ترتبك القصائد، يرتبك الضوء ،
تنحني قامة النخيل ، تتلّبك
القلوب ويرتعش دجلة والفرات من
الزهو ، كلما مر ( طاري بغداد )
على شفة الزمان وهو يرتل لفجر
مضيء غزلته شمس الرافدين على وجه
الماء ، ثم تمضي ملفعة بغيوم
الدهشة واناشيد القرى ، ترتحل على
وقع صلاوات العشق وتهجدات ابن
عربي وطواسين الحلاج على دكة في
كرخ الضحى ورصافة المساء ، بغداد
قمر الشهداء البعيد المنقوش في
ذاكرة قوس النصر وجنائن بابل
والواح اشور في ربى تل قوينجق ،
اراهم الان صبية بحناجرها تصدح
بفرح الاتين على صهوة الريح يتلون
نشيد الصباح ( وطن مد على الافق
جناحا ... ) بمدارس شيدها
الاشوريون من طين العصور ، بغداد
رقى الدراويش وفاتحة الرايا على
شرفات الصحو ،مليكة ترسم زرقة
البحر وتغزل الفة الشجر في ذاكرة
الخريف ، هنا مضارب اهلي وهذه نار
قراهم تحضن الصحراء انيخوا...
انيخواركائبكم ...يامرحبا ....شمس
الفرات تدق عنق الريح بأخمص
البنادق ، حداء قوافلها يصدح في
البرايا ... واغاني الحصاد ،
اينكم ايها القادمون من خلف
الصباحات البعيدة هنا العراق ليس
سوى العراق عراق ، ليست بغداد
وطنا للغرباء ، يامن تحمل في
الخوافق افئدة من رماد المنافي ،
وذكريات مكبلة بالشجن والانكسار
تعالوا هذه بغدادكم تضيء لكم لكم
دروب الضنى وتزيح ثقل المسافات
وصدى السنين وتفرك عيون صباحاتكم
التي ملأتها الدموع والاسى بضوء
نهاراتها ، تعالوا تحضنكم بغداد
بذراعيها وترش عليكم ؛ زهر
الحدائق ورائحة الورد وواهلية
الامهات فبغداد التي بناها
المنصور واعزها العزيز وحماها من
غدر اللئام وظلم الظلاميين من
قرامطة وفرس وبويهيين وامريكيين
اوباش ، مازالت تستيقظ في الصباح
وتجلس على ضفة دجلة تشرب قهوتها
على انغام الرصاص العراقي الموجه
الى صدور المحتلين واعداء العراق
من زناة مأجورين واقزام ظلاميين
وانجاس مابونين وحثالات بشر
مافونين ، هؤلاء من داس على ورد
الصباح وقتل قمر بغداد البهي في
وضح النهار ، وسرق احلام الاطفال
، ومزق ستائر الوطن بسكاكين
الطائفية ... هؤلاء من قتل اهلي
واحبابي في البصرة وذي قار وديالى
ونينوى وبغداد وكل مدن العراق
وقراه ، اووه يابغداد لقد نسيت
انك لم تبال لهم..
هؤلاء الكلاب وانصاف الرجال
ونسيت انك مازلت مثل مهرة تشق
مفازات لم تطأها غير اقدامك حاملة
ودائع النعمان في حدقات عيونك
وتمائم الرشيد والمأمون في جوانحك
وتسابيح ابي حنيفة في خافقيك
وادعية الكاظم في عينيك تحفك
صلوات الكيلاني من الجهات الاربع
فلا تبالي فمن فلك الازرار ستطلع
شمس العراقيين وويجئ قمر الكرخ
على صهوة ذلك الحصان العربي ليطوف
على نصب الشهيد منطلقا من قوس
النصر الى رصافة الاعظمية ، وتعود
الطيور الى اعشاشهاو النجوم الى
سمائها والارواح الى اجسادها ،
والمواقيت الى زمانها ، والشمس
الى مطالعها ، والقمر الى كبد
السماء وتعودين يابغداد عروسة
الدنيا وحاضرة الزمان كله ، وتصير
بك قامات العراقيين اكثر طولا
وابهى طلعة وتزهو سنابل محبة عشق
ازلي وتموت تحت اقدامك احلام
الغزاة والزناة والمأجورين ..
واقزام الرجال الجوف ، مبارك لك
طلتك الابدية على مستقبل بهي
وتاريخ صنعه رجالك الافذاذ
الاصلاء ، ومجدا لايستحقه غيرك يا
عاصمة الشهداء وشهيدة العواصم |