واستصدروا من
مجلس الأمن الحريص على الأمن
الأمين على الشرعية الدولية عشرات
القرارات.. طبّقوها بلا استثناء..
وبمنتهى القسوة والوحشية. فكان أن
دمّروا العراق وأعادوه سنوات أو
قرونا إلى الوراء.. وفي سبيل
الحفاظ على العدالة الدولية
واحترام الشرعية منعوا كل شيء عن
شعب العراق.. حتى الدواء وحليب
الأطفال.. ومنعوا عن تلاميذ
العراق أقلام الرصاص لأنها قد
تُستخدم في صنع أسلحة دمار شامل
يهدّد بها العراق السلم
العالميّ!!!
وهكذا كانت مذبحة العراق
والعراقيين شرعية ما دامت العدالة
الدولية هي التي تطالب بها وتسهر
على تنفيذها!!!
بعد ذلك بقليل.. حاصروا ليبيا لأن
الشرعية الدولية قضت بحصارها..
ولأن العدالة اتّهمت ليبيا بتدبير
انفجار لوكربي.. ورغم عدم ثبوت
أيّ دليل فقد تسابق "المجتمع
الدولي" لتطبيق الحصار على ليبيا،
لأن العدالة عنده.. مقدّسة!!!
ولأننا نحن معشر العرب وحدنا
الخارجون على القانون، المتمرّدون
على الشرعية.. فلا بد للمتحضّرين
الساهرين على العدالة أن يسارعوا
إلى مطاردتنا في كل مكان.. ولا بد
للشرعية الدولية المتحضرة أن
تتحمل مسؤولياتها حتى وإن كشّرت
عن أنيابها.. وكشفت عن وجهها
الدميم.
ولا ضير اليوم أن تتكفل المحكمة
الجنائية الدولية بمعاقبة
المارقين على القانون.. والرئيس
السوداني عمر حسن البشير مارق..
أو آبق.. أليس هو الذي ارتكب
جرائم حرب في دارفور؟!!! أوليس هو
الذي أشرف على عمليات التعذيب
والتطهير العرقي التي طالت
السودانيين من أصول إفريقية؟!!!
وأخيرا أليس هو الذي اغتصب أو
أشرف أو أصدر الأوامر لميليشيات
الجانجويد للقيام بعمليات اغتصاب
جماعي؟!!!
نحن متأكدون اليوم - بل قبل
اليوم- أن التهم التي حرصت
المحكمة على صياغتها وادعاء
ثبوتها ليست سوى محاولة لابتزاز
السودان ونهب ثرواته وتعطيل مسيرة
التنمية والسلام فيه تمهيدا
لإضعافه وتقسيمه. وإلى ذلك فنحن
ندرك أن مذكرة اعتقال الرئيس
السوداني لن يقع تجميدها، بل
سيعمل مجلس الأمن في إطار توزيع
المهام بين المؤسسات الدولية
الحريصة على الشرعية والعدالة على
استصدار قرارات مؤلمة بحق
السودان.. وها هي جماعات الضغط
الصهيونية في الولايات المتحدة
تحرّض الإدارة الأمريكية على
اعتماد الخيار العسكري في التعاطي
مع الخرطوم. وها هي المنظمات
الصهيونية تواصل شنّ حملة منظمة
تروّج في وسائل الإعلام الأمريكية
وأروقة الكونجرس لفظائع وجرائم
حرب في دارفور.. وها هو الإعلام
الأميركي يكشف عن احتمال فرض
منطقة حظر جوي فوق إقليم دارفور
السوداني.
عندما تتحرك الشرعية الدولية
بأوامر من السفاحين في فلسطين
والعراق وأفغانستان وغيرها.. ندرك
أنها شرعية مزيّفة.. وعدالة
عرجاء. ومن حقنا وقتها أن نعلن
صراحة ودون تردّد أننا ضد الشرعية
الدولية.. وضد العدالة الدولية.
|