تباين التوقعات حول اتجاهات
السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي
الجديد باراك اوباما سبقت وصوله
البيت الأبيض، فاختلفت الآراء بين
متفائلين ومتحمسين إلى أمريكا
جديدة بعد أن أثقلتهم سياسيات
الإدارة السابقة المتهورة والتي
صعدت درجة كراهية الشعوب لأمريكا
إلى معدلات قياسية ، ولم تقدم إلا
حروب وكوارث عانت منها الأمة
العربية والإسلامية . والمتشائمين
مقتنعين بان الإدارة الجديدة
ستكون كغيرها من الإدارات التي
سبقتها، وإنها لن تكون قادرة على
انجاز ما أعلنته من سياسات .
المتفائلين من قدرة اوباما على
تغيير سياسة أمريكا الخارجية ،
يستندون في تفاؤلهم بالرئيس
الجديد على سجله في الكونجرس و
على معارضته الحرب على العراق
،وتصويته ضد قرار الغزو والتزامه
أثناء حملته الانتخابية بسحب جيش
الاحتلال الأمريكي من العراق خلال
16 شهر من استلامه الرئاسة .
أما المتشائمين، فتنطلق مواقفهم
من عدم الثقة في قدرة أي رئيس على
تغيير السياسة الخارجية الأمريكية
التي تحددها مؤسسات ومصالح اكبر
حجما وأكثر قوة من مؤسسة الرئاسة
ذاتها أولاً .ومن طبيعة وخلفية
الشخصيات التي اختارها الرئيس
الجديد لتدير السياسة الخارجية
ثانياً . فنائب الرئيس جوزف
بايدن كان عضواً في لجنة الشؤون
الخارجية في مجلس الشيوخ لأكثر من
عقدين من الزمن ، ومواقفه وأرائه
في سياسة أمريكا الخارجية معروفة
ومن الصعب عليه تغييرها بشكل
سريع. وقد سبق وان قدم حلا
للمشكلة بتقسيم العراق إلي ثلاث
دول. أما وزيرة خارجية الإدارة
الجديدة هيلاري كلينتون فان
مواقفها السياسية الخارجية
معروفة أيضا ولا تحمل أي جديد،
فلقد سبق لها وان أيدت سياسات بوش
الخارجية المتهورة ، وصوتت لصالح
قرارات شن الحرب على أفغانستان و
العراق وعلاقاتها بالمؤسسات
"الإسرائيلية" معروفه. ويقدم
المتشائمين قرار اوباما في
استمرارا وزير دفاع بوش روبرت
غيتس كوزيراً للدفاع في إدارته
كدليل على إن الإدارة الجديدة لن
تختلف عن ما سبقتها إلا شكليا.
كما يشير المتشائمين من قدرة
اوباما على تقديم حلا لصالح
الشعب الفلسطيني إلى اختيار
اوباما لرهام ايمانويل لإشغال
منصب كبير موظفي البيت الأبيض،
فهذا الشخص كان يحمل "لجنسية
الإسرائيلية" حتى سن الـ 18 ، وهو
ابن بنجامين ايمانويل العضو
السابق في منظمة ارغون
الصهيونية الإرهابية، وسبق له
وان سافر إلى "إسرائيل"، وعمل
كمتطوع مدني لإصلاح
الآليات خلال الحرب على العراق
عام 1991 ، وكان من الداعمين
لقرار بوش في حربه ضد العراق
أثناء وجودة في الكونغرس . منصب
كبير موظفي البيت الأبيض وان كان
منصب إداري غير متخصص في قرارات
السياسة الخارجية ، إلا انه منصب
مؤثر جدا على تحديد قرارات
الرئيس الأمريكي.
إلى جانب هؤلاء فان المتشككين في
قدرة اوباما على تغير سياسة
أمريكا الخارجية ، يطرحون وجود
زبغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس
الأسبق جيمي كارتر لشؤون الأمن
القومي ، كواحد من أهم مستشاري
الرئيس اوباما للسياسة الخارجية
،كأهم دليل على إن التغير في
سياسية أمريكا الخارجية سيكون
تغيرا شكليا وليس جوهريا،وان
المسالة لن تتعدى إعادة توزيع
خارطة الحروب والنزاعات وفقا
للتحديات الدولية الجديدة التي
تواجهها أمريكا وفقا لإستراتيجية
بريجنسكي وفلسفته السياسية .
لقد دفعت اتهامات الجهل بالشؤون
الخارجية الوجهة خلال الحملة
الانتخابية بالرئيس اوباما إلى
الإستعانه بعدد من خبراء السياسية
الخارجية المعروفين ومن بينهم
وأهمهم بربجسكي، والذي يطرح
منتقدي اوباما إلى تأثيره المباشر
على تحديد اتجاهات سياسية اوباما
الخارجية. ابرز الملمحين إلى دور
بريجنسكي هو الكاتب وبستر ترابلي
" Webster Tarpley " الذي اتهم
اوباما في كونه دمية في بيد
بريجنسكي في مقالة له بعنوان "
أصبح من المؤكد اوباما لعبة بيد
بريجنسكي " والتي نشرت في
21-3-2008 .
يقول الكاتب إذا أردنا معرفة
ملامح السياسة الخارجية لاوباما
فعلينا مراجعة ما قامت به إدارة
كارتر، فبربجسكي كان له تأثير
كبير تحديد سياسية إدارة كارتر
الخارجية ، فهو الذي أشار على
كارتر ضرورة دعم المجاهدين في
أفغانستان وباكستان
ماديا،وتسليحهم للقيام بعمليات
عسكرية ضد الحكومة
لعلمانية الموالية للاتحاد
السوفيتي، من اجل إيقاع السوفييت
في فخ الحرب الأفغانية .وهذا ما
اعترف به بربجنسكي في لقاء له مع
صحيفة (لو نوبل
ابزورفتور الفرنسية .
Le
Nouvel Observateur'
منتقدي بريجنسكي يطلقون عليه لقب
ابو الجماعات الإسلامية في
أفغانستان وينتقدون دوره في
تشكيل الجماعات الإسلامية في
أفغانستان التي تخرج منها
"الأفغان العرب" بقيادة أسامة بن
لادن، الذي تتهمه الإدارة
الأمريكية في تدبير حادثة 11
–9"".
هذا هو ماضي بريجسكي أما
حاضره كما يذكر الكاتب وبستر فليس
اقل خطورة وتأثيرا ، فبريجنسكي
البالغ من العمر81 يكن عداء مزمنا
لروسيا التي يرى فيها اليوم خطرا
على المصالح الأمريكية ويتهمها
بالسعي لاستعادة أمجاد الاتحاد
السوفيتي بقيادة بوتين الذي
يشبهه بريجسكي بهتلر.
يذكر الكاتب في مقاله إن
هدف إستراتيجية بريجنسكي الراهنة
ينصب على تصعيد المواجهة مع
منظمة "شانغهاى" للتعاون ،والتي
يشخصها كأهم مركز لمقاومة مشروع
الولايات المتحدة الأمريكية
والمملكة المتحدة للهيمنة على
العالم. كما ينتقد الكاتب
النشطاء المناهضون للحرب على عدم
إدراكهم الأهداف الحقيقة للإدارة
الجديدة وعلى تركيزهم على إيران
كهدف سياسي وعسكري محتمل، وعلى
تجاهلهم هدف الصين- روسيا .
ويتوقع بان سيناريو إستراتيجية
بريجسكي القادم سيتركز على تكثيف
الضربات على باكستان الدولة
الحليفة للصين. هذه تبقى تكهنات
خاصة بالكاتب المذكور واحتمال
وقوعها يعادل عدمه، لكن من المهم
أن نشير إلى إن بريجنسكي الذي لعب
دورا مهما في الوصول إلى توقيع
معاهدة سلام بين مصر والعدو
"الإسرائيلي" في "كامب ديفيد" ،
يسعى الآن إلى لعب الدور ذاته
للوصول إلي حل نهائي لما يطلق
عليها مشكلة الشرق الأوسط . ولقد
سبق له أن وجه رسالة مع عدد أخر
من الشخصيات الأمريكية إلى جورج
بوش ، اقترح المرسلين فيها
الاستفادة من تجربة "كامب
ديفيد". الرسالة تضمنت عددا من
المقترحات منها :
.التأكيد على إن الحل النهائي
للمشكلة يجب أن يتم على أساس
قراري مجلس الأمن 242 و 338 ,
ومقترحات كلينتون 2000 ، 2002
ومبادرة السلام العربية ، وخارطة
الطريق لعام 2003.
. يجب أن يبنى الحل على وجود
دولتين ،استنادا إلى خطوط 4 يونيو
1967 ، مع تعديلات طفيفة ،على
أساس المعاملة بالمثل، ومبادلة
الأرض على أساس 1:1 .
.أن تضم القدس عاصمتين مع الاتفاق
على ترتيبات خاصة للمدينة القديمة
، وإتاحة الفرصة لكل جانب من اجل
السيطرة على الأماكن المقدسة
الخاصة به دون عراقيل .
. حل مشكلة اللاجئين بشكل ينسجم
مع الحل القائم على دولتين ،مع
توفير تعويضات مالية مجدية
والمساعدة في إعادة التوطين .
. أن تعالج الآليات الأمنية
المخاوف "الإسرائيلية" ، مع
احترام السيادة الفلسطينية.
. أن تتم مفاوضات الوضع النهائي
تحت إشراف دولي ووفق جدول زمني
محدد لإنجازها.
كما اقترحت الرسالة على جورج بوش
أيضا ضرورة العمل على تعزيز ثقة
الأطراف في عملية السلام وتشجيع
التعاون العربي "الإسرائيلي" ،ولا
سيما تشجيع إطلاق المفاوضات
السورية "الإسرائيلية "تحت رعاية
دولية. و أوصت في ضرورة التعامل
مع حركة حماس وان إجراء حوار
حقيقي مع المنظمة هو أفضل بكثير
من عزلتها ومثل هذا الحوار يمكن
أن يتم ،على سبيل المثال ، عبر
منظمة الأمم المتحدة أو عبر
مبعوثين من اللجنة الرباعية في
الشرق الأوسط. وأشارت الرسالة إلى
إن عزل سوريا وحماس سيؤدي إلى
تأزم الوضع وتصعيد العنف على حد
تعبيرهم.
يبقى أن نقول بان طرح مثل هذه
الآراء لا يعني الإيمان في صوابها
أو حتمية تحققها ، فبريجسكي يبقى
احد مستشاري الرئيس الأمريكي
الجديد للشؤون الخارجية،وليس صاحب
القرار الأساس، وان الأيام
القادمة ستكشف صحة التوقعات بشان
اوباما أو خطئها ،كما ستكشف
مصداقية تعهدات الرئيس الأمريكي
الجديد براك اوباما والتزامه في
سحب قواته المحتلة من العراق و
تغيير علاقات أمريكا مع العام
وخاصة مع العالم العربي والإسلامي
..الأسابيع القادمة ستحسم الجدال
بين المتفائلين والمتشككين ,
وبين التفاؤل والتشاؤم تتأرجح
مصائر الشعوب ومن بينها أبناء شعب
العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها
من الشعوب التي تعبت من التجارب
العسكرية الأمريكية وحروبهم
التوسعية.
|