لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ولكنه خلق معه النفس الأمارة
بالسوء ,فألهمها فجورها وتقواها ,وأقذر أنواع الفجور هو النفاق وقد خص
الله سبحانه وتعالى المنافقين بأكثر من آية ,وكلها تتحدث عن هؤلاء و
ضمن مراحل نمو الإسلام ابتداء من الدعوة ,ومرورا بظهور الإسلام
والإشهار وتحقيق النصر على المشركين ومن ثم إكمال الدين ,وبعد ذلك
الردة وحروبها ومن ثم الفتوحات الإسلامية وبناء الدولة الإسلامية ,في
كل هذه المراحل كان للمنافقين ادوار وأشكال حسب طبيعة المرحلة .إن
التعريف المبسط للمنافق هو الشخص الذي يدعي ما لا يؤمن به قولا أو عملا
,ولم يشهد التاريخ الإنساني صفة مستشرية أكثر من النفاق حيث إن هذه
الصفة تفرض وجود صفات مكملة ومتناسقة مع هذه الصفة لكي يتمكن صاحبها من
تأطيرها أو إخفائها مثل الكذب والتملق وغيرها من الصفات القبيحة ,حيث
لا يمكن أن يكون المنافق شجاعا مثلا لان الشجاعة تفرض الاجهار بالقول
والعمل وتفرض الصدق و و وبالتالي فان كل الصفات الحميدة لا يمكن أن
تجتمع مع صفة النفاق ,ولو عدنا إلى أوائل الإسلام للاحظنا إن النفاق لم
يظهر في المجتمع الإسلامي في مكة عند ظهور الإسلام بل ظهر في المدينة
بعد الهجرة النبوية الطاهرة ,أي لا مكان للنفاق عندما يتطلب الأمر
منتهى الإيمان و التضحية والإيثار ,ولكن ما أن ترتبت أوضاع المسلمين في
المدينة وأصبحوا سلطة وقوة, بدا البشر المتصفون بهذه الصفة يظهرون
بصورة أو بأخرى, وبدا القرآن الكريم يحذر من هذه الصفة وخطورتها على
مسيرة الدين .
إن هذا الموضوع يتجدد مع كل حركة أو حزب أو فئة أو طائفة أو قومية
فكثير ما سمعنا في ما مضى إن فلان الفلاني أصبح فلان التكريتي والآن
نسمع فلان الفلاني أصبح فلان الموسوي ولا تقتصر ذلك على الاسم بل
المظهر أيضا مثل شكل اللحية والمحبس أو غطاء الرأس أو اللهجة وغيرها من
الأساليب التي لا تعبر إلا عن تفاهة أصحابها وتفاهة من يتقبلهم,ولو لم
يتقبل المجتمع مثل هذه التفاهات والأدق تقبل مراكز القوى لهذه التفاهات
بل وتشجيعها لما تحمل هؤلاء عناء النفاق ,أي إن اللوم لا يشمل
المنافقين بل يخص مراكز القوى التي تسمح بها.
إن هذا النوع من النفاق الظاهري واضح وغير مقبول اجتماعيا ولا يمكن
ممارسته من قبل الجميع وعليه فان خطورته محدودة , ولكن الخطورة في
العناصر التي تعطيك من طرف اللسان حلاوة والذي لا يكتفي بالتملق للحزب
أو الحركة السياسية بل يطمح للوصول إلى مراحل متقدمة في الحزب أو
السلطة ,وهؤلاء يزدادون كلما كان الحزب بعيدا عن الممارسات التنظيمية
الثورية في تعامله مع منتسبيه فكلما ابتعد عن مبدئيته زاد حجم وتأثير
هؤلاء ,وكلما ابتعد التنظيم عن ممارسة النقد والنقد الذاتي زادت هذه
الظاهرة ,فما بال لو تمت محاربة وفصل من يمارس هذا المبدأ الأساسي ومن
قبل قيادات أو قياديين لهذا المبرر أو ذاك وخاصة إذا كان النقد يتعرض
للممارسات السلبية لهؤلاء القادة ؟!!
إن عدم تعرض التنظيمات الثورية أثناء فترة النضال السري لهذه الظاهرة
الآفة , لا يعني عدم الإشارة لها والتنبيه لخطورتها ,وقد أشار شيخ
المجاهدين إلى أهمية ممارسة النظرية التنظيمية للحزب في رسالته إلى
رئيس الجمعية الجعفرية للشيعة ,مما يوضح إن القيادة غير غافلة عن مخاطر
الابتعاد عن الممارسات الثورية أثناء سلطة الحزب أو أثناء النضال السري
,فكلما زاد ابتعادنا عن مبادئنا زادت أمراضنا وضعفت قوتنا ,وهذا ما حصل
,فأين هم الملايين التي كانت تصفق بل وتتهم من لا يبجل القيادة بسلسلة
من الأوصاف الملحقة بالاسم كلما تم ذكرها دون أي مبرر,فهو جاسوس ومتآمر
ويستحق الإعدام (ولا نقصد هنا التقليل من احترام القيادة قولا أو عملا
),وفي الوقت الذي انهوا هؤلاء المنافقون الكثير من المناضلين لهذا
السبب أو لغيره استطاعوا أن يتسلقوا إلى أعلى المراتب الحزبية بسبب
تقديمهم ما يريد بعض القادة وليس ما تريده المبادئ ,فالمبادئ هي التي
جاءت بالقادة ومشروعية القائد بمدى التزامه بالمبادئ ,فهل كان يستحق
المجاهد عزة الدوري موقعه لو لم يقم بدوره وواجبه النضالي والجهادي
,نحن نرفض فلان وعلان ليس لأسمائهم بل لابتعادهم عن واجبات النضال
والجهاد المطلوبة في هذه المرحلة ,فأي جهاد هذا الذي يصدر من مقاهي
دمشق ؟!
وأي قيادة تلك ومن ماذا تستلهم مشروعيتها ,فهل يوجد غير الجهاد مشروعية
في هذه المرحلة لأي مناضل فما بالك لو كان في مركز القيادة ,
إن الحزب في مرحلة النضال الايجابي استقطب الملايين من العراقيين ,وقد
برر هذا الاستقطاب من قبل أعداء الحزب بأنه نتيجة المصالح أو نتيجة
الخوف,وهذا التبرير يشمل العناصر التي تركت الحزب وانضمت إلى أحزاب
العملية السياسية أو التي تعاونت مع المحتل ,فمن هم هؤلاء يا ترى وما
هي صفاتهم ؟
الأول ,إن من انضم إلى الحزب لمصلحة ما فهو إلا إنسان معروض للبيع ,وهو
سلعة لمن يدفع أكثر أو من يقدم مصلحة مادية أفضل وبالتالي فمثل هؤلاء
الناس يمثلون خطر دائم على من ينتسبون له ومن فضائل الاحتلال كشف هؤلاء
ولو متأخر ,ولقد كسب الحزب الكثير بالتخلص منهم ,أما النوع الثاني ,وهم
المنتمون إلى الحزب بسبب الخوف ,فهؤلاء اقل خطورة وليس لهم تأثير عندما
كانوا في الحزب ولن يكون لهم وهم مع الأعداء لأنهم جبناء ,وذلك لا يعني
إن الصنف الأول يتمتع بالشجاعة ,بل انه أكثر جبنا من النوع الثاني لان
من يبيع نفسه لا شرف ولا مبادئ ولا أي قيم له.
أما الصنف الثالث من الحزبيين السابقين فهم البعض ممن هاجر بسبب الخوف
من القتل أو الملاحقة حيث إنهم مطلوبون من قبل الأمريكان والأحزاب
الطائفية والحكومة العميلة أكثر من عزة الدوري وبقية أعضاء القيادة
؟!!!!
والبعض الآخر لأسباب طائفية ,علما بان هذا المبرر قد انتهى مفعوله في
الوقت الحاضر مما يسحب البساط أمام الأغلبية العظمى التي تريد تحرير
العراق بالمراسلة أو لربما بواسطة الدبابة الروسية أو الصينية هذه
المرة (سئلت احد البعثيين في المهجر عن سبب تركه العراق وهو ليس من
الشخصيات العامة المعروفة ليبرر ملاحقته من قبل الأمريكان أو غيرهم
فأجابني بان خوفه على أولاده الشباب هو الذي دفعه للهجرة ,وهنا أقول
وهل إن آلاف الشرفاء من العراقيون من بعثيين وغيرهم لا يخافون على
أولادهم, وهل إن هم أبناء العبدة وأولادكم أولاد الحرة ,هل العراق
وطنهم عندما يتطلب الأمر التضحية وعند العطاء ,ويكون وطنكم عند الأخذ
والمناصب والدرجات الحزبية وغيرها,(شغلة قرندل ),كلا لن نكون ولن يكون
أولادنا الحجارة التي تعبد الطريق لمجدكم ومجد أولادكم ومصالحكم هذا
عدا واجبنا الشرعي والإنساني والمبدئي,فنحن لا نمن على الوطن والمبادئ
ولكننا نتكلم هنا باللغة التي تفهموها).
وأخيرا ,إن الحزب شبيه بالكائن الحي يحتاج الكسب الجديد مثل حاجة
الإنسان للغذاء لكي ينمو ويكبر ,ومثلما يأخذ جسم الإنسان المواد التي
تفيده ويتخلص من المواد التي تضره ويطرحها كفضلات فان الحزب أيضا يحتفظ
بالعناصر الجيدة والمؤمنة ويطرح الباقي خارج صفوفه ,وما العناصر التي
هي خارج الحزب وتدعي تمثيله إلا زبالة وفضلات الحزب التي سقطت عبر
سنوات حياته ونضاله .
فمبروك على المالكي فضلات الحزب ليتصالح معها,ومبروك على الحزب احتفاظه
بمناضليه المجاهدين .
|