سبعة استنتاجات يمكن استخلاصها
بسهولة من "انتخابات مجالس
المحافظات" في العراق
1 ـ إيران خرجت مهزومة كليا.
صحيح أن حزب نوري المالكي
("الدعوة الإسلامية") ليس أقل
ارتباطا بالمشروع الصفوي
الإيراني، إلا انه لم يحتل
المرتبة الأولى في مراهنات آيات
طهران. الرهان قام، جملة وتفصيلا،
على "المجلس الأعلى للثورة
الإسلامية" بقيادة عبدالعزيز
الحكيم. هذا هو حزب إيران الأول
في العراق. وهو في الوقت نفسه حزب
المرجعية الصفوية في النجف التي
يمثلها آية الله علي السيستاني.
بهزيمة هذا الحزب أوصل العراقيون
رسالة شديدة البلاغة لعمائم طهران
تقول: قد تستطيعون الحكم لبعض
الوقت بالقتل والفساد والإرهاب،
إلا أن هذا لن يدوم.
رسالة مماثلة وصلت الى آية الله
المخدوعي في النجف تقول له: إذا
قيل لك انك تحظى باحترام كبير بين
أوساط الشيعة العرب، فلا تُصدّق.
وإذا قيل لك أن تواطؤك مع
الإحتلالين الاميركي والإيراني لا
يشكل مصدرا للعار في نظر عامة
الناس، فلا تُصدّق أيضا.
2 ـ إن الديمقراطية سلاح ذو حدين.
العراقيون لا يجهلون بطبيعة الحال
أن حزب المالكي هو حزب عمالة
مزدوجة. وهم يعرفون انه الحزب
الأضعف والأصغر في الخلطة
الطائفية الحاكمة. ولكنهم عندما
يمنحونه تقدما على "المجلس
الأعلى" فإنهم يضربون عدة عصافير
بحجر. منها أنهم يزرعون الشقاق في
صفوف الطائفيين. ومنها أنهم
يغيرون "الجوارب" بواحدة اقل
رائحة. ومنها أنهم يستكفون شر
الطائفيين باقناعهم بان
"الديمقراطية" مفيدة وأنها يمكن
أن تمنحهم الفرص.
أما الدلالة الحقيقية لهذه الفرص،
فقد كشفتها انتخابات كربلاء (معقل
العمائم والجوارب) بفوز القائمة
المستقلة التي يقودها يوسف
الحبوبي في مواجهة 1196 مرشحا
يمثلون 77 كيانا سياسيا، ثلاثة
أرباعها كيانات على صلة وثيقة
بأحزاب الإئتلاف الطائفي الحاكم.
عندما "تشتغل" الديمقراطية، فان
العراقيين، في كربلاء بالذات،
يعرفون لمن يمنحون أصواتهم.
وماذا سيفعل المهزومون؟ ببساطة
سيضعون الديمقراطية جانبا
ويقتلونه، وقد يعلقون جثته على
باب المحافظة، لأنه "امتداد
للنظام السابق"؛ امتداد لنزاهة
اليد والشرف والوطنية والخدمة
المخلصة.
ولا حاجة للقلق بشأن من سيتم
إلصاق الجريمة به. سيقولون:
"القاعدة". بل وقد يطبعون البيان
ويوزعونه بأنفسهم (مثلما فعلوا في
تفجيرات الموصل، وتهجير
المسيحيين).
ولكن الاتهامات والتهديدات التي
تُطلق ضد الحبوبي وأمثاله تقول
شيئا واحدا في عراق اليوم: فبعد 6
سنوات من الفساد، صار الشرفاء هم
المشكلة.
وهم، بالفعل، مشكلة.
3 ـ أن الفساد لا يعمر دولة ولا
يُبقي نظاما.
السنوات الست الماضية قد تكون
أتاحت لمليشيات النظام الطائفي
فرصة لتقديم البرهان عن نفسها.
فماذا فعلت؟
قدمته بالفعل.
أثبتت أنها عصابات نهب، وجريمة
وانتهاكات. وأثبتت أنها لا تملك
أي معرفة في الإدارة، ولا في
تدبير أدنى احتياجات الناس. وكل
ما كانت تفعله من أعمال تزوير
وخداع و"تقية" كان مكشوفا، ليدل
على مستوى مبتذل لأناس شرهين
"مفجوعين" لا يتورعون عن القيام
بأي عمل قذر من اجل النفوذ
والمال.
وكل ذلك، في مقابل لا شيء. لا
خدمات ولا رعاية ولا أعمال بناء،
بل تخريب فقط.
ولكن هل سيعون الدرس؟
بالطبع، لا.
اللصوص، حتى ولو امتلكوا مال
قارون، يظلون لصوصا. والذين سلكوا
طريق النهب يعرفون لذّاته، ولن
تروقهم أي طريق غيرها. والذين
استمرءوا التزوير والفساد والخداع
وسفك الدماء لن تستميلهم وسائل
أخرى.
4 ـ إن ديمقراطية الجهل والتجهيل
لا تنطلي على أحد.
البحث عن أصوات على أساس شراء
الذمم وشراء التعهدات بـ
"ديمقراطية، والعباس أبو راس
الحار"، (حيث كان الناخبون
يُستحلفون بالعباس بن علي بن ابي
طالب من اجل التصويت لهذا المرشح
أو ذاك)، لا ينفع مع العراقيين.
والحكم على أساس خزعبلات لا يوصل
الى أي مكان.
وهذا يعني أن "روزخونيات" النجف
وكربلاء (كهوف الظلام) يجب أن
تعيد النظر بكل الترهات الطائفية
التي اعتمدت عليها حتى الآن. كما
يجب أن تتبنى أخلاقيات جديدة،
بدلا من شغل النفاق والدجل. فطبخ
"الحِلاوة بقدر مزورف" (مثقوب) لا
ينطلي على شعب "مفتّح باللبن".
ولكن، هل تستطيع تلك
"الروزخونيات" ان تغير شيئا؟
بالطبع، لا.
فمن أين لها أن تأتي بلغة أخرى
وثقافة أخرى وسياسة أخرى، وهي على
هذا الحال منذ أيام اسماعيل
الصفوي (شاه إيران بين عامي 1501-
1524).
الكثير من الناخبين أناس بسطاء من
دون أدنى شك. ولكنهم ليسوا
بالضرورة بسطاء عندما يرون بأم
أعينهم ماذا ورثوا من حكم ست
سنوات.
5 ـ إن حكم الفساد لن يثمر إلا
ديمقراطية فاسدة.
فالنظام الذي قام على أسس
المحاصصة الطائفية، كان من
الطبيعي أن يتحاصص ليس على نهب
أموال الدولة ومناصبها، ولكنه
"يتحاصص" في التزوير أيضا.
ما من انتخابات غرقت باتهامات
التزوير مثلما تغرق كل جولة من
جولات الانتخاب في العراق.
لماذا؟ لأنها الأولى والوحيدة في
التاريخ التي تجري في دولة بلا
قانون.
لم يلاحظ "رئيس الوزراء" انه يقول
نكتة عندما يرفع شعار "ائتلاف
دولة القانون" في هذه الانتخابات.
لم ينتبه الى أن "جنابه" يحكم منذ
عدة سنوات، وكان يفترض أن يكون
القانون هو الذي جاء به. لم ينتبه
أيضا الى أن القانون بعد كل هذه
السنوات كان يفترض أن يكون واقعا
لا مجرد أمنية.
ولكن بما أن كل شيء يحصل في
"جمهورية خان شغان"، فلماذا لا
تكون هناك انتخابات قبل وجود دولة
القانون؟ وما هو العجيب إذا تصايح
حتى أطراف السلطة أنفسهم بالشكوى
من التزوير؟ ألم يكونوا هم الذين
"طبخوها" من قبل؟ ألم يكونوا هم
الذين أنشأوا نظاما وحكومة
وبرلمانا ودستورا قائما على لعب
"الثلاث ورقات"؟ وبموجب هذه
اللعبة، تنتخبهم يفوزون، لا
تنتخبهم يفوزون، بل وحتى عندما
تنتخب غيرهم يفوزون أيضا.
من دون دولة قانون، وحيث الفوضى
والفساد والجريمة هي "القانون"
الوحيد السائد، فماذا يمكن
لصناديق الاقتراع أن تكون؟
مجرد صناديق ورق لا معنى فيها
ولا تفضي الى تغيير ولا تمثل أدنى
وجه من وجوه التعبير عن الإرادة
الشعبية.
6 ـ لا تغيير حقيقي ممكن إلا
بإسقاط النظام.
الديمقراطية يمكن أن تكون دليلا
على مدى قوة النظام، عندما تكون
قائمة على معايير سياسية ودستورية
تحظى بالإجماع الوطني. ولكنها
تكون دليلا على ضعفه وهشاشته وقلة
حيلته عندما تكون قائمة على
التنازع والفوضى.
الأميركيون لم يقرروا الهرب لأنهم
نجحوا في إقامة نظام قوي وراسخ،
بل لأنهم أقاموا نظاما على أسس
باطلة، واكتشفوا فشله. فهم جلبوا
لقيادته أذنابا صغارا لكي
يستمطوهم، ولكنهم سرعان ما
اكتشفوا انه استمطاء مُكلف ولن
يُفضي الى نتيجة.
نظام كهذا لا بد أن يتداعى.
مكتوبٌ على جبينه انه نظامٌ فاشل
وعاطل وباطل.
الطائفيون قد يستمطون الديمقراطية
بحثا عن "شرعية"، إلا أنهم لا
يتخلون عن السلطة بالديمقراطية.
ما بدء بالقتل لا يدوم إلا
بالقتل، ولا ينتهي إلا بالقتل
أيضا.
ما قام على أساس القهر والتهجير
وسفك الدماء، بالمقاومة المسلحة
يزول. لا يوجد خيار آخر. هم ليس
لديهم خيار آخر أيضا.
يخدع نفسه مَنْ يظن غير ذلك.
ولكن الاستنتاج السابع، ربما كان
هو الأهم: إذا كانت الولايات
المتحدة فشلت في حكم العراق
بالدبابات، فان إيران لن تستطيع
حكم العراق لا بالعمامة ولا
بصناديق القمامة.
|