لم يشهد تاريخ المجتمعات إلا
فترات قليلة من المصالحة الطبقية
,رغم إن ذلك لا يعني إن هذا
الصراع يتصف بالعنف أو الدموية
دائما بل هو صراع داخل المجتمع
مستمر ومستتر قد لا تراه ولكنك
تشعر به وتشاهد نتائجه من خلال
التفاعلات والصراع بين الطبقات أو
الأفراد أو المؤسسات السياسية ومن
ضمنها صراع الأحزاب والحركات
السياسية فيما بينها وعلى أشكال
وصيغ متعددة ..ولا بد قبل الولوج
في تحليل هذه المسالة من توضيح
وتمهيد للموضوع, قبل التطرق إلى
علاقته بالمقاومة وتحديدا بحزب
البعث قائد المقاومة ,وهل إن
إثارة مثل هذه الأمور صحيحة
ومناسبة في هذا الوقت الذي هو
أحوج ما تكون المقاومة فيه إلى ما
يسمى بالتحالف الطبقي وليس إلى
الصراع الطبقي لان النضال والجهاد
ضد المحتل يحتاج إلى تعبئة أفراد
المجتمع جميعا ولا يقتصر على
إفراد أو فئات محددة,وربما
التعرض لهذا الموضوع وبهذا الشكل
أو الطريقة تثير بعض البعثيين
والذين يتصورون إن مثل هذا الطرح
هو تحليل ماركسي وليس بعثي وهذا
متأت من ضعف الثقافة والفهم لفكر
الحزب لديهم ,وكذلك إثارة البعض
الآخر الذين يتصورون إن الوقت غير
مناسب لإثارة مثل هذه المواضيع
وان إثارتها ما هو إلا
سفسطة,وربما إنهم على حق ولكننا
ملزمون بطرح ما نؤمن به ونتصور
انه صحيح وان هذا الوقت مناسب جدا
لطرح مثل هذه المواضيع لأنها تعبر
عن حقائق يجب عدم تجاهلها.
إن حزب البعث ليس حزب طبقي
كالأحزاب الشيوعية بل هو حزب
جماهيري يمثل العمال والفلاحين
والمثقفين والعسكريين ,وبتعبير
آخر إن حزب البعث يمثل مصالح
الطبقة العاملة ( والفلاحين )
والبرجوازية الصغيرة ,وكذلك إن
حزب البعث هو حزب قومي ,والمعروف
إن النضال القومي وكذلك (الجهاد
ضد المحتل) أو النضال الوطني
يعتمد على التحالف الطبقي وليس
على الصراع الطبقي مما قد يوصلنا
في النهاية إلى تناقض فكري أو
نظري على اقل تقدير ضمن مفاهيم
البعض وتحديدا حسب المفهوم
الماركسي وذلك لان هنالك تناقض
بين الإيمان بالصراع الطبقي وبين
الإيمان بالتحالف الطبقي,حيث لا
يمكن أن تؤمن بالاثنين في آن واحد
لأنهما متناقضان إن هذا الموضوع
ليس جديد بل يتجدد مع كل مرة يدخل
الحزب فيها في مرحلة النضال
الوطني ,لماذا لان هذه المرحلة
,أي مرحلة النضال الوطني وحاليا
(الجهاد ضد المحتل) تفرز المجاهد
الحقيقي عن مستغلي الجهاد والذين
ينتظرون نجاح المجاهد لكي يسرقوه
منه بعد أن سمنوا في ظل حكم الحزب
بل وأصبح ما يربطهم به الاسم فقط
حيث إن المجالات التي أتيحت لهم
والتي أتاحت لهم التملك والانتقال
من طبقاتهم إلى طبقات أعلى ماديا
جعلت منهم منتمون إلى تلك الطبقات
فكرا وسلوكا وقد حاولوا في إخفاء
هذا الانتماء الجديد ولكن مرحلة
ما بعد الاحتلال قد كشفت الأغلبية
منهم عندما تنكروا للحزب علنا
وسلوكا وبقي من يحاول إخفاء ذلك
طمعا في استغلال فرصة ثانية قادمة
دون أن يساهم بها,علما بان مسالة
التناقض بين الصراع الطبقي
والتحالف الطبقي قد واجه الحزب
ومفكريه عند الربط الجدلي ما بين
اهدافه, وبالذات ما بين الوحدة
والحرية والاشتراكية .. من اجل
نقل الأفكار إلى واقع العراق
الحالي ,لا بد من التطرق إلى
توضيح مفهومين هما الانحدار
القومي والانتماء القومي أولا ثم
الانحدار الطبقي والانتماء
الطبقي.
يكتسب الإنسان انحداره القومي
عندما يخلق أي انه غير مسئول عنه
,لأنه مرتبط بالنسب ,ولكنه يكون
مسئول في الكبر عن كيفية التعاطي
مع هذا الانحدار , كيف ولماذا ؟
من المعروف إن النظرة إلى القومية
يختلف من شخص لآخر وانعكس هذا
الاختلاف ليصبح مجالا واسعا
للمفكرين لاغناء الفكر الإنساني
بعدة نظريات حول ذلك وصلت لحد
التضاد بينها فالفكر الماركسي لا
يؤمن بالقومية ويعتبرها مرحلة
برجوازية, في حين إن الفكر
الفاشستي والنازي يؤمن وبتعصب
وتطرف بالقومية مما يجعل القومية
التي ينحدرون منها أعلى مرتبة من
بقية القوميات مما يفرض ممارسات
عنصرية تجاه القوميات الأخرى
,أما نظرة الحزب للقومية فهي
نظرة إنسانية تعتبر القومية
العربية لها الحق في الوجود
والوحدة مثل بقية القوميات وان كل
القوميات متساوية في التعبير عن
نفسها وثقافتها وترفض التمايز
والتسلط القومي,مما يفرض المشاركة
الوطنية والتآخي ,أي إن الانتماء
هو عبارة عن الإيمان بالفكر
القومي وممارسة متطلبات هذا
الإيمان ,أي ربما تكون عربيا نسبا
ولكنك لا تؤمن بالقومية العربية
فكرا أو ممارسة وهذا يعني انك
منحدر من القومية العربية ولكن
غير منتمي إليها وهذا ما نراه
اليوم من اغلب الأحزاب التي تدعي
بالإسلامية (بعد أن اضمحلت
الأحزاب الشيوعية )وبالتالي لا
يمكن أن تكون منتميا إلى القومية
العربية بل منحدر من السلالة
العربية,ويستندون في ذلك إلى ( لا
فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى
)وحسب تفسيرهم أنها تعني إلغاء
الدور القومي والعروبي أي عدم
الاعتراف بالفكر القومي بمفهومهم
وكأن الفكر القومي يريد إلغاء
بقية القوميات أو انه أعلى منها
مرتبة وخاصة الإسلامية منها وقد
نسوا هؤلاء الحديث النبوي الشريف
(خيركم في الجاهلية خيركم في
الإسلام )و(إنما بعثت لأتمم مكارم
الأخلاق ) وقوله تعالى (إنا
جعلناه قرءانا عربيا لعلكم تعقلون
)وغيرها مما يوضح إن الإسلام لم
يلغ أخلاقيات العرب آي لم يلغ
الفكر القومي وإنما هذبه وكذلك لم
يلغ القومية الفارسية ولا الفكر
الفارسي المتماشي مع الإسلام أو
الصيني أو غيره.
ومن المستغرب بعد الاحتلال
قيام بعض العناصر التي تدعي
الانتماء الشيعي بحملة ضد البعث
لأنه حزب قومي ,والأصح حملة ضد
القومية العربية والمقصود البعث
,وقد نسوا هؤلاء إن الفكر السياسي
الشيعي وبالذات مرتكز نظرية
الإمامة يستند إلى النسب العربي
لان نظام الأئمة ينص على الوصية
إلى الابن أي اعتماد وصيتهم على
النسب ولا يمكن أن تكون هناك
نظرية للإمامة في حالة عدم
الاعتراف بالنسب القومي العربي
وبالتالي فان من يحارب أو يعادي
العروبة أو الفكر العربي لا يمكن
أن يكون شيعيا لان في ذلك تناقض
جوهري وأساسي, لأنه يحارب النسب
القومي ولا يعترف به ,ولذلك ترى
تمسك ألشيعه بالقومية والنسب
العربي تاريخيا ربما أكثر من
غيرهم مما يوضح تفاهة من يدعون
تشيع آخر زمان ومدى ضحكهم على
بسطاء الشيعة عندما يحاربون
القومية والفكر القومي وكل ذلك
لمحاربة البعث أولا وخدمة للفرس
الصفويون الجدد ثانيا ومعها تقديم
خدمة مجانية لكل أعداء العروبة
والبعث وباسم الدين الإسلامي
ليلتقوا مع تفاهة إسلامي السنة
عملاء المحتل .
إن هذا الفرق بين الانحدار
والانتماء القومي ,هو نفسه ينطبق
على الانحدار والانتماء الطبقي في
المجتمع مع فارق تتصف به القومية
وهو النسب وعليه لا يمكن للفرد أن
يغير قوميته ولكنه يستطيع تغيير
دينه أو طبقته الاجتماعية.أي إن
عملية الانتقال بين الطبقات ممكنه
ولكنها غير ممكنة بين القوميات.
إن الذي يحدد الانحدار الطبقي
لأي فرد هو مقدار ما يملكه ولكن
ما يحدد الانتماء الطبقي لهذا
الفرد هو الفكر الذي يؤمن به
والذي يمثل مصالح الطبقة التي
يعتقد إنها على صواب ,أي ليس
بالضرورة أن تكون نفس الطبقة التي
ينحدر منها ,فكثير من الأفراد
ورغم إمكانياتهم المادية التي
تجعلهم ينحدرون إلى الطبقة
البرجوازية الكبيرة إلا إنهم
مؤمنون بالفكر الثوري وقد ترى
العكس في الطبقة العاملة ,إلا إن
ذلك ليس بقياس عام ,صحيح إن عدد
كبير من أفراد الطبقات المسحوقة
يسعون لتغيير أوضاعهم الاجتماعية
من خلال محاولة امتلاك المادة
التي تساعدهم في ذلك إلا إن من
ينجحون قليلون وكل ذلك مشروع,
إننا ليس ضد رفع مستوى المعيشة
للمناضلين أثناء فترة حكم الحزب
ولكننا ضد الترف المادي الذي يؤدي
إلى خسارة الرفاق رغم إيماننا بان
من كان مؤمن حقيقي لا يمكن أن
ينزلق إلى أن يفقد إيمانه بالفكر
وبالتالي يمارس دور الخائن
والانتهازي الذي يتحين الفرص
,وهنا لابد من الإشارة إلى إن
الإيمان بفكر الحزب مطلوب بل
وأساسي ولكنه غير كاف حيث يجب أن
يرافقه التثقيف والفهم لهذا الفكر
,أي إن الثقافة والفهم لفكر
ومبادئ الحزب هي عملية تحصين
للمناضل,ولكن كيف يمكن تثقيف
المقاتلين في مرحلة النضال الوطني
وفي ظل ظروف العمل السري الحالية
والتي لا تتيح للكثير من قراءة
نشرة بيان للقيادة وليس بناء
ثقافي متكامل للفرد وهل إن مثل
هؤلاء يستطيعون الصمود أمام
العناصر الانتهازية والوصولية ذات
الإمكانيات الثقافية العالية
والتي سيتاح لها التسلق مستقبلا
بعد أن تبرد حرارة النضال وتصبح
الثقافة أهم من الماضي النضالي
والجهادي عند التقييم ,أن ما
نذكره ليس تنظيرا بل حقيقة عاشها
الجميع ,ونحن نذكرها خوفا من
تكرارها, إن الكثير من المقاتلين
والمجاهدين وبسبب ظروف الجهاد لم
تساعدهم ظروف الجهاد على إكمال
مسيرتهم الدراسية إضافة إلى عدم
توفر المجال ولا الوقت للتثقيف
الذاتي وطبعا لا يوجد مجال
للثقافة العامة إن ذلك كله من
اجل توضيح أسباب عزوف البعض من
المستفيدين من حكم الحزب من
الاستمرار في النضال وخاصة عندما
يجدوا البعض من كتابنا من يبرر
عملهم بل ويعتبرهم قد أدوا الواجب
أثناء فترة حكم الحزب وقد آن
الأوان لهم أن يرتاحوا من النضال
وانقل نص ما كتب وفي موقع شبكة
المنصور (وحينما جاء الغزو وجه
ضربات متطرفة في قسوتها للبعثيين
فكان طبيعيا أن يشعر البعض بالتعب
والحاجة للراحة أو ترك الجهاد
والعمل)
وهل من الطبيعي أن يتعب فلان
وعلان ولا يتعب شيخ المجاهدين رغم
مرضه وكبر سنه , والبعض الآخر
يبرر بقائه في الخارج لأنه معروف
ومشهور وبالتالي لا يستطيع
الاختفاء وأقول من منكم معروف
ومطلوب أكثر من شيخ المجاهدين
وبقية قيادة الجهاد وهنا أتساءل؟
من من هؤلاء الذين تعبوا من
الفقراء أليس جميعهم مرتاحون
ماديا ,أليس اغلبهم كانوا من ذوي
المناصب ,لماذا بقي الرفاق
الفقراء يجاهدون ولم يتعبوا أو
يملوا,رب من يتهمني بالتحيز
للفقراء وللمجاهدين البسطاء في
ارض المعركة ,ومتحامل على الرفاق
المهاجرين أقول نعم وافخر باني
أدافع عن الفقراء لأنهم مادة
الحزب وغايته ,وضد كل من لا وفاء
له , ما هي أعذارهم بعد أكثر من
خمسة سنوات وانتهاء الطائفية
وغيرها كذلك لا ننسى من لم
يهاجروا لسبب أو لآخر ولكنهم بقوا
يتفرجون بانتظار نهاية المعركة
ليحددوا إلى أي جانب سيكونون أو
على أدنى تقدير انتظار انتصار
الحزب ليعودوا إلى صفوفه رغم
قناعتي إن هؤلاء لن يضيفوا إلا
زيادة في العدد الرقمي غير
المؤثر, وهؤلاء هم برجوازية
السلطة ,إننا نكتب ذلك لإيماننا
بان يوم النصر قاب قوسين أو أدنى
وبالتالي يجب علينا قطع الطريق
أمام متسكع المقاهي الدمشقية من
الوثوب مرة ثانية وانه لنصر قريب
إن شاء الله .
|