بعد هزيمة حزبران ( يونيو ) تم تبني قرار مجلس الامن الرقم 242 . وقد دعا القرار الى الاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش في سلام ضمن حدود امنة ومعترف بها ، والى انسحاب اسرائيل من اراض محتلة . وكان القرار 242 يمثل اجماع المجتمع الدولي على ان السلام الدائم يمكن ان يتحقق ، حيث تتخلى اسرائيل عن ارض مقابل قبول العرب بحق اسرائيل في العيش في سلام وامن .

لا اريد الخوض بشأن الخلاف الرئيسي في تفسير القرار 242 . ففي النتيجة فسرت اسرائيل  الانسحاب من اراض على انها تطلب الانسحاب من بعض ، وليس اساسا من الاراضي المحتلة كلها . وكذلك استبعدت اسرائيل الانسحاب من القدس الشرقية .

كلمة باراك اوباما في وزارة الخارجية الاميركية مفاجأة البداية يريد حماية اسرائيل وحقها في الوجود واما عن القضية الفلسطينية تجاهل القرارين 242 و338 ، وتجاهل محرقة غزة التي نفذها الجيش الاسرائيلي بوحشية لم يسبق مثيلا لها في التاريخ ، واكتفى بتوزيع عواطف مشيرا الى فتح المعابر لأدخال المساعدات الانسانية الى غزة . وفي هذا استبعاد   أي امل حقيقي في تسوية سلمية .  متجاهلا احتمالية  اذا وجد العرب ركودا مطولا في جهد السلام لابد من اسقاط الانظمة المستسلمة والعودة الى القوة العسكرية وقوامها المقاومة الشعبية والكفاح المسلح ، والضغط الاقتصادي .

لا شك ان باراك اوباما يدرك ان عناصر القوة والضعف في الامم هي الفيصل في احقاق الحق وتقرير المصير ، وليس مبدأ تقرير المصير الذي تنادي بها محموعة دول مثلما تنادي بعدم جواز الاستيلاء على ديار الغير بالقوة .

ان كل ما أقرأه من تعليقات قيمة في الصحف والانترنت او في احاديث ثنائية او جماعية ومن مختلف الفئات ، تعكس مرارة الشعور بالاحباط والعجز والضياع وكأن هذه الامة برسالتها العظيمة تنتظر نهايتها .

القدس ومصيرها والهيكل الزاحف على اولى القبلتين ومسرى رسولنا ومعراجه هي الرمز والعنوان والهاجس الذي يؤرق النفوس ويعمق الاحباط .

العراق الجناح الشرقي للامة ستة سنوات احتلال امريكي وغزو فارسي ، يقابله صمت عربي بشكل مخزي .

الجولان 42 عام ولا زلنا في الصفحة الاولى ، جنوب لبنان محتل وخطبنا الحماسية محورها  ربحنا المعركة وقهرنا الجيش الذي لايقهر والنتيجة  وضع قوات دولية . وغزة احترقت والعرب تأملوا بعودة الروح وانشدونا احلى الاغاني واسمعونا الحان الانين والحسرة ، 1350 شهيد واكثر من خمسة الاف جريح ومعوق وثلث اهل غزة بلا سكن وحتى الخيم غير متوفرة . وبدء الصراع  بين اللصوص على الطبيخ وعلى اعادة الاعمار . وكل يعزف على هواه . وباراك ابوما يبدو انه على قناعة ان القدس وغزة والضفة الغربية والجولان وجنوب لبنان تبقى رهائن بيد الاسرائيليين افضل من اعادتها للعربان .

الناس ملوا  الكلام وفهموا ان باراك ابوما جاء ليعزز سياسة سلفه بوش الابن في القضايا العربية ، واوباما قالها وربط مصير اميركا وحماية مصالحها وبسط هيمنتها الكاملة على المنطقة بالتحالف العسكري المباشر مع اسرائيل وليشرب العرب البحر اذا لم يعجبهم ذلك .

لكي لا ننسى شهدائنا في غزة كعادتنا نحن العرب ( طبل يجمعنا وعصا تفرقنا )  انقل هنا رسالة من صحفي اوروبي عن مأساة اهلنا في غزة . وعبر هذا التقرير الصحفي نعرف كم هو باراك اوبوما فاقد للانسانية .

( كان لقاؤنا بالجحيم وجها لوجه وسط انقاض المدينة التي كانت .. جئنا اليها بعد رحلة شاقة .. وحقيقة لم نعش المأساة التي ادمت قلوب الشعوب في العالم القريب والبعيد .. كنا بعيدين عنها ولكن ايضا كنا قريبين منها نتمزق مع كل قذيفة اسرائيلية تنطلق .

جاء الاسرائليون غزاة بكل ما عندهم من اسلحة الموت والدمار ، نفذوا المذبحة التي وقف العالم كله امامها في ذهول .. مدينة ذبحوا اهلها ولم يستيقظ الضمير العالمي ، انها  ليست معركة  ضد المقاتلين الفلسطينيين كما تزعم اسرائيل ، ولكنها حرب أبادة .

اتمنى أن اتمكن في فضح أبعاد المجزرة البشرية . حصلنا على صور الاطفال والنساء والشيوخ الذين احترقوا بقنابل اسرائيل حتى الموت .. المراسلون انتشروا في غزة . وجدنا انفسنا ونحن نقف امام أكوام الحطام والركام الذي يحيط بنا من كل صوب نقارن بين غزة ومدينة درزدن الالمانية وستالينغراد الروسية والفلوجة العراقية ، ولكن ما اصاب غزة أعظم ، جعلوا من غزة حقل تجارب لأسلحة تستخدم لأول مرة .

لم يتركوا شيئا لم يقذفوه بقنابلهم وصواريخهم حتى المستشفيات والمدارس والجوامع . المباني انهارت فوق ساكنيها فتحولت الى قبور تحوي مئات القتلى دفنوا احياء . كانت تبدوا امامنا وكأن الدموع تسيل من فوق اطلالها .. الشوارع والطرقات والازقة الضيقة التي دمرتها الصواريخ ، ثم اكوام القمامة التي كانت تتراكم وترتفع وترتغع حتى صارت تلالا عالية من القاذورات والاوساخ والركام عشعشت فيها الفئران والقطط في ألفة وكأنها تشعر بما هي فيه من خطر يهدد بقاءها .. في كل هذا رأينا الدموع .. في السهل والبحر والجبل .. وحتى عندما رفعنا أبصارنا نتطلع الى السماء فوق رؤوسنا كانت هي ايضا تبكي وكأنها تريد ان تمطر تكفيرا عن خطيئة لا ذنب لها فيها .

غزة كلها اصبحت ركاما ودمارا ، سجلت بعدستي بعض انواع اسلحة الدمار .. القنابل والصواريخ التي استخدمها الجيش الاسرائيلي في المذبحة التي نفذها وقد نقلناها من قلب الحطام ، وكم تمنيت ان يقيم العرب معرض دائم متجول ( معرض لأسلحة الموت ) ، قنابل فوسفورية وعنقودية وقنابل نابالم تستخدم لأول مرة ، في هذا الحقل للتجارب !

الذين عاشوا المأساة .. والذين كتبت لهم الحياة مع الالم والحزن طالبونا ان نضع امام العالم الصورة التي رأيناها وسجلناها للمئات من الجرحى والمشوهين .. اطفالا ونساء ورجالا .. صورة تقشعر لها  الابدان .

لا يوجد في الحرب تعادل . ان من لا ينتصر في الحرب فهو خاسر ، واسرائيل لم تتغلب على اهل غزة عسكريا ، لذلك اسرائيل الخاسرة . المقاتلين لم يهربوا ولم يتبعثروا كما توقعت اسرائيل من عدوانها على غزة . لقد خرجت حكومة اسرائيل الى الحرب لكي تهزم البنية القيادية للمقاومة الفلسطينية في غزة ، ولكن المقاومة خرجت من هذه الحرب قوية جدا ومكللة بالمجد والثناء العربي والاسلامي والعالمي .. وزادت تأثيرها كما لم تكن ابدا .. والادعاء الفلسطيني بحق الحصول على وطن قومي اصبح مطلبا عند كل الشعوب الغربية ، من هولندا الى كندا ) .

مستر باراك اوباما

قليلا من الخجل والحياء ، انت رجل قانون ويفترض انك تعرف انه لايصلح العالم الا اذا كانت العدالة ميزان العلاقات الانسانية في كل احوالنا فلا يبغي قوي على ضعيف ، ولا يضيع حق ، لأن الاوضاع الظالمة ألفته ، حتى صرنا نرى العلاقات الدولية تقوم على مجموعات من الظلم متكافئة ، يحابي الاقوياء بعضهم بعضا باقرارها ليسكت كل فريق عن ظلم الأخر للضعفاء .  بطيبة الاغبياء كنا نتوقع تحرك اميركي ودولي لحل قضية فلسطين ومعاناة شعبها وفق قواعد الحق والعدالة واحكام القانون الدولي .

مستر باراك اوباما

بأسم المقاتلين ، وبأسم جميع الاحرار والشرفاء ، بأسم جماهير امتنا أقول : عليك انت تصمت ولا تساوي بين القاتل والقتيل . عواطفك حول مستلزمات الطبيخ ، قالتها لكم جدة غزاوية منذ اليوم الاول للعدوان :

( نحن نأكل الملح .. نأكل الرمل ) . واعلم ان المجاهدين سيظلون اوفياء لمستقبل اطفال امتهم العربية ، من اجل بلوغ الغد المشرق ، الذي تنبت ازاهيره من خلال اتون ولهيب المعارك التي يخوضها الرجال المجاهدين في فلسطين والعراق وافغانستان ، يصنعون منها اساطير بل تصنع الاساطير منها ، ويصنعون منها ملامح بل تنبت الملاحم فيها .

نحن علمنا نبينا نبي الحرية محمد عليه الصلاة والسلام ( عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به ) . 

اما انتم    من  نيكسون – فورد الى بوش الابن  كذابين وانت مفاجأة البداية  فاقد للانسانية .