ان التحدث اليوم عن الثورية في
نظر الكثيرين اصبح من الماضي
الجميل ولدى الاخرين ضربا من
الاحلام لايمكن ان يعاد ولا حتى
التفكير به وان التغيير الثوري
اصبح اليوم مقولة كلاسيكية قدترد
في الادبيات السياسية ولكنها لا
يتعامل معها أو ترد في
ستراتيجيتها أو حتى في مجموعة
تكتيكاتها وتقريبا اضمحلت حتى في
ادبيات الاحزاب الراديكالية،
واصبح الارتزاق في العمل السياسي
هو الصفة الملازمة لاستراتيجيات
الكثير من هذه الاحزاب وحتى بين
تلك التي كانت تدين بالماركسية,بل
وضعت في ستراتيجيتها المعنية
بتوسيع القاعدة الجماهيرية
لاحزابها ان تساير قوى السلطة أو
الراسمال وبتقية اسمتها ضرورات
المرحلة أو التعامل مع الواقع.ان
ثورية الاحزاب اتسمت بسلوكين
(الاول) هوالاندفاع نحو الامام
والمستقبل وبصيغة حرق المراحل
وبروح الاندفاعات والانفعالات
وهذا يدفع بالثورة واحزابها نحو
التمدد لتغطية المساحات الكبيرة
من الطموحات وهذا بالتاكيد يجبر
الحركات التي تقود الثورة ان توسع
من قاعدة الجماهيرية وبدون مراعاة
الكسب النوعي , هذا من جانب ومن
جانب اخر سيسب هذا التمدد من
التوسع في جبهة المواجهات الامر
الذي يؤدي الىان الثورات تتلقى و
بقوةالصدمات الناجمة عن استباقها
لزمنها, فبعد لحظات تجذرها
القصيرة والتي لا تمتد اكثر من
زمن قصيرلا يتعدى زمن تكتيكي
فتتلاحق التراجعات، والعودات إلى
الماضي لتسجهل هدما في طموحات
جماهيرها. و هذا النوع من الثورات
تعاني من صعوبات كبيرة دائماً، في
الاستقرار (كاستغراق استقرار
الثورة الفرنسية قرناً كاملاً)
وكذلك في ضياع في اهدافها
المعلنة.
(الثاني) الاكتفاء بالاستجابة
لمتطلبات المرحلة التي تعيشها
الحركة أو الحزب الثوري, وتكتفي
بعملية انتشار النظام بشكل هادئ و
متدرج في التغيرومكتفية بتسجيل
موجبات العلاقات السياسية و
الاقتصادية و الاجتماعيةفي النظام
القائم , وافعال التغير لا تتعدى
الاصلاحات و الترميمات في حياة
المجتمع ولا تتعدى ردود الافعال
تنفيذ سياسات مرحلية وضيقة.
وامام هذه الاشكال من تراجعات
تسجلها الحركة الثورية في العالم
وتطور الأوضاع في العالم
الاشتراكي (السابق) و بسبب
الثغرات في تطوير الفكر الاشتراكي
لاستيعاب المتغيرات الجديدة و
التي ابتعدت كثيرا عن الثوابت
الاشتراكية واختلفت كثيرا عن بيئة
الانطلاقة الاولى و بالرغم من ذلك
لم يحاول اصحاب هذا الفكر و النهج
من التكيف و ملاحقة التغيرات
بنفس الوقت كان هنالك تمدد و زحفا
من قبل المعسكر الرأسمال باتجاه
تحقيق تلائمات و تكيفات وقتية لان
النهج الرأسمال يقوم على
البراجماتية التي ليس فيها اي
ثوابت فكرية مما يعطيه الواقع من
فوائد يكون هو الفكر المعتمد
وباجتماع هذا مع العوامل التي
قلناها تسبب في سقوط و انهيار
المعسكر الاشتراكي الذي اضر بشكل
أو اخر كل الحركات الثورية و خاصة
في دول العالم الثالث و دول
أمريكا اللاتينية..
ولكن امام كل هذه التغيرات و
التراجعات للتيارات اليسارية
,تبقى حركات التحرر الوطني و التي
هي شكل اخر من اشكال الحركات
الثورية والتي لم يلقها الاذى
المباشر نتيجة لانهيار المعسكر
الاشتراكي بالرغم من انه كان سند
قويا لها,وبقت هذه الثورات صامدة
في العراق و كوبا و فيتنام ,فكوبا
هي بالاساس محاصرة فتأثيرها خارج
كوبا محدود, وفينتام مشغولة
بمداوات اقتصادها المتعثر وبسبب
ما خلفته حرب طويلة مع الولاياة
المتحدة وبحكم منطق الثورة ان
الثورة الفيتنامية فقدت لابريقها
الثوري في هذا الانطواء, واما
العراق الذي بالرغم كل محاولات
الاحتواء سواء بمشاغلته بحرب دامت
8سنوات او شن عليه حربا كونية في
1991اوفرض عليه حصار دام 13 سنة ,
وكل ذلك لم يجعل ثورة العراق ان
تبقى في اشعاعها ضمن حدود العراق
,وعندما بدء العراق يتحول الى قوة
اقليمية بعد ثورة 17-30 تموز
وخاصة بعد الانتصار الكبير على
العنجهية الايرانية في 1988, فكان
لابد ان يدخل الاستعمار وبكل ثقله
لاعادة الموازنة لصالحه وكان ذلك
في غزوه و ازاحة النظام الشرعي في
العراق اي عام 2003 وبمؤامرة
دولية وعربية ,قادتها الامبريالية
العالمية و ساندتها الرجعية
العربية.
أي في الخلاصة التي تهمنا بالدرجة
الاولى هي حركة التحرر الوطني في
اسيا وافريقيا و امريكا اللاتينية
والتي تكون حركة الثورة العربية
جزء منها, اقول انها اصطدمت
بالتوسع الامبريالي والذي اعتبر
التهامها حاصل تحصيل ،و لكن الذي
حصل انها دخلت في نزاع مفتوح مع
النظام الإمبريالي، مثلما اصطدمت
الثورات التي قامت باسم
الاشتراكية، بمقتضيات اللحاق
وتحويل العلاقات الاجتماعية في
صالح الطبقات الشعبية. على
المستوى ا هذا كانت بعض من هذه
الأنظمة تتسم في مرحلة ما بعد
الثورية بانها أقل جذرية من
الأنظمة الشيوعية. ولهذا السبب
أطلق على الأنظمة الأولى صفة
(الوطنية ـ الشعبوية) ولكن البعض
الاخر و الذي اتسمت تجربتهما
بمواجهة الفكر الراسمالي و دوله
الامبريالية العالميةو بعنف ثوري
وتضادي في الفكر والسلوك, و الذي
شكل مصدر قلق وليتطور هذا القلق
الى تهديد كما في تجربتي العراق و
كوبا .
مع ذلك استوحت بعض هذه الأنظمة
(الوطنية) أشكالاً من التنظيم
يتوافق مع الخصوصيات الوطنية
إلاَّ أنها أذابت فاعلية هذه
الأشكال بخياراتها الأيديولوجية
المشوشة والتسويات التي ارتضتها
مع الماضي وفي بعض المواقف اصابها
عدم الاتزان من فقدانها للدعم
السوفياتي والغطاء السياسي لها
فكان تحولها في بعض المواقف
الثورية الى المواقف الواقعية
السياسية ومدارات الاطماع
الامبريالية العالمية .
إلاَّ أن اهدافها ظلّتَ ملتبسة
ومشوشةً السؤال يبقى هل هو تحرر
وطني من الإمبريالية والإبقاء على
الكثير، و على الأساس من العلاقات
الاجتماعية الخاصة بالحداثة
الرأسمالية، أم أكثر من ذلك؟
وظلَّ التحدي نفسه اللحاقأو صناعة
شيء آخر أكان ذلك متعلقاً
بالثورات الجذرية في الصين
وفيتنام وكوبا، أو غير الجذرية في
مناطق أخرى من آسيا وأفريقيا
وأميركا اللاتينية. وان هذه
الضبابية افقدت هذه الانظمة
الكثير من الفرص في الاستمرار
بمواقفها المعادية للامبريالية
مثل النظام الليبي والجزائري.
واما النظام الثوري في عراق البعث
فقد استمر في ثوريته التي حملتها
ايدلوجيته العربية ولم يغير في
هذا النهج الثوري وبالرغم كل
الانقلابات التي حدثت على صعيد
الايدلوجيات او على صعيد الانظمة
,و لسببين الاول ان الفكر العربي
الثوري مستمد من تاريخ الامة
وكذلك من حاضر الامة ايظا ,فتاريخ
الامة لم يتأثر بالتغيرات و
الانقلابات الفكرية والانظمة
الديمقراطية. واما الحاضر فهو
الحاضر العربي والذي في فراق عن
تارخ الامة والمطلوب التزواج ولكن
بعقد حضاري وهذا ما تشهده مسيرة
البعث الخالد في نضاله المستمر
وهو يقود نظاما ثوريا حقيقيا ودخل
المعركة بقوة ايدلوجيته وتمثيله
لجماهير الامة العربية. |