مع بداية العدوان علي غزة في أخر
أيام العام من كانون أول / ديسمبر
2008 يكون قد مرثلاثون عاماً علي
زيارة الرئيس المصري أنور السادات
الي القدس، ففي العشرون من شهر
نوفمبر 1977وقف أول وآخر رئيس
عربي أمام الكنيست الإسرائيلي
ليعلن من علي منصته رغبته في سلام
دائم مع العدو الصهيوني في حين
أنه منذ أقل من أربع سنوات على
ذلك الحدث كانت الحرب مشتعلة بين
البلدين، وصوت الثأر والكرامة لا
يعلوه صوت ونار الإنتقام تتأجج في
الصدور، فماذا حدث في أربع سنوات
لتتبدل الأحوال ، لاسيما أن
الصراع العربي الإسرائيلي قد مر
عليه أكثر من خمسة وعشرون عاما
ومنذ تلك الزيارة إنقسم الرأي
العام العربي ولا يزال إزاء هذه
الزيارة ، البعض نظر إليها على
أنها شق للصف العربي وخذلان
لرفقاء الحرب وطعن في ظهر أشقاء
ساندوا مصر في حرب 1973 بالعتاد
الحربي والمال وسلاح البترول في
حين نظر إليها البعض الآخر على
أنها بُعد نظروتفكير سابق للعصر،
وقراءة واعية لخريطة القوى بعد
هزيمة 1967 وبعد عوامل الضعف التي
بدأت تنخر في جسد الحليف الروسي،
وبعد التوصل إلى قناعة أكدتها حرب
1973 مفادها إستحالة تحقيق نصر
عسكري حاسم على إسرائيل بسبب
قوتها لا سيما النووية منها، فضلا
عن الدعم الأميركي السياسي
والعسكري والمالي اللامحدود ومنهم
من أعتبر السادات بطلاُ قومياً
والبعض الآخر أعتبر بان ماقام به
السادات كان زلة لسان أعلنها أمام
مجلس الشعب المصري ولم يستطع
الرجوع عنها وكتب في ذلك كثيرمن
المفكرين والكتاب القوميين
المصريين والعرب وكذلك بعض
الوزراء مثل "بطرس غالي " وزير
الدولة للشئون الخارجية آنذاك
و"إسماعيل فهمي" وزير الخارجية
المصري ممن عاشوا هذا الحدث
وعبروا عن هذه الزيارة وما أعقبها
بعد ذلك " باتفاقية كامب ديفيد
"في الخامس من أيلول / سبتمبر
1978فهل كان السادات فعلا باعلانه
الزيارة الي إسرائيل أمام مجلس
الشعب المصري خروجا علي النص
المكتوب له وجاء وليد إنفعال لحظي
وأن ما جاء علي لسانه هو فعلا زلة
لسان وأنه ذهب منفرداً دون أن
يحمل معه ورقة واحدة تحدد له مسار
التفاوض او ترسم له او لغيره آي
خطوط حمراء ولذا نقول نحن لا نتفق
مع من يقول أنها وليدة إنفعال او
زلة لسان لان الرئيس السادات كان
يعتقد في ذلك الوقت بان الصلح مع
الصهاينة كفيل بتحقيق وحل المشاكل
الأقتصادية والأمنية والداخلية
التي حاصرت مصر بعد الحرب وثورة
الإنفتاح الإستهلاكي والأقتصادي
التي أعلنها السادات في تلك
الفترة وبعودة سيناء الي السيادة
المصرية كما كان يعتقد السادات
ستنجو مصر بنفسها بعيداً عن
الصراع العربي الإسرائيلي وذلك عن
طريق الإعتراف بالكيان كدولة ،
إلا أن السادات وقع في ذات الخطأ
الذي وقعت فيه معظم الدول العربية
التي حاولت او كانت تهرب من
الإلتزام بقرارات القمم العربية ،
وميثاق الجامعة العربية ،
والتضامن العربي ،
وتنأي بنفسها عن المواجهة مع
إسرائيل و منهم من هاجم المنحي
المصري في عرض السلام علي الكيان
الصهيوني وكانت هذه هي طبيعة
القادة العرب في ذلك الوقت مع عدم
رغبتهم او استعدادهم في الوقت
نفسه من إستمرار او مواجهة العدو
الصهيوني والكفاح من أجل فلسطين
هكذا كانوا يفكرون او بعضهم وهذا
ما كان يدور في عقل السادات بعد
أن حقق نصراً علي العدو في عام
1973 وكان يخشي من ضياع هذا النصر
الذي أعطاه بعداً تاريخياً هاماً
لشخصه ولمصر فكان أكثر جرأة من
باقي الحكام الذين لديهم إتصالات
سرية مع الكيان الصهيوني وبالقطع
فان أمرإعلان السادات عن إقدامه
علي زيارة إسرائيل لم يكن وليد
مصادفة وإنما كان وليد ترتيب
وإعداد جيد ومدروس وبداية لطريق
أتفق عليه السادات والكيان
الإسرائيلي وأنتظر الجانبان فقط
الحبكة الشكلية التي يخرج عليها
هذا الموضوع علي الشعب العربي حتي
لا يكون الأمر معرضا للسخرية من
جانب اليهود او من جانب العرب لان
السادات لم يكن يهذئ والدليل علي
ذلك ما قاله السادات بانه " أتخذ
هذا القرار بعد تفكير طويل وأنه
يعلم مخاطره وأن أمانة المسئولية
تعرض علي أن أذهب الي آخر مكان في
العالم " وهكذا بمنتهي البساطه
فقدت الأمة العربية دائرة إرتكاز
التضامن العربي في وجه إسرائيل
تاركة ورائها شتاتاً من العرب لم
يسبق لهم الإتفاق علي شئ حتي
فاجأت مصر بموقفها الأمة العربية
وكانت صفعة كبيرة في وجه ميثاق
التضامن العربي ، وأصبحت هذه
الزيارة تمثل بداية النهاية
للصراع العربي الإسرائيلي ، وسقطت
كل الأقنعة العربية ،
فقد كانت هذه هي رؤية الرئيس
السادات في زيارته لإسرائيل
وبداية لعهد جديد من السلام المر
مع الكيان الصهيوني مخالفاً بذلك
كل الرؤي القومية و العربية
والأسلامية السابقة التي كانت
تدعو للكفاح من أجل فلسطين والأمة
العربية فالسادات لم يستشر أحد من
زعماء الأمة ولا من أصحاب القرار
في مصر ، ولكن باقدام السادات علي
عقد هذا الصلح المنفرد مع الكيان
الصهيوني هل أمنت الأمة غدر
ومؤامرات الصهاينة ؟ وهل أقتنع
العرب باتفاقهم مع الصهاينة بانهم
ضمنوا بان تعيش الأجيال القادمة
بعيداً عن مؤامراتهم وكيدهم ؟
بالطبع لا وأن خير دليل علي ذلك
الإعتداءات المستمرة من العدو
الصهيوني علي الأمة العربية كل
يوم منذ هذه الزيارة والدخول في
إتفاقيات التطبيع و أخر هذه
الإعتداءات الوحشية هي علي أبناء
شعبنا الفلسطيني في غزة وقصف
الحدود المصرية بالصواريخ
والطائرات وقتل الكثيرمن الجنود
المصريين علي حدودنا المصرية دون
الإكتراث باي سلام او مواثيق لان
الصهيونية العالمية والتي تشغل
إسرائيل رأسها لازالت موجودة في
كيانهم العنصري وأن المستفيد
الوحيد من هذا السلام او هذا
التطبيع هو الكيان ذاته لان العرب
لم يجنوا من هذا الصلح إلا زعزعة
وإستقرار التضامن العربي والتي
تحطمت علي صخرتها المبادئ
الإسلامية و القومية وفتحت أبواب
جهنم علي الأمة العربية وقسمت
الأمة الي فرادي وفرقاء أمام
مؤامراتهم الإستعمارية التي لم
تكل ولم تهدأ وأستطاع هذا الكيان
الصهيوني مع الرجعية العربية
السير خلف النهج الإستعماري
الشرقي والغربي وإقتناصه صلحا
وإعترافا به كدولة عنصرية أقيُمت
علي التراب الوطني الفلسطيني
وإسقاط الثوابت التاريخية علي أرض
فلسطين العربية بالرغم أن هذا
الصلح كان منفرداً مع جزء من
الأمة العربية إلا أنها حصلت علي
أكبر نجاح لها منذ نشأتها عام
1948 وبخروج مصر من المواجهة مع
الإعتراف بهذا الكيان كدولة آدي
الي إنهيار التضامن العربي وعلي
إثرذلك إنهارت الأسس القومية
والأسلامية التي أعتمدت عليها مصر
في الحفاظ علي التضامن العربي
وهكذا تركت مصر باقي الدول
بمفردهم في مواجهة الكيان
الصهيوني مُحدثة تغييراً في منهج
السياسات العربية وغيرت الثوابت
التاريخية للأمة العربية
وعجزالعرب عن الوقوف ضد الأطماع
الإسرائيلية التوسعية وبذلك تكون
إستطاعت أن تُبعد مصر عن الساحة
العربية وأن تضرب التضامن العربي
،
وأن تتدخل في كل الصراعات
الموجودة في المنطقة وقامت بتحييد
الدور المصري عن مساره العربي
القومي والأسلامي تجاه الشعب
الفلسطيني هذا الإبعاد الذي كان
بمثابة الزلزال الذي تعرضت له
الأمة العربية وقلبت فيها كل
الموازين الي الدرجة التي التزمت
فيها بموجب هذا الصلح بالحفاظ علي
أمن إسرائيل وعلي حدودها وبالقطع
يتعارض ذلك مع إلتزام مصر في رد
العدوان عن الشعب الفلسطيني ، أما
الإدعاء بان التطبيع مع الصهاينة
سيجعل السلام يحل بالمنطقة هو
مجرد حديث يفتقد المصداقية
والمنطق وأن النهج السياسي
الصهيوني يؤكد أن اليهود يحققون
بالسلام والتطبيع أكثر ما يحققونه
بالحرب وأنهم يلجأون للسلام إذا
وجدوه أكثر فائدة لهم من الحرب من
حيث إضعافنا وتفتيتنا وكسر شوكتنا
وعندما يتاكدون من ذلك يلجأون
للحرب، أما اليوم فقد إنضمت أغلب
الدول العربية إلى الركاب
الأمريكي، وبدأت تنادي بالتصالح
مع العدو الصهيوني، حتى أن أكثر
من دولة أقامت معاهدات سلام مع
الكيان الغاصب، وإفتتحت سفارات
لها في فلسطين المحتلة، وأقامت في
بلدانها سفارات صهيونية أومراكز
تجارية للتعاون مع العدوولم تكتفِ
بعض الدول بذلك، بل ها هي تضغط
على حركات المقاومة الفلسطينية
لإلقاء سلاحها والإعتراف بكيان
العدو، وأكثر من ذلك أن بعض هذه
الدول تتعاون مع أمريكا والكيان
الصهيوني بغية القضاء على حركات
المقاومة والجهاد في فلسطين تحت
عنوان أمريكي ـ صهيوني، ألا وهو
عنوان الحرب على الإرهاب كما يحدث
اليوم مع حركات المقاومة في كل من
العراق ولبنان وفلسطين فهل عرف
العالم لماذا نحن وقفنا عاجزون
أمام العدوان الصهيوني علي الشعب
الفلسطيني في غزة ! لان هذا هو
ثمن الحصاد المر للسلام مع
إسرائيل الذي نتجرعه كالسُم كل
يوم . |