الحليف الاستراتيجي
الدولي الرئيسي لسلطة
الحكم الذاتي الفلسطينية
هو الولايات المتحدة
وحليفها العربي الرئيسي
مصر المقيدة بتحالف
استراتيجي مع دولتي
الاحتلال الاميركي
والاسرائيلي في العراق
وفلسطين ، ويصدق على
الحليفين المثل الانكليزي
القائل انه اذا كان
اصدقاء المرء مثل هؤلاء
فانه ليس بحاجة الى اعداء
، فالحليف الدولي يجهض
الجهد الدبلوماسي الذي
كانت السلطة تعول عليه في
مجلس امن الامم المتحدة
بينما يطرح الحليف العربي
مبادرة تحبط هذا الجهد
اقليميا ، ليلتقط الحليف
الاول مبادرة الحليف
الثاني حجة اولا لاقتراح
بيان رئاسي غير ملزم ثم
لاقتراح مشروع القرار رقم
1860 الذي اصدره المجلس
ليل الخميس بديلا لمشروع
قرار ملزم من المجلس كان
معروضا باسم المجموعة
العربية على مجلس الامن
بمشاركة مصرية فاعلة
اتخذت بدورها من حمل هذا
المشروع الى الامم
المتحدة حجة للحيلولة دون
عقد قمة عربية طارئة تضع
جامعة الدول العربية امام
مسؤولياتها القومية ليجد
الرئيس الفلسطيني لهذه
السلطة قبل ايام من
انتهاء ولايته الدستورية
في وضع لا يحسد عليه .
فالرئيس عباس الذي تعهد
حسب كبار معاونيه بان لا
يعود من نيويورك الا
بقرار "ملزم" من مجلس
الامن قد عاد فعلا بفضل
اصدقائه هؤلاء بقرار لم
يصدر طبقا للفصل السابع
من ميثاق الامم المتحدة ،
بالرغم من تفسير الامين
العام لجامعة الدول
العربية عمرو موسى بان
القرار 1860 "ملزم
قانونا" ، طبعا بقدر ما
هي ملزمة حزمة تصفها
الدبلوماسية العربية
ب"الشرعية الدولية" وتشمل
اكثر من مائة قرار للامم
المتحدة مازالت طوال
الستين عاما المنصرمة
وحتى الان بانتظار من
يلتزم بها ، ليرتهن وقف
العدوان على قطاع غزة
لقرار سياسي طوعي قد
تتخذه وقد لا تتخذه دولة
الاحتلال الاسرائيلي
ويعتمد قرارها تحديدا على
مدى تلبية عباس واصدقاؤه
اياهم لشروطها المسبقة
لتنفيذ القرار .
وقد كان وزير الخارجية
البريطاني ديفيد ميليباند
الذي ناب عن الولايات
المتحدة التي نابت بدورها
عن دولة الاحتلال في
صياغة مشروع القرار 1860
مدركا لعدم الزامية
القرار عندما قال بعد
صدوره "اننا جميعا واعون
جدا بان السلام يصنع على
الارض بينما القرارات
تكتب في الامم المتحدة" ،
ولم تمض سويعات بعد صدور
القرار الا وكانت حكومة
العدوان الاسرائيلي
وقيادة المقاومة له "على
الارض" تصادقان على
استنتاج ميليباند ، فقد
اجتمع رئيس وزراء دولة
الاحتلال ايهود اولمرت
ووزير حربه ايهود باراك
ووزيرة خارجيته تسيبي
ليفني ، الذين يمثلون
الحكومة الاسرائيلية
الثلاثية المصغرة التي
تقود العدوان ، صباح
اليوم التالي (الجمعة)
ليقرروا "توسيع" العدوان
او وقفه وليس لبحث تفاصيل
الالتزام بالقرار 1860
وليفسر ايلي يشاي ، نائب
اولمرت ، القرار بانه
"ليس مسالة مثيرة للقلق
ان ظل هذا القرار على
الورق" ، بينما اعلنت
حركة المقاومة الاسلامية
حماس انها "غير ملزمة"
بقرار "لم يشاورنا احد
فيه" ولا ياخذ المصلحة
الفلسطينية في الحسبان
ولا يعالج رفع الحصار عن
القطاع ولا فتح المعابر
كما قال اسامة حمدان باسم
الحركة من بيروت .
واذا كان النصر او
الهزيمة في الحروب يقاسان
بنتائجها ، فان النتيجة
التي تسعى الدبلوماسية
الدولية الى فرضها على
صانع القرار العربي
ليفرضها بدوره على
الرئاسة الفلسطينية
لتحاول بدورها املاءها
على قيادة المقاومة في
القطاع ، حسب المقترحات
التي سبقت وتزامت مع
مداولات مجلس الامن
الدولي حول اصدار
القرار1860 ، تتلخص في
منح شرعية الامم المتحدة
للجائزة الاسرائيلية
الكبرى التي يتوخاها
العدوان كمكسب اقليمي
عسكري يحققه الاحتلال
الاسرائيلي من عدوانه
بالقوة المسلحة ، خلافا
لميثاق الهيئة الاممية
نفسها ، وهي تحديدا اعادة
فرض السيطرة الاسرائيلية
على الجانب الفلسطيني من
الحدود المشتركة مع مصر
في القطاع ، مباشرة او
"عن بعد" حسب الاتفاق
الخماسي عام 2005 لفتح
معبر رفح ("حفاظا على
المشاعر الفلسطينية" كما
قال الرئيس حسني مبارك في
الاسبوع الماضي) او
بالوكالة "الدولية" عبر
ما يسميه البعض "وجودا
دوليا" وبعض آخر "قوة
دولية" وآخرون "قوات حفظ
سلام دولية " وغيرهم "قوة
مراقبين دوليين" ، بحيث
اصبحت هذه "الضمانة
الدولية" هي حجر الزاوية
الاسرائيلي – الاميركي
الذي يمثل شرطا مسبقا
لوقف اطلاق النار
وبالتالي وقف العدوان
تطبيقا للقرار 1860 ،
ليصبح تطبيق هذا القرار
مرتهنا لما اصبح يعرف
ب"المبادرة المصرية –
الفرنسية" التي تحولت بنص
القرار الى قرار دولي ،
والتي امتنعت الولايات
المتحدة عن تاييد القرار
وكذلك عن استخدام حق
النقض "الفيتو" لاجهاضه
بانتظار ما تتمخض عنه هذه
المبادرة كما اوضحت وزيرة
الخارجية الاميركية
كوندوليزا رايس دون لبس
او غموض .
ان النص على المبادرة
المصرية الفرنسية في
القرار 1860 يفسر استمرار
وجود وزير الخارجية
المصري احمد ابو الغيط في
الامم المتحدة بعد اعلان
المبادرة التي احبطت
مشروع القرار العربي عشية
عرضه على مجلس الامن
وشجعت "الاصدقاء –
الاعداء" للرئيس
الفلسطيني ، الذي ذهب الى
الامم المتحدة مراهنا على
هذا المشروع ، على طرح
مشروعهم البديل الذي تحول
الى قرار فعلا ، لكن
الاخطر هو ان ربط القرار
1860 بالمبادرة المصرية
قد حول "تاكيد" القرار في
بنده الاول على الحاجة
"الملحة" لوقف اطلاق نار
"فوري ومستدام ومحترم
بالكامل" ودعوة القرار
الى وقف اطلاق نار كهذا
الى قرار "مؤقت" مرتبط
بالنتائج التي ستتمخض
عنها المبادرة المصرية .
فهذه المبادرة ، التي
تزامن اعلان الرئيسين
مبارك ونيكولا ساركوزي
لها مع مداولات مجلس
الامن ، تقترح وقفا
"مؤقتا" لاطلاق النار
يجري خلاله تفاوض مصري –
اسرائيلي على امن الحدود
الثنائية المشتركة في
قطاع غزة مع وفد اسرائيلي
دعاه مبارك الى القاهرة
لهذا الغرض ووجه الدعوة
لرئيس وزراء دولة
الاحتلال ايهود اولمرت
لرئاسة هذا الوفد ، على
ذمة ساركوزي في القاهرة
ووزير خارجيته برنارد
كوشنير في نيويورك ، دون
ربط الدعوة الى الوقف
المؤقت لاطلاق النار
بتحديد أي سقف زمني لسحب
القوات الاسرائيلية
البرية من المناطق التي
اعادت احتلالها في القطاع
، مما سيحول عمليا هذه
المناطق المعاد احتلالها
الى ورقة تفاوضية قوية
بيد دولة الاحتلال تساوم
على الانسحاب منها لفرض
شروطها ، ويحول الحدود
الفلسطينية – المصرية
المشتركة في القطاع الى
قضية مصرية – اسرائيلية
ثنائية لا علاقة
للفلسطينيين بها ، وهذه
هي الجائزة الكبرى لدولة
الاحتلال الاسرائيلي من
عدوانها ، وهي جائزة لم
تعد اسرائيل ترضى باي
تعهد مصري احادي او
بالتنسيق مع السلطة
الفلسطينية لضمان امنها ،
اسرائيليا طبعا ، بل تريد
ضمانات دولية بآليات
محددة تتجسد في قوات
مؤهلة لفرض الالتزام
المصري بها ومنع أي خرق
فلسطيني لها .
ويلفت النظر في هذا
السياق ان اسرائيل قبل
العدوان مباشرة لم تخف
رفضها لمساعي السلطة
الفلسطينية برئاسة محمود
عباس لتجديد أي وساطة
مصرية "احادية" جديدة
لتجديد الهدنة (او
التهدئة) في القطاع لانها
، طبقا لصحيفة الغارديان
البريطانية في الخامس من
الشهر الجاري ، تسعى بدلا
من ذلك الى انهاء عدوانها
باتفاق هدنة "يفرضه
المجتمع الدولي" . غير ان
الرفض الاسرائيلي لوساطة
مصر ولمساعي السلطة
لتجديدها لا يعني
استبعادها للطرفين ، اذ
لمصر والسلطة دورهما في
استراتيجة اسرائيل
الجديدة ، فاتفاق الهدنة
الذي تسعى الى تدويله كي
"يفرضه المجتمع الدولي"
على القطاع "سوف يكون مع
السلطة الفلسطينية ومصر
كلتيهما واذا لم توافق
حماس عندئذ سوف تدفع
الثمن" ، طبقا لهارتس ،
وفي تقرير مماثل قالت
يديعوت احرونزت العبرية
ان مثل هذا الاتفاق سيكون
"ترتيبا دوليا من جانب
واحد" يمكن فرضه على حماس
ان لم توافق عليه ، بينما
عبرت معاريف العبرية عن
الفكرة نفسها بالقول ان
اتفاق الهدنة المامول
سيكون "ترتيبا رادعا ...
دوليا ... مع الجميع
باستثناء حماس" ، وقد
وفرت المبادرة المصرية –
الفرنسية الواجهة المصرية
المطلوبة لعملية التدويل
هذه ، ووافقت اسرائيل "من
حيث المبدأ" عليها وكذلك
راعيها الاميركي ممثلا
بالوزيرة رايس التي اعلنت
ذلك في مداولات مجلس
الامن ، اضافة الى موافقة
الرئيس الفلسطيني محمود
عباس عليها كما ابلغ مجلس
الامن في خطابه يوم
الثلاثاء الماضي .
وقد حولت دولة الاحتلال
الاسرائيلي مطالبتها بمثل
هذه "الضمانة الدولية"
الى شرط مسبق لوقف
عدوانها على القطاع ،
ووفقا لرويتز في الرابع
من الشهر الجاري فان
اسرائيل غير راضية عن
مقترحات اوروبية بانشاء
"وجود دولي" على امتداد
الحدود المصرية
الفلسطينية وهي تريد
"مراقبين مسلحين تسليحا
ثقيلا ومجهزين للبحث عن
الانفاق وتدميرها" ، لا
بل انها تطمح الى "بناء
جدار تحت الارض على
الجانب المصري من ممر
فيلادلفي (صلاح الدين)"
اذا وافقت مصر ، والجدير
بالذكر هنا ان الولايات
المتحدة مولت العام
الماضي حملة مصرية يقودها
خبراء من سلاح الهندسة
الاميركي للكشف عن هذه
الانفاق وتفجيرها حيث ما
زال عدد الضحايا
الفلسطينيين لمثل هذه
التفجيرات سرا بعيدا عن
وسائل الاعلام يعتم عليه
الحرص المصري الفلسطيني
على عدم صب الزيت على
علاقات تسعى دولة
الاحتلال ، وخصوصا منذ
العدوان ، الى زيادة
توتيرها . وقد رفض رئيس
وزراء دولة الاحتلال
ايهود اولمرت المقترحات
الاوروبية للهدنة ، ومنها
اقتراح الرئيس ساركوزي
ب"هدنة انسانية" لمدة
ثمانية واربعين ساعة ، ما
لم تتحمل قوة مراقبين
دولية المسؤولية عن فرضها
، مما يرتهن تطبيق القرار
1860 للمبادرة المصرية
وبالتالي لهذا الشرط
الاسرائيلي المسبق .
وخلاصة هذا التوجه
الاسرائيلي – الاميركي
الذي يحظى بمباركة
اوروبية ، وعربية بعامة
ومصرية بخاصة ، وبتاييد
رئاسي فلسطيني ، وهو توجه
حصل على شرعية دولية
بصدور القرار 1860 ، انه
يعيد اسرائيل اولا الى
الحدود المصرية
الفلسطينية لتعود حدودا
مصرية – اسرائيلية مشتركة
، ولو بواجهة دولية مهما
كان اسمها سواء قوة دولية
او قوة مراقبين دولية او
قوات حفظ سلام او غير ذلك
، ولانه ثانيا يحرم
الفلسطينيين بعامة واهل
القطاع منهم بخاصة من
المنفذ الوحيد الى العالم
الخارجي الذي لا تسيطر
عليه دولة الاحتلال ،
ولانه ثالثا يفرغ القرار
1860 من مضمونه في بنوده
الخاصة بالتاكيد على
"الحاجة لتامين تدفق
السلع والناس تدفقا
مستداما ومنتظما عبر
معابر غزة" ، باعادة
السيطرة الاسرائيلية
المباشرة او بالوكالة
عليها ، مما يعني عمليا
ان القرار 1860 يعيد
احكام السيطرة
الاسرائيلية على القطاع
وان كان يلزمها ب"تامين"
تدفق الاحتياجات
"الانسانية" دون انقطاع ،
ومما يعني سياسيا ان
المجتمع الدولي بدل ان
يدين العدوان الاسرائيلي
يحاول "تجييره" لخدمة
"عملية السلام" (البند
الاخير من القرار) ،
بمباركة معلنة من كل
الاطراف المعنية بهذا
القرار ، ومنها الرئاسة
الفلسطينية حيث وصف
الرئيس عباس المبادرة
المصرية بانها "عنصر
ايجابي" في عملية السلام
خلال مؤتمر صحفي له
بمدريد اثناء زيارة في
طريق عودته من نيويورك
لبلد يساهم في قوات حفظ
السلام "اليونيفيل"
بلبنان ويامل في مساهمته
المماثلة في القطاع .
يوم الاربعاء الماضي كتب
الاسرائيلي آفي شلايم
(اوبن ديموكراسي) بان
"الهدف غير المعلن"
للعدوان الذي شنته دولة
الاحتلال على غزة في
السابع والعشرين من الشهر
الماضي كان اظهار
الفلسطينيين في القطاع
امام العالم باعتبارهم
"مشكلة انسانية" لا وطنية
من اجل حرف نضالهم عن
اهدافه في التحرر من
الاحتلال والاستقلال .
وفي العدد نفسه كتب بول
روجرز يقول ان "ما يحدث
في غزة ... ليس حربا
اسرائيلية ، بل عملية
(عسكرية) مشتركة للولايات
المتحدة واسرائيل . وهكذا
فان طائرات اف – 16
الهجومية وحوامات
الاباتشي الحربية تعتبر
اقل كطائرات اسرائيلية بل
كطائرات اميركية بعلامات
اسرائيلية" .