الأمبراطورية
العثمانية مرت بأدوار مختلفة ،
فمن النشوء الى القوة والتوسع ،
ثم التوقف والجمود ، ثم الى
التخلف والضعف ، ثم الى الاضمحلال
والزوال ، مثلها في ذلك مثل جميع
الدول تبدأ قوية ثم تشيخ وتهرم
ولكنها لم تمت . منذ عام 1882 م
الى عام 1909 – وهذه الفترة جاءت
عقب دور التخلف والضعف ، وسبقت
عهد الاضمحلال – حاولت هذه
الدولة ان تنهض من كبوتها على
ايدي سلاطين حاولوا الاصلاح ،
وجربوا ان يبعثوا الحياة والشباب
في جسمها المريض ، ولكن ذلك لم
يفد . وحكم السلطان عبد الحميد
الثاني يقع في هذه الفترة
الاصلاحية ، وقد أمتد حكمه ثلث
قرن من الزمن ، وكان لشخصيته
وحنكته ويقظته وتدبيره أكبر الأثر
في صموده هذه المدة أمام
المؤامرات الصهيونية الكثيرة ،
والتي كانت تحاك في الجهر والخفاء
لأمته . كان صادقا في عقيدته ،
مخلصا لأمته ، جادا في الدعوة الى
النهضة والاصلاح ، وفيا في الحفاظ
على كل ذرة تراب روتها دماء
الشهداء . و لأنصاف الرجل ورد ما
أحاط بحياته من أراجيف ، نقدم
الترجمة لرسالة السلطان عبد
الحميد الى شيخه في الطريقة
الشاذلية ( الشيخ محمود أبو
الشامات – دمشق ) .
( بسم الله الرحمن الرحيم وبه
نستعين الحمد لله رب العالمين .
وأفضل الصلاة وأتم التسليم على
سيدنا محمد رسول رب العالمين ،
وعلى اله وصحبه أجمعين والتابعين
الى يوم الدين . ارفع عريضتي هذه
الى شيخ الطريقة العلية الشاذلية
، الى مفيض الروح والحياة ، الى
شيخ اهل عصره الشيخ محمود افندي
أبي الشامات ، وأقبل يديه
المباركتين راجيا دعواته الصالحة
. بعد تقديم احترامي أعرض أنني
تلقيت كتابكم المؤرخ في 22 مايس
من السنة الحالية ، وحمدت المولى
وشكرته أنكم بصحة وسلامة دائمتين
.
سيدي . انني بتوفيق الله تعالى
مداوم على قراءة الأوراد الشاذلية
ليلا ونهارا . وأعرض أنني ما زلت
محتاجا لدعواتكم القلبية بصورة
دائمة . وبعد هذه المقدمة أعرض
لرشادتكم والى امثالكم اصحاب
السماحة والعقول السليمة المسألة
المهمة الأتية كأمانة في ذمة
التاريخ :
انني لم اتخل عن الخلافة
الاسلامية لسبب ما ، سوى أنني –
بسبب المضايقة من رؤوساء جمعية
الأتحاد المعروفة باسم ( جون تورك
) وتهديدهم – اضطررت وأجبرت على
ترك الخلافة .
ان هؤلاء الاتحاديين قد اصروا
واصروا علي بأن أصادق على تأسيس
وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة
( فلسطين ) ورغم اصرارهم فلم
أقبل بصورة قطعية هذا التكليف ،
وأخيرا وعدوا بتقديم ( 150 مليون
ليرة انكليزية ذهبا – فلن أقبل
بتكليفهم هذا بوجه قطعي ، لقد
خدمت الملة الاسلامية والامة
المحمدية ما يزيد على ثلاثين سنة
فلم أسود صحائف المسلمين أبائي
وأجدادي من السلاطين والخلفاء
العثمانيين . لهذا لن أقبل
تكليفهم بوجه قطعي أيضا ) . وبعد
جوابي القطعي اتفقوا على خلعي ،
وابلغوني انهم سيبعدوني الى (
سلانيك ) فقبلت بهذا التكليف
الاخير . هذا وحمدت المولى
وأحمده أنني لم أقبل بان ألطخ
الدولة العثمانية والعالم
الاسلامي بهذا العار الأبدي
الناشيء عن تكليفهم بأقامة دولة
يهودية في الاراضي المقدسة :
فلسطين .. وقد كان بعد ذلك ما كان
. ولذا فانني أكرر الحمد والثناء
على الله تعالى . واعتقد أن ما
عرضته كاف في هذا الموضوع الهام .
وبه أختم رسالتي هذه . ألثم يديكم
المباركتين ، وارجو وأسترحم أن
تتفضلوا بقبول احترامي بسلامي الى
جميع الأخوان والأصدقاء .
يا استاذي المعظم . لقد أطلت
عليكم التحية ، ولكن دفعني لهذه
الاطالة ان نحيط سماحتكم علما .
ونحيط جماعتكم بذلك علما أيضا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
. في 22 أيلول 1329 هجري .
خادم المسلمين
عبد الحميد بن عبد المجيد
من يعرف تركيا
ولغتها ويمعن النظر في المعارك
الفكرية التي شهدتها على مدار
القرن العشرين ، يخرج بنتيجة
عريضة . تلخص المشهد العام للنزال
الفكري الذي شحذ الهمم وأجلى
العقول والهب الحناجر وأوغر
الصدور . وهي ان التحديات التي
طرحها اصحاب الافكار ( غير
المألوفة ) كانت دوما اكبر من
الاستجابات التي جاد بها من تصدوا
لتلك الأفكار ومنتجيها ، ليس لأن
أيتام أتاتورك اقوى حجة وانصع
برهانا وأثبت مراسا واسلس عرضا ،
بل لأن الاسلاميين لم يحسنوا
اختيار اداة النزال ، حتى ظهر
رجب طيب اردوغان وأخوانه وأسسوا
حزب العدالة والتنمية مستهدين
بجميع العوامل الاقتصادية
والاجتماعية والمعرفية التي تحرك
المجتمع .
خاض حزب
العدالة والتنمية بزعامة
اردوغان الانتخابات البرلمانية
وكانت شعاراته تجمع بين تركيا
العثمانية والاسلامية بثقافة
حضارية ومتحضرة ، جمع كل عناصر
التاريخ ولم يفصل بينهما ، تمتد
عبر البحر المتوسط لتعود الى
دائرتها الشرق اوسطية ، واسقط كل
دعاوي الانغلاق او الانفراد
بأنتماء واحد ، واكد ان مراحل
التاريخ قد انصهرت في بوتقة جديدة
هي الامة التركية المرتبطة بجذور
مشتركة ، مع كل العناصر التاريخية
التي شكلت تركيا الحديثة رغم كل
الشوائب . وفاز بالاغلبية
البرلمانية ، وشكل حكومة تقبل
الخلاف في الرأي . وتحترم ارادة
الاغلبية ، وتصون حق الأقلية ،
وتؤمن بتداول السلطة ومحاسبة
الحاكم ، وتصون حقوق الأنسان
وحرياته ، تحترم الأديان ومعتقدات
الناس ، وتفتح الباب لكل
المبادرات الفردية في كل مجالات
الحياة . وصار رجب طيب اردوغان
الفارس الذي اختاره الشعب قائدا
لتحقيق طموحاته . وهو متفهم وعاقل
يريد الحفاظ على قوة تركيا في
المنطقة وعلى صعيد العا لم . يريد
ان يضع دستور جديد ينسجم مع
متطلبات تركيا وتطلعات شعبها
ويلغي منع الحجاب في الجامعات
والوزارات ومؤسسات الدولة ، وذلك
كون تركيا دولة اسلامية والحجاب
في الاسلام واجب ، و99% من الشعب
التركي يريد الغاء منع الحجاب .
لمعرفتي
المتواضعة حزب العدالة والتنمية
بزعامة السيد رجب طيب اردوغان
مطالب في السعي الى وحدة
الجمهوريات التركية الخمسة التي
استغلت عن الاتحاد السوفييتي
السابق مع تركيا الأم و اقامة
علاقات وحوارات مع البلدان
العربية والسعي الحثيث الى زعامة
الشرق في مواجهة الغرب .
الشعب التركي
ليس متزمتا ولكنه ملتزم ،
والاتراك يؤمنون ان الولاء للوطن
يدعم الدين ويسانده ، والحق فوق
القوة والامة فوق الجميع . والشعب
التركي لا يساوم على عقيدته
ومقدساته ، وفلسطين جزء من مقدسات
الشعب التركي . وكلنا شاهد موقف
الشعب التركي المسلم عندما رفض
تقديم تسهيلات برية لقوات الغزو
والاحتلال الاميركي للعراق ،
وهاهم يناصرون ويساندون اهلنا في
غزة هاشم ويطالبون الجيش التركي
في تحرير فلسطين .
رجب طيب
اردوغان يزأر في وجه الصهاينة
كغزاة ومحتلين ومعتدين ،
والصهاينة يعرفون جيدا من هي
تركيا
وبني يعرب ويشجب
( ممانع ومعتدل ) لا يريدون ان
يزعجوا سيدهم الميت
|